مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سوريا لا تمتلك القدرة على شنّ حرب كيميائية”

لقطات بثّها التلفزيون الرسمي السوري يوم 20 يوليو 2012 لأسلحة وذخائر عثر عليها الجيش السوري النظامي بعد استعادته لحي الميدان في جنوب دمشق من يد الجيش السوري الحر AFP

استبعَـد الدكتور ممدوح حامد عطية، الخبير الإستراتيجي اللواء أركان حرب متقاعد، إقدام النظام السوري على إشعال حرب بالأسلحة الكيماوية في منطقة الشرق الأوسط، وإن لم ينفِ امتلاك سوريا لغازات الأعصاب غيْـر القاتلة، التي تردد الحديث عن استخدامها في مواجهة المتظاهرين المطالبين بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

وأكَّـد الخبير المصري عدم صحة ما يتردّد في الإعلام الغربي، عن امتلاك سوريا ثالث أكبر مخزون من الأسلحة الكيماوية، معتبرا أنها معلومات مغلوطة تروِّجها الولايات المتحدة، لأغراض سياسية.

وقال اللواء ممدوح عطية، مدير إدارة الحرب الكيميائية الأسبق ومستشار الحرب الكيميائية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، في حوار خاص مع swissinfo.ch: “المؤكّد، أن إسرائيل هي التي تمتلِـك ترسانة ضخمة من الأسلحة الكيمائية وأنها تحتل الترتيب الثالث عالميا، بعد أمريكا وروسيا في هذا المِضمار وغيره من أنواع الأسلحة غير التقليدية (الذرية/ النووية/ الكيمائية/ البيولوجية/….)”، مشيرا إلى أنها لا تنكُـر ذلك وترفُـض التوقيع على معاهدات الحظر الدولية، لأنها دولة شارِدة ومسنودة من أمريكا”.

وأضاف عطية، أحد قادة حرب أكتوبر 1973، والحاصل على وِسام الشجاعة عن مشاركته فيها، أن الحلّ الوحيد لكي يعُـمّ السلام في المنطقة وتتجنّب خطر الحروب وويلاتها، أن تلتزم إسرائيل بمعاهدات واتفاقات منْع انتِشار الأسلحة الذرية والكيمائية وغير التقليدية عموما، حتى يمكنها أن تعيش في سلام مع الدول العربية المجاورة. مزيد من التفاصيل في نصر الحوار التالي:

swissinfo.ch: في البداية، نود أن نتعرف على خريطة الأسلحة الكيميائية في منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربي عموما، وماذا يوجد لدى إسرائيل منها على وجه الخصوص؟

اللواء متقاعد ممدوح عطية: من المعروف، أن إسرائيل تمتلك ترسانة كاملة وضخْمة من الأسلحة الذرية، تتراوح بين 100- 200 رأس نووية، وهي تنفرِد بهذه الترسانة على مستوى الشرق الأوسط، وكلّما طالبت الدول العربية بجعل الشرق الأوسط مِنطقة منزوعة السلاح النووي وتجريد إسرائيل من هذه الترسانة النووية، تتذرّع إسرائيل بأنها تلجأ لامتِلاك الغازات الحربية، لا لتعتدي على أحد، وإنما لتحمي نفسها.. وترد الولايات المتحدة بأن هذا من حق إسرائيل.. أما عن الدول العربية التي لديها أسلحة كيمائية فهي: ليبيا، السودان، سوريا، مصر، والعراق. وقد كان القذافي في عهده يسعى لعمل النهر الأعظم الصناعي، وكانت أمريكا تقول، إنه يحفر ليبني مصنعا كبيرا للسلاح الكيماوي، حتى قام القذافي، من تلقاء نفسه، بتسليم وتفكيك برنامج التسليح النووي مجانا. أما العراق، فكانت تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية، ساعدتها في تكوينها في البداية أمريكا، لكنها كانت ترسانة معدومة الأثر.

وفي تقديري، أن غالبية دول العالم لديها غازات حربية، وخاصة غازات الأعصاب والغازات المسيلة للدموع (غاز الكلوروفينون)، والتي تستخدمها في تفريق المتظاهرين، وعلى الرغم من أنها غازات غير قاتلة، إلا أن تأثيرها قد يكون كبيرا، وقد يحدُث اختناق لدى مَن تُـطلق عليهم هذه الغازات، غير أن أثرها يزول في نهاية الأمر بعمل بعض الإسعافات السريعة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة، هي أكبر دولة في العالم مصدِّرة لهذه الغازات، بل إنها مصْدَر رزق أساسي لكُبريات الشركات الأمريكية..

وما حقيقة ما يتردّد عن أن سوريا تمتلك ثالث أكبر مخزون من الأسلحة الكيمائية في العالم، بعد الولايات المتحدة وروسيا، اللتين يتم تفكيك وتدمير ترسانتهما التي تعود لأيام الحرب الباردة؟

اللواء ممدوح عطية: غير صحيح ما يتردد من أن سوريا تمتلك ثالث أكبر مخزون من الأسلحة الكيمائية بعد الولايات المتحدة وروسيا. والمعروف، أن إسرائيل هي التي تمتلك ثالث أكبر مخزون من هذه الأسلحة في العالم. وفي اعتقادي أن أمريكا هي التي تقِف خلف ترويج هذه المعلومة الغير صحيحة عن سوريا، لاعتبارات سياسية، ربما منها تبرير التدخل الدولي المُحتَمل في سوريا، وربما لتوجيه ضربة عسكرية لها.

واللافت، أن أمريكا لا تتحدث البتّة عن ترسانة إسرائيل من الأسلحة الكيمائية، التي لا تنكرها إسرائيل ذاتها، وإنما تبرر امتلاكها لها، بأنها دولة صغيرة مساحتها 20 ألف كيلومترا مربعا (ثلث مساحة سيناء)، وأنها محاطة بدول الطوق العربية (إحاطة السوار بالمعصم)، وتردّد دائما مقولتها الشهيرة بأن “مساحتي لا تسمح إلا بهزيمة واحدة”.

وهل تأكد أنه يجري تطوير الأسلحة السورية، التي تغلب عليها غازات الأعصاب القاتلة، التي يمكن أن تصل لأهدافها عن طريق صواريخ المدفعية وقذائف الطائرات والذخائر؟

اللواء ممدوح عطية: إذا افترضنا أن سوريا تمتلك هذه الأسلحة بالفعل، وإذا افترضنا أنها ستستخدمها، فإن هذا الإستخدام لن يتعدى مواجهة المتظاهرين في الداخل، الذين يشعلون ثورة لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وأنها لن تتعدى هذه الدائرة، ولن توسع دائرة الاستخدام ولن تحولها إلى حرب كيماوية في المنطقة، لأن الحقيقة المؤكدة، أن سوريا لا تقدر على ذلك ولن تجرؤ على القيام بهذه الحرب، لأنها لا تستطيع أن تسدِّد فاتورة هذه الحرب إن وقعت، ولأنها ستكون أول الدول المتضرِّرة من هذه الحرب. ولا يجب أن ننسى أن سوريا لم تتمكّن حتى الآن، من تحرير أرض الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.

رغم تحذيرات القوى الغربية، ما مدى احتمالية قيام نظام بشار الأسد باستخدام هذه الترسانة المتطوِّرة من الأسلحة الكيميائية ضد أي تدخل خارجي في صراعها ضد الثوار السوريين؟

اللواء ممدوح عطية: لا أعتقد أنها ستستخدمها في حرب في المنطقة، لأن الرئيس بشار الأسد يواجه مطالبات دولية بمحاكمات أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة جرائم الحرب، بتُهمة الإقدام على إبادة شعبه، حيث وصل إجمالي عدد الشهداء الذين قتلهم النظام منذ اندلاع الثورة في سوريا (الثلاثاء 15 مارس 2011) وحتى اليوم، إلى رقم كبير جدا، يتراوح بين 20 – 30 ألف قتيل، ومن ثم، فإنني أستبعد أن يُقدم النظام السوري على مزيد من التصعيد ضد الجماعة الدولية.

إلى حد الآن، التزمت الدول المصادِقة على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية ببنودها. فهل ترى أن المخاوف التي تعبّر عنها الدوائر الغربية من احتمال وقوع أسلحة كيميائية بيد جماعات غير حكومية أو إجرامية، جدية؟

اللواء ممدوح عطية: للأسف، فإن هذه الاتفاقيات الدولية تبقى “حِبرا على ورق”، وإسرائيل دولة شاردة ومسنودة من الولايات المتحدة. فرغم وجود العديد من الإتفاقيات الدولية التي تحظر امتلاك أو تطوير الأسلحة الذرية أو ما يماثلها من الأسلحة غير التقليدية، فإن إسرائيل تتحدى العالم كله بامتلاكها ترسانة ضخمة من هذه الأسلحة غير التقليدية (الذرية/ النووية/ الكيماوية/ البيولوجية/….). كما أن لديها صناعات تكنولوجية عسكرية متطورة، وترفض التوقيع على معاهدات الحظر، كما ترفض السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالتفتيش على منشآتها، وأمريكا تقف معها وتحميها، وتحُول دون صدور قرارات أممية بإدانتها، وإن سمحت، فليس إلا على الورق!!

أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن “وكالات الاستخبارات الأمريكية، كرّست موارد هائلة لمراقبة هذه المنشآت عبر الأقمار الصناعية ولصياغة خطط حول كيفية تأمين الأسلحة السورية في حال تَـفاقُم الأزمة”.. فما تعليقكم على هذا الخبر؟

اللواء ممدوح عطية: هذا كلام غير دقيق وغير علمي بالمرة، لأنه لو صحّ أن سوريا لديها أسلحة كيمائية ولو صح أنها تنوي استخدامها، فلا يمكن منعها من ذلك، إلا باحتلالها احتلالاً كاملاً، والإستيلاء والسيطرة على هذا المخزون من الأسلحة الكيماوية، هذا إن وُجد من الأساس، أما ما يتردد عن عزم أمريكا إرسال فِـرق صغيرة للسيطرة على هذا المخزون من الأسلحة الكيماوية (إن ُوجد) حتى لا يصل إلى أيادٍ قد تُـسيء استخدامه، فهو مجرد تصريحات إعلامية من باب المناورة السياسية ليس إلا.

وما موقف الدول العربية من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC)، التي اعتُـمِـد نصّها في مؤتمر نزع السلاح في جنيف بتاريخ 3 سبتمبر 1992 وفتح باب التوقيع على الاتفاقية في باريس بتاريخ 13 يناير 1993؟

اللواء ممدوح عطية: الدول العربية، طالما كانت ضعيفة فستظل ضعيفة، وإسرائيل لن تلتزم بأية معاهدات أو اتفاقيات أو مواثيق دولية، وعلى العرب أن يَعُـوا هذا جيدًا، وأنه لا مجال لفرض حظر دولي بامتلاك أو تطوير أو استخدام هذه الترسانة من الأسلحة غير التقليدية على إسرائيل، طالما ظلت مسنودة من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي تقديري أن الحل الوحيد لكي يعُـمّ السلام في المنطقة وتتجنب خطر الحروب وويلاتها، أن تُـقِـر إسرائيل وتلتزم بمعاهدات واتفاقات منع انتشار الأسلحة الذرية والكيمائية وغير التقليدية عموما، حتى يمكنها أن تعيش في سلام مع الدول العربية المجاورة.

الخبير الإستراتيجي اللواء أركان حرب متقاعد، الدكتور ممدوح حامد عطية.

أحد أهم خبراء الحرب والأسلحة غير التقليدية في العالم العربي.

أحد قادة حرب أكتوبر عام 1973، والحاصل على وسام الشجاعة عن مشاركته فيها.

مدير إدارة الحرب الكيميائية الأسبق، بالقوات المسلحة.

مستشار الحرب الكيميائية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا.

حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة الإستراتيجية والأمن القومي.

له أبحاث ودراسات، وكتب عن الحروب الكيماوية، والأسلحة النووية والكيماوية.

أستاذ مادة الإستراتيجية العسكرية في عدد من الجامعات المصرية.

موسكو (رويترز) – نشرت صحيفة كومرسانت الروسية يوم الاربعاء 22 أغسطس 2012 تصريحات لمسؤول بوزارة الخارجية لم تذكر اسمه قال فيها إن موسكو تعتقد أن سوريا لا تعتزم استخدام الأسلحة الكيماوية وأنها قادرة على تأمينها.

ويهدف التقرير فيما يبدو الى طمأنة الغرب الى أن الرئيس السوري بشار الاسد لن يستخدم الاسلحة الكيماوية ضد مقاتلي المعارضة الذين يسعون للاطاحة به بعد ان حذر الرئيس الأمريكي باراك اوباما من “عواقب وخيمة” لمجرد تحريك دمشق هذه الأسلحة بصورة تنطوي على مخاطر.

وقالت الصحيفة في تقريرها إن “حوارا سريا” مع الحكومة السورية بشأن سلامة الترسانة أقنع روسيا بأن “السلطات السورية لا تعتزم استخدام تلك الاسلحة وانها قادرة أن تبقيها بنفسها تحت السيطرة”.

ورفضت الخارجية الروسية التعليق فورا على التقرير الذي نقل ايضا عن المسؤول بالوزارة قوله إن موسكو ترى أن من “المحتمل جدا” أن تتخذ الولايات المتحدة إجراء عسكريا اذا رأت تهديدا من الاسلحة الكيماوية.

وتعارض روسيا بقوة التدخل العسكري في سوريا حيث يوفر الأسد لموسكو أقوى موطىء قدم لها في الشرق الاوسط خلال السنوات القليلة الماضية. وحذر سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الغرب يوم الثلاثاء 21 أغسطس من القيام بأي عمل منفرد.

وعارضت روسيا والصين أي تدخل عسكري في سوريا طوال 17 شهرا من إراقة الدماء واستخدمتا حق النقض (الفيتو) ضد ثلاثة قرارات لمجلس الأمن التابع للامم المتحدة أيدتها دول غربية وعربية لزيادة الضغط على دمشق لوقف اعمال العنف التي قالت الامم المتحدة انها أودت بحياة 18 ألفا منذ بدء الاحتجاجات فيمنتصف  مارس 2011 .

لكن بعد أن أقر مسؤول سوري في شهر يوليو الماضي بامتلاك أسلحة كيماوية وقال إن بلاده قد تستخدمها في حالة تدخل دول أجنبية قالت روسيا إنها أبلغت دمشق أنه حتى التهديد باستخدام هذه الأسلحة غير مقبول.

ونقلت صحيفة كومرسانت عن مسؤول الخارجية الروسية قوله ان الولايات المتحدة “حذرت بشدة مقاتلي المعارضة من مجرد الإقتراب من مواقع تخزين الأسلحة الكيماوية ومصانع إنتاجها” وإن “جماعات المعارضة تلتزم” بهذه المطالب. وقال المسؤول الروسي “هذا يُثبت أن الغرب بوسعه أن يمارس نفوذا محددا على معارضي الاسد حين يود أن يفعل”.

ويرى مسؤولون غربيون ان روسيا تسببت في تفاقم العنف في سوريا بحماية الأسد من الضغوط باستخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وترد موسكو بأن الغرب يشجع مقاتلي المعارضة وان عليه بدلا من ذلك ان يضغط عليهم لوقف القتال.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 22 أغسطس 2012)

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية