سِـحر أوباما يتلاشى عند حدود فلسطين
ليس ثمّة شكّ في قدرات الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولا في مزاياه القيادية، وهو الذي بات يقدّم على أنه أحد أقوى رؤساء أمريكا، بيد أن كاريزما الرجل وسِحره، لا ينفكّان يخوناه عندما يتعلق الأمر بالصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فالرجل الذي لم تردعه قيادات الولايات المتحدة عن المُضِي قُـدما في مشروع، مثل قانون الرِّعاية الصحية، الذي تَجنَّبه جميع من سبقه من رؤساء، وفاز بولاية ثانية بعد منافسة قلّ نظيرها، لم يصمد سوى شهور عدّة مع ملف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية.
وها هو الخطيب المُفوه، الذي لا يشق له غُبار وحامل نوبل للسلام، يستهل أولى زيارات فترته الرئاسية الثانية إلى المنطقة، خالِـيَ الوِفاض، لا من مبادرة ولا من خطّة طريق ولا حتى من فِكرة يُمكن لها، ولو مؤقّتا، أن تُحرِّك مِياه السلام الفلسطينية – الإسرائيلية الرّاكدة.
وقال مسؤول مُقرّب من الرئاسة الفلسطينية في حديث مع swissinfo.ch، إن الرئيس الأمريكي “لا يحمل جديدا. إنه يريد فقط الإستِماع وخلق صداقات واستكشاف أفكار، وليس أكثر من ذلك”. وأوضح المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، أن الرئيس الأمريكي يريد أن يترك الأمر الآن لوزير خارجيته جون كيري، ومنحه فترة ستة أشهر يقوم خلالها بجوْلات استِطلاع، في محاولة لاستِئناف مفاوضات السلام المجمَّـدة.
هذه المرة، سمحت السلطة الفلسطينية التي حرِصت دوْما على نشْر أجواء إيجابية في مثل هذه المناسبات، بخروج تظاهُرات مندِّدة بزيارة أوباما، قام خلالها متظاهرون بإحراق صور الرئيس الأمريكي. في الوقت نفسه، اكتظَّـت مواقِع التواصُل الإجتماعي فايسبوك وتويتر، بانتقادات حادّة لأوباما ولِـما أسمَوْه “انحِيازا للجلاّد على حساب الضحية”، لاسيما تخصيص أكثر من سبعين ساعة من زيارته للإسرائيليين، مقابل خمس ساعات فقط للجانب الفلسطيني، وعدم إدراج زيارة لضريح الزعيم الراحل ياسر عرفات، في حين أن برنامج أوباما يتضمّن زيارة قبْر رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين.
وللتذكير، فقد رفض الرئيس محمود عباس ضغوطات كبيرة مارستها الإدارة الأمريكية، لردعه عن التوجّه إلى الأمم المتحدة لنيْـل اعترافها بفلسطين دولة غيْر عُـضو.
أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الاربعاء 20 مارس 2013 أن التحالف بين الولايات المتحدة واسرائيل “أبدي” وشدد على أن “السلام يجب أن يأتي إلى الاراضي المقدسة”.
وقال اوباما بُعيد وصوله لمطار بن غوريون في أول زيارة له كرئيس للولايات المتحدة الى الدولة العبرية “يجب أن ياتي السلام الى الاراضي المقدسة. لن نفقد المل برؤية اسرائيل في سلام مع جيرانها”. وأضاف “تحالفنا أبدي. إنه للابد”.
وشدد اوباما على انه “من مصالح أمننا القومي الرئيسية الوقوف مع اسرائيل. فان ذلك يجعل كل منا أقوى”.
وكانت الطائرة الرئاسية الاميركية “اير فورس وان” هبطت في مطار بن غوريون قرب تل ابيب بُعيد الساعة 12,15 (10,15 بتوقيت غرينيتش).
واشاد الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز باوباما ووصفه انه “زعيم عالمي بارز” أظهر التزاما شخصيا عميقا لحماية اسرائيل. وأكد بيريز في خطاب الإستقبال أن “عالما بدون صداقتكم سيدعو إلى عدوان ضد اسرائيل. في أوقات السلم وفي اوقات الحرب، دعمكم لإسرائيل ثابت”.
وبدا رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي تربطه علاقة متوترة باوباما منفتحا ايضا، اذ شكر اوباما لدفاعه عن حق اسرائيل في الدفاع عن وجودها. وقال نتانياهو: “شكرا لك للدفاع عن حق اسرائيل بالدفاع بشكل جلي عن حقها في الوجود”.
وعاين اوباما قاعدة للنظام الإسرائيلي المضاد للصواريخ “القبة الحديدية” الذي تموله الولايات المتحدة قبل أن يستقل مروحية مع نتانياهو متوجها إلى القدس.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 20 مارس 2013)
القرينة الإسرائيلية
لم تكن تجربة أوباما الأولى مع الملف الفلسطيني – الإسرائيلي مجرّد نزهة، بل صدمة للرئيس المرهف، والسياسي الذي اختاره العالم، رمزا للتغيير والأمل للقرن الحادي والعشرين، قبل أن ينتخبه مواطِنوه الأمريكيون أول رئيس أسود في تاريخهم.
لكن، كل المزايا التي رافقت اندِفاعته القوية الأولى مع خِطاب جامعة القاهرة الشهير، وجهره المباشر بالدولة الفلسطينية، وإن كان مقرونا بيهودية إسرائيل، لم تصلح لتكون جِسرا يتخطّى عقبة الاستيطان الإسرائيلي في الأرض المحتلّة، وهي العقَـبة التي أودت بالمفاوضات، التي طالما تحمَّـس لها الرئيس عباس وعمِل كلّ ما بوُسْعه لمُواصلتها.
لم يكن أوباما ليتوقّع إقدام إسرائيل على الإعلان عن بناء مزيد من المُستوطنات، تزامُنا مع زيارة نائبه جون بايدن إلى إسرائيل، لكن بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل ورمز يمينيتها وتطرّفها، فعلها بكلّ برودة أعصاب.
وعلى أوباما الآن، ومن جديد، أن يتعامل مع نتانياهو، لكن هذه المرّة مع حكومة جديدة يصِفها الإسرائيليون أنفسهم بأنها الأكثر تطرُّفا، حكومة قِـوامها وديدنها الإستيطان، والمزيد من الإستيطان في الأرض الفلسطينية المُحتلة.
ويرى الكاتب والمحلِّل السياسي هاني المصري أن أوباما قرّر عدم تقديم أي مبادرة جديدة في حضرة النِّزاع الإسرائيلي – الفلسطيني “لأنه أخذ العِبرة المناسبة من فترة رئاسته الأولى، حين تحدّث عن وقْـف الإستيطان وعن أمله في إقامة دولة فلسطينية في عام 2011، ولم يحصد إلا الفشل والتّراجُع الذليل أمام نتانياهو”.
وأضاف المصري في مقالٍ نشرته صحيفة “الأيام” الصادرة في رام الله “ولو كان (اوباما) يفكِّـر مُجرَّد تفكير بإطلاق مُبادرة عندما فكَّر بالزيارة، لتراجع بسرعة بعد إعلان تشكيل الحكومة الإسرائيلية وبرنامجها الذي يهمِّش القضية الفلسطينية وينذر بأننا أمام تصعيد قادم في العُدوان وتوسيع الإستيطان، ولسنا أمام إحياء “عملية السلام”.
ويعتقد المصري أنه “بدلًا من تقديم المبادرة، ستسعى إدارة أوباما إلى تكثيف الجهود في الفترة القادمة، لخلق رأي عام إسرائيلي، من أجل التوصّل إلى تسوية من خلال تملُّق الإسرائيليين بالحديث عن الْتِزامه الحديدي بأمن إسرائيل واستمرارها كدولة للشعب اليهودي ومعرفته بتاريخها وإشادته بقِـيَمها، والإشارة إلى أن السلام، خاصة بعد المتغيِّرات العربية، مصلحة إسرائيلية، وليست مصلحة أمريكية فقط”.
ولا تتجاوز توقّعات الفلسطينيين من الإدارة الأمريكية أكثر من محاولة إستئناف المفاوضات وإقناع إسرائيل التقدّم بخُطوات بناء ثقة، كإطلاق سراح أسرى وتجميد جُـزئي ومؤقّـت للاستيطان، يستثني القُدس والكُتل الاستيطانية. لكن ذلك لن يتم دون تعهُّـد فلسطيني باستمرار الإلتزام بالتنسيق الأمني، وعدم اللجوء إلى محاكمة إسرائيل في المحاكم الدولية، بما في ذلك الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية. وهناك من يضيف أسبابا أخرى تحُـول دون قيام أوباما بأي بادِرة حقيقية تُجاه الوضع الفلسطيني الإسرائيلي المعقَّـد.
وبحسب الكاتب مهند عبد الحميد، فإن “جعبة الرئيس (اوباما) خاوِية من الحلول والأفكار، ليس لأن إسرائيل لا تريد ولا تستجيب، بل لأن الكونغرس ومجلس الشيوخ والإدارة لا ترغب في الوصول إلى حلّ”. وأضاف “تستطيع الإدارة الأمريكية أن تطوع الموقف الإسرائيلي بوقف الإستيطان والمُضي في حلٍّ ينهي الاحتلال ويؤدّي إلى دولة فلسطينية. فإسرائيل أفضل وأرخص سفينة حربية تمتلكها الولايات المتحدة، لكن الإدارات الأمريكية المُتعاقبة عطّلت الحلّ السياسي للصِّراع الفلسطيني – الإسرائيلي”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.