سويسرا تشدّد قوانينها لمُلاحقة مُجرمي الحرب
بعد إقدامها على إنشاء قوة خاصة لتعقّب الأشخاص المشتبه في ارتكابهم لجرائم حرب، تكون سويسرا بحسب المؤيدين قد خطت خطوة مهمّة إلى الأمام. وبالفعل، أقدمت النيابة العامة للكنفدرالية في الفترة الأخيرة على فتح العديد من الملفات التي لها ارتباط بسويسرا.
أخيرا، سلّطت الأضواء على وجه الخصوص على قضية خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري الأسبق، المتهم بارتكاب جرائم مزعومة خلال الحرب الأهلية التي اندلعت عقب إلغاء الإنتخابات البرلمانية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر 1991، وعلى قضية إيرفين سبيريزين، قائد شرطة غواتيمالا سابقا، المتهم بارتكاب انتهاكات فظيعة في مجال حقوق الإنسان.
في هذا الصدد، يبدو أن الضغوط التي مارستها المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان، مثل منظمة تريال “Trial” غير الحكومية المعنية بـ “مكافحة الإفلات من العقاب”، والفرع السويسري لمنظّمة العفو الدولية، اللتان تناديان منذ فترة طويلة بتخصيص المزيد من الموارد، وتشديد القوانين لتضييق الخناق على مرتكبي جرائم حرب، قد آتت أكلها في النهاية.
فمنذ شهر يوليو 2012، تم الربط بين مكتب المدّعي العام الفدرالي ومركز خبرة جديد متخصص في القانون الجنائي الدولي، يضمّ اثنيْن من المحققين من الشرطة الفدرالية، وثلاثة خبراء قانونيين. ومع أن هذه الوحدة صغيرة بالمقارنة مع نظيرتها في هولندا التي تضم في صفوفها أكثر من 30 محققا من ذوي الخبرة والتجربة، يقول النشطاء، إنها “كبداية.. تعدّ خطوة هامة”. ومن جهته، يقول فليب غرانت، مدير منظمة “تريال”: “ها هي سويسرا أخيرا تأخذ التزاماتها الدولية مأخذ الجد”.
في عام 2001، صادقت سويسرا على معاهدة نظام روما، التي قادت بعد ذلك إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. ووفقا للقانون الجنائي السويسري الذي تم تكييفه، ودخل حيّز التنفيذ في 1 يناير 2011، فإنه بات بإمكان القضاء السويسري محاكمة وملاحقة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب في أي مكان من العالم.
في الأثناء تم إسقاط الشرط القانوني الذي كان يُرفع سابقا، القاضي بأن يكون للمتهم علاقات وثيقة بسويسرا (كأن يكون لديه أفراد من العائلة، أو لديه إقامة ثانوية فيها)، وبات بالإمكان ملاحقة أي شخص متهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة خلال سفره إلى سويسرا أو إذا ما كانت لديه نيّة السفر إليها.
قضية جزائرية صعبة
أوّل “ضحية” لهذه التعديلات القانونية الجديدة كان اللواء خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري الأسبق، الذي حل في زيارة إلى جنيف في أكتوبر 2011 بغرض أجل العلاج.
وقد وجّهت منظمة “تريال” وإثنان من الضحايا الجزائريين تهمة ارتكاب جرائم دولية خطيرة إلى نزار البالغ من العمر 75 عاما، واستدعي للمثول امام القضاء بجنيف حيث تم استجوابه قبل ان يطلق سراحه. وأشارت تقارير إلى أنه عاد إثر ذلك إلى الجزائر.
وفي شهر نوفمبر 2012، رفضت المحكمة الفدرالية السويسرية دفع نزار بأنه لا يجوز محاكمته على جرائم يُزعم أنه ارتكبها خلال الحرب الأهلية الدموية في التسعينات خارج بلاده.
هذا القرار التاريخي الذي اتخذته أعلى سلطة قضائية في سويسرا يمهّد الطريق، على الأقل من الناحية النظرية، لمحاكمة خالد نزار في سويسرا. وعلى الإدّعاء السويسري الآن القيام بمهمّة معقّدة تتمثّل في جمع أدلّة كافية على الجرائم المنسوبة لهذا المسؤول الجزائري السابق.
ويقول غرانت: “لن يكون هناك أي تعاون من السلطات الجزائرية، ولذلك ستكون القضية صعبة جدا”، ويضيف أن “المزيد من الضحايا أصبحوا مستعدين للإدلاء بشهاداتهم. كما تُرى تسجيلاتهم بالفيديو على اليوتوب، ولكن كيف يمكن الوصول إلى هؤلاء الناس؟”.
سويسري – غواتيمالي
قضية نزار ليست الوحيدة التي جلبت اهتمام الرأي العام في سويسرا في الأشهر الأخيرة. فقد اعتقل أيضا إيرفين سبيريزين، قائد شرطة غواتيمالا من 2004 إلى 2007، والحامل للجنسية السويسرية، يوم 31 أغسطس 2012 في جنيف، حيث كان يعيش رفقة عائلته منذ 2007، للإشتباه في تورطه في عمليات قتل خارج نطاق القضاء، وغيرها من انتهاكات في مجال حقوق الإنسان في غواتيمالا، البلد الواقع في وسط امريكا اللاتينية.
قائد الشرطة السابق، الذي ينفي بشدة الإتهامات المُوجّهة إليه، سيقضي أعياد الميلاد ونهاية السنة بسجن شون – دولّون، في جنيف، حيث من المتوقّع أن يتمّ الإحتفاظ به رهن الإعتقال على ذمة التحقيق إلى يوم 26 فبراير 2013.
وكان قد صدر أمر باعتقاله في غواتيمالا في أغسطس 2010 رفقة 18 من المسؤولين السابقين، من بينهم وزير الداخلية السابق كارلوس فيلمان، الذي فرّ إلى اسبانيا، ونائب مدير قسم شرطة التحقيقات، خافيير فيغيراو، الذي حصل على حق اللجوء في النمسا.
وفي معرض التعليق على هذا الملف، يقول غرانت: “في نهاية المطاف، ستكون هناك ثلاث محاكمات في ثلاث بلدان مختلفة في نفس الوقت، وربما محاكمات أخرى في غواتيمالا”.
في 12 أكتوبر 2001، أصبحت سويسرا الدولة 43 في العالم التي تصادق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وتبعا لذلك، تم تكييف التشريع السويسري لضمان امتثاله لمتطلبات المعاهدة.
تم إدخال الجرائم ضد الإنسانية في القانون الجنائي السويسري، كما جرى تدقيق التعريف المعتمد لجرائم الحرب، ومجالات تطبيق جرائم الإبادة الجماعية.
دخلت هذه المواد الجديدة حيّز التنفيذ في 1 يناير 2011، وتوفر هذه التغييرات القانونية خيارات جديدة لمتابعة الجناة المزعومين المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
وفقا لمصادر حكومية، يهدف القانون الجديد إلى “ضمان الكفاءة والشفافية في متابعة قضايا الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب في سويسرا، وضمان عدم الإفلات من العقاب في مثل تلك الحالات”.
“خدش السطح الخارجي”
منذ الحُكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية السويسرية ضد فولجنس نيونتيسي، المُتَّهم بالإشتراك والتحريض على الإبادة الجماعية في رواندا في عام 2001، لم يُدن أي فرد آخر بتهم ارتكاب جرائم دولية في سويسرا.
في الأثناء يتساءل البعض عن عدد المشتبه بارتكابهم لجرائم حرب المقيمين في سويسرا، أو الذين يتخذونها معبرا للوصول إلى بلدان اخرى؟ تجيب جينات بالدمر، الناطقة بإسم مكتب الإدعاء الفدرالي: “من الصعب الإجابة على هذا السؤال في ظل غياب بيانات إحصائية دقيقة في هذا المجال”.
مع ذلك، فإن وحدة مكافحة جرائم الحرب الجديدة لا تعاني من البطالة حيث تشير بالدمر إلى أنها بصدد التعامل حاليا مع ثمانية ملفات قضائية لها ارتباط بسويسرا، متورّط فيها أجانب، يُقيم إثنان منهم فقط في الكنفدرالية. وتتعلّق هذه القضايا بأحداث وقعت في الماضي في كل من يوغسلافيا سابقا، وشمال إفريقيا، والشرق الأوسط، وآسيا الوسطى.
من جهتها، تقوم منظمة “تريال” غير الحكومية بشكل مستقل بتجميع معلومات عن قضايا محددة بالإعتماد على منظمات غير حكومية وعلى الضحايا الموزّعين في الشتات، أو حتى عن طريق مخبرين خواص، وستسلّم تلك المعلومات لاحقا إلى الجهات التي سوف تشرف على التحقيق. ويقول غرانت: “عثرت منظمتنا على ستّ حالات، وما قمنا به حتى الآن لا يتجاوز خدش السطح الخارجي”.
وأضاف مدير هذه المنظمة المختصة في مكافحة “الإفلات من العقاب” أن خبراء أجروا مقابلات أخيرا مع ضحايا في بلد لم يُكشف عنه، وأفاد أن جميعهم أشاروا إلى أن المشتبه في ارتكابهم لجرائم حرب بحقهم يعيشون حاليا في سويسرا وفي إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
ومع أن الأوضاع تظل غير واضحة بما فيه الكفاية في البلدان الأخرى، إلا أنه أُعلِن في عام 2011 أن وحدة خاصة بجرائم الحرب في وكالة الهجرة البريطانية قد أوصت بإنزال عقوبات ضد 495 شخصا في السنوات الخمس الأخيرة، ظل منهم 383 في حالة سراح.
قبول كبير
في سياق متصل، يُرحب النشطاء والمؤيدون بالموارد الجديدة التي خصصتها الفدرالية لمكافحة هذا الصنف من الجرائم، ويقولون إن الموظفين العاملين في مركز الخبرة السويسري لديهم ما يكفي من الحوافز والدوافع لتنفيذ القانون، ولكنهم يتفقون على ضرورة تحسين إجراءات وعمل الإدعاء العام.
من جهة أخرى، يُلزم القانون السويسري هيئات اللجوء والإدعاء العام على التعاون في ما بينهما، بل وينبغي أن يكون ذلك تلقائيا وآليا عندما تكون هناك حالات اشتباه في ارتكاب جرائم حرب. في المقابل، تقول المنظمات غير الحكومية إن ذلك لا يحدث بشكل منهجي، وأنه من الصعب التأكّد من ذلك للطابع السري لتلك الإجراءات.
غرانت يُشير أيضا إلى أن التعاون على المستوى الدولي قد تحسّن، لكن بعض الوكالات العاملة في بلدان مختلفة تحتاج إلى تطوير قدراتها على الإتصال لتبادل أفضل للمعلومات فيما بينها. ويختم غرانت قائلا: “بمجرّد قبول عرض التعاون، تصبحت هناك مسؤولية مشتركة بين الدول. وعلى السياسيين أن يوفّروا الموارد الضرورية، وخلال السنوات العشر إلى العشرين القادمة، سوف يتطور هذا التعاون إلى شيء مقبول على نطاق واسع”.
تهتمّ منظمة تريال غير الحكومية بنوعيْن من الملفات:
قضايا تهتم بشكايات يقدّمها أفراد ضد انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وتقوم هذه المنظمة بالدفاع عنها والتعريف بها لدى الهيئات الأممية.
قضايا تدخل ضمن برنامجها الخاص “مكافحة الإفلات من العقاب في سويسرا”، ويشتمل على قضايا تدفع بها امام المحاكم السويسرية ضد اشخاص يقيمون او يوجدون على التراب السويسري، ويشتبه في ارتكابهم جرائم دولية.
القضايا الرئيسية التي اشتغلت عليها منظمة ترايال: قضية خالد نزار (الجزائر، 2011)، ياغاث دياس (سيري لانكا، 2011)، جورج دابليو بوش (الولايات المتحدة الامريكية، 2011)، بوغره سلطاني (الجزائر، 2009)، إرفين سبيريزين (غواتيمالا، 2008)، وقضايا أخرى من الصومال (2007)، ومن أفغانستان (2006)، وحبيب عمّار (تونس، 2003).
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.