شراكة إستراتيجية بين برن وتونس من أجل إنجاح التحوّل الديمقراطي
أكّد مسؤولون في الخارجية السويسرية أن نجاح التحوّل الديمقراطي في تونس يمثل "مصلحة حيوية" لبلادهم. ولتحقيق ذلك قررت برن توفير الدعم والمساندة اللازميْن بشكل عمليّ ومدروس لبلد "ثورة 14 يناير" عبر إبرام اتفاق شراكة وتعاون مع السلطات المحلية يضع الإطار المناسب لقيام مؤسسات ديمقراطية تحترم أسس دولة القانون والمؤسسات.
وخلال الوضع الإنتقالي الحالي، المتميّز بالهشاشة وعدم الإستقرار نسبيا، يعتبر نجاح انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ليوم 23 أكتوبر وضمان شفافيتها أولوية وشرطا أساسيا للمضي قدما في هذا المسار التعاوني بين البلدين.
وخلال ندوة سياسية بعنوان “ثورات العالم العربي بين الآمال والتخوّفات” عقدتها وزارة الخارجية السويسرية يوم الثلاثاء 18 أكتوبر 2011 ببرن بحضور عينة من الشباب العربي من تونس وليبيا ومصر والبحرين واليمن وسوريا، افتتحت وزير الخارجية كلمتها أمام الحضور قائلة: “أيّها السيدات والسادة، إنه لمن دواعي السعادة الغامرة أن تنتظم في نفس اليوم (23 أكتوبر) انتخابات برلمانية في سويسرا، وانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس. وفي الحالتيْن تتيح الإنتخابات الحرة للمواطنين امكانية الإختيار بين رؤى ومشاريع مختلفة”.
وإذا كانت الإنتخابات البرلمانية في سويسرا على حد عبارة اسيدة ميشلين كالمي – ري “قد تحوّلت إلى عملية روتينية ومعتادة، فإن الإقتراع الذي تشهده تونس هذا الأحد يعد لحظة جديدة وإستثنائية سوف يفتح الباب لعهد جديد، وهو ثمرة لثورة شعبية لم يتوقعها أحد”.
الإنتخابات في أرقام
23 أكتوبر 2011: هو موعد إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المكلف بإعداد دستور جديد للجمهورية التونسية داخل تونس، أما بالنسبة للتونسيين بالخارج فتجري الإنتخابات خلال ثلاثة أيام تبدأ يوم 20 أكتوبر وتنتهي يوم 22 من نفس الشهر.
الحملة الإنتخابية: تدوم ثلاثة أسابيع وتنطلق في غرة أكتوبر وتختتم يوم الجمعة 21 أكتوبر في منتصف الليل.
4.812.000: هو العدد الإجمالي للتونسيين الذين بادروا بتسجيل أنفسهم طوعيا في القوائم الإنتخابية الجديدة.
217: هو العدد الإجمالي لمقاعد المجلس التأسيسي خصص منها 18 مقعدا للتونسيين المقيمين في الخارج.
11.686: هو العدد النهائي للمرشحين الذين يخوضون السباق ويتوزع كالتالي: (56% ما دون 40 سنة، و25% ما بين 40 و50 سنة).
1626: هو العدد الإجمالي للقوائم المتنافسة وهي تتوزع كالتالي: 827 قائمة حزبية و660 قائمة للمستقلين و34 قائمة لائتلافات تشكلت من طرف عدة أحزاب. أما بالنسبة للتونسيين بالخارج، فينضوي المرشحون تحت 138 قائمة (72 مستقلة، و66 حزبية).
مكاتب التصويت: في الداخل (7213)، وفي الخارج (479).
الصحافيون: العدد الإجمالي المعتمد لتغطية العملية الإنتخابية: 351 صحفي تونسي، و136 صحفي أجنبي.
المراقبون: عدد المراقبين التونسيين (5143)، وعدد المراقبين الأجانب (533). وعدد المنظمات الاجنبية المعتمدة في عملية المراقبة (15).
استعداد كامل لتقديم الدعم
عرضت الوزيرة السويسرية في الخطاب نفسه على تونس، والبلدان العربية السائرة في الطريق إلى الديمقراطية مثل مصر وليبيا، شراكة شاملة تضع من خلالها سويسرا خبراتها التقنية، والفنيّة، والسياسية تحت تصرّف تلك البلدان، سواء في مجال الإنتقال الديمقراطي، والعملية الإنتخابية، أو في مجال إصلاح الأجهزة الأمنية والعدالة الإنتقالية، أو التكوين الفنّي وخلق مواطن الشغل.
وأردفت ميشلين كالمي –ري قائلة: “أما بالنسبة للأصول المالية المجمّدة، يجب التذكير بأن سويسرا كانت الأولى على مستوى العالم التي جمّدت الاموال التي كانت بحسابات مصرفية في سويسرا على ذمة بن علي والمقربين منه”.
وفي نفس السياق، أشار كلود فيلد، رئيس الدائرة السياسية الرابعة (المكلفة بقضايا الأمن الإنساني) في وزارة الخارجية السويسرية خلال ندوة صحفية بجنيف نهاية الأسبوع الماضي إلى “أن سويسرا عازمة كل العزم على فعل ما تستطيع من أجل دعم العملية الديمقراطية الجارية في تونس حاليا”.
ولتفعيل هذا الدور في تونس وفي البلدان العربية التي تشهد تحوّلا ديمقراطيا، رصدت سويسرا للمرحلة الاولى (2011 -2012)، حوالي 60 مليون فرنك، تتوزّع بين المساعدات الإنسانية، وبناء المؤسسات الديمقراطية، ومساعدة المهاجرين وحمايتهم، والتنمية الإقتصادية. ولتنسيق هذه العمل، ينتظر أن يُفتح مكتبان في كل من تونس والقاهرة، بموفى هذا العام.
انجاح انتخابات المجلس التأسيسي
لإنجاح اقتراع 23 أكتوبر في تونس والذي يعتبر محطة مهمّة في سبيل تحقيق تحوّل جذري، مقترن برغبة شعبية في العيش بكرامة وحرية، جنّدت سويسرا 15 خبيرا لمراقبتها، وأرسلت خبيرة أخرى في مجال الأمن الإنساني إلى تونس منذ شهر سبتمبر الماضي لمساعدة الجهات المشرفة على تنظيم الإنتخابات، إلى جانب مراقبيْن مكلفيْن بمهمة تمتد لفترة تتجاوز الإنتخابات المقبلة.
كذلك من المنتظر أن يلتحق أربعة مراقبين سويسريين ببعثة الإتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في تونس، وأن يلتحق ثمانية آخرين ببعثة المنظمة الدولية للفرنكفونية (OIF). من جهة أخرى يرأس السويسري أندرياس غروس النائب عن الحزب الإشتراكي بكانتون زيورخ، بعثة مراقبي الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
لوجستيا، تبرعت سويسرا بـ 12.000 صندوق اقتراع للإستخدام في انتخابات 23 اكتوبر، وقال أندريان سولبيرغر، المتحدث بإسم وزارة الخارجية السويسرية في وقت سابق: “إن هذه الصناديق التي انتجت في تركيا والدنمرك، والمحترمة للمعايير الدولية وذات الجودة العالية من شانها أن تساعد على تعزيز ثقة الجمهور في دقة العملية الانتخابية”. كذلك أرسلت سويسرا إلى تونس أختاما وطوابع وغيرها من اللوازم التي تحتاج إليها عملية الاقتراع.
وباعتبار أنه لا وجود لانتخابات حرة من دون أن تقوم وسائل الإعلام بدورها بطريقة نزيهة ومحايدة، كان لسويسرا هنا أيضا، ومن خلال شراكة مع مؤسسة “أيرونديل” غير الحكومية التي يوجد مقرها بلوازن والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون إسهامها الفعال في تكوين وإرشاد صحفيي الإذاعات التونسية الوطنية والجهوية على تنظيم تغطية انتخابات المجلس التأسيسي بأسلوب مهني مما يشكل قطيعة مع نوعية الإعلام الذي ساد في عهد الرئيس المخلوع بن علي.
ومن أبرز ما تضمنه دعم مؤسسة إيرونديل لمُذيعي تونس وضع مدونة سلوك، وميثاق انتخابي، وإعداد جدول برامج خاصة بالانتخابات تمنـح الكلمة بوقت متساو لكافة الأحزاب، وتتيح لأبناء الشعب التونسي فرص التعبير عن رأيهم وطرح أسئلتهم على المُرشحين، حتى في أكثر المناطق عزلة في البلاد.
تعزيز المجتمع المدني وإصلاح أجهزة الأمن
وعبر تقديم الدعم للعديد من مؤسسات المجتمع المدني في تونس، تساهم سويسرا بشكل مباشر في ترسيخ قيم المجتمع المدني، والتوعية بالحقوق المدنية للمواطنين، عامل هام وأساسي لقيام دولة القانون والمؤسسات، ولإنجاح التحوّل المنشود.
وخلال الأشهر الأخيرة، تطرقت محادثات الأطراف السويسرية، الرسمية وغير الرسمية، مع السلطات التونسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى العديد من القضايا ذات العلاقة، وعلى رأسها مسألة المصالحة الوطنية، والعدالة الإنتقالية، ومعالجة آثار الماضي وفق مبادئ عدم الإفلات من العقاب، بما في ذلك حق الضحايا في معرفة ما هو مستحق لهم، والحق في المقاضاة، والحق في التعويضات، وفي ضمان عدم تكرار ما تعرضوا إليه من اضطهاد وظلم، مع التأكيد كل مرّة على الشراكة بين الأجهزة الرسمية وهيئات المجتمع المدني في إنجاز هذه الإصلاحات.
ولا يمكن الحديث عن معالجة آثار الماضي من دون التطرّق إلى ملف إصلاح أجهزة الامن في تونس، ومعالجة أرشيف البوليس السياسي، وفي هذا الميدان تقوم سويسرا برعاية ودعم مشروع يهدف إلى إصلاح هذه الأجهزة يشرف على تنفيذه مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، والهدف الأساسي لهذا المشروع بناء مؤسسات أمنية مراعية لمتطلبات المرحلة الانتقالية نحو مجتمع ديمقراطي.
ويذكر هنا ان لسويسرا تجربة ثرية في هذا المجال، حيث نظمت على هامش الدورة الرابعة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف طاولة مستديرة خصصت لدور الأرشيفات في مرحلة طي صفحة الدكتاتوريات، وضرورة التوفيق بين إقامة العدل لضحايا الظلم من جهة، والمساعدة في الوقت نفسه على حسن سير المصالحة الوطنية وإقامة دولة القانون، وقد حظيت في هذا الإطار كل من غواتيمالا بأمريكا اللاتينية، وأوكرانيا، بأوروبا الشرقية، بتركيز خاص.
الأرصدة المجمّدة والتعاون القضائي
بشأن التعاون السويسري التونسي في المجال القضائي، توجد مسألة الأصول المالية المجمّدة والعائدة في الأصل إلى الرئيس السابق والمقربين منه في مركز هذا التعاون. وفي هذا المستوى، تؤكد سويسرا على أنها تعي جيّدا الحاجة الملحة في تونس لتلك الاموال، ولذلك فهي عازمة على إرجاعها إلى أصحابها في أقرب الآجال الممكنة، وهذا الأمر اقتضى من البلديْن في الأسابيع الماضية تسريع التعاون بين الجهات القضائية.
الخوف ايضا من أن يؤدي هذا الملف إلى تشويه سمعة الساحة المالية السويسرية، دفع برن إلى إرسال خبير في المجال لمساعدة السلطات التونسية في رصد أثر تلك الأموال وتحديد مصدرها، كما عبّرت عن دعمها للعديد من المبادرات بهذا الشأن على الساحة الدولية.
هذه الجهود الثنائية كُلّلت بتوجيه السلطات التونسية مطلب مساعدة قضائية جديدة إلى سويسرا تطالب فيها تلك السلطات احتجاز ثم تسليمها الاموال والأصول المجمّدة والتابعة إلى الرئيس التونسي السابق والمقربين منه. وقد اكّد يوم 5 أكتوبر الماضي المكتب الفدرالي للعدل أن الطلب التونسي يعتبر مقبولا من الناحية الشكلية، وسيُبتّ في مضمونه لاحقا.
ليس هذا فحسب، حيث تقوم سويسرا، وفي إطار دعم جهود الحكومة التونسية المؤقتة في مجال خلق مواطن الشغل، بالإشراف على أربع مائدات مستديرة في أربع ولايات مختلفة، ويشارك في هذه الفعاليات ممثلون عن الحكومة التونسية، وآخرون عن القطاع الخاص، والمجتمع المدني، وهو ما حوّل هذه المائدات المستديرة إلى “مختبرات” في مجال صياغة واتخاذ قرارات بشكل ديمقراطي يقطع مع الطابع الإنفرادي والمركزي الذي كان النموذج السائد قبل 14 يناير.
ودائما في إطار توسيع المشاورات وإسهاما في تشكيل رأي عام ديمقراطي وتشاركي، تعمل حاليا وزارة الخارجية السويسرية من اجل إطلاق موقع إلكتروني بتونس يسمح للمواطنين بالتعبير عن آمالهم وتطلعاتهم سواء في ما يتعلّق بطبيعة الدستور القادم، او بشؤون البلاد عامة.
وعد الوزير الأوّل التونسي في الحكومة المؤقتة الباجي قائد السبسي في خطاب متلفز توجه به مساء يوم الخميس 20 أكتوبر إلى الشعب التونسي بأن تكون انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم الأحد 23 أكتوبر “شفافة ونظيفة”. وهنا بعض ما جاء في هذا الخطاب:
“لن يستطيع أحد التشكيك في نتائج هذه الإنتخابات. سوف تكون شفافة ونزيهة. وتزييفها لن يكون ممكنا. وصناديق الإقتراع سوف تكون مفتوحة أمام الجميع”.
“لن تسمح الدولة بممارسة أي نوع من العنف، وستكون العملية نموذجية، وندعو الناخبين إلى الإدلاء بأصواتهم من دون خوف”، وهو كان يستبعد بذلك أن تتم عرقلة الإنتخابات سواء من أنصار النظام السابق أو من بعض التيارات السلفية التي لا تؤمن بجدوى العملية الديمقراطية.
“سوف نبرهن للعالم بأنه بالإمكان للديمقراطية أن تنتصر في أحد بلدان العالم الثالث، وأنه بإمكان شعب مسلم أن ينجح في هذا الإختبار. إنه من المهم بالنسبة للعالم العربي والعالم الإسلامي إبراز أنه لا تعارض ولا تناقض بين الإسلام والديمقراطية”.
“العالم القاطبة يتابع ما يحدث في بلادنا. وعلينا ان نكون فخورين بذلك. نحن نعيش لحظة فارقة بين عهديْن”.
(المصدر: وكالات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.