سوريا “في منتصف طريق” صعب بين غلاة الحل الأمني ومؤيدي التسوية السياسية
هل عبرت الأزمة السورية نهر "الروبيكون" ووصلت إلى ضفة اللاعودة؟ العديد من السياسيين والمحللين العرب والغربيين لايعتقدون ذلك.. حتى الآن.
السبب؟ استمرار الرهان على تغييرات من داخل النظام، تُوقف انحدار القطار السوري نحو الهاوية وتُعيد وضعه على سكة السلامة. ويبدو أن هذا الرهان يستند إلى معطيات مقنعة.
فقد قال لـ swissinfo.ch مفكِّر سياسي خليجي بارز يقيم علاقات وثيقة مع القيادات السياسية والأمنية السورية، إن معظم المسؤولين السوريين الذين التقاهم في دمشق الأسبوع الماضي يعارضون الحل الأمني- الإستخباري، ويقولون إن هذا الخيار وصل بعد تسعة أشهر من الإنتفاضة إلى طريق مسدود. لابل هو أصبح المشكلة بدل أن يكون الحل.
ويكشف هذا المفكر النقاب عن أن الرئيس بشار الأسد نفسه لا يتخذ هو الآخر موقفاً جازماً إلى جانب الحل الأمني الذي يقوده أساساً الآن شقيقه ماهر وصهره آصف شوكت، لكنه يجد نفسه “في منتصف طريق” صعب ودقيق بين غلاة الحل الأمني وبين عقلانيي التسوية السياسية.
هذه المعطيات هي التي تدفع الأميركيين والأوروبيين وبعض العرب إلى الرهان على “حلّ من داخل القصر”. وهذا ربما يفسِّر أسباب عودة السفيرين الأميركي والفرنسي إلى دمشق، على رغم أن واشنطن وباريس هما اللتان تتزعمان الآن الحملة الدولية الشاملة الداعية إلى تنحي الأسد.
وسبق للمحلل البريطاني ماثيوس برودسكي (راجع صحيفة “الغارديان” البريطانية ليوم 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2011) أن أشار إلى أنه “في وسع الولايات المتحدة أن تضغط على الجنرالات العلويين كي يتوقفوا عن دعم النظام، على أن تقدّم لهم وعوداً وحوافز حول مرحلة ما بعد الأسد. كما أن تركيا والأردن وفرنسا قد تكون مُفيدة أيضاً في هذا المجال مع الجنرالات”.
هل هذا التفسير يسحب نفسه أيضاً على مواقف جامعة الدول العربية؟
الأرجح أن الأمر على هذا النحو. إذ أن موافقة بعض الدول (على رأسها السعودية) على مواصلة تمديد المُهل للنظام السوري، تتضمن مثل هذا الرهان على التغيير الداخلي، بقدر ما تستهدف أيضاً منح الجزائر والعراق، اللتان تحاولان إنقاذ النظام، فرصة تجريب حظهما مع هذا الأخير لاقناعه بتغيير نهجه، قبل أن يَصْدُرَ موقف جماعيّ من الجامعة ينقل ملف الأزمة إلى مجلس الأمن الدولي.
مابعد الرهان
لكن، ماذا إذا ما سقط هذا الرهان بالضربة القاضية؟ ماذا لو امتنعت القوى السورية الرافضة للحل الأمني عن ترجمة هذا الاعتراض بانقلاب قصر داخلي؟
هنا ثمة سيناريو برأسين متلازمين: الأول، انحدار سوريا نحو حرب أهلية حقيقية، تقف فيها الأكثرية الطائفية السنيَّة في مواجهة الأقلية الطائفية العلوية ومن تبقى معها من حلفاء في الأقليات الأخرى. والثاني، انغماس كل أو معظم الدول الإقليمية والدولية في لجج هذه الحرب، تماماً كما حدث خلال الحرب الأهلية في لبنان (أو كما يحلو للبنانيين تسميتها بـ”حروب الآخرين على أرض لبنان”) في الفترة ما بين 1975 و1989.
الحرب الأهلية باتت بالفعل احتمالاً قوياً، بانت ملامحه وخيوطه الأولى في مدينة حمص التي شهدت خطفاً وذبحاً على الهوية. وهذا على رغم كل التحليلات السابقة التي كانت تعتقد أن خلو تاريخ سوريا من الحروب الأهلية الطائفية (ماخلا فترة وجيزة في منتصف القرن التاسع عشر حين امتدت الحرب الطائفية المسيحية- الإسلامية في لبنان إلى دمشق)، سينقذها من هذا المصير.
مبررات تراجع صوابية هذا التحليل التاريخي تعود إلى بدء تصلُّب شرايين الإستقطاب السياسي- الإيديولوجي في البلاد، بفعل تقاطع العوامل الداخلية والخارجية.
فأقطاب النظام الحاليون، الذين يديرون الحرب حاليا، نجحوا حتى الآن في ربط مصيرهم بمصير طائفتهم، عبر تصوير ما يجري بأنه حرب وجود أو صراع بقاء. وفي المقابل، بدأت الأمور تخرج عن نطاق سيطرة المعارضة المدنية التي بدأت كحركة وطنية شاملة، أو على الأقل كحركة لاطائفية، لكنها تقع بالتدريج الآن في حضن قوى طائفية متطرفة تعتبر هي الأخرى الحرب حرب وجود.
بالطبع، لو أن مثل هذا الاستقطاب حدث في ظروف إقليمية ودولية مغايرة، لصبّت الحصيلة في صالح النظام بفعل موازين القوى. وهذا، على أي حال، ماحدث في المجابهات التي اندلعت بين 1979 و1982 بين النظام وبين جماعة الإخوان المسلمين، والتي انتهت بهزيمة هذه الأخيرة وتدمير مدينة حماة، بفعل صمت المجتمع الدولي آنذاك.
بيد أن الأمر ليس على هذا النحو الآن.
فبطن سوريا مفتوح هذه الأيام على صراعات إقليمية ودولية طاحنة تتراقص بقوة على شفير حرب إقليمية واسعة (تشمل إسرائيل ولبنان وسوريا وإيران):
فإيران (ومعها حزب الله اللبناني) يعتبران أن معركة سوريا هي معركة حياة أو موت بالنسبة إليهما؛.
وتركيا تخشى امتداد الحريق الطائفي والإثني إليها (فيها 15 مليون علوي و10 مليون كردي)، ماقد يدفعها في نهاية المطاف إلى التدخل بالقوة إذا ما لزم الأمر حفاظاً على أمنها القومي. هذا إضافة إلى أن أنقرة تعتبر معركة سوريا حاسمة حيال الصراع على مستقبل الربيع العربي ومعه مستقبل الشرق الأوسط بين الإسلامات الإيرانية والتركية والسعودية.
والمملكة السعودية، التي تقاوم بكل أسلحتها الربيع العربي، ترى أن الفرصة سانحة لتصفية الحساب مع إيران في المشرق العربي انطلاقاً من سوريا.
ومصر، وعلى رغم غرقها في المرحلة الإنتقالية الصعبة، لاتستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي فيما مصير المنطقة يتحدد الآن عبر بوابة الشام.
والعراق، وعلى رغم غرقه هو أيضاً في كوابيس الفراغ الأمني الذي ستتركه القوات الأميركية المنسحبة، سيكون مدفوعاً إلى الانخراط في الأزمة السورية وإن بطريقة شبه متوازنة، خوفاً من تجدد الانفجار السنّي- الشيعي فيه.
وعلى الصعيد الدولي، تبدو الصورة مشابهة. فالولايات المتحدة (كما نُقِلَ عن قائد الأسطول الخامس الأميركي في البحرين) تعتبر أن ثمة في سوريا فرصة ذهبية لايجب أن تدعها أمريكا تفلت لضرب النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، ولمنع طهران من محاولة ملء الفراغ في العراق. وفي المقابل، ترى روسيا في نجاح أمريكا في سوريا سيسدد ضربة قاسية لنفوذها ليس فقط في الشرق الأوسط بل أيضاً في قارة أوراسيا.
هذه المعطيات الجيو- سياسية، وفي الواقع الجيو- استراتيجية، تجعل الصراع الداخلي في سوريا صراعاً في الوقت نفسه على سوريا، ممهداً بذلك الطريق أمام صراعات داخلية محتملة ومديدة في بلاد الأمويين، مالم تطرأ تطورات داخلية مفاجئة.
تشاوشسكو ويوغوسلافيا
حسناً. إلى أين من هنا؟ إلى التراقص على حافة نقطة اللاعودة التي أشرنا إليها في البداية.
لكن هذه المرة، هذه النقطة لاتعني بقاء أو سقوط النظام وحسب، بل ربما أيضاً “بلقنة” بلاد الشام طائفياً وإثنيا.
لماذا؟ لأن الرئيس الأسد قد يكون تشاوشسكو، لكن سوريا لاتشبه رومانيا، بل يوغوسلافيا (على حد تعبير “فاينانشال تايمز”)..!!!
الامم المتحدة (رويترز) – قدمت روسيا يوم الخميس 15 ديسمبر 2011 مشروع قرار جديدا بشأن العنف في سوريا الى مجلس الامن التابع للامم المتحدة وقالت الدول الغربية للمرة الاولى انها مستعدة للتفاوض بشأنه.
ومع ان المبعوثين الغربيين قالوا ان المشروع الروسي ضعيف للغاية فان استعدادهم للتفاوض بشأنه يتيح فرصة لمجلس الامن للتغلب على مأزقه واصدار أول ادانة من المجلس للحملة التي تشنها الحكومة السورية على احتجاجات المعارضة.
وكانت روسيا والصين استخدمتا حق النقض (الفيتو) لاحباط مشروع قرار أوروبي تضمن تهديدا بفرض عقوبات. ووزعت روسيا مرتين مشروع قرار من جانبها اخرها في سبتمبر أيلول لكن الدول الغربية رفضته قائلة انه ينطوي على محاولة غير مقبولة للتسوية بين الحكومة والمعارضة في المسؤولية عن العنف.
ويتضمن المشروع الجديد الذي قامت روسيا على غير المتوقع بتوزيعه في مجلس الامن توسيعا وتشديدا لمشروع سابق لموسكو اذ أضاف اشارة جديدة الى “الاستخدام غير المتكافيء للقوة من جانب السلطات السورية.”
ويحث المشروع الذي حصلت رويترز على نسخة منه “الحكومة السورية على الكف عن قمع الذين يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.”
وقال السفير الروسي في الامم المتحدة فيتالي تشوركين للصحفيين ان المشروع ينطوي على “تشديد ملموس لكل جوانب المشروع السابق”. واضاف قوله ان روسيا لا تعتقد ان الجانبين متساويان في المسؤولية عن العنف لكنه أقر بان المشروع يدعو كل الاطراف الى وقف العنف ولم يتضمن تهديدا بفرض عقوبات وهو ما قال ان روسيا ما زالت ترفضه.
ورحب مسؤولون غربيون بالتحرك الروسي لكنهم قالوا ان المشروع يتطلب ما قال السفير الفرنسي جيرار ارو أنه “الكثير من التعديلات”. وقال المبعوث البريطاني مايكل تاثام “نحن مستعدون للتفاوض بشأن ذلك المشروع. ولكن فليكن واضحا.. نحن نعتقد اننا نحتاج الى قرار من مجلس الامن يكون على مستوى خطورة الاوضاع على الارض في سوريا وفي رأينا المشروع الذي وزعته روسيا لا يفي بهذا.”
وفي واشنطن قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان “فيه بعض النقاط التي لا يمكننا الموافقة عليها”. واستدركت بقولها “ولكن يؤمل أن يكون بوسعنا العمل مع الروس الذين يعترفون للمرة الاولى على الاقل بأن هذا امر يجب ان يعرض على مجلس الامن.”
وشكك مسؤولون غربيون في قول تشوركين ان مشروع القرار الروسي لا يسوي بين الطرفين في المسؤولية عن العنف الذي تقول دمشق ان ان 1100 من أفراد قواتها الامنية قتلوا فيه على ايدي قوات المعارضة. وقال أرو “هذا المشروع يسوي في الواقع بين الجانبين.”
وقال السفير الالماني بيتر فيتيج ان المشروع الروسي “فرصة لتضييق شقة الخلافات وكسر صمت المجلس” لكنه “يتطلب “عناصر اخرى.”
وقال ان مشروع القرار يجب ان يعبر عن تقرير بيلاي الى مجلس الامن هذا الاسبوع وان يساند بالكامل قرارات الجامعة العربية التي ستناقش مسالة سوريا يوم السبت (17 ديسمبر) مرة اخرى وان يتضمن النص على تشكيل لجنة من المجلس للتحقيق في الاحداث في سوريا.
وقال ارو ان الدول الغربية قد تريد ايضا اقتراح تضمينه حظرا على توريد السلاح لسوريا. لكنه ومبعوثين غربيين اخرين لم يصلوا الى حد القول بأنه يجب ان يهدد بفرض عقوبات قائلين انه يجب ان يساند العقوبات التي اقترحتها الجامعة العربية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 ديسمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.