عباس وعـودة فلسطين إلى الأمم المتحدة مُجدّدا
مع دورة عقارِب الساعة، تقترب لحظة المواجهة في مجلس الأمن بين إصرار الرئيس عباس ومَـن وراءه، السلطة الوطنية والجامعة العربية، على الحصول على وضعية الدولة كاملة العضوية لفلسطين، وبين قرار الولايات المتحدة وإسرائيل منع هذا الأمر بأي ثمن كان.
لُـعبة الأرقام هُـنا، أساسية. فتِـسْـع دول من الأعضاء في المجلس، تؤيِّـد الطلب الفلسطيني، وبدون فيتو أمريكي، كفيلة بأن تجعل حُـلم الرئيس عباس حقيقة قانونية. أما أقل من ذلك، فسيكون الإحْـباط هو النتيجة الحتمية، وهو ما تسعى واشنطن لتأمينه، حتى تتجنَّـب حَـرج استِـخدام حق النقض، ومن ثَـمّ يتأثر موقفها الأخلاقي لدى الشعوب العربية في زمن الثورات والإنتفاضات، التي باتت تفرض نفسها على الجميع.
وأيا كانت النتيجة المُـنتظرة، نجاحا أو فَـشلا، فثمَّـة لحظة فارقة ستفْـرِض نفسها، كما أن التحرّك الفلسطيني والدولي، بعد قرار مجلس الأمن، أيا كان، سيكون مختلِـفا حتْـما.
أسباب فلسطينية
يذهب الفلسطينيون إلى مجلس الأمن مدفوعين بأسباب معروفة للكافة، وجوهرها أن المفاوضات الأبدية وغيْـر المنضبِـطة والفاقِـدة للمرجِـعية الواضحة، والتي بلا جدول زمني وبرعاية وسيط دولي غيْـر نزيه، بل ومُـنحاز تمام الانحِـياز للطرف الآخر، تؤدي إلى خسارة كل شيء، بدءاً من الأرض التي يقضمها غُـول الاستيطان، الذي لا يتوقّـف أبدا، ومرورا بالتَّـراجع المُـستمِـر لنوعية الحياة اليومية لكل فلسطيني، ونهايةً بفُـقدان الأمل في جدوى التحرّك السلمي لنيل الحقوق، التي لا جِـدال في مشروعيتها.
ومن هنا، تأتي الرسالة الأهَـم في مسعى التوجه إلى مجلس الأمن، وهي التأكيد على فقدان المِـصداقية في الدور الأمريكي، ومن ثَـمّ ضرورة العودة إلى العالم الرّحب، ممثلا في منظمته الأم والأعلى، لعل وعسى أن تقود هذه العودة إلى تغيير المعادلات التي حكمت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية طِـوال العقديْـن الماضييْـن.
تغيير المعادلات
بيْـد أن تغيير المعادلات ليس أمرا عبَـثيا، ولكنه أيضا ليس أمرا يسِـيرا، إنه بحاجة إلى خطّـة وإستراتيجية واضحة وقرار وإرادة، والأهَـم الإستعداد لدفع الثمن المتوقّـع، لاسيما في ظل استراتيجية تتمسُّـك بالنِّـضال السلمي بكل أشكاله، وهو ما تُـدركه إسرائيل والولايات المتحدة، بأنه خيار الضُّـعفاء الذين لا يمكنهم فِـعل أي شيء، إلا بالقَـدْر الذي يسمح به الأقوياء.
ومن هنا يصبِـح التوجّـه إلى مجلس الأمن في عرف السلطة الوطنية الفلسطينية، نوعاً من المخاطرة المحسوبة لإعادة إطلاق التفاوض، وفق أرضية جديدة أو بالأحْـرى وِفق معادلات جديدة، أهَـم ما فيها هو تغيير طبيعة التفاوض ذاته بين دولة مُـفترضة ولكنها مُحتلّـة، ودولة قائمة بالإحتلال يتعيَّـن عليها إنهاء هذا الاحتلال، وِفقا للإلتزامات الدولية المقرّرة في اتفاقية جنيف الرابعة.
عَـقَـبات أمام العودة للأمم المتحدة
لكن العودة إلى الأمم المتحدة، وتحديدا مجلس الأمن، تصطدِم بالمعايير الإسرائيلية الأمريكية المُصمّـمة منذ زمن طويل على إبعاد المجتمع الدولي بكل أشكاله من التدخُّـل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عملية المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وحتى إذا تطلَّـبت الضرورة التعامل مع شكل ما يعكس مشاركة دولية، فيكون الأمر مشاركة شكلية، لا تقدِّم ولا تؤخِّـر، أو تنْـصاع تماما للإرادة الأمريكية الإسرائيلية المُـشتركة، وحال اللجنة الرباعية الدولية خيْـر مثال على ذلك، رغم أنها، من حيث الشّـكل، تعطي الانطباع الزائف بأن هناك مظلّـة دولية للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
والحق هنا، أن تغيير المعادلات على النَّـحو الذى يطمح إليه الرئيس عباس، يختلف تماما عن تغيير الحقائق على الأرض. فالأخيرة لن تشهد أي تغيرات فورية. فلن يختفي الاحتلال ولن تختفي إجراءاته وقيوده التي تُـنغِّـص حياة الفلسطينيين، بل على العكْـس، قد تتضاعف القيود وترتفِـع حدّة المنغِّـصات اليومية، والمواجهات المحتملة بين الفلسطينيين والمستوطنين ستَـفرض نفسها على قائمة الأخبار لمدّة طويلة مقبلة.
كما أن الجدل حول التأثيرات المُـحتملة لقرار عُـضوية كاملة لفلسطين، بافتراض صدوره، على حقّ العودة ومكانة ووظيفة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي لكل الفلسطينيين في أركان المعمورة الأربعة، وكيفية تطبيق القرار الدولي حال صدوره، وإدارة المفاوضات في ظل الوضعية الجديدة، هو جدل لن ينقطِـع، وقد بدأت مؤشِّـراته بالفعل في الموقف الذي اتخذته حركة حماس برفْـض الذهاب إلى مجلس الأمن، لأنه لن يُـضيف جديدا ولن يؤثِّـر على مشروعية المطالب والحقوق الفلسطينية في كل فلسطين، وليس فقط في حدود الأرض المحتلة عام 1967، حسب تصريحات بعض قادة حماس في قطاع غزة.
رفض إسرائيلي.. ولكن!
موقِـف حماس على هذا النِّـحو يتَّـفق من حيث الجوهَـر مع الموقف الذي تلتزم به إسرائيل، وهو رفض وإجهاض المسعى الفلسطيني، وإن اختلف السَّـبب، ولكنه يختلِـف مع موقف مركز بيرس للسلام الإسرائيلي، الذي رصد خمسين سببا تدفع إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين والتعامل معها كحلٍّ صحيح وكحقيقة تُـساعد على إنهاء الصراع.
ومن بين أهَـمّ تلك الأسباب، أن هذا الإعتراف يؤمن الهوية اليهودية والصهيونية والديمقراطية لإسرائيل، حسب وثيقة الإستقلال التي قامت الدولة على أساسها عام 1948، ولأن ذلك سوف يساعد على التفرّغ للقضية الاجتماعية وترميم المجتمع الإسرائيلي، وأنه إذا كان لجنوب السودان دولة فلماذا لا يطبَّـق ذلك على الفلسطينيين؟
بيْـد أن هذه الأصوات العاقلة والمُـنطلقة أساسا من أرضية صهيونية لا جدال فيها، ليست الوحيدة في المضمار الإسرائيلي، الذي يعُـجّ بالتطرّف ودعوات التصعيد ضدّ الفلسطينيين وضدّ الرئيس عباس شخصيا، وإنزال العِـقاب بهم جميعا، كما يُـروِّج لذلك نتانياهو ووزير خارجيته ليبرمان بكل فجاجة.
الجمعية العامة والخِـيارات المهجنة
وكما أن الغُـموض سيظل مُـحيطا بالنتائج المحتملة بالنسبة لقرار أممي يضفي شرعية قانونية كاملة على دولة مُـفترضة لفلسطين، وفقا لحدود 1967 وعاصمتها القدس، سيظل الغُـموض ذاته لصِـيقا بخِـيار الذهاب إلى الجمعية العامة، وهو الخيار الذي يوصف بأنه الأكثر واقعية، ولأنه مضمون أكثر في ضوء وجود أكثر من 130 دولة تعترف بالفعل بفلسطين كدولة، وأنه وفقا لنصيحة د. نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الأكثر قابلية للتحقيق وله نتائج أفضل بالنسبة للعملية التفاوضية المُـحتملة لاحقا.
خيار الجمعية العامة يعني ترقية وضع الكيان الفلسطيني المعمول به الآن إلى وضع دولة غير عُـضو، يمكنها أن توقِّـع على المعاهدات الدولية، لاسيما معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، ومن ثَـم يمكنها أن تخاطب المحكمة للتعامل جنائيا مع القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين المتورِّطين في جرائم حرب ضد الفلسطينيين، مما يوفِّـر للمفاوض الفلسطيني ورقة ضغْـط كبيرة وذات قيمة، سياسية ومعنوية وقانونية، لا حدود لها.
أما الرباعية الدولية التي وجدت نفسها في موقف حرِج من تحرّك الرئيس عباس، حيث أصابها الانكشاف السياسي والاخلاقي في مقتل، تواجه بدورها خيارات صعبة. فمن جانب، هي تفضِّـل التفاوض على الطريقة الأمريكية الإسرائيلية، ولكنه لم يعُـد يُـجدي، وتُـدرك في الآن نفسه، أنه خيار يُـساوي الجمود، في زمن تتحرك فيه الشعوب العربية بخُـطوات سريعة يصعُـب خدعها، وتُـدرك أيضا أن الولايات المتحدة تواجه المأزق ذاته وتبحث عن بديل أقلّ كلفة، يتمثل في حجب الأصوات المؤيِّـدة لمطلب العضوية الكاملة.
وبعض التصوّرات المطروحة أمام اللجنة الرباعية، تدعو إلى العودة إلى المفاوضات، ولكن في ظل ترقية جُـزئية للكيان الفلسطيني، وِفق صيغة تمُـر من الجمعية العامة مع ضوابط لا تسمَـح للطرف الفلسطيني في وضعيته الجديدة، أن يستخدم ميزات اللُّـجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.
والظاهر، أن فرنسا، حسب تصريحات غامِـضة لوزير خارجيتها آلان جوبي، تميل إلى خيار كهذا، يبعد عنها حرَج المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب، ولا ينزع عنها إيجابيات مواقفها الأخيرة تُـجاه الثورات العربية، لاسيما الحالتيْـن الليبية والسورية تحديدا، من جانب آخر، وهي المواقف التي تعتبِـرها باريس، مواقِـف إيجابية تصُـبُّ في مصلحة سياستها الدّاعمة للحرية والديمقراطية في العالم العربي، وكِـلاهما مناقضان للاحتلال في أي صورة كانت.
ولِـذا، تظل الساعات المقبِـلة، إلى ما قبل منتصف يوم الجمعة 23 سبتمبر بتوقيت نيويورك، حبْـلى بالمفاجآت والمواقِـف المهجنة، بين خيارات ومشاهد متناقضة، ولكنها قد تُـرضي الجميع.
نيويورك (رويترز) – حذّر وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتز من عواقب مالية خطيرة، إذا نفَّـذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطّـته لطلب عضوية دولة فلسطينية في الأمم المتحدة هذا الأسبوع.
وقال شتاينتز – وهو حليف وثيق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو- يوم الثلاثاء 20 سبتمبر، إن حكومته قد توقف تحصيل ضرائب القيمة المضافة والرّسوم والجمارك، التي تمثل 40% من عائدات ميزانية السلطة الفلسطينية.
وأضاف قوله في مقابلة مع رويترز “إنه رأيي، فلا يوجد قرار للحكومة (الإسرائيلية). إنه إذا خالف الفلسطينيون المبادئ الأساسية لاتفاق السلام، فيجب أن نعيد النظر في تسليم عائدات الضرائب لهم.” وقال شتاينتز إن قيمة الضرائب التي تقوم إسرائيل بتحصيلها لحساب السلطة الفلسطينية، تبلغ إجمالا نحو 500 مليون شيقل (135 مليون دولار) شهريا. وكان شتاينتز أوقف بشكل مؤقَّـت تحويل عائدات الضرائب في الربيع الماضي.
وتقول الولايات المتحدة وإسرائيل إن قيام الدولة الفلسطينية ينبغي أن يتحقّـق من خلال محادثات سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وإن مثل هذه المحادثات ستُـصبح مستحيلة، إذا أعلن الفلسطينيون قيام دولة من جانب واحد. وتعهَّـدت واشنطن باستخدام حقّ النقض (الفيتو) ضد مثل هذا الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن.
وذكر وزير المالية الإسرائيلي أنه إذا اتخذ عباس خطوة أحادية بإعلان الدولة الفلسطينية، فإنه يأمل أن تفشل المحاولة وعبَّـر عن تشكُّـكه في استطاعة السلطة الفلسطينية إدارة دولة مستقِـرة، تشكل فيها التّـبرعات والمعُـونات الدولية 40% من الميزانية.
وقال “نحن قلِـقون بسبب ما شهدناه في غزّة”، مشيرا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع قبل ستة أعوام، الذي سيطرت بعده حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع خلال عامين. وتابع “نحن قلقون لأنها خطوة عدائية”، مضيفا أن إسرائيل تريد سلاما على أساس اتفاق ثنائي، وليس على أساس إعلان منفرد.
وتشارك الولايات المتحدة بمبلغ 500 مليون دولار في الدّعم المالي الذي يقدم للسلطة الفلسطينية سنويا. وقال بعض الساسة الأمريكيين، إنهم سيحاولون قطع المساعدة الأمريكية عن الفلسطينيين، إذا رفضوا التراجع في الأمم المتحدة.
وصرّح جهاد الوزير، محافظ البنك المركزي الفلسطيني لرويترز يوم الاثنين 19 سبتمبر، بأن سحب الولايات المتحدة معونتها، قد يزعزع السلطة الفلسطينية. وقال “في الواقع، خطر انهيار السلطة الفلسطينية حقيقي جدا في ظل الضغط المالي بدون المساعدة الأمريكية وبدون مساعدة المانحين بوجه عام”.
وفيما تواجه إسرائيل إمكانية الدّعوة من جانب واحد للاعتراف بدولة فلسطين، حاولت الولايات المتحدة حليفتها الرئيسية، اقناع تركيا بتخفيف التوترات الدبلوماسية مع إسرائيل.
وساءت العلاقات في عام 2010 حين اعتلى جنود إسرائيليون سفينة معُـونة كانت في طريقها إلى غزة في محاولة لفكّ الحصار البحري الإسرائيلي على القطاع، وقتلت نشطاء من تركيا. والعلاقات ليست بنفس السوء على الجانب الاقتصادي.
وقال شتاينتز “حتى الآن، ما من تأثير على التعاون الاقتصادي بين البلدين، ولكن اتمنى أن يتسنى إصلاح العلاقات ككل مرة أخرى، لأنها مهمة للجانبين.” وتابع أن الصادرات لتركيا والتي تمثل بين 2 و3% من الإجمالي السنوي، ارتفعت في النصف الأول من عام 2011 .لكنه أضاف أنه لم تُـبرم أي صفقات كبرى جديدة في قطاع صناعة الدفاع، وأشار إلى أن السياح الإسرائيليين بدأوا يتجنَّـبون زيارة تركيا. ولن يستثني الدفاع، وهو عنصر مِـحوري في النفسية الإسرائيلية، من جهود الحكومة لزيادة الانفاق الاجتماعي والحدّ من ارتفاع تكلفة المعيشة.
وذكر الوزير أنه سيجري خفض الإنفاق على الدفاع، حتى مع تذكيره بالتوتّـرات المتنامية مع السلطة الفلسطينية وتركيا، وحالة عدم اليقين في سوريا، حيث يحاول الرئيس بشار الأسد إخماد انتفاضة شعبية ضدّ حُـكمه. وتابع “ينبغي أن نكون حذرين للغاية، لذا سيكون (الخفض) متواضعا جدا، ولكن سنُـحوِّل القليل من المال” للمتطلبات الاجتماعية المحلية.
ويتظاهر إسرائيليون، احتجاجا على تكلفة المعيشة المرتفعة، على عكس الحال في السنوات القليلة الماضية، حين تفادى الاقتصاد الإسرائيلي الاضطراب المالي العالمي. وتوقع شتاينتز أن ينمو الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 4.8% في عام 2011 متفَـوقا على التوقعات الأصلية عند 3.9%. (الدولار الأمريكي يساوي 3.686 شيقل)
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 سبتمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.