سويسرا – ليبيا: قرار هيئة التحكيم الدولية سيكون “مُـلـزمـا”
في الوقت الذي تتجه فيه سويسرا وليبيا للعمل على إصلاح العطب الذي طرأ على علاقاتهما، تتركّـز الأنظار على هيئة التحكيم الدولية، التي ستنظر في الملابسات التي أحاطت بتوقيف هانيبال القذافي في جنيف.
وفي الوقت الذي يتوجّـب فيه على سويسرا التقيُّـد بأي قرار تتوصّـل إليه هيئة التحكيم الدولية التي تم الإتفاق على تشكيلها، يشير مارسيلو كوهين، أستاذ القانون الدولي في معهد جنيف للدراسات الدولية العليا والتنمية، في تصريحات لـ swissinfo.ch، إلى أن بعض الصعوبات قد تُـواجِـه عملية التطبيق.
وكان هانيبال، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، قد اعتُـقِـل في منتصف يوليو 2008 بعد أن وُجِّـهت له تُـهم سوء معاملة خادميه، أما الهيئة التحكيمية، فتندرج في سياق خطّـة عمل جديدة من ثلاث مراحل تمّ الإتفاق عليها بين الجانبين.
من جهة أخرى، وصل رجل الأعمال السويسري ماكس غولدي إلى سويسرا في وقت مبكِّـر من يوم الاثنين 14 يونيو، بعد أن ظل محتجزا في ليبيا لحوالي عامين، قضّـى منها أربعة أشهر في السجن، وكان أحد المواطنيْـن السويسريين، اللذيْـن وجدا نفسيْـهما ضحية لخلاف دبلوماسي اندلع بين البلدين في أعقاب إيقاف هانيبال من طرف شرطة جنيف.
وضمن محاولات تصالحية سابقة، سعَـت سويسرا وليبيا إلى إنشاء هيئة تحكيمية من هذا القبيل، طِـبقا لاتفاق تم التوقيع عليه في طرابلس يوم 20 أغسطس 2009 بين رئيس الكنفدرالية آنذاك هانس – رودولف ميرتس ورئيس الوزراء الليبي محمود البغدادي. ومع أن الطرفين عيّـنا ممثليْـهما في الهيئة، إلا أنها لم تلتئم أبدا.
وفيما تقرر أن تشتغِـل خطة العمل الجديدة، طِـبقا للترتيبات التي تضمّـنها الاتفاق الأول، جاء في نص الإتفاق الجديد، أن سويسرا “تعتذِر عن النشر غير القانوني” للصور (التي التقطتها الشرطة لهانيبال القذافي لدى توقيفه) من طرف صحيفة لاتريبون دو جنيف يوم 4 سبتمبر 2009، كما ورد فيه أن الحكومة المحلية لكانتون جنيف، تعترِف بمسؤوليتها في هذه القضية.
من جهة أخرى، شدّد الاتفاق الذي وقّـعت عليه وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري في طرابلس يوم الأحد الماضي مع نظيرها الليبي موسى كوسة، على ضرورة محاكمة الأشخاص المسؤولين عن تسريب الصور. وفي المقابل، وافقت ليبيا على تسريع إجراءات الإفراج عن ماكس غولدي.
مراسل swissinfo.ch في جنيف، استجوب خبير القانون الدولي مارسيلو كوهين حول أبعاد الاتفاق الأخير وتوقّـعاته بخصوص تنفيذ بنوده والصعوبات التي قد تعترض تطبيقه.
swissinfo.ch: ما هي رؤيتكم لهذا الاتفاق الأخير؟
مارسيلو كوهين: إنه تأكيد لما كُـنت أردِّده منذ عدة أشهر. فالسبيل إلى حل هذا الخلاف، كان يمرّ عبْـر وضع حدٍّ للإجراءات (العقابية) المتعلِّـقة بالتأشيرات من الجانبين وقبول جنيف بتحمُّـل مسؤوليتها، وهو ما حدث فعلا وتم تِـكراره في عطلة نهاية الأسبوع وإنشاء هيئة تحكيم دولية.
ولكن، هل كان من الضروري فعلا إشراك ألمانيا وإسبانيا، في حين أنه كان بإمكان سويسرا التوصل إلى هذه النتيجة من جانب واحد؟ مع الأسف، لقد تمت إضاعة وقت عانى خلاله (رجلا الأعمال) رشيد حمداني وماكس غولدي.
ما هي مجموعة القوانين والأحكام التي ستؤسس عليها هيئة التحكيم قراراتها؟
مارسيلو كوهين: طبقا لاتفاق 20 أغسطس 2009، ستطبِّـق الهيئة القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية والعرف الدولي “المتعارف عليها بين الأمم المتحضرة”. وحتى في صورة عدم ارتكاب (الطرف السويسري) مخالفات للإلتزامات القانونية الدولية أو للقوانين السويسرية، يمكن لهيئة التحكيم إدانة سويسرا، إذا ما اعتبرت أنها لم تحترم المبادئ العامة للعُـرف الدولي، عندما أوقفت (نجل) القذافي.
في المقابل، لا توجد أية قواعد مكتوبة حول هذه المسألة. فعلى سبيل المثال، سيتوجب على المحكِّـمين تقرير ما إذا كان الإبقاء على هانيبال القذافي زنزانة لمدة 48 ساعة، كان متَّـفقا مع مبادئ المجاملة. إنها مسألة فضفاضة جدا وغير موضوعية.
هل ستكون سويسرا وجنيف بالتالي، ملزمة قانونيا بتطبيق أي قرار يصدر عن هيئة التحكيم؟
مارسيلو كوهين: إنه مُـلزم تماما لسويسرا، لكن توجد مشكلة قانونية. فطبقا لاتفاق 20 أغسطس 2009، يُـمكن لهيئة التحكيم أن تحدد ما إذا كانت شرطة جنيف أو سلطات أخرى مهمّـة، قد تصرفت بشكل سليم أم لا. لكن، إذا ما توصلت هيئة التحكيم إلى أنها لم (تتصرف بشكل سليم)، عندها، يجب على السلطات القضائية السويسرية المعنية، اتخاذ الخطوات الضرورية لمحاكمة – وإن اقتضت الضرورة – إدانة المسؤولين (عما حدث).
بشكل عام، إذا ما تعلق الأمر بملاحقات جنائية في جنيف، فالأمر موكول إلى قاضٍ في جنيف لتحليل الوقائع والخروج باستنتاجات. لكن، في هذه الحالة، لدينا هيئة تحكيم. وهنا تُـطرح مشكلة قانونية حول ما الذي سيفعله قاضي جنيف بشأن هذا الأمر؟
اعترفت الحكومة المحلية في كانتون جنيف بمسؤوليتها في قضية نشر صور هانيبال القذافي. هل يمكن أن تتعرض سلطات جنيف لأي شكل من أشكال العقوبات؟
مارسيلو كوهين: كل شيء ممكن. فإذا ما قام أحد الأشخاص بسرقة الصور الموجودة تحت مسؤولية رسميين عموميين في جنيف، فيعني ذلك أن شخصا ما يجب أن يكون مسؤولا (عما حدث). فليس بالإمكان القول: “لقد أجرينا التحقيقات ولم نعثُـر على الشخص المسؤول، ثم نقطة إلى السطر”، فلابد أن يتحمـل شخص ما على أعلى مستوى مسؤولية ذلك. لكن هذه القضية ترتبط بالقانون المحلي.
هل يمكن لسويسرا أو ليبيا الإستئناف ضد أي قرار تُـصدره هيئة التحكيم؟
مارسيلو كوهين: لا. فطبقا لاتفاق 20 أغسطس 2009، ليست هناك أية إمكانية للإستئناف، وهو ما يعني أن أي قرار تتخذه هيئة التحكيم الدولية، نهائي.
اتفاق 20 أغسطس 2009، نصّ على أن قرارا نهائيا يجب أن يُـتّـخذ في غضون 60 يوما من بدء إجراءات التحكيم. هل هذا الأجل واقعي؟
مارسيلو كوهين: لا، أبدا. فإذا ما احتفظ كل طرف بنفس القاضي الذي وقع الإختيار عليه في العام الماضي (سويسرا اختارت قاضية بريطانية وليبيا اختارت قاضيا هنديا)، فلا زال الأمر يتطلّـب قيامهما بتعيين رئيس للهيئة، لذلك، أتوقّـع أن تتم المطالبة – بعدَ تشكيل هيئة التحكيم – بوقت إضافي، لأن ستين (60) يوما فترة قصيرة جدا.
مبدئيا، يريد الطرفان الحصول على نتيجة سريعة، لكنه من العسير جدا لهيئة التحكيم التوصل إلى خلاصة في غضون 60 يوما، لذلك، فمن المحتمل أن تستمر الأمور فترة أطول، لكنها لن تطول كثيرا جدا، لأن هذا ليس في مصلحة أي من الطرفين.
هل التجأت سويسرا كثيرا في السابق إلى استخدام التحكيم الدولي؟
مارسيلو كوهين: لا، لم يحدُث ذلك كثيرا، لكن هذه هي القضية الدولية الثانية لسويسرا خلال العام الماضي. فقد رفعت بلجيكا قضية ضد سويسرا بخصوص شركة “سابينا” للطيران أمام محكمة العدل الدولية في 22 ديسمبر 2009.
هل تعتقد أن هيئات التحكيم يُـمكن أن تساعد الدول فعلا على تطبيع علاقاتها؟
مارسيلو كوهين: نعم. هناك قائمة طويلة من الحالات، لأنه توجد وضعيات يستحيل فيها على الدول التوصل إلى اتفاق، بحكم التعارض القائم بين الجانبين وعدم استعداد أي منهما لفقدان ماء الوجه، وهذه بالتحديد، هي الحالة القائمة بين سويسرا وليبيا.
بشكل عام، عندما تكون هناك دولتان مُـصمّمتان على التمسك بمواقفهما، فإن التحكيم أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية (في لاهاي)، طريقة جيدة جدا لوضع حدٍّ لهذه الأصناف من المشاكل، دون أن يفقد أي طرف ماء وجهه.
أجرى الحوار سايمون برادلي – swissinfo.ch
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: كمال الضيف)
أولا: تشكيل هيئة للتحكيم تعمل وفقا للبنود ذات العلاقة في اتفاق 20 أغسطس 2009، ويكون مقرها برلين.
ثانيا: تعرب سويسرا عن اعتذارها عن النشر غير القانوني لصور السيد هانيبال القذافي في 4 سبتمبر 2009، وهو ما يشكل خَـرقا للخصوصية بموجب القوانين السويسرية، وتستنكر حكومة كانتون جنيف نشر هذه الصور وتعترف بمسؤوليتها وتلتزم الحكومة السويسرية بسير التحقيق الجنائي الجاري الآن في نشر صور السيد هانيبال، والذي سيتِـم من خلاله إحالة الجناة إلى العدالة وِفقا للقانون المعمول به، وفي حالة عدم تحديد هوية المسؤولين عن هذا الفعل، تقوم الحكومة السويسرية بدفع تعويض للشخص المتضرر يتفق على قيمته الطرفان.
ثالثا: ستقوم السلطات الليبية المختصّـة بتسريع عملية النظر في طلب العفو القضائي المقدّم من المواطن السويسري، وفقا للإجراءات القانونية النافذة.
رابعا: يعمل الضامنان على ضمان تنفيذ خطة العمل بشكل متزامن وصحيح وكامل، ولهذا الغرض، يعقد في مدريد اجتماع للمراجعة خلال (15) يوما من تاريخ التوقيع على خطة العمل.
(المصدر: عن موقع وزارة الخارجية الليبية بتصرف)
يوافق الطرفان على إنشاء هيئة للتحكيم، تتكون من 3 محكِّـمين.
يتحدد اختصاص هيئة التحكيم بالنظر في الواقعة (اعتقال هانيبال القذافي) وملابساتها، ويشمل على الأخص:
1. الإطِّـلاع على جميع الأدلة التي يقدمها الأطراف أو تطلبها الهيئة، بما في ذلك الوثائق والتسجيلات الصوتية وشهادة الشهود وأعمال لجنة التحقيق المستقلة (أنشأها الطرفان بموجب مذكِّـرة التفاهم الموقعة في 15 أغسطس 2008).
2. تحديد الأفعال التي قام بها أعضاء من شرطة جنيف ومسؤولين سويسريين آخرين، ذات العلاقة بالحادثة.
3. النظر في طلبات تفسير القرارات التي قد يقدِّمها الأطراف.
تُـطبِّـق الهيئة في أعمالها القوانين الدولية ذات العلاقة والمعاهدات الدولية والعرف الدولي، وكذلك الممارسات العامة، المقبولة أو المعترف بها كأدلة، وكذلك المبادئ العامة للقانون والمجاملة، المتعارف عليها بين الأمم المتحضِّـرة.
يتقاسم الأطراف بالتساوي، مصاريف الهيئة التحكيمية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.