سوريا وحزب الله اللبناني.. “تحالف مــأزوم”؟
طرأ تطوران بارزان في الآونة الأخيرة على خريطة الصِّراع في سوريا، مع امتداداته اللبنانية.
تمثل الأول في إغلاق النظام السوري مجدّداً أبواب الحل السياسي، مع إجهاضه (هو وبعض قوى المعارضة المتطرفة السورية) هُـدنة عيد الأضحى، التي اقترحها الأخضر الإبراهيمي، وتوجُّهه نحو تصوير الصِّراع بأنه مجابهة بينه وبين الإسلام الأصولي الجهادي، المتمثّل بـ “جبهة النصرة”.
والثاني، بروز مؤشرات على أن حزب الله اللبناني، أهم حليف سياسي وأمني للنظام السوري في المشرق العربي، بدأ يعيد النظر بمسألة انغماسه في الصراع السوري إلى جانب النظام، لأن ذلك يضعه على خط تماس مع الأغلبيتين السنِّيتين في سورية والعالم الإسلامي. نبدأ مع التطور الأول.
خيارا النظام
في لقاء على تلفزيون “أن. بي. أن” التابع لرئيس مجلس النواب نبيه بري، أطلق السيد ناصر قنديل، أحد أكثر السياسيين اللبنانيين قرباً من النظام السوري وتنسيقاً معه سلسلة تنبُّـؤات جديدة حول موعد تحقيق “نصر النظام النهائي” على الثورة الشعبية الراهنة.
لكن الأهم من التنبؤات، كانت المواقف التي أبداها قنديل حيال المعارضة الداخلية السورية المتجسدة في هيئة التنسيق الوطني، التي يرأسها القطب الناصري حسن عبد العظيم، والتي تُعتبر الأكثر ليونة والأكثر استعدادا للحوار مع النظام. وعلى رغم ذلك، وضعها قنديل أمام خيارين لاثالث لهما: إما الإنضمام إلى “جبهة النصرة” الجهادية الإسلامية المتطرفة، أو الإلتحاق بوزير المصالحة الوطنية في الحكومة الراهنة علي حيدر.
ولأن هذا الرأي يعكس بالطبع موقف المسؤولين السوريين، فهو يفيد لتظهير نمط تفكير القيادة السورية في هذه المرحلة والتي يمكن تلخيصها ببندين رئيسيين، سياسي وأمني:
البند السياسي، يشي بأن النظام مُصرّ على مواصلة رفض الإعتراف بوجود أي طرف آخر في المعادلة السياسية السورية، وبالتالي، رفض الحوار مع أي لون من ألوان المعارضة ما لم يكن خاضعاً بالكامل لسلطته.
فمعارضة علي حيدر، التي هي في الواقع موالاة مُحلاة ببعض المواقف النقدية، والتي تشبه إلى حدٍّ بعيد، أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي عملت كغطاء للحكم السلطوي السوري طيلة 40 عاما، هي المعارضة الوحيدة التي يقبلها النظام. والشعار هنا هو نفسه ذلك الذي رفعته المارونية السياسية عشية الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1989): “ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم”.
أما البند الأمني، فقد يكون الأخطر، إذ هو يكشف عن تتويج كل الجهود المتصلة، التي بذلها النظام طيلة سنة ونصف السنة، لتصوير الثورة السورية على أنها صراع بين نظامه وبين فوضى الإرهابيين الإسلاميين.
والآن، وقد بدأ نجم “جبهة النصرة”، التي تضم عناصر من فتح الإسلام وغيرها التي كانت تابعة لأحد أجهزة المخابرات السورية، بالصعود (قفز عديد النصرة خلال أربعة أشهر من 50 عنصراً إلى ألف الآن) وباتت فصيلاً فاعلاً في معركتيْ حلب ودمشق، فسيكون في وُسع النظام أن يُعلّـي الصوت الآن قائلاً للروس والأمريكيين والأوروبيين، إنه يخوض معركتهم ضد الإرهاب الأصولي.
وهذا قد يكون سهلاً الآن، لأن فصائل المعارضة العلمانية والإسلامية المعتدلة المُرهقة، تشعر في هذه المرحلة أن الزّخم الجهادي القوي ضد النظام قد يعدّل، ولو نسبياً، من موازين القوى معه، في غياب أي تدخل خارجي ذي معنى.
هل تنجح؟
هل تنجح هذه الإستراتيجية، التي تتطابق إلى حد بعيد مع ما فعله النظام السوري طيلة العقود الماضية، حين كان “يخلق” التنظيمات الأصولية المتطرفة ويُطلقها في لبنان والعراق والأردن، ثم يبلِّـغ الغرب أنه مستعد للجمها وقتالهاـ تماماً كما فعلت المخابرات الجزائرية حين “خلقت” الجماعة الإسلامية المسلحة (أو اخترقتها بالكامل)، لتحظى بدعم هذا الغرب؟
فلنقل أولاً، إن تسهيل النظام المحتمل لبروز مثل هذه التنظيمات الجهادية، قد حقق بعض الأهداف الفورية، إذ أن الأمريكيين كبحوا جِـماح السعوديين والقطريين والأتراك في مجال تسليح المعارضة بأسلحة متطورة مضادة للطائرات والدبّـابات، خوفاً من وقوعها في يد الجهاديين. كما أن الروس استخدموا هذه الورقة أيضاً في حواراتهم مع الغربيين، لإقناعهم بأن النظام السوري “ليس كله شر” وأنه لا يزال في وُسعه القيام ببعض “الأعمال الخيِّـرة” ضد الإرهاب.
بيد أن هذه النجاحات قد تكون محدودة التأثير في الداخل كما في الخارج. فجبهة النصرة، مهما قويت شوكتها، لن تكون سوى فصيل واحد من نحو 370 فصيلاً مسلحاً في المعارضة، جلّها ينتمي إلى الإسلام المعتدل أو التيارات الوطنية والعلمانية. فضلاً عن ذلك، بدلاً من أن يعمد الغرب إلى معاودة الإعتماد على النظام السوري لضرب الجهاديين والقاعديين، كما كان يفعل قبل الربيع العربي، سيتجه في الغالب إلى تعزيز وتقوية وتسليح المعارضة غير الجهادية لتمكينها من مواجهة القاعديين والنظام في آن واحد.
وإذا ما حدث ذلك، سيخسر النظام مرتين: مرة، حين سيجد نفسه وجهاً لوجه مع وحش التطرف الأصولي والطائفي، الذي أطلقه من عِـقاله هذه المرة في الداخل السوري (كما حدث قبل ذلك مع الرئيس أنور السادات في مصر ومع المملكة السعودية في أفغانستان)، ومرة ثانية، حين سينشط الغرب وتركيا لدعم القوى الوطنية والعلمانية السورية.
وهذا يعني أن كل المحاولات التي يبذلها النظام، وسيبذلها أكثر في قادم الأيام، لمحاولة الخروج من أزمته، إما بتصدير هذه الأزمة إلى الجوار اللبناني والأردني والتركي، أو بـ” استيراد” التطرف الجهادي إلى أرضه، تبدو كمن يدور في حلقة مُـفرغة وسط صحراء قاحلة.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك رفضه القاطع لأي تنازلات تؤدي إلى تسوية سياسية متوازنة مع الأغلبية السنّية، فسنصل إلى الاستنتاج بأن هذا النظام، أو على الأقل رئيسه وباقي رؤوس “الأصولية الأمنية” فيه، لن يتمكنوا من البقاء طويلا. أما تنبؤات السيد قنديل عن “مواعيد النصر الجديدة”، فهي ليست سوى استمرارا لنمط التفكير الرغائبي الغريب، الذي سيطر على النظام وأنصاره ولا يزال طيلة الأشهر الـ 18 الماضية، والذي ينسج لهم خيالات عن حرب كونية، أشبه بحرب النجوم، بطلها الرئيس بشار الأسد، وبالتالي، فإنها (أي التنبُّـؤات) ظاهرة سيكولوجية، أكثر منها واقعة سياسية.
أين حزب الله؟
كل هذه المعطيات حاضرة بقوة في أوساط حزب الله، قيادة وجمهورا، وتثير جدلاً داخلياً متواصلاً منذ أشهر عديدة في صفوفه. فثمة العديد من كوادر هذا الحزب باتوا يُعربون علناً عن امتعاضهم من الدعم الكثيف (الأمني واللوجستي وأحياناً القتالي)، الذي يوفره الحزب لحُـكم الأسد، وتتساءل كيف يمكن لحركة مقاومة تُمثّل المضطهَدين والمقموعين أن تدعم نظاماً قمعياً لا يضطهد معظم شعبه وحسب، بل يدمّر أيضاً بلاده؟
بيد أن الإحتجاج الأهم في الحزب، له بُـعد استراتيجي أكثر منه أخلاقي، خاصة في أوساط المدنيين، إذ يرى هؤلاء أن انغماس الحزب على هذا النحو في دعم النظام السوري، يضعه في مواجهة شاملة مع كلٍ من الغالبية السنّية في سوريا، على الحدود الشرقية والشمالية مع لبنان، ومع الغالبية السنيّة في العالم الإسلامي، الذي لا يشكّل الشيعة فيه أكثر من 10% من إجمالي سكانه، هذا في حين أن الحزب عالق في حالة حرب وصراع دائمة مع إسرائيل، الأمر الذي يعيد انتاج تاريخ مرير للطائفة الشيعية اللبنانية، كانت تجد نفسها محشورة فيه دوماً بين قمعين إقليميين، أولهما يأتي من والي عكّـا، والثاني من والي دمشق.
وثمة عامل آخر، استراتيجي أيضاً، يدفع الحزب إلى إعادة النظر بطبيعة علاقته مع النظام السوري، وهو أن إيران نفسها، حليفة وداعمة الرئيس، بدأت هي الأخرى تعيد النظر في هذه العلاقة، بعد أن باتت موقنة بأن الرئيس الأسد “ساقط لا محالة”، على حد تعبير أحد قياديي الحزب في جنوب لبنان. فطهران باشرت مؤخراً، وإن ببطء وصمت، تتحوط ليس لاحتمال سقوط الأسد، بل لموعد هذا السقوط، وتقوم بإعادة تموضُـعٍ شاملة لنفوذها في لبنان، وكذلك في العراق، وهذا بالطبع سيدفع حزب الله إلى إعادة تموضع مماثلة.
ثم هناك أخيراً عامل ثالث: حزب الله كان يرفض طيلة السَّـنة الماضية، الضغوط القوية التي مارسها عليه النظام السوري لتفجير الحرب الأهلية بين السُـنّة والشيعة في لبنان، بهدف تخفيف الضغط عليه في الداخل، على إيقاع استراتيجية “أنا أو جبهة النصرة السنّية المتطرفة”، وهذا ما دفع دمشق إلى الإستعانة بالوزير السابق ميشال سماحة، للقيام بهذه المهمة من دون علم الحزب، الذي لا يزال حتى الآن يرفض الإنجرار إلى الحرب، الأمر الذي أثار حنق النظام السوري عليه.
لكن، إذا ما قرر الحزب النأي بنفسه فعلاً لا قولاً عن الأزمة السورية، هل سيسكت النظام السوري عن ذلك؟
حتى قبل هذا السؤال، كان محللون لبنانيون يقولون إن اغتيال النظام السوري (المفترض) لمدير فرع المعلومات وسام الحسن، قد لا يكون سوى حلقة من سلسلة حلقات ستتواصل، ولا يُستبعد أن تشمل زرع سيارات ملغومة أخرى، كتلك التي اغتالت الحسن، في المناطق الشيعية المكتظة من ضواحي بيروت، لتأليب جمهور حزب الله على السُـنّة وبقية تيار 14 مارس ودفعه إلى مواجهة معهم.
والآن، ومع بدء تسرُّب الأنباء عن احتمال إعادة الحزب النظر في طبيعة علاقاته مع النظام السوري، قد يكون لهذا الأخير دافع أكبر للمُضي قُـدماً في عمليات التفجير المذهبي والطائفي هذه.
صورة معقّدة
كما هو واضح، تبدو الصورة في لبنان وسوريا معقدة للغاية. وما سيزيدها تعقيداً الآن، اندفاع النظام السوري إلى تصوير حربه في سوريا على أنها حرب مع أغلبية سنيّة، تقودها “جبهة النصرة” وبقية العناصر الجهادية الإسلامية، الأمر الذي يعني أن النظام سيستخدم في لحظة ما بعض فئات هذه التيارات المرتبطة منذ فترة طويلة بأجهزة مخابراته، لمعاقبة شيعة حزب الله إذا ما قرر الحزب خلق مسافة بينه وبين الأسد.
والخلاصة؟ إنها واضحة: حزب الله اللبناني في لحظة حرج تاريخية حقيقية، سواء ابتعد عن نظام الأسد أو واصل الإلتصاق به. وما قد ينقذه من هذه الورطة هو موقف إيراني – روسي جديد مشترك، باتجاه التسوية، يتقاطع مع موقف أمريكي مماثل غداة الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وفي الإنتظار، سيبقى حزب الله في مواقعه الصعبة هذه المترددة بين نقيضين، فيما يواصل النظام السوري ضغوطه المتصلة لتحويل صراعه مع الأغلبية السنيّة السورية إلى صراع سنّي – شيعي في لبنان، وربما أيضاً في العراق وحتى تركيا.
طالبت المعارضة اللبنانية يوم الثلاثاء 30 أكتوبر 2012 بتقديم شكوى عاجلة الى مجلس الامن الدولي والجامعة العربية ضد النظام السوري على خلفية مخطط تفجيرات في لبنان وحوادث حدودية بين البلدين، وذلك اثر اجتماع عقدته مساء الثلاثاء في بيروت.
ودعا بيان صادر عن المجتمعين تلاه الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة الى “تقديم شكوى عاجلة للجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي بحق النظام السوري فيما يتعلق بمؤامرة مملوك – سماحة، وكذلك فيما يتعلق بالتعديات اليومية على الحدود اللبنانية والمواطنين اللبنانيين”.
وطالب اركان قوى 14 آذار المعارضة لسوريا من القضاء اللبناني “التصرف بجدية ومسؤولية وتبعا للقوانين من دون تأخير ولا مواربة بما يتعلق بمؤامرة مملوك – سماحة”.
وادعى القضاء اللبناني في 11 أغسطس الماضي على رئيس مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي مملوك والوزير اللبناني السابق الموقوف ميشال سماحة وعقيد في الجيش السوري يدعى عدنان “بجرم تأليف جمعية بقصد (…) القيام باعمال ارهابية بواسطة عبوات ناسفة تولى سماحة نقلها وتخزينها بعد ان جهزت من مملوك وعدنان”.
ويُعزى الفضل في كشف هذا المخطط الى رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي العميد وسام الحسن الذي اغتيل بتفجير استهدف سيارته في التاسع عشر من أكتوبر 2012.
واتهمت المعارضة النظام السوري باغتيال الضابط السني الذي كان مقربا من رئيس والوزراء السابق سعد الحريري، احد قادة قوى 14 آذار والركن السني الابرز فيها.
واكد رئيسا الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي وجود رابط بين هذا المخطط واغتيال الحسن.
وتشهد المناطق الحدودية مع سوريا في شمال وشمال شرق لبنان اشتباكات ومواجهات ادت الى مقتل عدة لبنانيين، كما توغلت القوات السورية مرارا لمسافات قصيرة داخل الاراضي اللبنانية.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 30 أكتوبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.