صحف سويسرا تهتم بأسباب اختراق “داعش” وتداعياته
أثارت صدمة الإختراق الذي أحدثه تقدم قوات "داعش" في الموصل شمال العراق فضول معظم الصحف السويسرية الصادرة يوم الجمعة 13 يونيو لمعرفة الأسباب التي أدت إلى انهيار القوات النظامية، واستشراف ما سيترتب عن هذه التطورات المتسارعة على المستويين الإقليمي والدولي. في الأثناء، استعانت الكثير من الصحف بمحللين وخبراء وعادت إلى جذور الأزمة، ورأى بعضها فيما حدث "نهاية حقبة استعمارية تقاسمت فيها القوى العظمى آنذاك مناطق النفوذ" في الشرق من خلال معاهدة سايكس - بيكو.
لم تتردد الصحف السويسرية على اختلاف توجهاتها ولغاتها في تخصيص حيز وافر لمحاولة فهم أبعاد وتداعيات الإختراق الذي أحدثته قوات “داعش” في شمال العراق وتهديدها بالزحف على العاصمة بغداد.
صحيفة “لونوفيليست” (تصدر بالفرنسية في نوشاتيل) رأت تحت عنوان بارز أنها “ثأر السنة العراقيين”. فقد كتب دانيال درو بالإستناد إلى تحليل الباحث والخبير السياسي فابريس بالانش من جامعة ليون الفرنسية، أن ما يحدث اليوم هو نتيجة لعدة عوامل من بينها “سياسة التهميش التي انتهجها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تجاه السنة العراقيين على المستويين السياسي والإقتصادي. إذ أن السنة فقدوا كل شيء منذ الغزو العراقي” .
أما النقطة الثانية فتتمثل في أن “ما يحدث اليوم هو نتيجة للفشل الامريكي التام في تصور ترك نظام ديمقراطي تعددي في العراق، يكون بمثابة مثال يُتبع في كامل منطقة الشرق الأوسط لاستبدال الأنظمة الديكتاتورية. لكن ما نصبوه لم يعمر أكثر من سنيتن لكي تظهر مطالب الأكراد في الإنفصال، ولكي يدخل السنة والشيعة في حرب مفتوحة. ولكي ينتهج الشيعة في الحكم ما كان ينتهجه السنة من قبل وللدخول في وضع مأساوي للغاية”، على حد قول الخبير.
صحيفة لوماتان (تصدر بالفرنسية في لوزان) حاولت شرح حقيقة قوات “داعش” مكتفية بتشبيهها بقوات “طالبان”، ولكنها أشارت في عنوان بالبنط عريض إلى أنهم “أتعس من طالبان”، مضيفة بأنهم “لا يكتفون بالقتال في الخفاء، أي عبر التفجيرات الإنتحارية، بل هم على استعداد لمواجهة ميدانية مباشرة مع قوات معادية”.
دائما في إطار محاولات فهم ما يحدث في العراق على ضوء التطورات الأخيرة، استعانت صحيفة “تاغس أنتسايغر” (تصدر بالألمانية في زيورخ) بالخبير راينهارد شولتسيه، المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط. وورد في مقال كتبه كريستوف مونغر أن “الإنتخابات التي تمت في نهاية شهر أبريل أظهرت أنه لم يتم تحقيق أي تقدم سياسي في البلد. إذ أدى تعزيز سلطة رئيس الوزراء المالكي إلى تعزيز الهوة في البلد بين السنة والشيعة. كما أن الحكومة المركزية تخلت نوعا ما في الأشهر الأخيرة عن النفوذ في المناطق الشمالية الغربية” من البلاد. كما لفتت الجريدة إلى أن “أوضاع العلاقات الدولية أصبحت أكثر ملائمة لعدم الإستقرار هذا، فقد فتحت الأوضاع المتأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا بخصوص أزمة أوكرانيا آفاقا جديدة بالنسبة لمجموعات مثل “داعش” لم تكن تحلم بها من قبل، كما أن مجلس الأمن الدولي ليس في وضعية تسمح له بالتحرك”.
بعد أن تساءل حول ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة على ضوء التطورات الأخيرة في أعقاب انسحابها العسير من البؤرة العراقية، يرى بيرنار بريدل في صحيفة “24 ساعة” (تصدر بالفرنسية في لوزان) أن “جميع الشروط أصبحت متوفرة لحدوث تقسيم في العراق إلى ثلاثة مناطق: أكراد وسنة وشيعة. أما السؤال الوحيد الذي لم تتحدد معالمه بعدُ، فيتعلق بالحجم الذي ستتخذه كل منطقة”.
نهاية معاهدة ” سايكس – بيكو”
بعض الصحف السويسرية اعتبرت أن الوضع الحالي في العراق يُمثل “نهاية حقبة تفاهم” بين القوى العظمى التي اتفقت على تقاسم مناطق النفوذ ورسم الخرائط في عشرينات القرن الماضي فيا عرف بمعاهدة “سايكس – بيكو”، إذ كتبت صحيفة آرغاور تسايتونغ (تصدر في آرغاو بالألمانية) بقلم كريستوف بيشوب تحت عنوان “نهاية الاستعمار”: “إن العبارة التي كتبت على لافتة وضعها مقاتلو داعش على الحدود السورية العراقية والتي جاء فيها “القضاء على حدود سايكس – بيكو”، كانت بمثابة صدى يذكرنا بماض موغل في القدم”.
بدورها، تطرقت صحيفة “تاغس انتسايغر” إلى هذه العبارة التي وردت في لافتة لقوات تابعة لداعش على الحدود السورية – العراقية واعتبرت بقلم توماس أفيناريوس أن “الصورة التي التقطت على الحدود السورية العراقية هي بمثابة لحظة تاريخية” مضيفة أن “قوات داعش لا تخوض حربا فقط، بل تعيد النظر في نظام قائم في الشرق الأوسط منذ حوالي مائة عام، إنهم يُحطّمون معاهدة سايكس – بيكو السرية التي قامت بموجبها القوى الإمبريالية بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى برسم حدود منطقة الشرق الأوسط التي ظلت سائدة حتى اليوم”.
تخاذل الغرب
على صعيد آخر، انتقدت عدة صحف تصرف القوى الغربية، حيث هاجم البعض منها الغرب ككل، فيما استفرد البعض الآخر بالولايات المتحدة وبسياسة الرئيس باراك أوباما في الشرق الأوسط.
تحت عنوان “الغرب أقصى نفسه بنفسه”، تساءلت صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر في بازل بالألمانية) في مقال كتبه دومينك بوركهارت “على أوروبا وعلى الغرب بصفة عامة أن يتساءل عما إذا كانت سياسة عدم التدخل التي انتهجاها في سوريا صائبة. لأن ما يحدث اليوم ليس مرده بالدرجة الأولى لأوضاع العراق بقدر ما هو راجع للفوضى السائدة في سوريا والتي مست أمواجها اليوم العراق”.
نفس الصحيفة خصصت مقالا ثانيا للموضوع تحت عنوان أكثر حدة “الغرب الجبان يشيح ببصره إلى جهة أخرى”، أشار فيه بيار هويمان إلى أن “الغرب ينظر الى التقدم العنيف للمجموعات الإسلامية الراديكالية وكأن الأمر لا يعنيه، لكن جُبن أوروبا والولايات المتحدة ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة وعلى الغرب”.
وهاجم كاتب المقال سياسة الرئيس أوباما في المنطقة مُلفتا إلى أن “الولايات المتحدة بدت في أضعف مواقفها. لأن أغلاط الرئيس أوباما وكلماته الفارغة كانت لهما تأثيرات كبيرة. فلم يعد أحد يُعوّل عليه لا في سوريا، ولا في مصر، ولا في العراق”.
بعض الصحف تساءلت عن دور دول الجوار في ما يحدث في العراق وتأثير ذلك عليها. وهذا ما تطرقت له صحيفة آرغاور تسايتونغ تحت عنوان “تركيا تخشى أفغانستانا في حوض البحر البيض المتوسط”، حيث كتب توماس سايبرت من اسطنبول: “إن الإنتقاد الأكبر المُوجّه لتركيا هو أنها كانت من مؤيدي داعش في سوريا، وهي ساهمت بذلك في إنجاب هذا الوحش كما يقول معارضو النظام التركي. وبعد احتجاز الرهائن الأتراك في الموصل، أصبحت الحكومة التركية معرضة للضغوط اليوم”.
صحيفة تاغس انتساغر حاولت تسليط بعض الضوء على الدور السعودي في تعزيز قوات داعش حيث أشار توماس افيناريوس إلى أن “الدور الأهم في تعزيز قوات داعش يعود للعربية السعودية بعد أن كان هذا التنظيم غير فعال لفترة في العراق. وذلك لأن السعوديين يرون في العراق الشيعي وفي رئيس وزرائه المالكي عميلا للجمهورية الإسلامية في إيران وللرئيس السوري بشار الأسد المنحدر من طائفة شيعية أيضا. ولا يمكن تصور هذا النجاح لقوات داعش بدون دعم خارجي (أي من السعودية وقطر)، مثلما يتصور الخبير الألماني فالتر بوش من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين”.
بعض الصحف السويسرية سلطت الأضواء على ما قد تؤول إليه الأمور في المنطقة، وكتبت صحيفة “24 ساعة” تحت عنوان “أخطار الفوضى العراقية”، بقلم بيرنار بريدل: “في الوقت الحالي وبدون استباق لما قد تقود اليه تطورات الساعات القادمة، يمكن القول أن الفوضى العراقية السائدة هي نتيجة فشلين: أولا فشل السياسة الأمريكية التي بدات مع جورج بوش في عام 2003 التي كانت تهدف بسذاجة إلى إقامة نظام ديمقراطي عن طريق القوة، وبشكل أكثر وضوحا الإستيلاء على مصادر النفط العراقي. وثانيا فشل نوري المالكي رئيس الوزراء الشيعي الذي أدت سياسته التمييزية الإنتقامية الى عزل السنة من اللعبة السياسية مما مهد الطريق أمام الجهاديين”.
صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ، (تصدر بالألمانية في زيورخ)، توصلت إلى أن الفرصة لم تضع تماما لاستدراك الأوضاع في العراق. إذ كتبت إينغا روغ تحت عنوان جانبي “انتصار المنطق؟” ” بأن تقدم المتطرفين بإمكانه أن يقرع كافة أجراس الإنذار من أجل جلوس جميع مكونات المجتمع العراقي إلى طاولة المفاوضات وأن يتحدوا فيما بينهم. فنقاط الخلاف معروفة منذ مدة وتشمل توزيعا عادلا للسلطة ولعائدات النفط والإعتراف المتبادل بالضحايا. وإذا ما لم يتم التمكن من القيام بذلك، فإن الخطر سيُصبح كبيرا لتقسيم العراق إلى مناطق يحكمها أمراء حرب وهو ما سيقود في نهاية المطاف إلى خسارة كل العراقيين سنة كانوا أو شيعة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.