طردُ المجرمين الأجانب: مناظرة بين سياسيّيْن يمينيّيْن لم تسفر عن إجابات شافية
لم يفلح كريستوف بلوخر (وزير سابق وزعيم حزب الشعب المُفوّه) وفولفيو بيلّي (رئيس الحزب الليبرالي الراديكالي) خلال مناظرة جمعتهما يوم الثلاثاء 2 نوفمبر 2010، بجامعة جنيف حول المصير الذي يجب أن يواجهه المجرمون الأجانب في سويسرا، إلى كسب أنصار جدد في حملتهما الإنتخابية إستعدادا للإستفتاء العام المزمع تنظيمه يوم 28 نوفمبر.
وفي حين تحول كريستوف بلوخر، الزعيم التاريخي لحزب الشعب السويسري (يمين متشدد) ووزير العدل والشرطة سابقا، إلى جنيف للدفاع عن مبادرة “طرد المجرمين الأجانب”، فإن فولفيو بيلّي، رئيس الحزب الليبرالي الراديكالي، جاء للدفاع عن المشروع البديل الذي يحظى بدعم الحكومة والأغلبية في البرلمان الفدرالي.
لكن المثير للإستغراب هو غياب الخيار الثالث الذي يعترض على المشروعيْن الداعييْن إلى طرد الأجانب الذين يرتكبون جرائم تعدّ خطيرة مع اختلاف طفيف بينهما، وهو ما استفزّ أحد الحضور فتساءل قائلا: “لماذا سمحت إدارة الجامعة بإستضافة هذا النقاش بين الكوليرا والطاعون؟”، على حد وصفه.
ردود فعل بين التنويه وصيحات الإستهزاء
رغم أن هذه المناظرة جاءت بدعوة من فرع حزب الشعب بجنيف، لكن الحضور لم يكن كله من المقتنعين بأطروحات هذا الحزب. وقد تبيّن هذا منذ اعتلاء بلوخر للمنصة، حيث استقبل في الوقت نفسه بموجة من التصفيق، وصيحات الإستهزاء والسخرية.
وقال أحدهم، كان يجلس بجواري في الطاولة، وتبيّن لاحقا أنه رئيس الفرع الشبابي لحزب الشعب في كانتون جنيف: “يوجد من بين الحضور البالغ عددهم 450 شخصا، 250 يصفّقون، و200 يستهزؤون ويسخرون”.
افتتحت المناظرة بمنح الوزير السابق 15 دقيقة لعرض موجز للمبادرة، وقد بدأ بلوخر كلمته بالإعتذار عن عدم إتقانه للغة الفرنسية، وترددت في مداخلته كثيرا كلمتا “الأجنبي”، و”الطرد”، من دون أن تخلو من الفكاهة والضحك.
السجن ليس الحل الأمثل
بدأ بلوخر كلمته بالتذكير بالنسبة العالية للأجانب المقيمين في سويسرا والذين يرتكبون جرائم خطيرة. وأشار، بحسب مصادره، إلى أنه بالرغم من كون الأجانب لا يمثلون سوى 22% من السكان، فإنهم يتسببون في 54% من الأعمال التي تلحق أضرارا بدنية بالآخرين، ويرتكبون 62% من جرائم الإغتصاب.
ثم توجه بلوخر بالسؤال إلى الحضور: “ما العمل إذن؟”. بالنسبة له الجواب واضح: لابد من طرد هؤلاء المجرمين. قبل أن يضيف: “السجن ليس حلا للإجرام. الحل الوحيد هو إجبارهم على مغادرة البلاد، ولهذا السبب أطلقنا هذه المبادرة”.
أما المشروع البديل الذي تدعمه الحكومة والأغلبية في البرلمان، خاصة أحزاب يمين الوسط (الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الليبرالي الراديكالي)، فوجوده من الأصل بحسب بلوخر “ليس إلا لقطع الطريق على مبادرة حزب الشعب”، ويوضّح الزعيم التاريخي لليمين المحافظ أو المتشدد في سويسرا: “تقول النخب السياسية إنها تتفق مع حزب الشعب من حيث المبدأ، ولكن عندما يقول أحدهم “من حيث المبدأ” فهذا معناه أنه معترض”.
مبدأ التناسب بين الجُرم والعقوبة
كذلك، ذكّر فولفيو بيلّي، من ناحيته، بأن طرد المجرمين الأجانب هو مطبّق في الواقع، حتى قبل إجراء الإستفتاء. وأشار إلى أن ما يهدف إليه المشروع البديل هو تشديد الإجراءات المعمول بها حاليا، آخذا في الإعتبار الإنشغالات التي عبّر عنها أزيد من 200.000 شخص وقّعوا على نص المبادرة التي أطلقها حزب الشعب.
لكن مبادرة حزب الشعب، “تفتقر إلى الدقة، وإلى الجدوى”، كما يقول بيلّي. ويتمثل خطؤها الرئيسي في أنها “لا تحترم مبدأ التناسب” إذ أنه “لا يمكن إدانة الأجنبي وطرده، من دون الأخذ في الاعتبار الظروف التي أحاطت بالجريمة”، حسب قوله.
ولتقريب الصورة، يضرب بيلّي مثالا بعائلة إيطالية تعيش في سويسرا منذ 15 سنة من دون أي مشكلة، لكن أحد أبنائها البالغ من العمر 19 سنة انتهك القوانين المنظمة لاستهلاك المخدّرات، ويتساءل رئيس الحزب الليبرالي الراديكالي: “في هذه الحالة، هل يمكن بالفعل طرد هذا الشاب الذي تعيش عائلته في سويسرا؟”.
كذلك من السلبيات التي تقترن بهذه المبادرة هو دعوتها إلى اعتماد طابع آليّ في عمليات الطرد القسري. وهذا الإجراء، مثلما يذكّر فولفيو بيلي، يتعارض مع القوانين الدولية التي صادقت عليها سويسرا.
الإجابات الدقيقة قليلة
اكتفى كل مناظر خلال هذه الجولة التي استضافتها جامعة جنيف بترديد شعاراته العامة، وهي صياغات من السهل العثور عليها في المطويات التي أنجزها كل حزب، وكان بإمكان بلوخر وبيلّي تقديم حجج ومعطيات جديدة ، وتقديم إجابات أكثر دقة للعديد من الأسئلة التي تظل الإجابات عنها غامضة. كالقول مثلا بأن سويسرا سوف تكون في حالة انتهاك للإتفاقيات الدولية، إذا ما أقرت مبادرة حزب الشعب، لكن “أي اتفاقيات بالضبط؟”. أسئلة الحضور بقيت من دون جواب.
استغرق بلوخر كثيرا من الوقت في توضيح أن تنفيذ عمليات الطرد الآلي لن تتسبب في أي مشكلة، ويستشهد بالمثال الدنماركي (1500 أجنبي رُحّلوا إلى بلدانهم في العام الماضي)، أو فرنسا، التي قامت بإعادة “الروم” (الغجر)، و”الذين لم يرتكبوا في الأصل أي جرم”. أما بيلّي، فقد استظهر بأسماء خبراء قانونيين للتأكيد مرة أخرى على مشكلة “تناسب العقوبة مع الجرم المرتكب”، ولكن الإثنيْن ظلا متفقيْن على أمر واحد، وهو أن هامش التأويل أمام القضاة سوف يبقى “واسعا جدا”.
من الأسئلة الحساسة الأخرى التي طرحها الحضور: “كيف يمكن طرد المجرمين الأجانب الذين ترفض بلدانهم الأصلية استقبالهم؟”. في هذه الحالة ايضا، لم يحصل الحضور على جواب نهائي وحاسم من المتحدثيْن..
لئن نجحت مناظرة جنيف في تعزيز تمسك كل طرف بموقفه، فإنّ المناظريْن لم يستطيعا إقناع أشخاص آخرين. لكن يحق للمرء أن يتساءل: هل كان الإقناع هو الهدف من هذه العملية خاصة وأن الحضور منقسم منذ البداية بين أتباع معجبين بكريستوف بلوخر، ومعارضين أقوياء له؟
يحدد الناخبون السويسريون يوم 28 نوفمبر 2010 في استفتاء عام مصير مبادرة حزب الشعب (يمين متشدد). وتدعو هذه المبادرة إلى سحب رخص إقامة الأجانب الذين يرتكبون جرائم خطيرة، أو يتحايلون من أجل الحصول على المساعدات الاجتماعية، وطردهم إلى بلدانهم الأصلية.
ويختار الناخب في هذا الإستفتاء بين دعم مبادرة حزب الشعب، او التصويت لصالح مشروع بديل تدعمه الحكومة والأغلبية في البرلمان. والمشروع البديل يهدف إلى تحقيق الهدف نفسه لكنه يختلف عن المبادرة الأصلية في نقطتيْن:
من ناحية يدعو الكنفدرالية والكانتونات والبلديات إلى بذل كل الجهود الممكنة لتشجيع الأجانب على الإندماج في سويسرا، ومن ناحية اخرى، يشدد على ان عمليات الطرد القسري، لابد ان تتم “في احترام كامل للحقوق الأساسية، ولمبادئ الدستور، وللقوانين والمعاهدات الدولية، وعلى وجه الخصوص احترام مبدأ التناسب بين العقوبة وطبيعة الجرم المرتكب.
ولد يوم 26 يناير 1951، وهو رجل سياسة من كانتون التيتشينو (جنوب)، ويترأس حاليا الحزب الليبرالي الراديكالي.
أصبح نائبا بالبرلمان الفدرالي منذ عام 1995، ثم رئيسا للفريق البرلماني لحزبه بين 2002 و2005، قبل أن يصبح رئيسا للحزب على المستوى الوطني.
فكّر أخيرا في الترشّح لمنصب حكومي، لكنه تخلى عن هذه الفكرة في نهاية المطاف.
ولد يوم 11 أكتوبر 1940، وهو رجل سياسة من كانتون زيورخ ينتمي إلى حزب الشعب (يمين شعبوي).
انتخب نائبا بالبرلمان الفدرالي منذ 1979 وحتى 2003، ثم تولى حقيبة العدل والشرطة بالحكومة الفدرالية ما بين 2004 و2008، لكنه فشل في الحصول على موافقة البرلمان للحفاظ على منصبه الحكومي.
يعد بلوخر الزعيم التاريخي لحزب الشعب، وتحت قيادته تحوّل هذا الحزب الذي كان أصغر الأحزاب المشاركة في الحكومة إلى أوّل قوة سياسية في البلاد.
ورغم أن بلوخر لا يتولى حاليا أي مهمة سياسية، لكنه يظل رغم ذلك “العقل المدبّر” لحزب الشعب الذي يكتفي فيه بتولّي وظيفة نائب الرئيس.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.