صُعوبات تُواجه عملية الإنتقال من “الثورة” إلى “الدولة” في ليبيا
هل ما زال لدى الأكاديميين، عربا وأجانب، ما يقولوه عن تطوّر الأوضاع في ليبيا، بعد أن جمدت مفاجآت الثورة المتلاحقة، آلياتهم المعرفية وبَـعثـرت أوراقهم القديمة؟
يمكن القول أن الجامعيين الذين التقوا مؤخرا في الدوحة بدعوة من المركز الليبي للدراسات والبحوث، تسلّـحوا بكثير من الشجاعة لكي ينظروا في عيون بعضهم البعض، مُستحضرين التحاليل التي حبرها هؤلاء وأولئك طيلة عقود من حُـكم معمر القذافي (1969 – 2011)، ولسان حالهم يقول “لا أنت ولا أنا توقعنا ما حدث”.
وربما يصحّ أن توضع على هامش، كثير من الدراسات السابقة عن ليبيا، الملاحظة التي يُـدوِّنها المدرس على حاشية الموضوع الخطأ، الذي يُقدمه له الطالب “خارج الموضوع” أو “حشو”.
مع ذلك، تسلح الأكاديميون الأجانب والعرب، الذين التقوا حول موضوع جامع هو “ليبيا من الثورة إلى الدولة: تحديات المرحلة الانتقالية” بالجُـرأة العلمية، لمراجعة تحاليلهم في ضوء التغييرات الجوهرية التي حملها قطار الثورات مع انتقاله السريع من تونس إلى مصر فليبيا ثم اليمن والبحرين فسوريا… والسبحة ما زالت تكر…
رؤية بريطانية
واختار البروفسور البريطاني تيم نيبلوك، وهو نائب رئيس الجمعية البريطانية للشرق الأوسط وأستاذ في جامعة أكستر، أن يكون عنوان محاضرته في الندوة هو “لماذا أخفَـق المتخصصون في توقع الثورات العربية؟”، واعترف بأن الأكاديميين كانوا يقولون إن الثورة التي انطلقت في تونس من صفعة تلقّـاها بائع خضار متجوِّل، لن تتكرر في مصر، إلا أنهم فوجِـئوا بالعكس. ثم أكّـدوا أن ليبيا تختلِـف عن مصر وتونس، لكن حدث العكس أيضا. وأشار إلى أن المتخصِّـصين أخفَـقوا قبل ذلك في توقّـع انهيار الإمبراطورية السوفييتية والثّـورات التي غيّـرت وجه أوروبا الشرقية منذ عقدين من الزمن.
وأيّـده أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الليبية مصطفى التير، الذي قال أيضا إننا فشلنا كأكاديميين في توقع ما حدث”، فيما أكد يوسف صواني، الباحث الذي عمِـل في مؤسسة القذافي قبل أن يستقيل منها، أننا “نحن أصيلي المنطقة أخفقنا في توقعاتنا”.
واستغرب نيبلوك من أن علماء الإجتماع كانوا يعلمون بالفساد المُـستشري في أركان الدول التي أبصرت ثورات شعبية، بالإضافة لفشل خطط التنمية وانتشار الإضطهاد وعدم المساواة، واعتقدوا مع ذلك أن عهد الثورات ولّـى وانقضى في العالم العربي، إلا أن الانتفاضات المتلاحقة شكّـلت تحوّلا مفصليا، نقل السلطة إلى أيْـدي الشعب، فحلّـت الجرأة محلّ الخوف، وهو تحوّل حدث حتى في البلدان التي لم تشهد بعدُ ثورات شعبية، بحسب ما قال.
وتتوزّع الدول العربية في تعاطيعا مع الثورات إلى ثلاثة نماذج في تحليل نيبلوك: الأول، هو مَـن استجاب لمطالب الثوار بالتنحّي مثل تونس ومصر. والثاني، هو مَـن حاول تفكيك الثورات وإفشالها أسْـوة، بما حدث في المغرب والأردن. والثالث، هو مَـن حاول ترضِـية الشعب بواسطة إغراءات مادية، مثل الزيادة في الرواتب، كما رأينا في السعودية ودول خليجية أخرى.
انطلاقا من الورقة الإطارية التي قدّمها الأكاديمي البريطاني، ألقت مداخلات السياسيين والأكاديميين أضواءً جديدة على التحديات التي تُـواجهها ليبيا في المرحلة الراهنة، استهلّـها رئيس المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في ليبيا المحامي محمد العلاقي (شغل منصب وزير العدل في الحكومة الإنتقالية السابقة برئاسة محمود جبريل) بطرح جَـريء للمسألة الدستورية، مُطالبا بمراجعة الإعلان الدستوري ومتسائلا عن سِـر الإستعجال في سَـنِّ قانون الانتخابات قبل وضع قانون للأحزاب.
واتضح أن هذا الرأي لا يقتصِـر على العلاقي، وإنما شاطره أيضا خمسة عشر حزبا في ليبيا أعلنت رفضها للقانون. ووصَـف العلاقي، الذي كان نقيبا للمحامين في عهد القذافي، بعض بنود الإعلان الدستوري، بكونها “نوعا من العبَـث التشريعي، ليس أكثر”، حاضا على مراجعتها سريعا، وخاصة البنود التي تحدِّد خطوات الإنتقال بليبيا من الثورة إلى الدولة.
حصّـة ضئيلة للمرأة
ماذا يعني هذا الاعتِـراض عمليا؟ استدلّ العلاقي بإحدى المواد التي تحظر على أعضاء المجلس التشريعي الترشيح للانتخابات، معتبرا إياها غير منصِـفة وغير دستورية، وزاد أن القانون أجحَـف في حق المغتربين الليبيين من حملة الجنسيات المزدوجة، بحِـرمانهم من ممارسة حقوقهم السياسية، بينما هم أجبروا إجبارا على أخذ جنسيات أخرى، “ومنهم من استشهدوا على أسوار البريقة وبنغازي”، كما قال.
ورأى أن حرمانهم من الترشيح للرئاسيات، ربما يُفهَـم، لكن لا يمكن أن يُقبَـل منعهم في المستويات الأخرى. وأشار إلى أن ليبيا “قارّة مستوردة للسكان، ومن المفروض أن يكون هناك حِـرص على عودة الكفاءات الليبية المهاجِـرة، وليس العكس”، مُعتبِـرا أن النص هزيل وأن واضعيه “بعيدون عمّا يجري في ليبيا، حيث أتى الناس من أنحاء العالم، ليستشهدوا في سبيل وطنهم”.
وانتقد العلاقي ما سمّاه إجحاف الإعلان الدستوري في حق المرأة، التي منحها حصّـة لا تتجاوز 10% كحد أقصى من المشاركة، مطالِـبا بإعطائها ما لا يقل عن 25%، وصولا إلى مستوى أعلى لاحقا لضمان تمثيلها في بناء ليبيا الجديدة. وشدّد العلاقي على أنه من الضروري إنهاء مظاهر السلاح المُـنتشرة في المدن، مُنَـوِّها إلى أن عدد المجالس العسكرية في طرابلس وحدها وصل إلى 132 مجلسا، أي أضعاف عدد النوادي الرياضية من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، “وكل منها يريد أن يطبّـق العدالة ويستوفي الحق، بينما لا يمكن أن تعقد المحاكم جلسة واحدة لتقيِّـم العدل تحت صليل السيوف، ولا للقاضي أن يفصل بين متخاصمين كل منهما يحمل سلاحا”.
وطالب الثوار بالعودة إلى أعمالهم الأصلية وترْك السلاح. وحذّر متحدثون آخرون في الندوة، من التسرّع في سَـنّ الدستور مُذكّـرين بتجربة العراق في هذا المجال، الذي لم يتحقق له الاستقرار حتى اليوم.
التوافق.. آلية ضرورية
ركّـز الباحث الألماني الأصل دريك فاندفال، الأستاذ في جامعة دارتموث في الولايات المتحدة، على زاوية أخرى من تحديات المرحلة الانتقالية في ليبيا، هي ظِـلال تَـرِكة الماضي على الحاضر وتأثيرها على فُـرص المستقبل، منطلِـقا من حقيقة الخلافات العميقة حول فهْـم المؤسسات الجديدة في ليبيا، مُعتبرا أن الأمر يحتاج إلى توافُـق سياسي “وهو أمر صعب في الظروف العادية، فما بالك بالنسبة للوضع الدقيق في ليبيا؟”.
وتطرق لمُـشكل انتشار السلاح، ليُذكر بأن أي دولة لابد أن يكون بِـيَـدها الحق الحصْـري لاستخدام العنف. وعلى هذا الأساس، اشترط فاندفال حل الميليشيات، إذا كانت ليبيا تريد الانتقال إلى دولة وأن تكون هذه الدولة حديثة. ولفَـت إلى أهمية التعافي الاقتصادي، “وفي القلب، منه ضمان صادرات النفط الذي يُعَـد إحدى أولويات الحكم الجديد، لأنه من الضروري أن تكون هناك مؤسسات تضمن التدفّـق المالي في المدى المنظور”.
إلا أنه حذّر من صعوبة التوليف بين القبلية والإسلام السياسي والسلاح المنتشر”، وهنا أتت ورقة الدكتور صواني “التحول الديمقراطي في ليبيا: تحليل للتحديات السياسية والاقتصادية لمرحلة ما بعد القذافي”، لتُميّـز بين لحظتين في المسار الانتقالي الليبي، انطلاقا من أن النجاح الذي تحقق بعد الإطاحة بالقذافي، لا يعني النجاح في العبور بالمرحلة الانتقالية إلى التحوّل الديمقراطي”.
بهذا المعنى، يمكن القول أن التحديات التي تواجهها ليبيا في هذه المرحلة، كثيرة ومعقّـدة، وهي التي حاول طارق القزيري، مدير المركز الليبي للدراسات والبحوث تعريفها، انطلاقا من المسائل المتعلقة بالحُـكم والإدارة، مرورا بالتحديات التي تهدِّد الأمن الوطني للبلد، وانتهاء بشكل النظام السياسي والإداري.
وتلتقي هنا هواجس الأكاديميين مع مراكز القرار الدولي والمحلي، التي ترى في انتشار الأسلحة خطرا مباشرا، ليس على ليبيا وحدها، وإنما على المنطقة بأسْـرها، خِـشية أن يُصار إلى بيْـعها في السوق السوداء، وخاصة الصواريخ التي قد تفتح الباب أمام تهديد الأمن الملاحي، في صورة وصولها إلى تنظيمات متشدِّدة مثل “القاعدة”.
ولاشك أن هذا الهاجس، هو الذي حمل الولايات المتحدة على عرْض شراء الأسلحة، وتحديدا الصواريخ المحمولة المضادّة للطائرات من الجماعات المسلحة، التي وضعت أيديها عليها، ودرس خطّـة مشتركة في هذا المجال مع الحكومة الليبية.
وتُقدَّر تلك الصواريخ، التي وضع الثوار أيديهم عليها أثناء المعارك مع كتائب القذافي، بنحو عشرين ألف صاروخ. وينبغي التذكير هنا بأن أندرو شابيرو، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية والعسكرية (الذي زار ليبيا أخيرا)، أكّـد على هامش مؤتمر خصّص لتسليط الضوء على الدّور الأمريكي للتخلص من الألغام وفائض الذخائر والأسلحة حول العالم، أنه جرى تأمين خمسة آلاف صاروخ تقريبا، مُعربا عن اعتقاده أن آلاف الصواريخ الأخرى قد تكون دمّـرتها غارات “شمال الأطلسي” على مواقع كتائب القذافي، فيما استَـوْلت جماعات مسلّحة مختلفة على عدد آخر مما تبقى منها، بعدما سيطرت على مخازن أسلحة النظام السابق”.
الإقليمي والأهلي
بين هذه القضايا الأمنية والإستراتيجية وأخرى داخلية أهلية، راوحت الأوراق والمناقشات في ندوة الدوحة، التي كانت أولى المحاولات، ربّما لبلْـورة رؤية متناسقة لمتطلّـبات الانتقال من ثورة عنيفة ودامية إلى دولة تنْـبَـني على المؤسسات.
في هذا السياق، شدّدت الأكاديمية الليبية الدكتورة آمال العبيدي، على ضرورة أن تتم المحاسبة على أيْـدي مؤسسات وطِـبقا للقانون، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن هذه الأخيرة ما زالت غير موجودة في المرحلة الراهنة. ورأت أن للمثقف والحقوقي دورا مهِـمّـا في المستقبل بعد أربعة عقود من التّـهميش للتفكير في صِـيَـغ جديدة، بالنظر إلى أن الليبيين لا يستطيعون استيراد حلول جاهزة لمشكلاتهم الاجتماعية.
بهذا المعنى، تتّـسم المرحلة الانتقالية في ليبيا بسِـمات خاصة، لا نجدها في التجربتين التونسية والمصرية، بسبب القضاء شِـبه الكامل على مؤسسات المجتمع المدني خلال حِـقبة القذافي، ما أدّى إلى بروز المُكوِّن القبلي على السطح بعد نهاية الانتفاضة المسلحة، وفرَض سيْـطرة جماعات الثوّار على مجريات الحياة في المدن والقرى، بما رافقه من احتكاكات مسلّـحة، تعجز الدولة عن ضبطها في أحيان كثيرة.
طرابلس (رويترز) – يعقد وزير الدفاع الليبي أسامة الجويلي محادثات يوم الاربعاء 25 يناير مع أهالي بلدة بني وليد وهي معقل سابق للزعيم الراحل معمر القذافي طرد مقاتلون محليون ميليشيات موالية للحكومة منها هذا الاسبوع.
وقال عبد العزيز الجميلي وهو عضو في مجلس محلي في بني وليد التي تبعد مسافة 150 كيلومترا الى الجنوب من طرابلس ان الجويلي جاء الى البلدة يوم الأربعاء وانهم يجرون محادثات معه لحل هذه المشكلة. وأضاف أن قوات حكومية تحيط بالبلدة.
وتولى الجويلي وزارة الدفاع ضمن الحكومة الانتقالية التي عينها المجلس الوطني الانتقالي في نوفمبر تشرين الثاني.
وقال الجميلي لرويترز عبر الهاتف ان “قوة حفظ سلام” مشكلة من وحدات من المقاتلين الموالين للمجلس الوطني جاءت من بلدات أخرى في المنطقة أقامت نقاط تفتيش على مشارف البلدة.
وهاجم سكان مسلحون ثكنات قوات المجلس يوم الاثنين 23 يناير مما أسفر عن مقتل أربعة مقاتلين وفقا لرواية ميليشيات حكومية وأجبروا الوحدة على التراجع الى ما وراء الحدود الصحراوية للبلدة.
وقال وجهاء في البلدة أمس انهم عينوا حكومتهم المحلية ويرفضون أي تدخل من السلطات في طرابلس وكرروا شكاوى أهل المدينة من أن مقاتلين موالين للمجلس الوطني قاموا بمضايقات واعتقالات للسكان وارتكبوا انتهاكات بحق السجناء.
وكانت بني وليد وهي معقل لقبيلة ورفلة القوية احدى اخر البلدات التي استسلمت للقوات المناهضة للقذافي العام الماضي.
وسيزيد التوتر الذي شهدته البلدة هذا الاسبوع الشكوك في قدرة المجلس الوطني الانتقالي على فرض النظام والسيطرة على الجماعات المسلحة وهي أمور حيوية لقطاع النفط وتأمين الحدود الليبية الصحراوية في منطقة ينشط بها تنظيم القاعدة.
ويرفض أهالي بني وليد اتهامات من مقاتلي المجلس بأنهم مازالوا موالين للقذافي الذي ألقي القبض عليه وقتل في أكتوبر 2011 بعد أسابيع من المطاردة أو لابنائه الذين مازالوا على قيد الحياة وبينهم سيف الاسلام المقبوض عليه حاليا.
ولم يشاهد صحفيون من رويترز جابوا بني وليد يوم الثلاثاء 24 يناير أي أثر للأعلام الخضراء التي تعود لايام القذافي والتي قال أنصار المجلس في وقت سابق انها رفعت فوق البلدة بعد انسحاب الميليشيات الموالية للحكومة.
ومازالت هناك بعض الرسوم الموالية للقذافي لكن اللافتات الأكثر انتشارا هي أعلام المجلس الوطني الانتقالي بالالوان الاحمر والاخضر والاسود.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 يناير 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.