مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صراع بين الجنسين والكانتونات للظفر بمقعدين في الحكومة السويسرية

يحتدم الصراع للفوز بمقاعد في الحكومة الفدرالية لكن صلابتها وديمومتها لم تعد مضمونة Keystone

تشير آخر المعطيات إلى أن عدد المتنافسين في السباق لدخول الحكومة السويسرية، يتراوح بين 13 و17 شخصا، لكن اثنين منهم فحسب سيتمكنان من اجتياز خط الوصول يوم 22 سبتمبر 2010.

والمُـلفت هذه المرة، تمحوُر النقاش الإعلامي حول مقياسين للإختيار، يقتصران على جنس المرشح والكانتون الذي يقدُم منه، وهي ظاهرة تثير دهشة الخبير السياسي باسكال شاريني.

عموما، تتميّـز تقاليد الحياة السياسية في سويسرا بالكثير من المحافظة والتشبث بالتقاليد، لذلك، تحركت الآلة الحِـزبية والإعلامية فور الإعلان عن استقالة وزيريْ المالية (هانس رودولف – ميرتس من الحزب الليبرالي الراديكالي) والنقل والإتصالات (موريتس لوينبيرغر من الحزب الاشتراكي)، في بداية شهري يوليو وأغسطس، رغم أجواء العطلة الصيفية، التي كانت تسود البلاد.

المرحلة الأولية من المسار اختُـتِـمت داخل حزبَـيْ الوزيرين المستقيليْـن. ففي الحزب الليبرالي الراديكالي، هناك خمسة مرشحين (سيدة و4 رجال) للمقعد، الذي سيتخلى عنه الوزير ميرتس. وفي الصفوف الإشتراكية، تأمل 4 نساءٍ في الظفر بمقعد لوينبرغر. وعلى كلٍّ، فإن الصراع لا يقتصر على المستويات الداخلية للحزبين، بل اتّـسع ليشمل معظم الأحزاب الممثلة في البرلمان، التي أسالت الفرصة لُـعابها.

حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، يطالب من ناحيته بمقعد ثانٍ في الحكومة الفدرالية، وهو يفضِّـل أن يحدث ذلك على حساب الإشتراكيين، وأعلن أنه يتوفّـر على “خمس شخصيات كفؤة” معنِـية بخوض المنافسة، لكن لم يُعلن عن الأسماء إلى حين إعداد هذا التقرير، باستثناء جان فرانسوا ريم (من فريبورغ)، الذي أعلن بوضوح عن اهتمامه بالمنصب. ومع أن عضو مجلس النواب يُـعتبر رومانديا (أي متحدثا بالفرنسية)، إلا أنه يتحدّث الألمانية بطلاقة.

كل هذا قد لا يكون كافيا للحصول على مقعدٍ، يُـفترض أن يؤول تقليديا إلى المتحدثين بالألمانية أو بالإيطالية، خصوصا وأن الأقلية الناطقة بالإيطالية، لم تعُـد ممثلة في الحكومة الفدرالية منذ عام 1999 (بعد مغادرة فلافيو كوتي). ويأتي ترشح النائب إينياتسيو كاسّـيس من كانتون تيتشينو من داخل الحزب الراديكالي ليُـحاول سدّ هذه الثغرة.

من جهتهم، يطالب الخُـضر هذه المرة بحقهم في دخول الحكومة الفدرالية، وأعلنوا عن رغبتهم في الحصول على المقعد الشاغر، الذي سيتركه الوزير ميرتس. وصرح ثلاثة من الأعضاء(سيدتان ورجل) أنهم يضعون أنفسهم على ذمة الحزب.

اختبارات عامة استعدادا لعام 2011

في معرض تعليقه على المناورات الجارية، يشير باسكال شاريني إلى أن “حزب الشعب والخُـضر لا يتوفّـران على آمال حقيقية بتحوير التركيبة الحزبية للحكومة في الوقت الحاضر، لكنهما يضعان الأسُـس ويُـسجِّـلان الحضور، استعدادا للإنتخابات الفدرالية المقرر إجراؤها في خريف 2011″، وفي ذلك الحين “من المحتمل أن يعاد خلْـط الأوراق”، على حد قوله.

ومع أن مدير قسم العلوم السياسية في جامعة جنيف لا يستبعِـد مطلقا حدوث مفاجآت، إلا أنه ينظُـر إلى الترشيحات الثلاث داخل حزب الخُـضر، باعتبارها “خُـطوة رمزية”، أكثر مما هي مؤشر لوجود رغبة حقيقية في دخول الحكومة الفدرالية في الوقت الحاضر.

على العكس من ذلك، يرى الخبير السياسي، أن جميع المترشحين من داخل الحزب الإشتراكي والحزب الليبرالي الراديكالي، “يطمحون فِـعلا إلى أن يتمّ انتخابهم (من طرف البرلمان)، لكن من غير المتوقّـع أن يحظوا جميعا بنفس الوزن وبنفس احتمالات النجاح”. على كلٍّ، تبدو الفرصة متاحة للجميع، لأن العديد من العوامل تدخل في الحسبان.

“التوافق الحكومي.. مات”

في هذا السياق، يبدو أن عصر المبادئ غير القابلة للإنتهاك، فيما يتعلق باختيار أعضاء السلطة التنفيذية الفدرالية في سويسرا، قد انقضى تماما. ويقول باسكال شاريني، الأستاذ بجامعة جنيف: “لقد مات التوافق السياسي ولم يتبقّ إلا توافُـق حسابي هلامي”، ويضيف “هناك فوارق كثيرة جدا، وخاصة بين الإشتراكيين وحزب الشعب”، تحُـولُ دون تشكل حكومة تشتغل على أرضية وفاقية.

في هذه الأجواء، التي تتسم بالإستقطاب والتنافس الشديدين، تترافق كل عملية انتخاب لعضو جديد في الحكومة بأوضاع يسودها “قدْر كبير من عدم الإستقرار والشك الكبير، وهو ما يتأكّـد أكثر هذه المرة، حيث يجري التنافس على مقعدين”، على حدّ رأي الخبير السياسي.

تبَـعا لذلك، تتبلوَرُ تكتيكات وتُـنسَـج تحالفات وتنشأ ديناميكيات خاصة. ويوضّـح شاريني أن “انتخاب الشخص الثاني، يُـمكن أن يتأثّـر بالشخص الأول أو أن يحدُث العكس، حيث يُـمكن أن يستبِـق البرلمانيون الأمور فيختارون المرشّـح (أو المرشحة الاشتراكية)، تَـبعا للّيـبرالي الراديكالي (أو الليبرالية الراديكالية) الذي يريدون تعيينه تاليا”.

المزيد

المزيد

المعادلة السحرية

تم نشر هذا المحتوى على المعادلة السحرية تُـوّزِّع المقاعد السبعة للحكومة الفدرالية على الأحزاب السياسية الأربعة الرئيسية في البلاد، تبعا لقوتهم الانتخابية. المعادلة السحرية مجرّدُ عُـرف، إذ لا استند على أي نصٍّ قانوني. استُـعملت للمرة الأولى في عام 1959، وتم بمقتضاها منحُ مقعدين للحزب الاشتراكي ومقعدين للحزب الراديكالي (يمين) ومقعدين للحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين) ومقعدا واحدا لحزب الشعب السويسرية…

طالع المزيدالمعادلة السحرية

الكانتونات تحرّك بيادقها على رقْـعة الشطرنج

في المرحلة الحالية، لا مجال إلا للتكهنات والتخمينات، لكن الخطوات الأولى في السباق على خلافة لوينبيرغر وميرتس، تميّـزت ببروز تعارُضات ترتبِـط بالانتماء إلى الكانتونات بين الحزبين، الراديكالي والاشتراكي. والغريب، أن المرشّـحين الراديكاليين للمنصبين الوزاريين، يقدُمون من نفس الكانتونات التي ينتمي إليها المرشحون الاشتراكيون الأربعة، وهي برن وزيورخ وسانت غالن وبازل المدينة. ويبقى إنياتسيو كاسّـيس خارج هذه الصورة، إذ يقدُم هذا المرشح الراديكالي من كانتون تيتشينو.

في الأثناء، اندلعت نقاشات محتدمة حول إمكانية انتخاب وزيرين فدراليين، يقدُمان من نفس الكانتون، وهي نقاشات يصفها باسكال شاريني بـ “غير المعقولة”، نظرا لأن “المسألة الأساسية، تتمثل في انتخاب أشخاص أكِـفّـاء ويعملون جماعيا، قادرين على إدارة الأمور بما يخدُم مصلحة البلد”.

ويُـشدِّد الأستاذ في جامعة جنيف على أنه “مندهِـش” من صعود المِـقياس المتعلِّـق بأصول المرشّـحين بمِـثل هذه القوة إلى الواجهة، خصوصا بعد أن “تمّ في عام 1999 إلغاء البند الذي كان يحظُـر تواجُـد وزيرين فدراليين من نفس الكانتون في الحكومة”، وهي خطوة تم الإقدام عليها، لتوسيع هامش المناورة عند اختيار البرلمانيين لأعضاء الحكومة، ويبدو أن “هناك من يعمل اليوم على تضييقه”، حسب رأي شاريني.

خلْـطٌ بين الكانتونات والجهات

الغريب، أن هذا الصخب المُـثار حول انتماء المرشحين إلى نفس الكانتون، يتجاهل أن الحكومة الفدرالية تضمّ في صفوفها منذ يناير 2009 عضوين، هما موريتس لوينبيرغر وأولي ماورر، القادمين من كانتون زيورخ، وهي وضعية سبق أن سجلت من عام 2004 إلى 2007، عندما كان كريستوف بلوخر من زيورخ، عضوا في الحكومة.

وطِـبقا لرأي الخبير السياسي، فإن الاحترازات المثارة حاليا حول احتمال انتخاب مرشحيْن من كانتون برن، وهما الاشتراكية سيمونيتا سومّـاروغا والراديكالي يوهان شنايدر – أمّـان (اللذان يتوفّـران على حظوظ جيدة، حسب المراقبين)، ليست سوى تعلّـة تُـخفي وراءها أسبابا أخرى، يحاول البعض من خلالها، التصدّي لبعض المرشحين.

من جهة أخرى، يلاحظ الأستاذ في جامعة جنيف، أنه يوجد “شيء من الخلْـط بين الكانتون والجهة”، ويضيف أن “تواجُـد وزيرين فدراليين من نفس الكانتون، لا يخِـلّ بالتوازن الجهوي المنصوص عليه في الدستور الفدرالي”.

هل هو عام النساء في سويسرا؟

في سياق متصل، لا يُـخفي شاريني دهشته من إدلاء وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري بتصريح إلى أسبوعية سونتاغس تسايتونغ، قالت فيه “إن الأمور لن تكون سهلة”، في صورة انتخاب وزيرين من برن. وأضافت الوزيرة الاشتراكية أنها تعتقِـد أن “جميع الجهات الثقافية والاقتصادية الكبرى في البلاد، يجب أن تكون ممثّـلة في الحكومة الفدرالية”.

وفي واقِـع الأمر، أثار حديث الوزيرة قدرا لا بأس به من الإستهجان لسبب آخر، حيث نشرته الأسبوعية الصادرة في زيورخ تحت العنوان التالي: “خمس نساء في الحكومة الفدرالية.. قد يُمثِّـلن مشكلة”، ونسبته إلى كالمي – ري. إثر ذلك، كذّبت عضوة الحكومة الفدرالية علنا أن تكون قالت هذه الجملة، التي لم تكُـن منشورة ضِـمن نصّ الحوار، وتحدّثت عن تفسير خاطئ لتصريحاتها.

مع ذلك، لا زال احتمال تعويض الوزيرين المستقيلين بسيدتين، مثار جدل واسع، بل يتسبّـب في خلافات وانتقادات عدّة، وهو سِـجال لا يفهَـمه باسكال شاريني. وحسب رأيه، فإن مقياس الجنس “ليس له أية قيمة” في عملية اختيار أعضاء الحكومة، وهو يؤكّـد مجددا، ضرورة القيام باختيار يتأسس على الكفاءة، ويقول: “فإذا اتّـضح أن النساء أفضل، فهذا جيّـد، ذلك أن حكومة بأغلبية نسائية قوية، سيكون أمرا رائعا لصورة سويسرا على المستوى الدولي”.

على كلٍّ، ليست هذه في الوقت الحاضر، سوى فرضية من بين فرضيات عديدة. في الأثناء، تستمرّ المناورات الكُـبرى. وعندما يُـسأل الخبير السياسي عن تكهناته لنتيجة 22 سبتمبر، يكتفي بالإجابة: “باستثناء منجِّـم، لا أرى شخصا يمكنه القيام بذلك”.

سونيا فيناتسي – swissinfo.ch

(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)

1959 – 2003: الحقبة الطويلة لما عُـرف بالمعادلة السحرية: مقعدان للحزب الاشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعدان للحزب الديمقراطي المسيحي ومقعد لحزب الشعب السويسري.

2004 – 2007: حزب الشعب السويسري، يفتكّ عن طريق كيستوف بلوخر، مقعدا من الحزب الديمقراطي المسيحي، لتُـصبح المعادلة كالتالي: مقعدان للحزب الاشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعدان لحزب الشعب السويسري ومقعد للحزب الديمقراطي المسيحي.

ديسمبر 2007: اقصاء كريستوف بلوخر من الحكومة والبرلمان ينتخب زميلته في الحزب إيفلين فيدمر – شلومبف عوضا عنه، وهي القطرة التي أفاضت الكأس وأدت إلى حدوث انشقاق داخل حزب الشعب.

2008: الوزيران الممثلان لحزب الشعب في الحكومة الفدرالية، وهما إيفلين فيدمر – شلومبف وسامويل شميد يغادران الحزب وينضمان إلى الحزب البورجوازي الديمقراطي الجديد، وتُـصبح المعادلة كالتالي: مقعدان للحزب الاشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعدان للحزب البورجوازي الديمقراطي ومقعد للحزب الديمقراطي المسيحي.

2009: في يناير، عاد حزب الشعب إلى الحكومة بفضل أولي ماورر، الذي خلف صامويل شميد، المستقيل، وتصبح المعادلة كالتالي: مقعدان للحزب الاشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعد لحزب الشعب السويسري ومقعد للحزب البورجوازي الديمقراطي ومقعد للحزب الديمقراطي المسيحي.

وفي سبتمبر من نفس السنة، التحق الراديكالي ديديي بوركالتر بالحكومة، خلفا لزميله المستقيل من نفس الحزب باسكال كوشبان.

2010: الاشتراكي موريتس لوينبيرغر والراديكالي هانس رودولف – ميرتس، يعلنان عن استقالتهما في شهر أكتوبر. وفي 22 سبتمبر، سيقوم المجلس الفدرالي بانتخاب وزيرين جديدين مكانهما.

في الوقت الحاضر، تتركّـب الحكومة الفدرالية السويسرية من ثلاث نساء وأربعة رجال.

ينص الفصل 175 من الدستور الفدرالي على التالي:

• تتشكل الحكومة الفدرالية من 7 أعضاء.

• يُـنتخب أعضاء الحكومة الفدرالية من طرف المجلس الفدرالي (أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، في أعقاب كل تجديد شامل لمجلس النواب.

• يُـنتخب أعضاء الحكومة الفدرالية لأربعة أعوام، من بين جميع المواطنين السويسريين الذين يُـمكن انتخابهم لعضوية مجلس النواب.

• يجب أن تكون مختلف جهات البلاد ومكوِّناتها اللغوية، ممثلة (في الحكومة الفدرالية) بشكل متساو.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية