سوريا – العراق: “ساحة مصير” واحـد؟
قبل أيام، نشر صحافي لبناني مقرَّب من حزب الله تحليلاً حث فيه النظام السوري على الصمود لفترة قصيرة من الوقت، لأن "الترياق" سيأتيه سريعاً وقريباً من العراق ليخرجه من مأزقه.
لكن أي “ترياق”؟ إنه – بحسب رأي الصحفي – تحرر العراق من الضغوط الأمريكية على إثر الإنسحاب العسكري الأمريكي منه، ما سيمكِّنه من التحرُّك جنباً إلى جنب مع إيران لدعم النظام السوري المحاصر والمهدد بالسقوط.
هل هذا التحليل في محله؟
فلنقل، بداية، أن النظام العراقي الحالي الذي تُسيطر قوى طائفية شيعية، يشعر بالفعل بقلق عميق من التطورات التي تتكشف تباعاً في سورية. إذ هو يخشى أنه ما سقط النظام السوري بحلّته الطائفية الراهنة (القائمة على تحالف العلويين مع تجّار المدن السنّة) أن يحل مكانه نظام طائفي آخر، سنّي هذه المرة، يقوم بدعم الأقلية السنّية في العراق، أو حتى نظام علماني- إسلامي مختلط يُضعف شوكة العلويين المتحالفين مع إيران في السلطة.
ويبدو أن هذا القلق بالتحديد، هو الذي حدا برئيس الحكومة العراقية نوري المالكي إلى القيام قبل أيام بما يشبه “انقلاب استباقي” على شركائه السنّة في الحكومة الإئتلافية التي شكّلت بشق النفس قبل نحو السنة، والتي أرست نوعاً من التوازن بين مكونات العراق الثلاثة السنّة والشيعة والأكراد.
إذ ربما هو اعتبر أن الفرصة باتت مؤاتية بعد الخروج العسكري الأمريكي من البلاد للتحلل من قيود هذه التوازن الدقيق الذي تجسّد في حكومته الحالية، فاندفع (مدعوماً على ما يبدو من إيران التي لديها حسابات مماثلة حيال وضع سوريا)، إلى محاولة القضاء على أهم رمزين سياسيين للسنّة، نائب الرئيس الهاشمي ونائب رئيس الوزراء المطلك، وعلى تجريد حملة أمنية واسعة شملت اعتقال مئات السنّة الموالين لهما.
هذا الإنقلاب لايزال في بداياته الأولى الآن. ومن غير المعروف ما إذا كان سينجح أم لا، خاصة وأن الأطراف الشيعية الأخرى وفي مقدمها مقتدى الصدر، تخشى أن تكون هي الوجبة الثانية على لائحة طعام “النزعة الصدامية” للمالكي.
ويتساءل المحللون: هل يعتقد المالكي (ومعه إيران) حقاً أنهما قادرين على “تعزيز” سلطة النظام الحالي، عبر شطب السنّة السياسية من المعادلة وإقامة سلطة شيعية صرف مع واجهة سنِّية شكلية وغير تمثيلية، كما حدث مثلاً في لبنان حين هيمن حزب الله الشيعي على الحكومة؟
كل الإحتمالات واردة
الشأن العراقي في الواقع أكثر تعقيداً بكثير من الشأن اللبناني. فالمعركة في بلاد الرافدين لن تكون قصراً على المالكي ومقتدى الصدر وآل الحكيم ومعهم إيران.
وفي الميزان قوى إقليمية ودولية أخرى وازنة وكبرى: السعودية وتركيا والجامعة العربية والولايات المتحدة وأوروبا. وكل هؤلاء لن يتركوا ببساطة الساحة العراقية ليسرح ويمرح فيها الإيرانيون كما يشتهون. فدعم هذه القوى للسنّة العراقيين، في حال قرروا التمرد، سيكون مطلقاً، الأمر الذي سيحوِّل العراق إلى ساحة ملاكمة عنيفة إقليمية ودولية وإقليمية مفتوحة على كل الإحتمالات.
كل الاحتمالات؟ أجل. بما في ذلك تفاقم اندفاع المحافظات السنِّية الثلاث ديالى وصلاح الدين والأنبار إلى المطالبة بالحكم الذاتي على النمط الكردستاني الواسع، أو حتى (في حال تجددت الحرب الأهلية التي نشبت عامي 2006-2007) إلى المطالبة بدولة منفصلة، إلى جانب دولتي كردستان وشيعستان. وبما أن هذه المحافظات متصلة جغرافياً في شكل مباشر بالعمق السوري، فإن احتمال توحُّد الجبهة السنيّة في العراق وسورية سيكون أقوى من أي وقت مضى.
وعلى أي حال، كل المعلومات تؤكد أن تهريب الأسلحة والمقاتلين من العراق السنّي إلى سورية السنّية بات كثيفاً في الآونة الأخيرة. وهذا يعني، من ضمن ما يعني، أن العراق وسورية قد يتحولان إلى ساحة صراع واحدة تُغذي أحدهما الأخرى، ماقد يسفر في نهاية المطاف عن تحقق “نبوءة” المحلل في البنتاغون جوناثان بيترز الذي رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط (نشرتها مجلة القوات المسلحة الأمريكية) تتضمن تقسيم العراق إلى ثلاث دول سنّية وشيعية وكردية، على أن ينشأ تحالف فيدرالي أو كونفيدرالي بين الدولة السنّية وبين الدولة أو الدولتين السنيتين اللتين قد تقاما في سورية جنباً إلى جنب مع الدولتين العلوية والدرزية.
في السياق نفسه، كتب جيم موير (البي.بي.سي): “ما لم تنجح الجهود الراهنة لحل الأزمة التي أطلقها المالكي، فإن البديل قد يكون تقسيم البلاد كأمر واقع وكجزء من البلقنة الإقليمية الأوسع للمنطقة وفق خطوط طائفية”. وكتب صالح المطلك:” أخشى أن يؤدي الفراغ الذي يسببه غياب الإتفاق السياسي في العراق إلى تقسيم البلاد؛ وهو تقسيم ستسبقه حروب وستليه حروب حول الحدود والموارد الطبيعية”.
محصلات خطرة؟
بالتأكيد. وهي قد تجر إلى أتونها التقسيمي ليس فقط لبنان وربما الأردن بل حتى مصر، على رغم أن هذه الأخيرة كانت دولة متوحِّدة منذ أكثر من 7 آلاف سنة.
وهذا ما أسقطه الكاتب اللبناني آنف الذكر القريب من حزب الله، حين رأى فقط نصف الكوب المليء بالنفوذ الإيراني في العراق بعد الانسحاب الأمريكي منه، ونسي أن الدول الإقليمية والدولية الأخرى لن تترك طهران بأي حال لتتفرد بملء نصف الكوب الثاني.
حسناً. إلى أين من هنا؟ إلى أحد سيناريوهين:
الأول، أن تتحقق نبوءة جوناثان بيترز، فتولد خريطته العتيدة القائمة على “بلقنة” المنطقة العربية على أسس طائفية وإثنية. والثاني، أن تؤدي الصراعات المتفجرة الآن في سورية، والتي قد تتفجر قريباً في العراق، إلى بروز ميزان قوى متعادل أو شبه متعادل بين إيران وبين العرب والغرب. وحينها قد يولد حل ما على النمط اليمني في سورية، وحل “لبناني” آخر في العراق، يتم فيه تقاسم النفوذ بين هذين المعسكرين.
أي السيناريوهين الأقرب إلى التحقق؟ الأول، من أسف، إذا ما استمر فلتان الجنون الطائفي الراهن في الشرق الأوسط الإسلامي.
بيروت (رويترز) – أنحى الرئيس السوري بشار الأسد باللائمة يوم الثلاثاء 10 يناير 2012 على “التآمر الخارجي” في الإنتفاضة الشعبية المستمرة منذ عشرة شهور والتي سقط فيها آلاف القتلى وقال إنه سيضرب “الارهابيين القتلة بيد من حديد”.
وقال الاسد في أول كلمة للشعب منذ يونيو 2011 إنه رحب بفكرة توسيع الحكومة “لتضم كل القوى السياسية” وأشار الى احتمال اجراء استفتاء في مارس القادم على دستور جديد للبلاد. وألقى الاسد كلمته في جامعة دمشق وأذاعها التلفزيون السوري.
وتعامل الاسد مع الانتفاضة منذ أن بدأت بمزيج من القمع ووعود الاصلاح والحوار. وتقول قوى المعارضة ان اراقة الدماء تكشف الوجه الحقيقي لزعيم تحكم أسرته سوريا منذ أكثر من أربعة عقود.
وتقول الامم المتحدة ان أكثر من خمسة الاف شخص قتلوا على أيدي قوات الامن التي تحاول قمع المظاهرات المناهضة للاسد التي اندلعت في مارس الماضي مستلهمة موجة من الانتفاضات في أرجاء الشرق الاوسط. وتقول السلطات السورية ان “ارهابيين” مسلحين مدعومين من الخارج قتلوا ألفين من أفراد قوات الامن.
ورغم عدد القتلى الكبير نفى الاسد وجود أي سياسة تستهدف قتل المتظاهرين. وقال في كلمته “لا يوجد أى أمر بأى مستوى من مستويات الدولة باطلاق النار على أى مواطن” ولكنه شدد على أن “الاولوية القصوى الآن والتي لا تدانيها اية اولوية هي لاستعادة الامن”. وقال “وهذا لا يتحقق الا بضرب الارهابيين القتلة بيد من حديد”. وأضاف “لا مهادنة مع الارهاب ولا تهاون مع من يستخدم السلاح الآثم لاثارة البلبلة والانقسام ولا تساهل مع من يروع الامنين ولا تسوية مع من يتواطأ مع الاجنبي ضد وطنه وشعبه”.
وأثار الصراع في سوريا -الحليف العربي الوحيد لايران- انزعاج جيرانها الاردن ولبنان وتركيا واسرائيل والعراق. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يوم الاثنين 9 يناير “الوضع في سوريا في طريقه نحو حرب دينية وطائفية وعنصرية وهذا ينبغي منعه”. واردوغان كان صديقا للاسد لكنه أصبح من أشد منتقديه.
وعلقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في نوفمبر الماضي وأعلنت عقوبات وأرسلت مراقبين لتحديد ما اذا كانت دمشق ملتزمة بخطة سلام تدعو الى سحب القوات من المدن واطلاق سراح السجناء واجراء حوار سياسي.
وقالت شخصيات من المعارضة السورية يوم الاثنين 9 يناير إن بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية والتي بدأت عملها في 26 ديسمبر الماضي لم تتمكن من منع اراقة الدماء بل كانت تتيح للاسد متسعا من الوقت لسحق معارضيه. وقالت الجامعة العربية بعد اجتماع في القاهرة يوم الاحد 8 يناير لمراجعة التقدم في عمل البعثة ان الحكومة السورية لم تف الا بجانب من تعهداتها لكن الجامعة قررت استمرار عمل المراقبين في الوقت الحالي. وقال مسؤول إن حجم البعثة سيرتفع الى 200 مراقب هذا الاسبوع من 165 مراقبا. وقال الاسد في كلمته انه لن “يغلق الباب” في وجه أي حل عربي يحترم سيادة سوريا”.
ودعت شخصيات سورية معارضة الى تحرك من قبل مجلس الامن التابع للامم المتحدة لوقف هجوم الاسد على المحتجين. وقالت ريما فليحان عضو المجلس الوطني السوري وهي جماعة معارضة بارزة في المنفى ان المعارضة تريد ان تعرف ما ستفعله الجامعة اذا واصل النظام السوري قمعه في ظل وجود المراقبين. وقالت ان الأمر سيتطلب عند مرحلة ما إلى إحالة سوريا الى مجلس الامن.
والجامعة العربية منقسمة على ما يبدو بشأن اتخاذ مثل هذه الخطوة التي أدت في حالة ليبيا الى تدخل عسكري خارجي ساعد قوات المعارضة على الاطاحة بمعمر القذافي. وتعارض روسيا والصين اي تدخل لمجلس الامن في سوريا في حين لم تبد القوى الغربية المعادية للاسد حتى الآن رغبة في تدخل على النمط الليبي في بلد يقع في منطقة من الشرق الاوسط قابلة للإشتعال بصورة كبيرة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 يناير 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.