طارق رمضان: “لا أرى أيّ مؤشر على وجود ربيع عربي”
"الإسلام والصحوة العربية" هو عنوان المؤلف الجديد للدكتور طارق رمضان، المفكر الــسويسري المسلم من أصل مصري، الذي حذّر من أن الاستقطاب الدائم بين العلمانيين والإسلاميين يــخفي المشاكل الحـقيقية التي تؤثر على العــالم العربــي.
الدكتور رمضان، أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة أوكسفورد، زار يوم الأربعاء 16 نوفمبر الجاري نادي الصحافة بجنيف لتقديم كتابه الجديد الذي يتــضمن قراءة نقديـة للانتفاضات التي شهدتها هذا العام بلدان في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
ويظل طارق رمضان حذرا في تحليله للاضطرابات التي يعيشها العالم العربي، ويفضل في هذه المرحلة عدم الحديث عن “ثورات” قبل رؤية نشأة بدائل حقيقــية للأنظمة الديكتاتورية التي سقطت في كل من تونس ومصر وليبيا. وقال ضمن هذا السياق: “أفضل استخدام مصطلح انتفاضات بدل ثورات، فأنا لا أرى أي مؤشر على وجود ربيع عربي.
طارق رمضان
من مواليد جنيف بسويسرا عام 1962. هو حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928.
والده، سعيد رمضان، فــرّ من مصر بسبب الإضطهاد الذي تعرضت له الحركة واستقر في سويسرا.
حاصل على إجازة في الفلسفة والأدب الفرنسي، وعلى دكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة جنيف.
هو حاليا بروفيسور الدراسات الإسلامية المعاصرة في جامعة أوكسفورد الريطانية، كما يترأس شبكة المسلمين الأوروبيين، وهي خلية تفكير تتخذ من بروكسل مقرا لها.
في عام 2004، رفضت الحكومة الأمريكية منحه تأشيرة الدخول مانعة إياه من شغل منصب في جامعة “نوتردام” بولاية إنديانا.
كان رمضان قد عبر عن معارضته الغزو الأمريكي للعراق، وعن تضامنه مع المقاومة هناك وفي الأراضي الفلسطينية. كما أدان العنف الذي تقوم به الجماعات الإسلامية المتطرفة داعيا إلى التوصل إلى حلول سملية، ولكن وجهت إليه اتهامات في عدة مناسبات بإقامة صلة مع الإسلاميين المتطرفين.
في يناير 2010، رفعت الولايات المتحدة حظرا استمر ستة أعوام على دخوله البلاد.
تصريحات المفكر السويسري، حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، جاءت بعد يومين من الإعلان عن النتائج الرسمية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس التي جرت يوم 23 أكتوبر الماضي، والتي أكدت الموقف المُهيمن لحزب حركة النهضة الإسلامي المعتدل.
وقد نُظمت تلك الانتخابات بعد تسعة أشهر من إســقاط الرئيس زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة 23 عاما.
حركة النهضة، التي كانت محظورة في عهد بن علي، فازت بـ 89 مقعدا من أصل المقاعد الـ 217 التي يتكون منها المجلس المُنتخب المكلف بـصياغة الدستور الجديد لهذه الديمقراطية الناشئة، وبتعيين حكومة مؤقتة قبل تنظيم انتخابات جديدة تقرر إجراؤها العام القادم.
ولــكن ممثلي الأحزاب العلمانية التونسية أعربوا في مناسبات عديدة عن خشيتهم من استيلاء الإسلاميين على السلطة، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لحمادي جبالي، مرشح حركة النهضة لترأس الحكومة المقبلة، والذي تحدث عن إحياء “الخلافة”، مما أضفى المزيد من التعقيد على المفاوضات الجارية لتشكيل حكومة جديدة.
استقطاب سطحي
وأمام هذه التوترات، يدعو طارق رمضان إلى وضع حدّ لما يصفه بالاستقطاب السطحي بين العلمانيين والإسلاميين، والذي يعتبره كـ “أحد أكبر الــفخاخ بالنسبة للعالم العربي اليوم”.
وشدّد في هذا الصدد على أن العلمانيين يقدمون أنــفسهم كمدافعين عن الديمقراطية لهم آراء دينية ليبرالية، ولكن العديد منهم ينحدر من نخب ميسورة مفصولة عن الواقع، وغالبا ما تكون لها صلة بالأنظمة الديكتاتورية. ونوه من جهة أخرى إلى أن الحركات الإسلامية تدّعي أن لديها شرعية دينية وأن لها اتصال بالشارع، ولكن ذلك ليس صحيحا دائما.
وتابع طارق رمضان قائلا: “ما يزعجني هو أن هذا الاستقطاب يضفي الشرعية على كل طرف من دون أن يؤدي إلى أي نوع من النقد الذاتي”، مضيفا أنه ينبغي الحكم على الأنظمة الجديدة استنادا على البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي ستُنفذها، ومشيرا إلى أن “النهضة تقول حاليا “نعم” على كل شيء: حقوق النساء، دولة القانون، ودولة القانون، والتعاون مع صندوق النقد الدولي. لهذا السبب فهي تثير مخاوف الغرب. وينبغي أن نكون متيقظين”.
الوضع في سوريا مختلف
وتحظى تحركات النهضة بمتابعة دقيقة في مصر وليبيا حيث كانت مشاركة الإسلاميين محظورة قبل سقوط نظامي مبارك والقذافي، وحيث باتوا يكتسبون تأثيرا متزايدا بعد الانتفاضات التي أجبرت الحاكم على التنحي.
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر يوم 28 نوفمبر الجاري. ويخشى الدكتور طارق رمضان من أن يلتف العسكريــون حول المسار الانتخابي. وأكد بهذا الشأن أن “مصر لا تزال اليوم تحت سلطة الجيش. ولازال يُسجن المدونون، ولازالت المحاكم العسكرية قائمة، كما يتم تأجيل أية محاولات محاكمة أعضاء النظام السابق”، مضيفا أنه نُصــح بعدم زيارة البلد في الوقت الراهن.
وبينما تــُمثل ليبيا – باحتياطاتها النفطية وموقعها الاستراتيجي في شمال إفريقيا – حالة فريدة، يظل وضع سوريا أكثــر تعقيــدا في نظر رمضان الذي يرى أن الأمر “يمس الانقسام بين الشيعة والسنة، والعلاقات مع إيران، والانقسام بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى – والأمور لم تتحرك في سوريا بسبب هذا الوضع المعقد للغاية”.
وقد دعت تركيا وجامعة الدول العربية يوم الأربعاء الماضي إلى اتخاذ تدابير طارئة لحماية المدنيين السوريين من العنف الوحشي المسلط من قبل القوات الحكومية، مطالبين بـ “وقف نزيف الدم المستمر في سوريا”. كما أكدوا خلال اجتماع عقد بالعاصمة المغربية الرباط أنهم “ضد أي تدخل أجنبي في سوريا”.
وجاء التعبير عن هذا الموقف العربي-السوري بعد ورود تقارير أفادت بأن منشقين عن الجيش السوري هاجموا قاعدة عسكرية كبيرة بالقرب من العاصمة دمشق، في أول هجوم من نوعه على منشأة أمنية هامة منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد قبل ثمانية أشهر.
وقال الدكتور طارق رمضان: “أرى في الأفــق نهاية نظام بشار الأسد، ولكن دون أن تكون بالضرورة بداية مسار ديمقراطي. أعتقد أن الأسد سيسقط، ولكن كيف؟ ومن سيخلفه؟ لا أحد (في الغرب) يثق بالمعارضة السورية الحالية”.
تأثيرات خارجية
وفي مؤلف “الإسلام والصحوة العربية”، يسلط الدكتور طارق رمضان الضوء على شرارات الانتفاضات العربية التي انطلقت من تونس ثم مصر قبل أن تندلع في بلدان أخرى، وعلى تأثير القوى الأجنبية واستراتيجياتها المتغيرة.
وأوضح أن عددا من النشطاء والمدونين في مصر وتونس وبلدان أخرى في شمال إفريقيا، تلقوا منذ عام 2004 تدريبات على القيام بتحركات غير عنيفة، ودعما ماليا من وزارة الخارجية الأمريكية، مضيفا: “عندما قررت مصر وقف العمل بشبكة الإنترنت في شهر يناير الماضي، زودت شركة “غوغل” (أكبر محرك بحثي في العالم) المدونين في مصر بتفاصيل عبر الأقمار الاصطناعية، ولكنها رفضت القيام بنفس الشيء في سوريا”.
ويعتقد المفكر السويسري أن الولايات المتحدة وأوروبا اضطرتا إلى إعادة النظر في استراتيجياتهما أمام أنظمة ديكتاتورية شائخة تتجه أكثر فأكثر نحو الشرق، ونحو بلدان ذات تأثير متزايد مثل الصين، والهند، وإفريقيا الجنوبية، وروسيا، وتركيا.
ويضيف الدكتور طارق رمضان: “لا يجب أن نكون ساذجين أو نسقط في (عقلية) التآمر. أنا أعارض تماما هذا التقييم المثالي لحركة نشأت من لا شيء أو لشبان قرروا الإنتفاض ببساطة”.
قرارات سويسرية واكبت بدايات الربيع العربي
19 يونيو 2011: تجميد أصول الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.
11 فبراير: تجميد أصول الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
24 فبراير: إدانة استخدام العنف في ليبيا، وتجميد أصول العقيد معمر القذافي.
2 مارس: رفع حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لليبيا.
4 مارس: فرض عقوبات ضد ليبيا.
6 مارس: التعبير عن القلق حول صدور عقوبات إعدام في البحرين.
11 مارس: إرسال خبراء قانونيين إلى مصر لتقديم المشورة حول الإفراج عن الأموال المجمدة.
18 مايو: فرض عقوبات ضد سوريا، وإصدار أمر بتجميد الأصول الموجودة في حوزة أعضاء النظام.
11 يوليو: تعزيز الحضور السويسري في مدينة بنغازي الليبية.
18 أغسطس: استدعاء السفير السويسري في سوريا.
12 سبتمبر: تشديد العقوبات على سوريا.
29 سبتمبر: تعيين سفير جديد في ليبيا.
سبتمبر: إيفاد مستشار أمن إنساني إلى تونس العاصمة.
أكتوبر: إيفاد مستشار أمن إنساني إلى القاهرة.
(المصدر: وزارة الخارجية السويسرية)
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.