شخصيات من العالم الإسلامي: “احترموا رأي الناخب وتحاوروا مع المجتمع”
في أول ردود فعلٍ عربية على نتيجة الاستفتاء الذي أجري يوم 29 نوفمبر 2009 في سويسرا ووافق من خلاله 57،5% من الناخبين على منع بناء المزيد من المآذن في سويسرا، استنكر الدكتور علي جُـمعة، مفتي مصر، تمرير المبادرة التي أطلقها يمنيون متشددون، ودعا إلى "عدم إساءة استخدام هذه النتيجة لتحقيق مآرب سياسية".
من جهة أخرى، حثّ مفكرون مسلمون من سوريا والسعودية والعراق، الجالية المسلمة على التعامل بعقلانية مع نتيجة الإستفتاء واحترام رأي الناخب السويسري، والعمل على تغيير الصورة النمطية والأفكار المُـسبقة، التي أثّـرت سلبا، حسبما يبدو، في قرار جزء كبير من المواطنين السويسريين.
وفور الإعلان عن نتيجة الاستفتاء، استطلع همام سرحان، مراسل swissinfo.ch في القاهرة، ردود فعل شخصيات عربية وإسلامية من عدد من داخل البلد العربي وخارجه، وهم على التوالي: المفكر الإسلامي الدكتور طه جابر العلواني وفضيلة الدكتور علي جمعة، مفتي مصر، والمفكر الإسلامي السوري الدكتور محمد منير الغضبان، والمفكر الإسلامي السعودي الدكتور مسفر القحطاني.
“احترموا رأي الناخب السويسري”
المفكر الإسلامي الدكتور، طه جابر العلواني، صرح لـ swissinfo.ch: هذه النتيجة ليست مفاجئة. فالإسلاموفوبيا في أوروبا كبيرة جدًا واليمينيون المتطرفون يعتبرون أن هذا نوع من الدِّفاع عن النفس والهُـوية الأوروبية، التي لم يستطيعوا تحديدها حتى الآن، ومن ثم فهُـم في حالة قلق.
وفي كل الأحوال، أقول لمسلمي سويسرا استئنفوا المشوار بهدوء وعَـقلانية وقدِّموا تصاميم جديدة وجميلة للمآذن. فهناك أكثر من 20 شكل مختلف للمآذن في التاريخ الإسلامي؛ فشكلها يختلف في مصر عنه في المغرب والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، ومن ثَـم، فإنه يجب عليكم أن تقدِّموا عدة تصاميم جديدة؛ فيها ما يرمز لسويسرا. وأقترح أن يعلنوا عن مسابقة للمهندسين لتقديم أجمل تصميم لمئذنة تراعي الخصوصية والحضارة السويسرية.
أما عن هذه النتيجة، فلا ينبغي أن تؤثر عليكم؛ لأن المسجد في أول تأسيس له في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان أرضا تخطط ليس بها شيء، أما الصفة الأساسية المميزة للمسجد، فهي المِـحراب (القِـبلة) لكونه محدد للقِـبلة التي يتّـجه لها المسلمون في صلاتهم.
كما أن هذه النتيجة ليست إلا مؤشرا على رفض الوجود الإسلامي، ولكن ما دامت المآذن قد تحوّلت إلى رمز ديني وحضاري، فلتتعاملوا معها وِفق هذه النظرة، وأن تُـراعوا في الأشكال المقترحة للمآذن “الحضارة السويسرية والرمز الإسلامي”، على أن يتم تجنّـب أية رموز دينية، كالصليب أو الهلال أو غيره من الرموز.
وعليكم ان تتعاملوا مع هذه النتيحة بحذر شديد؛ مع تجنّـب القيام بأي ردّ فعل غير عاقل، لأنه سيستتبعه ردّ أو ردود فعل أخرى منهم، وأن تُبدوا احتراما شديدا لرأي الناخب السويسري، مهما كانت النتيجة، فهذا رأيه ويجب ان يحترم مهما اختلفتم معه؛ غير أنني أؤكِّـد أنه يجب أن ينطبع في أذهان الأجيال الجديدة والقادمة في سويسرا، أن المسجد موقع ومركز إشعاع حضاري ومركز للخدمات الاجتماعية ومكان لتقوية الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى.
“لا ينبغي إساءة استعمال هذه النتيجة”
من جهته، استنكر فضيلة الدكتور علي جمعة، مفتي مصر تمرير مبادرة حظر المآذن التي تقدم بها يمنيون متشددون في سويسرا. وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أعرب فضيلته عن قلقه بشأن هذه القضية، وقال “لقد سعينا حثيثاً لتقديم ما أمكن من مساعدة لتفادي هذه النتيجة الراهنة، حيث تعاوننا قدر المستطاع مع كل من حمل همَّ هذه القضية في سويسرا وآخرين ممّـن أبدوا رغبتهم في مدّ يد العون”.
وأضاف فضيلة مفتي مصر: “حريٌّ بهذه النتيجة أن تنبّـهنا إلى حقيقة المخاوِف المهملة ومشاعر القلق الكامنة التي تجاهلها صنّـاع القرار على نحو غير كافٍ، ونوصي بأن يتصدّر تحدّي بناء مجتمعات حقيقية قادِرة على دمْـج التنوع والاختلاف بشيء من الانسجام قائمة الأولويات في كل مكان، ونحن مستعدّون لتقديم كامل الدعم لهذا الجهد”.
وقال الدكتور علي جمعة: “إن سويسرا تميّـزت بقدرتها على ضمّ أجناس مختلفة ثقافيا، وهذا واضح كل الوضوح في لُـغاتها الرسمية الأربع، كما تنص المادة 15 من الدستور السويسري على أن: “حرية الاعتقاد والفلسفة، مكفولة. فكل واحد له الحرية في اعتناق الأديان والعقائِـد وأن يمارسها، سواء كان وحيدا أو داخل جماعة. وللجميع الحق في الانضمام لأي جماعة دينية وأن يتبع التعاليم الدينية. ولا يجوز إكراه أحد على الانضمام لجماعة دينية أو ممارسة شعيرة دينية أو اتباع تعاليم دينية بعينها”، هذا الحق الدستوري لم يتغيّـر وعلى الجميع أن يتذكّـر ذلك”.
إننا – إزاء هذا الوضع – نُـشاطر مجلس الأديان السويسري الذي يضمّ عددا من الأعضاء المسلمين استنكاره لِـما آلت اليه الأمور، في الوقت ذاته نؤكد على إيماننا بأن الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية، لا زال مكفولا في سويسرا كما كان الحال فى الماضى، ونتمنى أن يسود العالم أجمع. ولا ينبغي أبدا أن تتِـم إساءة استعمال هذه النتيجة لتحقيق مآرب سياسية، وإنما يجب اعتبارها دعوة للتعهد ببناء التعاون والتناغُـم بين مختلف دياناتنا ومجتمعاتنا بروج جديدة”.
“المآذن ليست من أركان دينكم…”
المفكر الإسلامي السوري الدكتور محمد منير الغضبان قال في تعليقه على نتيجة التصويت: “على الرغم من أن نتيجة الاستفتاء لا تعكس إجماعًا ولا أغلبية كبيرة من الشعب السويسري، غير أنها تؤشِّر لحالة مقلقة ومرحلة جديدة من عدم الإرتياح الذي سيسود مسلمي سويسرا في المستقبل القريب، نتيجة شعور المواطن المسلم في سويسرا، بأن هناك تدخّـل في شعائره التعبّـدية التي يقوم بها، وهو أمر يتَـعارض مع أبسط مبادِئ الحرية والديمقراطية، التي تتفاخر بها سويسرا منذ زمن بعيد.
وأقول لمسلمي سويسرا، إن قضية المآذن ليست شيئًا من أعمِـدة وأركان دينكم. فالله جعل لكم الأرض مسجدًا والمآذن في النهاية ليست إلا رمزًا؛ فاصبروا وصابروا ولا يفتّ هذا الأمر من عضدكم وثقتكم بربِّـكم ودينكم وأنفسكم.
غير أن ما يُـلفت الانتباه، هو أن يتدخّـل المجتمع السويسري، الذي ينظر المسلمون في العالم كله لدولتهم سويسرا على أنها قمّـة الديمقراطية والحرية، في الوقت الذي انصرف فيه بقية المسلمين في العالم إلى مصالحهم الشخصية واهتموا بذواتهم ونسوا إخوانهم من مسلمي سويسرا، فلم يقفوا معهم ولم يعضدوهم في محنتهم..
وأود أن أنبِّـه إلى أن هذه النتيجة وهذه المؤامرة التي حاكها اليمين المتشدِّد في سويسرا، قد تتكرر في عدد من الدول الأوروبية الأخرى، التي ينعم فيها المسلمون بالهدوء والإستقرار، ما لم يتحرّك المسلمون في أوروبا كجسَـد واحد ويد واحدة..”
“لابد من أخذ مخاوف المجتمع بعين الاعتبار”
الدكتور مسفر القحطاني، المفكر الإسلامي السعودي، ذهب من ناحيته إلى أن “هذه النتيجة من وجهة نظري، ليست فوزا كاسحا أو دليلا قاطعا لتوجّـه المجتمع نحو حظر بناء المآذن، بل هي في حقيقتها تؤكِّـد وجود نِـسبة كبيرة من الناخبين السويسريين ترفُـض مبادرة الحظر وتُـقر بحقّ المسلمين في بناء المآذن.
عِـلما بأن أوروبا تحشد الرأي العام منذ زمن ليس بالبعيد لدمج الجاليات والاقليات بالمجتمع الأوروبي وعدم تميز أي هوية تهدّد نسيج المجتمع، وهذا التخوّف مبني على اعتبارات واقعية وإستراتيجية، أي سياسية، لابد أن يهتم بها، مثل الزيادة السكانية للمسلمين وانتشار الدعوة في غالب المجالات الحياتية والمطالبة بالحقوق الدينية، في ظل مجتمعات علمانية وكاثولويكية.
وينبغي للجالية المسلمة في سويسرا خصوصا وفي أوروبا عموما، أن تراعي الذِّهنية الأوروبية التي تعيش هذا القلق، وتقدِّر احترام المؤسسات الرسمية ولا يجدر بهم مواجهة هذا القرار في مقابل الحجم الكبير من الحريات والحقوق الأخرى.
وأقترح على الجالية إرسال خِـطابات شكر لكل من أيّـدهم في بناء المآذن، فهُـم نسبة غير قليلة وعدد مُـعتبر قاوَم كل صوَّر الفوبيا من الإسلام، ثم تحتاج الجالية أن ترتِّـب أولوياتها، ولا تعتبر هذا القرار خَـسارة على الدّعوة والعمل الإسلامي، وذلك أن المآذن ليست في الشريعة بأولوية، فلا ينبغي اليوم أن تكون أولوية نُـراهن عليها أو نغامِـر من أجلها، في مقابل فقد أو خسارة مُـكتسبات طويلة من العمل الإسلامي.
والتحدِّي الحقيقي، هو أن تقبل الجالية قرار المجتمع السويسري وتحترم الديمقراطية الحرّة التي اختارها الشعب وتبدأ في تغيير الصورة النمطية لدى الحاظرين لبناء المآذن من خلال حُـسن التعامل وحضارية الإسلام وسُـمو أفكاره وقِـيمه”.
“إن قوى التحيّـز والتعصّـب لا تزال قوية”
من جانبه، صرح المفكر الإسلامي الموريتاني محمد الشنقيطي لـ swissinfo.ch بأنه “ربما كان المفكِّـر الجزائري مالك بن نبي على حق، حينما ذكر مرّة أن النفس الأوروبية “كثيفة” في رؤيتها للمسلمين، بمعنى أنها تنقصها الشفافية والنزاهة الفكرية وتنحو منحى الازدواجية والتطفيف. ولعل التصويت التي جاء مناقِـضا لكل استطلاعات الرأي، يكشف عن شيء من ذلك. وقد قال لي مرّة بروفسور أمريكي صديق: “إن الناس في العالم الإسلامي يظنّـون أن أمريكا لا تؤمن بحقوق الإنسان.. الحقيقة أن أمريكا تؤمن بحقوق الإنسان، لكن المشكلة في تعريفها للإنسان”، وهو يقصد أن المسلمين ليسوا داخلين ضِـمن تعريف الإنسان بشكل كامل في الذهنية الأمريكية، وليس من ريْـب أن ملاحظة الأستاذ الأمريكي أصدق وأدقّ في توصيف الحالة الأوروبية”.
وواصل قائلا: “إن قوى التحيّـز والتعصّـب لا تزال قوية، رغم كل التحوّلات الدِّينية والفكرية التي شهدتها القارة العجوز منذ عصر الأنوار. ومع ذلك، فإن القوى السياسية السويسرية التي وقفت ضدّ هذا القانون الجائر، تستحق الشُّـكر والاحترام. وليس أمام المسلمين الأوروبيين سوى مدّ يد التّـعاضد مع قِـوى العدل والإنصاف في مجتمعاتهم، حتى يحصلوا على حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة ولا ممنون بها. أما الذين استعبدتهم ذاكرة الصِّـراع مع المسلمين في العصور الوسطى، فهم لا ينتمون إلى عالَـم السلام والوِئام الذي نطمح إليه جميعا خاليا من الحِـقد والتعصب”.
همام سرحان – القاهرة – swissinfo.ch
نجحت المبادرتان الشعبيتان المناهضتان لبناء مآذن جديدة في سويسرا ولتصدير العتاد الحربي السويسري في تعبئة الناخبين بحيث ارتفعت نسبة المشاركة إلى حوالي 53%، وهي أفضل نتيجة سجلتها عمليات التصويت على المستوى الفدرالي في عام 2009.
وحسب النتائج النهائية لعمليات تصويت يوم 29 نوفمبر 2009 الصادرة عن المتشارية الفدرالية:
– المبادرة الشعبية المناهضة لبناء مآذن جديدة في سويسرا حظيت بموافقة 57,5% من الناخبين.
– المبادرة الشعبية المناهضة لحظر تصدير العتاد الحربي السويسري قوبلت برفض 68,2% من الناخبين.
– تمويل النقل الجوي: حصل المقترح على تأييد 65% من الناخبين.
أما نسبة المشاركة حول المواضيع الثلاثة مجتمعة فبلغت 51,9%.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.