سيناريوهات مُحتملة بعد استعصاء الحسم العسكري لصالح النظام
طفت على السطح خلال الأسابيع القليلة الماضية تطورات متلاحقة على الساحة السورية، تشي بأن قدرة النظام على تحقيق هدفه في حسم الأمور عسكرياً لصالحه قد تضعضعت إلى حد كبير (أو حتى تلاشت)، الأمر الذي يُفسح المجال أمام مفاجآت قد تقع في أي لحظة في بلاد الأمويين.
أول، وأهم المؤشرات، على هذا التطور، كان نجاح الثوار السوريين في الاستيلاء على نحو ست قواعد عسكرية دفعة واحدة في طول البلاد وعرضها خلال الأسبوع الماضي وحده. هذا فضلاً عن القاعدة الجوية 666 جنوب دمشق، وقاعدة جوية أخرى جنوب غرب حلب يوم الثلاثاء 27 نوفمبر 2012.
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه التطورات تأخذ بعضها بخناق بعض، أسقط الثوار السوريون طائرة هليكوبتر عسكرية بصاروخ أرض- جو خارج مدينة حلب يوم الثلاثاء الماضي 27 نوفمبر أيضا. وكان هذا تأكيداً على أن الثوار حصلوا بالفعل على صواريخ حرارية مضادة للطائرات، إما من مخازن الجيش النظامي الضخمة التي استولوا عليها، أو من عمليات تهريب الأسلحة التي تجري على قدم وساق من ليبيا إلى سورية على الأرجح عبر قطر.
وهذا على مايبدو مكَّنهم من تشكيل أول كتيبة صواريخ مضادة للطائرات في شهر أكتوبر المنقضي، تتكوّن من طيارين وعسكريين جويين منشقين. ويقول مقاتل في دمشق هو محمد معاذ أن “الطيارين المنشقين يدربون الآن الثوار المدنيين. هذه قفزة نوعية في مسار الحرب، وعما قريب ستسمعون أخباراً عن إسقاط طائرات الميغ في العاصمة”.
عامل حاسم
بالطبع، حصول الثوار على ترسانة صواريخ محمولة من هذا النوع، تعتبر حدثاً جللا. وللتذكير: كان قرار الولايات المتحدة بتزويد المجاهدين الأفغان بمثل هذه الصواريخ خلال حقبة الثمانينيات، العامل الأبرز الذي حسم وجهة الحرب ضد الاتحاد السوفييتي.
ويقول هنا أندرو تابلر، محلل للشؤون السورية في مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن استخدام الثوار للصواريخ المضادة للطائرات، “حدث كبير، لكنه ليس مفاجئا”. لماذا ؟ لأنه برأيه يؤكد أمرين إثنين: الأول، أن الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من القواعد العسكرية فعّالة وجاهزة للاستخدام، والثاني أن ثمة صحة للأنباء بأنه بعد توحيد شعث المعارضة السورية في الدوحة، بدأت بعض الدول بتزويد الثوار بأسلحة متطورة.
هذه النقطة الأخيرة، أي بدء توريد الأسلحة المتطورة من الخارج، أثارت بالفعل قلقاً شديداً في إيران، ودفعت رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى الإدلاء بتصريح غاضب ينتقد فيه هذا الأمر ويعتبر أنه “يمثّل مشكلة للسوريين” (يقصد النظام).
أي معنويات؟
بيد أن التقدم الذي أحرزه الثوار على العديد من الجبهات، وعلى رغم أنه كبير ومحسوس “وقد يكسر الطريق المسدود الذي ساد الحرب طيلة الاسابيع الماضية” (على حد تعبير “واشنطن بوست” بتاريخ 27 نوفمبر 2012)، إلا أنه لايعني أن الأمور حسمت نهائياً لصالح الثوار.
فقوات النظام حققت هي الأخرى تقدماً مؤخراً في مناطق في شرق سورية، وقرب مدينة حلب، ولا تزال تحتفظ بقوات ضاربة قوية في دمشق (الحرس الجمهوري).
لكن السرعة التي تتساقط فيها القواعد العسكرية، واعتماد النظام الكبير الآن على سلاح الجو، تدفع إلى الاعتقاد بأن النواة المقاتلة في جيش النظام، والتي تتكوّن في معظمها من العلويين، إما أنها باتت مُنهكة، لأنها مضطرة على رغم محدودية عديدها للقتال على جبهات تمتد على 180 ألف كيلومتر مربع، أو أن معنوياتها تدنّت بسبب ارتفاع عدد قتلاها وفشلها في تحقيق الحسم العسكري.
انقلاب لم يحدث
وإذا ما كان هذا الإفتراض صحيحا (والأرجح أنه كذلك)، فهذا قد يشرع الأبواب أمام سيناريوهات جديدة تطال هذه المرة بنية النظام السوري. وهنا، يُطرح السؤال الكبير الذي سيفرض نفسه من الآن فصاعداً هو: هل سيواصل كبار الضباط العلويين السير في ركاب آل الأسد؟
هذا السؤال له تبريراته التاريخية والمنطقية. فالضباط العلويون، الذين يقال إنهم يشكِّلون 60 في المائة من ذوي الرتب العالية في الجيش النظامي، يُعتبرون من أكثر العناصر ولاءً لنظام عائلة الأسد، إنطلاقاً من روابط القرابة، والزيجات، والمنافع الريعية.
لكن في المقابل، ليست هذه الكتلة من الضباط متجانسة، لأن الرئيس السابق حافظ الأسد عمد، وفي سبيل التحوُّط من مكائد ومؤامرات هذه الفئة، إلى تقسيم قوات النخبة الرئيسة فيها إلى مجموعات متنافسة مع بعضها البعض.
وبالتالي، إذا ما استمر تدهور الوضع العسكري على النحو الذي يجري الآن، حيث المعارضة المسلحة تحقق مكاسب واضحة حتى من دون تدخل دولي مباشر، فقد تؤدي التنافسات بين الضباط العلويين إلى تمايزات في المواقف إزاء حكم عائلة الأسد.
وإذا ما حدث ذلك، سيعود سيناريو الإنقلاب العسكري الذي توقعه الكثيرون منذ أشهر عدة، ولم يتحقق بسبب استمرار “ثقة” أركان النظام بقدرتهم على الحسم، إلى الواجهة. وهو قد يسير على النحو التالي: تنشق مجموعات بارزة من هؤلاء الضباط. لكنها لا تنضم إلى الجيش الحر، بل تشكّل مع الضباط والجنود السنّة الذين لازالوا في الجيش النظامي (والذين يقدَّر عددهم بنحو 120 ألف عسكري)، قيادة عسكرية مشتركة. إثر ذلك، تعمل هذه القيادة على إطاحة حكم عائلة الأسد، سواء سلماً إذا ما قبلت العائلة باللجوء إلى المنافي، أو بالقوة من خلال الإصطدام مع القوات التي ستواصل دعم الأسد.
في حال نجح هذا الانقلاب، تشرف القيادة الجديدة، بالتعاون على الأرجح مع قيادات الجيش الحر، على مرحلة انتقالية برعاية روسية – أمريكية، وإقليمية، يُعاد فيها بناء الدولة السورية على أسس حديثة على أساس المواطنة، لا وفق المحاصصة الطائفية كما في لبنان والعراق، وهي المحاصصة التي ثبُت أنها وصفة ممتازة لحروب أهلية دائمة.
بديل الهويات القاتلة
لكن، ماذا لو لم يحدث هذا الانقلاب، وواصل الضباط العلويون ربط مصيرهم بمصير عائلة الاسد؟ حسناً، حينها لن يكون في وسع الضباط والجنود السنّة في الجيش النظامي البقاء على الحياد، خاصة وأن التقدم السريع لقوات المعارضة المسلحة سيقوّض كل جهود النظام لإبقائهم خارج معادلة الصراع. وهذا سيؤدي إلى خلل كبير في موازين القوى العسكرية، وقد يدفع قوات الأسد إلى التراجع إلى المناطق الساحلية (اللاذقية، طرطوس، ..) ذات الأغلبية العلوية.
بيد أن ذلك لن يؤدي في الواقع سوى إلى نقل المعركة إلى قلب الجغرافيا العلوية، بكل مايعنيه ذلك من ضغوط هائلة على سكان هذه المناطق، من دون أي أمل لا في تحقيق النصر ولا في إقامة دولة علوية مستقلة، لأن ظروف إقامة مثل هذه الدولة تبدو صعبة محلياً وإقليميا ودوليا.
والآن، أي السيناريوهين الأكثر قدرة على التحقق؟ من الصعب الجزم. لكن ثمة عاملان يصبان في مصلحة السيناريو الإنقلابي: الأول، أن الدول الكبرى لاتبدو مستعدة لتكرار التجربة العراقية في سوريا، حيث أدى حل الجيش إلى نشوب ثورات واضطرابات لم تتوقف حتى الآن. والثاني، أن الوطنية السورية (وعلى رغم الشحن الطائفي الحاد الراهن) هي حقيقة حية وتركل، بسبب ارتباط السوريين بالأرض عبر الزارعة، على عكس الوطنية اللبنانية (مثلا)، التي كانت دوماً هشَّة لاعتماد النظام السياسي- الاقتصادي على الخدمات والتجارة والسمسرة.
لكن، إذا لم تبرز تجليات هذه الوطنية الآن، عبر الإنقلاب العسكري، فستكون سوريا في وارد التفتت على يد الهويات المذهبية والإثنية القاتلة. وهذا خيار لا يريد محبّو هذا الشعب النبيل والخلاّق حتى التفكير، مجرد التفكير، به.
جرت مواجهات عنيفة فجر الخميس 29 نوفمبر 2012 بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة المسلحة وبخاصة حول قاعدة وادي الضيف العسكرية في شمال غرب البلاد التي يحاصرها المقاتلون، حسبما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وذكر المرصد في بيان “تدور اشتباكات عنيفة منذ فجر اليوم بين القوات النظامية ومقاتلين من عدة كتائب مقاتلة في محيط معسكر وادي الضيف للقوات النظامية الواقع شرق مدينة معرة النعمان في ريف ادلب (شمال غرب)”.
واشار المرصد الى وجود “حشد للكتائب المقاتلة في محاولة لاقتحام المعسكر” لافتا الى “ترافق الاشتباكات مع قصف متبادل”.
واسفرت اشتباكات جرت في دير الزور (شرق) الى مقتل مقاتل من المعارضة فيما سقط اخر بالقرب من مدينة الرستن في ريف حمص (وسط)، وآخران في بلدة السفيرة (ريف حلب) حسبما اضاف المرصد الذي يعتمد في بياناته على شبكة من النشطاء والاطباء في عدة مناطق سورية.
وفي حلب، ثاني مدن سوريا والتي تشهد مواجهات دامية منذ اربعة اشهر، “تدور اشتباكات عند اطراف حيي العامرية وصلاح الدين، كما دارت اشتباكات عنيفة فجر اليوم بين القوات النظامية ومقاتلين من عدة كتائب مقاتلة عند اطراف حيي الصاخور وسليمان الحلبي”.
وفي ريف حلب، اضاف المرصد ان “الكتائب المقاتلة التي سيطرت على سد تشرين في منبج هددت بضرب خطوط الكهرباء ان لم يتوقف النظام عن القصف”.
وفي العاصمة، رافق اشتباكات بعد منتصف ليل الاربعاء 28 – الخميس 29 نوفمبر بين حي الحجر الاسود ومخيم اليرموك سقوط قذائف على المنطقة.
وشهدت بلدات وقرى الغوطة الشرقية في ريف العاصمة تحليقا للطيران الحربي رافقها قصف على عدة مناطق في الغوطة. كما تعرضت بلدتا بيت سحم وبيبلا بريف دمشق للقصف من قبل القوات النظامية رافقها اصوات انفجارات.
وتدور اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية في محيط بلدات عقربا وببيلا وبيت سحم تترافق مع قصف من الطائرات المروحية على اهداف بهذه المناطق.
واسفرت اعمال العنف يوم الاربعاء 28 نوفمبر عن مقتل 158 شخصا بينهم 99 مدنيا منهم 56 قتيلا سقطوا ضحية انفجار سيارتين مفخختين في ريف دمشق، بحسب المرصد الذي احصى اكثر من 40 الف قتيل منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في منتصف مارس 2012 والتي تحولت الى نزاع مسلح بعدئذ.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 29 نوفمبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.