سياسة واشنطن إزاء سوريا تدخل “مرحلةً جديدة”
هل بدأت الأزمة السورية تتّجه نحو التدويل الشامل والكامل، على النحو الذي كانت عليه أفغانستان إبّان الحِقبة السوفييتية ولبنان خلال حربه الأهلية 1975- 1989؟
قد يُقال هنا أن هذا السؤال غيْر دقيق. فالأزمة تدوّلت منذ اللحظة التي تسبّب فيها صلف النظام السوري في انتقال الإنتفاضة الشعبية من المظاهرات السِّلمية إلى العمل المسلّح، وفي انخراط معظم القِوى الإقليمية في الشرق الأوسط فيها، ومعها كل الدول الكبرى.
وهذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً، أن الولايات المتحدة، القوّة العُظمى الوحيدة في العالم، نأت بنفسها عن التورّط المباشر، الأمر الذي جعل التدويل يفتقِد إلى العنصر الأساسي، الذي قد يجعل منه تدويلاً تامّاً ومُتكامِلا.
الأسباب التي دفعت إدارة أوباما إلى ممارسة هذه السياسة إزاء سوريا، باتت معروفة، إذ هي تبنَّت في ولايتها الأولى استراتيجية الإستدارة نحو آسيا – الباسيفيك (Pivot)، والتي قامت على أضلُع ثلاثة:
الأول، تحويل جُلّ الموارد الأمريكية نحو منطقة الباسيفيك، التي أصبحت المركز الجديد للإقتصاد العالمي والتي تصعد فيها لأول مرّة في التاريخ ثلاث قوى آسيوية كُبرى في الوقت نفسه: الصين والهند واليابان.
والثاني، التركيز على إعادة بناء الإقتصاد الأمريكي، بما في ذلك محاولة إعادة تصنيع البلاد، لأن ما سيحسم الصراع في آسيا – الباسيفيك، هو التفوّق الإقتصادي بالدرجة الأولى، وهذا التوجُّه أطلق عليه أوباما اسم “بناء الأمّة” (Nation building).
والضلع الثالث، هو إقفال ملف الحروب البوشية (نسبة إلى بوش) في العالم الإسلامي والعمل على نقل مسؤولية إدارة الشرق الأوسط (ما عدا نفط الخليج)، إلى الدول الإقليمية الكبرى، الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة.
واشنطن (رويترز) – أشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء 1 مايو 2013، إلى أنه لن يتعجّل بالردّ سريعا على ما يبدو من استخدام سوريا لأسلحة كيمياوية، متخذا نهجا حذرا تجاه الصراع في سوريا، يعكس وجهات نظر المواطنين الأمريكيين ومعظم أعضاء الكونغرس وبعض حلفاء الولايات المتحدة.
وقال أوباما في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، إنه يوجد دليل على أن أسلحة كيمياوية استُخدمت في سوريا، لكن هناك أشياء كثيرة ما زالت غائبة عن أجهزة المخابرات الأمريكية.
وكان أوباما أعلن العام الماضي، أنه إذا حدث استخدام أو نشر أسلحة كيمياوية من قِبل الرئيس السوري بشار الأسد، فسيكون تجاوزا “لخط أحمر”. وأضاف أوباما قوله في المؤتمر الصحفي “لا نعرف كيف استُخدِمت ومتى استُخدمت ومَن استَخدمها… ليس لديْنا سجل لمتابعة الدليل يحدّد لنا ما حدث على وجه الدقة”.
ولم يستبعِد أوباما اتّخاذ إجراء عسكري أو غير ذلك ضد حكومة الأسد. لكنه أكّد مِرارا على أنه لن يسمح بأي ضغوط عليه لاتخاذ قرار متعجّل بالتدخل بدرجة أعمق في الصراع المُستمر منذ أكثر من عامين في سوريا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 مايو 2013)
الإستراتيجية.. تهتز!
لكن، يبدو الآن أن هذه الإستراتيجية، التي كانت في صلب سياسة “التهرّب من المسؤولية” الذي مارسه أوباما إزاء سوريا وبقية الشرق الأوسط (على حد تعبير مسؤول أوروبي)، بدأت تهتزّ بقوة.
أهمّ مؤشر على ذلك، كان إعلان مسؤولين أمريكيين بارزين مؤخّراً أن إدارة أوباما تتّجه الآن إلى تسليح المعارضة السورية مباشرة. كما أن البنتاغون أنجز بعدُ خُططاً للتدخّل العسكري في سوريا، تبدأ من قصف مواقع الصواريخ والدّفاع الجوي السوري، وتنتهي بإمكانية إقامة منطقة حظْر جوّي في الجنوب، على الحدود مع الأردن.
هذا الإنقلاب في الموقف الأمريكي أمْلَـته عوامل عدّة على ما يبدو أولها، تجاوز النظام السوري الخطّ الأحمر الأمريكي الخاص بحظر استخدام الأسلحة الكيميائية؛ والأهم إبداء إسرائيل تخوّفها على أمنها الخاص من هذا التطور، إذ أن تحويل استخدام هذه الأسلحة إلى “أمر عادي”، قد ينقلِب عليها في النهاية، إذا ما وقعت هذه الأسلحة في أيْدي أعدائها من المنظمات الأصولية المسلحة.
ثانيها، الضغوط على إدارة أوباما في الداخل الأمريكي للتدخّل، بذريعة أن الفشل في مواجهة أسلِحة دمار شامل على نحوٍ صغير في سوريا، سيجعل الفشل مُحتّماً في وقت لاحق، على النحو النووي الإيراني الكبير، وهذا ما سيضرب كل مصداقية الخطوط الحُمر الأمريكية في العالم بأسْرِه، بما في ذلك حتى في منطقة آسيا – الباسيفيك بين حلفاء أمريكا الآسيويين.
ثالثها، عجز بريطانيا وفرنسا، اللّتين أناطت بهما إدارة أوباما إدارة الملف السوري، بسبب مَتاعبِهما الإقتصادية والمالية، ولعدم قُدرتهما على دفْع ألمانيا ومعها الإتحاد الأوروبي إلى القِيام بدور أكثر فعالية في بلاد الشام.
أخيراً، ثمّة عامل قد لا يبدو بارزاً كثيراً هذه الأيام، لكنه حاضر وبقوة، وهو الإكتشافات المُذهلة للغاز الطبيعي والنفط في شرق المتوسط. وبديهي هنا أن لا تكون الولايات المتحدة في وارد ترك هذه الكنوز لُـقْمة سائغة في فم روسيا أو حتى حليفتيْها تركيا والإتحاد الأوروبي.
بوتين المنقذ؟
كل هذه العوامل إذن، تُساهم الآن في جرّ أوباما إلى إدارة الظّهر لإستراتيجية الإستدارة نحو آسيا، وإن بشكلٍ مؤقت، ومن الواضح أنه يفعل ذلك مُكرَهاً وبكلّ التردّد الممكن.
لا بل أكثر: الأرجُح أن الرئيس الأمريكي لا يزال يُراهن على أن الرئيس الروسي بوتين يُمكن أن يُنقِذه من هذه الورْطة، إن هو تخلّى عن بشار الأسد وعقد الخناصر معه، لإيجاد حلٍّ سياسي يعتمِد على “القوة الثالثة” في سوريا، وهذا التوجّه كان واضحاً، ليس فقط في المُكالمة الهاتفية بين الرجليْن قبل أيام، التي بدا فيها أن أوباما “يستجدي” بوتين تغيير موقِفه، بل أيضاً بما قاله المسؤولون الأمريكيون، من أن تسليح المعارضة لن يتِم، في حال اتُّخِذ قرار نهائي في هذا الشأن، “قبل أسابيع”، وهذا يعني أن أوباما يريد استخدام عملية تسليح المعارضة كورقةٍ للضّغط على بوتين عشية القمة بينهما في شهر يونيو المقبل.
لكن، وكيفما جرت الأمور خلال القمّة وبعدها، يبدو أن سياسة واشنطن إزاء سوريا دخلت بالفعل مرحلةً جديدة، عنوانها الرئيسي: الضغط الأمريكي على روسيا بقوة، لتخييرها بين تسوية تخرج منها رابحة وبين مجابهة شاملة في بلاد الشام، ستُمْنى فيها بخسائر إستراتيجية ومعنوِية كبرى. وفي كِلا الحالتيْن، سيتحقّق التدويل الكامل والناجز للأزمة السورية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.