سويسرا تريد التعجيل بإعادة الودائع التونسية
مُنِح محامو إثنيْن من أقرباء الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي مهلة لتقديم الأدلّة على مشروعية مصدر الودائع التي بحوزتهم في المصارف السويسرية، تنتهي بحلول 31 يناير 2013.
وفي صورة عدم تقديم الأدلة المطلوبة، تتوقّع النيابة العامة أنه سيصبح بالإمكان مصادرة تلك الأموال لغرض إعادتها إلى الدولة التونسية. في المقابل، يردّ فريق الدفاع بأنه يتوجب على النيابة العامة تقديم الأدلة على وجود عصابة مفسدين وعلى أن موكليهم متورطون فيها.
ومن الواضح أن المدّعي العام الفدرالي يُريد بهذه الخطوة إعطاء دفعة قوية لعملية إعادة الأرصدة التونسية المنهوبة. والآن لا زالت أمام محامي بلحسن الطرابلسي، أحد أشقاء زوجة الرئيس التونسي المخلوع، وشخص آخر لم يُكشف عن هويته، مهلة بثلاثة أيام لإثبات مشروعية مصدر هذه الأموال.
وفي حالة الفشل في إثبات ذلك، فإن تلك الأرصدة ستعتبر مشبوهة، وتعتقد النيابة العامة الفدرالية عندئذ أنه سيكون بالإمكان مصادرة الأموال المجمّدة لغرض إعادتها لاحقا إلى الدولة التونسية. ويؤكّد المدعي العام الفدرالي أنه “في تلك الحالة، فإن المدّعي العام الفدرالي هو من يتكفّل بإصدار أمر مصادرة تلك الأرصدة”.
وقد سبق أن جمّدت سويسرا أموالا وأصولا تقدر قيمتها إجمالا بحوالي 60 مليون فرنك سويسري بحوزة مقربين من الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي قبل سقوط نظامه في 14 يناير 2011، مقابل 700 مليون فرنك قيمة الودائع المصرية المجمّدة بسويسرا. ووفقا للمصادر الخاصة لصحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف)، يبدو أن أغلب الأرصدة التونسية المجمّدة بسويسرا مُسجّلة باسم بلحسن الطرابلسي.
في هذا السياق، تعتقد النيابة الفدرالية أن لديها حاليا ما يكفي من الأدلة ما يسمح لها بالتوصّل إلى استنتاج مفاده أنه كان على رأس نظام الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي “منظمة إجرامية هدفها تحويل الأموال العامة، وممارسة الفساد على نطاق واسع”.
مُحامي الطرابلسي.. يُعارض
ومثلما كان متوقعا، اصطدم هذا التمشّي بمعارضة السيد جون مارك كارنسي، محامي بلحسن الطرابلسي، الذي أكد في تصريحات نقلتها عنه صحيفة “لوتون” الصادرة يوم 29 يناير 2013 على “ضرورة احترام القواعد الأساسية للقانون الجنائي. ويجب أن يُفترض ابتداءً أن موكلي بريء، وعلى المدعي العام إثبات وجود عصابة إجرامية، ومشاركة موكلي في تلك العصابة، وهذا غير مُسلم به بالمرّة”.
وبالنسبة للمحامي الذي يُمارس مهنته في جنيف، فإن “الأمر لا يتعدى حتى الآن سوى أن يكون هناك احتمال أن يتقدّم الإدعاء بأدلة تثبت المصدر غير المشروع للأصول التي بحوزة موكلي، عندئذ عليه أن يوجه الإتهام وفقا للقواعد القانونية المتعارف عليها”. ويضيف مارك كارنسي في نفس التصريحات: “لا يكفي القول أن الأدلة على وجود عصابة إجرامية، وعلى أن مشاركة موكلي فيها قائمة ومتوفّرة. لابد أن يثبت ذلك بالحقائق والقرائن لا بالقول فقط، وتقدّم الشهادات التي تثبت تلك الإدعاءات. والنيابة العامة لن تغامر بذلك. والسبب، هو أن الملف لا يحتوي على أي أدلّة أو حجج كافية، على عكس ما تدعيه النيابة”.
خلاصة القول، أنه بالرغم من أهمية الخطوة التي بادر باتخاذها المدعي العام الفدرالي من أجل تسريع استرداد الأرصدة المنهوبة إلى الدولة التونسية، فإنه لا يبدو أنها ستكون ذات مردود فعلي فوري، إذ يبدو أنها تفتح الباب على مصراعيه بوجه معركة قضائية سيطول انتظار نهايتها، ويتعذر التكهّن بنتائجها.
يُشار إلى قاعدة “عبء الإثبات” بشكل منتظم لما يتعلّق الأمر بتجميد أصول الشخصيات السياسية والحكام الجائرين. وتبيح قواعد القانون الجنائي المتعلّقة بالجريمة المنظمة اتخاذ إجراء استثنائي يتمثّل في “قلب عبء الإثبات”.
وبمقتضى هذا الأجراء تصبح الأصول التي تعود ملكيتها إلى أعضاء منظمة إجرامية “خاضعة لسلطة التصرّف”. ويصبح بالتالي على الدفاع تقديم الدليل على أن الاموال التي بحوزة موكله مصدرها مشروع.
ما لم يحصل ذلك، تتعرّض تلك الأصول إلى المصادرة. والشيء المؤكّد يستطيع النائب العام أن يقرر بنفسه مصادرة الاموال، من دون الحاجة إلى المرور المحمة الجنائية الفدرالية، لكن إمكانية الإعتراض على ذلك القرار تظل قائمة. وبعدما تتم عملية المصادرة، يعود قرار التصرّف في تلك الارصدة إلى الحكومة الفدرالية.
ورغم ان الحكومة الفدرالية لم تخف يوما اصرارها وعزمها على إعادة هذه الارصدة المنهوبة إلى الحكومات الجديدة التي انبثقت عن ثورات الربيع العربي، فإن هذا الامر يتوقّف في النهاية على مدى نجاح الادعاء الفدرالي في مصادرة تلك الودائع، وكم سيستغرق ذلك من الوقت.
بدعوة من وزارة الخارجية السويسرية احتضنت مدينة لوزان لقاءً يومي 28 و29 يناير 2013حضره حوالي 80 خبيرا قدموا من الدول العربية الثلاث المعنية (تونس ومصر وليبيا أساسا) ومن ساحات مالية دولية هامة ومنظمات مختصة.
تركزت المحادثات خلال هذا اللقاء على تبادل المعلومات والتجارب حول سير عملية إعادة الأموال المنهوبة من طرف الشخصيات العامة الدولية إلى أصحابها، وتحديدا الأرصدة التي توجد بحوزة القادة العرب السابقين الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي خلال عام 2011 والتطورات المحتملة لهذا الملف.
هدفت هذه الدورة السابعة من “مسار لوزان” الذي انطلق فعليا منذ عام 2001 إلى استخلاص الدروس من الخطوات التي قطعت حتى الآن، ورصد الإجراءات التي يجب اتخاذها مستقبلا لتجاوز الصعوبات والتحديات العملية التي برزت خلال التعاطي مع البلدان المعنية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.