شهادةُ صحفي سويسري عايش كـارثة ميانـمار
أغلق المجلس العسكري الحاكم في ميانمار يوم الجمعة 9 مايو أبواب البلاد في وجه فرق الإغاثة والصحفيين الأجانب، على الرغم من توالي النداءات الدولية لفتح البلاد لاستقبال المساعدات الهائلة الموجهة إلى ما يفوق مليونًا من السكان المنكوبين جراء إعصار نرجس المُدمر.
وكان الصحفي السويسري بيتر آختـن مُتواجدا في مدينة يانغون الجنوبية عندما ضرب الإعصار البلاد يوم السبت الماضي. وفي حديث مع سويس انفو، أكد آختـن أن حكومة ميانمار فشلت في التعامل مع مُخلفات الكارثة، ناقلا صورة مأساوية عن واقع اليوم وتوقعات مُتشائمة عن تحديات الغد.
أوضح الصحفي السويسري بيتر آختـن في تصريحاته لسويس انفو أن الاستياء يتزايد إزاء الطريقة التي تدير بها السلطات العسكرية الحاكمة الوضع المأساوي الراهن في ميانمار الناجم عن إعصار نرجس، بينما لا يزال الضحايا ينتظرون وصول الإمدادات الأساسية من الخارج.
ولا يزال العديد من العاملين في مجال المعونة الإنسانية محصورين على الحدود التايلندية في انتظار الحصول على إذن لدخول ميانمار، حتى أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة علـّق إمداداته يوم الجمعة 8 مايو بعد مصادرة الشحنات التي وصلت لحد الآن.
وشاءت الصدفة أن يكون الصحفي آختـن – مراسل إذاعة سويسرا الناطقة بالألمانية دي إير إس – متواجدا في مدينة يانغون (رانغون سابقا) عندما ضرب الإعصار جنوب ميانمار يوم السبت الماضي. وتعد يانغون، أكبر مدن البلاد، ودلتا إيراوادي من أكثر المناطق تضررا بأسوأ كارثة يشهدها جنوب شرق آسيا منذ 17 عاما.
سويس انفو: هل لكم أن تصفوا الوضع الحالي في يانغون؟
بيتر آختـن: تسود الآن حالة من الفوضى التامة في يانغون على مستوى المساعدات. فالمعونات الأجنبية تصل ببطء شديد، وكانت المساعدات الأولى قد جاءت من البلدان المجاورة – الهند والصين وتايلاند وبنغلاديش – وحطت يوم الخميس (8 مايو) بعض طائرات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى، تخلق القوات العسكرية متاعب كثيرة لجميع العاملين في مجال المعونة الذين ينتظرون في تايلاندا ويواجهون مصاعب للحصول على تأشيرة الدخول.
وهناك أكثر من مليون شخص في حاجة إلى الغذاء والمأوى والمياه النظيفة والأدوية وغير ذلك. وحتى الآن، لم يحصولوا على أي شيء، وبالتالي فإن الحالة يائسة جدا.
سويس انفو: ما هو تأثير الإعصار على البنية التحتية وحركة الحياة في أكبر مدينة في ميانمار؟
بيتر آختـن: في وسط المدينة، قُطعت جميع الشوارع الرئيسية بالحطامات (التي خلفها الإعصار) ولكن الإنشاءات متينة، لذلك فإن الاضرار ليست كبيرة جدا. ولكن بمجرد الوصول إلى ضواحي يانغون، حيث كانت غالبية المنازل مصنوعة من الخشب، سرعان ما نستنتج أن الكثير من الناس فقدوا بيوتهم. وقد بلغ عدد قتلى المدينة 600 ضحية وفقا لآخر حصيلة.
غير أن الوضع أسوأ بكثير في دلتا إيراوادي غربي يانغون، حيث غمرت المياه أكثر من 5000 كليومتر مربع. وقيل لنا أن عدد القتلى في مقاطعة واحدة فقط ارتفع إلى 80000.
وتُظهر كافة الصور التي نحصل عليها من وسائل الإعلام الحكومية دمارا مطلقا. فالناس ينتظرون الغذاء والمياه النظيفة والأدوية … والمعونة لم تصل بعد.
سويس انفو: هنالك تقـارير عن آلاف الجثث التي تُركت وتعفنت في الحقول. هل يمكنكم تأكيد ذلك؟
بيتر آختـن: نعم، هذه التقارير صحيحة. حتى على مشارف يانغون يمـكن رؤية بعض الجثث، وأيضا أبقارا ميـّتة، وتسود بالتالي مخاوف كبيرة من انتشار الأمراض والأوبئة. فهناك حاجة ماسة ومُلحة إلى المساعدة الطبية، ويظل الحصول على المياه النظيفة أكبر مشكلة.
سويس انفو: تقول التقارير إن القوات العسكرية لا تفعل ما يكفي لدخول المعونات إلى البلاد. هل هذا صحيح؟
بيتر آختـن: نعم، لقد كان العسكر بطيئين جدا في الاستجابة. وأعتقد أن لديهم جدول أعمال آخر بكل بساطة. ففي يوم السبت (10 مايو) سيجري استفتاء على الدستور الجديد (رغم دعوة المعارضة إلى تأجيله، التحرير)، وربما لا يريد العسكر تواجد عدد كبير من المراقبين الأجـانب داخل ميانمار.
وعلينا أن نتذكر أنه قبل أشهر قليلة فقط، شهدت البلاد مظاهرات ضخمة كانت دوافعها اقتصادية، وكان رد فعل القوات المُسلحة رادعا جدا. ومن المحتمل أن يكونوا مُدركين جيدا أن هذا الوضع خطر للغاية بالنسبة لهم. لذلك فإن العسكر يـُدققون جيدا في الجهات التي سيسمحون لها بالدخول والدول التي يريدون دعوتها في هذا الظرف.
وقد عبـّر الكثير من الناس الذين تـحَدّثـْتُ معهم عن غضبهم من رد الفعل العسكري البطيء جدا. ويقولون إن القوات العسكرية شديدة السرعة عندما يتعلق الأمر بالردع، لكنها غائبة الآن في حين أننا بأمس الحاجة إليها.
سويس انفو: هل تريد السلطات أن تثبت قدرتها على مواجهة الوضع بمفردها أم أن الخوف ينتابها من التأثير الأجنبي؟
بيتر آختـن: إن أبسط جواب على هذا السؤال يتمثل في رغبة العسكر في البقاء على رأس السلطة. ولا يمكنهم الاستمرار في السيطرة على الوضع إلا إذا ظلت كافة الأمور في قبضتهم.
ففي وسائل الإعلام الحكومية، نشاهد باستمرار القوات العسكرية وهي تقدم العون للشعب. لكن هذا مجرد دعاية محضة. فخلال اليومين الأول والثاني بعد الإعصار، لم نر جنديا واحدا. كان يجب انتظار اليوم الثالث لمُشاهدة بعضهم أمام مباني وزارية حيث تولوا عمليات التنظيف، أو خارج فـِلل المسؤولين الحكوميين أو رجال الأعمال الأغنياء. في المقابل، اضطر الشعب لرعاية نفسه بنفسه.
سويس انفو: ذكـرتم أن الناس غاضبون. هل تعتقدون – خاصة إذا تضررت يانغون من نقص الغذاء – أنه من الممكن اندلاع المزيد من أعمال الشغب، مثل تلك التي وقعت العام الماضي؟
بيتر آختـن: أعتقد أن هذا الخطر موجود. فمنذ أن ضرب الإعصار البلاد، تضاعفت أسعار الأرز في يانغون بمرتين أو ثلاث، كما ارتفعت أسعار الوقود. أما مواد البناء، فتكاد تكون غير متوفرة، فيما أصبحت المسامير البسيطة مُكلفة للغاية. وأعتقد أنه سيصعب على الحكومة احتواء هذا الغضب الذي تستمر في تغذيته. هذا أمر واضح.
سويس انفو: في رأيكم، كم من الوقت سيمر قبل أن يعبر الناس عن مشاعر سخطهم؟
بيتر آختـن: إن المشكلة الكبيرة التي يعاني منها الناس الآن هي: البقاء على قيد الحياة يوما آخرَ. ولكن ربما في غضون شهرين أو ثلاثة، ستحدث مشاكل إلا في صورة سماح الحكومة بدخول كميات هائلة من المساعدات الأجنبية، وقيامها فعلا بتحركات لفائدة الشعب. ولكنني لا أعتقد أن هذا الأمر سيحدث.
سويس انفو – مورفن ماكلين (أجري الحديث عبر الهاتف يوم الخميس 8 مايو 2008)
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته إصلاح بخات)
ترتفع تقديرات عدد ضحايا إعصار نرجس باطراد منذ يوم السبت الماضي 3 مايو. وحسب آخر حصيلة رسمية مؤقتة، خلف الإعصار القوي الذي اجتاح مناطق شاسعة جنوب ميانمار قرابة 23000 قتيل، فيما انضاف إلى عداد المفقودين أكثر من 42000 شخص.
لكن هذه التقديرات تظل أدنى بكثير من تقديرات دبلوماسية أمريكية في يانغون (رانغون سابقا)، أعربت عن خشيتها من أن تكون حصيلة القتلى قد تجاوزت 100000. وقد قدر متحدث باسم الأمم المتحدة يوم الخميس 8 مايو الجاري عدد المحتاجين إلى المساعدة بمليون شخص.
وكان المجلس العسكري الحاكم في البلاد قد رفض السماح بدخول المعونات إلى المناطق المنكوبة في ميانمار خلال الأيام الأولى التي تلت الكارثة. لكن المساعدات الأمريكية والأممية كانت قد بدأت تصل يوم الخميس.
ويعتبر نرجس أسوأ إعصار يضرب جنوب شرقي آسيا منذ عام 1991 الذي شهد مقتل 143000 شخص في بنغلاديش المجاورة. وكانت أمواج تسونامي في المحيط الهندي قد قتلت أكثر من 230000 شخص في عام 2004.
تُرسل سويسرا الأموال المُخصصة لمساعدة ضحايا إعصار نرجس في ميانمار، سواء عن طريق الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (التي ساهمت بـ500000 فرنك)، أو عبر منظمات غير حكومية مُختلفة بما فيها الصليب الأحمر السويسري.
وقد وجهت سلسلة السعادة التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (والتي تعرف أيضا بالتضامن السويسري) نداء للمواطنين للتبرع عن طريق المؤسسة، على الحساب البريدي 10-15000-6، التضامن السويسري، 1211 جنيف 8، مع الإشارة إلى أن التبرع خاص بـ “بورما/ميانمار”. كما يمكن تقديم التبرعات عبر الإنترنت.
وقد أفادت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون خبراء من الفريق السويسري للمساعدات الإنسانية إلى المنطقة، متخصصين في مجالات المياه الصالحة للشرب والبناء والإمدادات.
وستركز المساهمة السويسرية على توفير الرعاية الطبية والمياه الصالحة للشرب والمأوى للضحايا الإعصار.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.