مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سياسة الأسرة في سويسرا هي الحلقة الأضعف في سياسات الرعاية الاجتماعية”

أطفال خلال فصل دراسي
تتخلى حوالي أربع عائلات سويسرية من أصل عشرة عن فكرة إنجاب طفل آخر بسبب القيود المالية KEYSTONE/© KEYSTONE / LAURENT GILLIERON

نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة، تجد غالبية العائلات السويسرية صعوبة في توفير احتياجاتها الأساسية وتغطية نفقاتها الشهرية. هذا ما كشفت عنه دراسة حول المقياس الأسري الثاني، أجرتها جمعية "برو فاميليا سويس". ويدعو مدير الجمعية، فيليب غنايجي، إلى اتخاذ إجراءات سياسية سريعة بالخصوص.

تكشف الدراسة حول مقياس الأُسر الثاني عن وضع العائلات الذي يزداد سوءا في فترة تتميّز بالارتفاع العامّ في الأسعار. وهي دراسة نُشرت في مارس الماضي، من قبل جمعية “برو فاميليا سويس” (Pro Familia Suisse) وشركة التأمين “باكس” (Pax).

يعلّق فيليب غنايجي، مدير “برو فاميليا سويس” ومستشار الدولة السابق (وزير) من الحزب الليبرالي الراديكالي في كانتون نوشاتيل، على نتائج هذه الدراسة التي أجريت على 2123 أسرة في جميع المناطق السويسرية.

سويس إنفو: تسلّط الدراسة الضوء على الضغط المالي المتزايد باستمرار على العائلات. وتعتبر نسبة 52% من العائلات – مقارنة بـ 47% العام الماضي ـ أن دخلها غير كافٍ أو بالكاد يكفي. هل هذه النتائج مفاجئة بالنسبة لك؟

فيليب غنايجي: أنا مندهش بالفعل من حجم هذه الظاهرة. فمن الناحية العملية، تُظهرُ دراستنا أن ما يقرب من نصف العائلات السويسرية غير قادرة على توفير ما يكفي من المال في نهاية الشهر لتغطية نفقات غير متوقعة، مثل علاج طارئ عند طبيب الأسنان. وهذا مقلق للغاية.

محتويات خارجية

كيف تفسّر هذا التدهور في الوضع المالي للعائلات، مقارنة بالدراسة الأولى التي أجريتموها العام الماضي؟

يؤثر الارتفاع العام في الأسعار، عقب انتعاش فترة ما بعد الكوفيد، على العائلات بشكل خاص. وهذا هو الحال خاصة فيما يتعلق بالطاقة والسكن والمواد الغذائية. وعلاوة على ذلك، فقد أصبحت أقساط التأمين الصحي، التي لم يتم شملها في مؤشر أسعار الاستهلاك (IPC)، عبئًا لا يطاق بشكل متزايد على أسر الطبقة المتوسطة.

تؤكد العائلات، التي تعيش في سويسرا الناطقة بالفرنسية وفي سويسرا الناطقة بالإيطالية، أنها تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة أكثر من نظيراتها في سويسرا الناطقة بالألمانية. فهل هي أكثر انتقادا لوضعها المالي، أم أن هناك اختلافات موضوعية كبيرة بين المناطق اللغوية؟

العائلات التي تعيش في كانتون تيتشينو، تعاني بشكل خاص. ويعود ذلك إلى هيكل الأجور الأكثر انخفاضاً من بقية المناطق في البلاد، في حين أن التكاليف الثابتة مثل السكن والتأمين الصحي مرتفعة أو أعلى حتّى ممّا هي عليه في بقية سويسرا. وفي سويسرا الناطقة بالفرنسية أيضا، نجد أنّ أقساط التأمين الصحي، وهي أكثر النفقات عبئا على العائلات، أعلى بشكل عامّ مما هي عليه في سويسرا الناطقة بالألمانية.

محتويات خارجية

بالمقارنة مع الدول الأخرى، كيف تٌقيّمون الوضع الحالي للأسر في سويسرا؟

يؤثر التضخم على العالم بأسره، وليس على سويسرا فقط. ولكن على عكس العديد من الدول الأوروبية الأخرى، هنا لا تتدخل الدولة لدعم العائلات، فسياسة الأُسرة هي الحلقة الأضعف في السياسة الاجتماعية في سويسرا. ويتجلّى ذلك على وجه الخصوص في هذه الفترة التي تتميز بتراجع عام في القوة الشرائية.

بالنسبة لأربع عائلات من أصل عشرة، تمثّل تكلفة المعيشة سبب التخلّي عن إنجاب المزيد من الأطفال. أليس هذا مقلقًا، في الوقت الذي تشهد فيه سويسرا، كغيرها من البلدان، انخفاضًا في معدل المواليد؟

هذا بالفعل مقلق للغاية، وأنا مندهش أيضًا من حجم هذه الظاهرة. وهذا يشير برأيي، إلى أن الصعوبات المالية التي تواجهها الأسر لها تأثير كبير على سلوكها ورغبتها في إنجاب الأطفال. وعندما يكون لديك القليل من الموارد، فإنّك تضطرّ إلى خفض التكاليف. وبما أن تربية الأطفال مكلفة للغاية في سويسرا، فإنها تكون، للأسف، أول بنود النفقات التي يتمّ التضحية بها اليوم.

محتويات خارجية

نظراً للاستنتاج المثير للقلق الذي يظهر في دراستكم، ما الذي تنتظره من السلطات؟

السؤال الذي أطرحه على السلطات بسيط: هل سندعم أخيرا العائلات التي هي أساس مجتمعنا، أم أننا سنواصل النحيب على شيخوخة السكان ونقص اليد العاملة، ونترك العائلات تزداد فقراً ومعدل المواليد ينهار؟

وما هي التدابير التي ينبغي اتخاذها بسرعة لتخفيف العبء عن كاهل الأسر؟

يجب إعطاء الأولوية لوضع حد أقصى لأقساط التأمين الصحي، وتكلفة تولّي رعاية الأطفال خارج نطاق الأسرة. ولكن بالإضافة إلى هذه الاعتبارات العملية، فإننا ننتظر من عالم السياسة وعياً حقيقياً بالصعوبات التي تواجهها العائلات في حياتها اليومية.

محتويات خارجية

هل تتفق مع بعض الشخصيات السياسية اليسارية في القول إن هناك ازدراء من قبل السلطات، فيما يخصّ مسألة القوة الشرائية؟

لن أتحدث عن ازدراء، وإنما عن نوع من انقطاع التواصل. حيث لا يدرك السياسيون والسياسيات دائماً أن فئة كبيرة من الناس تعاني من مشاكل مالية، وأنه وبالكاد يمكنها تغطية نفقاتها حتى نهاية الشهر. نسبة كبيرة من هذه الفئة السكانية تسقط من إحصائيات الفقر الرسمية.

فيليب غنايجي
فيليب غنايجي، هو سياسي سابق من نوشاتيل، يدير حاليا جمعية “برو فاميليا سويس”. KEYSTONE/© KEYSTONE / JEAN-CHRISTOPHE BOTT

تعدّ تكلفة التأمين الصحي مصدر قلق كبير للعائلات، كما تظهر دراستكم. فهل ستدعو “برو فاميليا” إلى التصويت لصالح المبادرتين الهادفتين للحد من الأقساط، واللتين ستطرحان للتصويت في 9 يونيو؟

أولاً، أستطيع أن أقول إننا سندعم بحيوية هاتين المبادرتين، وذلك على الرغم من أن جمعيتنا غير سياسية. فمن الضروري سنّ تشريعات للحد من زيادة أقساط التأمين الصحي ووضع سقف لها.

حصل المتقاعدون.ات على نصيبهم.ن من الكعكة مع الراتب التقاعدي الثالث عشر، وقد حان دور العائلات الآن. هل يمكننا تلخيص موقفكم بهذه الطريقة؟

بالفعل، لقد أنهينا للتو تصويتا مهماً فيما يخص التأمين على الشيخوخة والباقين.يات على قيد الحياة (AVS). وهذا المعاش الثالث عشر هو خبر سارّ لكبارنا وكبيراتنا في السن، لكنّ الأسرة تلعب دوراً أكثر أهمية في مستقبل المجتمع. وعلينا معالجة ذلك، حالاً، لأن الأمر سيستغرق عدة سنوات قبل أن نتمكن من رؤية آثار التدابير المُتّخذة.

أنت رجل سياسي ذو توجه ليبرالي. ألا تتعارض هذه الرغبة، الملحوظة بشكل متزايد، في مناشدة الدولة حلَّ جميع مشاكل مجتمعنا، مع قيمك الشخصية؟

هناك بالفعل مطالبات متزايدة تجاه الدولة، ويعتقد الناس أحيانًا أن الحلول بسيطة. ولكن فيما يتعلق بسياسة الأسرة، فإنني أقول بوضوح شديد لعائلتي السياسية: ‘هل تريدين أن تسير الشركات بشكل جيد، وأن تنخرط النساء في العمل أكثر، وأن تكون تأميناتنا الاجتماعية مستدامة؟ إذن نحن بحاجة إلى وضع الظروف الإطارية اللازمة والتحرك بسرعة من خلال الاستثمار في سياسة الأسرة. فلا يمكننا الحصول على كل شيء دون مقابل’.

أمّا فيما يتعلق بهذا الملفّ، فإنه يجب على الكونفدرالية استعادة زمام الأمور. ولا يمكننا أن نتحمل اختلافات كبيرة بهذا الشكل بين الكانتونات في تطبيق تدابير دعم الأسر.

على الرغم من كل الصعوبات المذكورة، تقول أربع عائلات من أصل خمسة في سويسرا إنها راضية عن حياتها العائلية الحالية. ويقول حوالي ثلثي المستطلعة آراؤهم.ن إنهم.ن يعيشون.ن توازناً جيداً بين الحياة العملية والحياة العائلية، بحسب دراستكم. لذا فإن الأمور ليست سيئة للغاية بالنسبة للعائلات في سويسرا…

لست متفائلاً مثلك. ففي مجتمعنا، يُنظر إلى الأسرة بشكل متزايد على أنها ملاذ آمن من العالم الخارجي. فهي تسمح لنا بالتشبث بالجذور والقيم التي لم نعد نجدها في مكان آخر. وعندما يكون العالم الخارجي مصدر قلق، كما هو الحال الآن، فإننا نميل للتحصّن في الملجأ العائلي. وهذه هي الطريقة التي أفسّر بها نتائج استطلاعنا، حتى وإن كان من دواعي سرورنا شعور السويسريين والسويسريات بالرضا الكبير في داخل أسرهم.ن.

تحرير: بولين توربان

ترجمة: ميساء خوبيه قطيفاني

مراجعة: أمل المكي

>> إقرأ.ي مرة أخرى مقالنا عن التراجع التاريخي في نسبة الولادات في سويسرا والعالم

المزيد
قابلة تفحص رضيعة حديثة الولادة

المزيد

معدّلات الإنجاب في تراجع في سويسرا وحول العالم. هل تكفي الحلول المطروحة؟

تم نشر هذا المحتوى على لمواجهة التراجع التاريخي في عدد المواليد، اعتمدت بلدان عديدة تدابير تحفّز على الإنجاب، لكن الديمغرافيين والديمغرافيات يشككون.ن في جدواها إذا لم تتحوّل إلى سياسة أسرية حقيقية.

طالع المزيدمعدّلات الإنجاب في تراجع في سويسرا وحول العالم. هل تكفي الحلول المطروحة؟

هل نال المقال إعجابك.كِ؟ اشترك.ي في نشراتنا الإخبارية المتنوّعة للحصول على مجموعة مختارة من أفضل محتوياتنا مباشرة عبر البريد الإلكتروني. 

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية