“على الدول الغربية مراجعة سياساتها في الشرق الأوسط قبل أن تُجبر على ذلك”
يرى الدبلوماسي السويسري السابق إيف بيسون أن ما تشهده المنطقة العربية من ثورات شعبية وبالأخص في مصر "سيدفع الى تغيير التحالفات في المنطقة والى تعزيز الدور التركي" فيها. أما عن المخاوف الإسرائيلية من "أسلمة" النظام فيعتبرها "تلويحا بمنديل أحمر أمام أعين الغربيين ... الذين عليهم مراجعة سياستهم في المنطقة قبل أن تجبرهم التطورات الجارية على ذلك"، على حد قوله.
في اليوم الثامن من احتجاجات المصريين ضد نظام الرئيس مبارك وإصرارهم على تنظيم مسيرة المليون محتج، تدخل المواجهة بين نظام الرئيس مبارك ومئات الآلاف من المحتجين في شتى أنحاء البلاد مرحلة حاسمة تدفع المراقبين والمعنيين إلى تصور مستقبل المنطقة على ضوء تداعيات ما حدث في تونس وما تشهده مصر حاليا من تطورات متلاحقة. وهذا ما يمكن الخروج به من الحوار التالي الذي أجرته swissinfo.ch مع الخبير إيف بيسون، الدبلوماسي السويسري السابق والمدير الأسبق لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والأستاذ السابق في جامعة نوشاتيل.
swissinfo.ch: تتابعون بدون شك الأحداث التي عصفت بنظام بن علي في تونس وما يحدث اليوم في مصر من إصرار على المطالبة برحيل نظام الرئيس مبارك. كيف تقيمون هذه الطريقة الجديدة من الثورات الشعبية التي اختلفت بطبيعتها ومكوناتها وبسقف مطالب التغير التي تطالب بها؟
إيف بيسون: ما يحدث اليوم فريد من نوعه لأنه يبدو أن هذه الثورات لا تتحكم فيها زعامات أحزاب أو حركات معينة، بل هي لأول مرة نتيجة ضجر شامل للمواطنين. وحتى ولو كانت مصر قد شهدت انتفاضات مماثلة كانت آخرتها في العام الماضي على ضوء الإنتخابات البرلمانية، والتي كان من المفروض أن تكون بمثابة جرس الانذار، فإنها المرة الأولى التي تعرف فيها هذا الحجم من التعبئة، وهي التعبئة التي لازالت على أشدها لحد اليوم رغم توقع البعض بتلاشيها بسرعة.
أعتقد بأن ذلك كان نتيجة تفشي البطالة وتفشيها في صفوف طبقة الشباب الذي يمثل المستقبل. وما قيل عن هذه الثورة صحيح فقد كانت عفوية. ولكن ما يمثل مشكلة في الثورات العفوية أنها قد تكون عرضة لكي تستولي عليها تيارات معينة وتحرفها.
من هو إيف بيسون؟
أستاذ حاصل على الدكتوراه من معهد جنيف للدراسات الدولية العليا. جاب مناطق الشرق الأوسط لأكثر من 15 عاما. التحق بوزارة الخارجية السويسرية في عام 1971.
قضى عامين في لبنان لدراسة اللغة العربية وتاريخ المنطقة. وقد عمل كدبلوماسي سويسري بمنطقة الشرق الأوسط لأكثر من 10 سنوات.
عاد للمنطقة في عام 1990 كمدير لمفوضية الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”. وفيما بين 1992 و1995، تولى منصب مستشار خاص للمفوض السامي للأونروا،هي الفترة التي قاد فيها وفد الأمم المتحدة المشارك في مفاوضات أوسلو، وفي ذلك الإطار تولى ملفي اللاجئين والإقتصاد.
منذ عودته الى سويسرا في عام 1995 وإلى اليوم، تفرغ السيد إيف بيسون لتدريس مادة العلاقات الدولية في عدة جامعات سويسرية.
هو عضو مؤسس للجمعية السويسرية للحوار الإسلامي الأوروبي العربي، وهي جمعية غير ربحية وغير طائفية تأسست في 21 يونيو 2006 في مدينة جنيف، وتتمثل أبرز مهامها في جمع وتوحيد الأشخاص الذين يؤمنون بضرورة إعادة صياغة الحوار بين العرب والمسلمين بطريقة اكثر إنفتاحية.
لإيف بيسون عدة مؤلفات عن منطقة الشرق الأوسط وقضاياها مثل “الهويات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط”. (صدر عام 1991).
هل هناك بوادر أو مؤشرات مخاطر الإستيلاء على هذه الثورة العفوية متوفرة في الوقت الحالي؟
إيف بيسون: من السابق لأوانه الحكم على ذلك لأننا ما زلنا في مرحلة المظاهرات الشعبية. ولكن يجب أن ننظر الى أن تعيين نائب للرئيس مبارك معناه أن ذلك بمثابة تمهيد الطريق لمغادرة محتملة. لأن رئيس المخابرات عمر سليمان (الذي عين في منصب نائب الرئيس) هو الرجل القوي الذي يقود المفاوضات الهامة والتفاوض مع إسرائيل ، وبإمكانه أن يقود المرحلة الانتقالية والوصول الى انتخابات ديمقراطية. ولكن يجب انتظار ما ستكون عليه ردود الفعل وبالأخص ردود الفعل داخل الجيش لأن هناك عدة أجيال داخل هذا الجيش. فالشباب المصري اليوم متشبث بضرورة إقامة نظام ديمقراطي. وهذا مشجع للغاية ولكن يبقى تحديد ما المقصود بالنظام الديمقراطي.
إذا كانت لثورة تونس تأثيرات محلية فإن هناك مخاوف من أن تكون لما تعرفه مصر تأثيرات على المنطقة بأكملها وعلى المسار السلامي في الشرق الأوسط الذي عايشتموه عن كثب. كيف تتصورون هذه التأثيرات من وجهة نظركم؟
إيف بيسون: ستكون هناك تأثيرات داخلية داخل مصر قبل كل شيء وهذا حتى ولو أنه من الصعب معرفة الأبعاد في الوقت الحالي. إذ هناك تنظيم الإخوان المسلمين الذي لم يظهر على الواجهة في الوقت الحالي وهو ينتظر بلا شك الوقت المناسب لذلك، أما باقي التنظيمات والحركات فما زالت منقسمة وهو ما يجعل كل الإحتمالات على المستوى الداخلي تبقى مفتوحة. ولكن على المستوى الإقليمي، وهو الجانب الذي يهمني، فستكون لهذه الأحداث تأثيرات ثقيلة بالنسبة للمستقبل نظرا لكون مصر ركيزة لمنطقة الشرق الأوسط العربية.
فإذا ما أردنا التركيز على بعض النقاط، فما يهم هو هذا الصمت السوري. فالشارع السوري لا يتحرك والحكومة السورية لا تتحرك. وعندما ننظر الى التقارب التركي السوري الذي تطور في السنوات الأخيرة، يمكن تصور أن محور أنقرة – دمشق سيصبح بإمكانه التأثير بشكل كبير في شؤون المنطقة، وسيكون بإمكانه تعزيز محور دمشق – طهران. وفي داخل المحورين ستجدون حزب الله وحماس. وهذا ما قد يعزز الدور التركي في المنطقة بتعاون مع سوريا. وهو ما ستكون له تأثيرات لا محالة على الأردن، ولو أن بإمكان المملكة الهاشمية الحصول على دعم من السعودية بموجب الحفاظ على النظام الملكي.
ولو نظرنا الى وضع العراق الذي لازال غير محسوم فإننا نجد أن الأمريكيين بالخصوص الذين تعودوا على القيام بدور بهلواني يتحكم في باقي الكريات في الوقت الذي تبقى فيه كرة واحدة في الهواء، سيجدون أنفسهم أمام (وضعية توجد فيها) جميع الكريات في الهواء.
وفي أية خانة او أي محور إقليمي تضعون النظام الذي سينتج عن هذا المخاض الحاصل في مصر اليوم؟
إيف بيسون:ما هو مهم هو معرفة موقف حركة الإخوان المسلمين. وما أراه مفيدا هو أن يلتزم الإخوان المسلمون بموقف أقل بروزا في الوقت الحالي. فعلى سبيل المثال عدم إظهار طموحات كبيرة لتولي منصب الرئاسة في حال تنظيم انتخابات ديمقراطية في الخريف القادم، بل ترك هذه المكانة الهامة للجيش.
وعلى المستوى الإيديولوجي يمكن لتركيا ولحزب العدالة والتنمية أن يلعبا دورا كمثال (أو أنموذج) يمكن للنظام المصري أن يقتدي به. وإذا ما حدث ذلك فسيكون مهما للغاية خصوصا إذا ما تحركت الولايات المتحدة بشكل منطقي وعقلاني لدفع الأتراك الى التأثير على مستقبل الأخوان المسلمين في مصر.
يضاف الى ذلك أن منظري الإخوان المسلمين في مصر هم من المسنين وبالتالي قد يجدون أنفسهم أمام جيل من الشباب لا يفكر بطريقة الجيل السابق بل يتوق الى المزج بين المبادئ الديمقراطية والتعاليم الدينية وبالتالي يمكن أن يجد في النموذج التركي مثالا يتبعه.
ولكن هناك انتقادات وتحذيرات صدرت بالفعل من رئيس الوزراء الإسرائيلي مفادها: “إما مبارك أو الإسلاميين”؟
إيف بيسون: هذه أدوار وتصرفات هذا الوزير الأول الإسرائيلي كما نعرفه والمعتاد على التلويح بهذا المنديل الأحمر أمام أعين القادة الغربيين لحثهم على الإبقاء على نفس السياسة في المنطقة. ولكن أعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة للغربيين لمراجعة سياساتهم في المنطقة وإلا سيضطرون للقيام بذلك تحت ضغط الأحداث المتتالية.
بالفعل هناك ما يشبه الرياء (أو النفاق) لدى العواصم الغربية التي كثيرا ما تردد دعواتها لضرورة انتهاج النهج الديمقراطي في دول الشرق الأوسط، وعندما تتاح فرصة تجسيد ذلك نلاحظ ترددها بتعلات التخوف من ظهور أنظمة إسلامية. كيف تفسرون ذلك؟
إيف بيسون: هذا بالفعل ما يحدث وما يجب تغييره، لأنه إذا ما رغبت الدول الغربية في الحفاظ عل نفوذها في المنطقة فعليها مرافقة هذه التطورات بدون إحداث قطيعة مع الأنظمة المحافظة في شبه الجزيرة العربية وبالأخص الروابط الإستراتيجية مع العربية السعودية.
يضاف الى ذلك أن محاولة فرض الديمقراطية في المنطقة بالقوة، مثلما حاول جورج بوش هي سياسة أظهرت فشلها، وهي في طريق إظهار فشلها في أفغانستان ويجب انتظار ما ستسفر عنه في العراق. لذلك على الدول الغربية أن تعيد نظرها في السياسة المتبعة في منطقة تمتد من أفغانستان إلى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، واستخدام طرق أخرى غير القوة أو المساعدات.
بحكم مواكبتكم لبعض مراحل عملية السلام في الشرق الأوسط، كيف ترون التأثيرات المحتملة لهذه التطورات في المنطقة على عملية البحث عن سلام في المنطقة؟
إيف بيسون: في الواقع لم يعد هناك مسار سلامي (بين الفلسطينيين والإسرائيليين) منذ تسريبات (قناة) الجزيرة. كما أنه على الجانب اللبناني وبعد فوز الجناح الذي ينتمي إليه حزب الله في تشكيل الحكومة هناك تخوف من أن تقوم إسرائيل بضرب لبنان مرة أخرى بهدف التخفيض من قدرة تسلح حزب الله.
أما على الجانب المصري، وفي حال انهيار نظام مبارك، فإن جبهة سيناء سوف لن تبقى محمية بنفس الطريقة لأن النظام الجديدة سوف لن يكون من مصلحته تسخين جبهة سيناء وفي نفس الوقت سوف لن يواصل الإلتزام بالإجراءات الأمنية التي التزم بها مبارك. وهذا ما قد يسمح لحركة حماس (في قطاع غزة) باستئناف تزودها بالأسلحة من المصادر المعتادة.
أتوجه الآن للدبلوماسي السويسري السابق وأسأل: هل يمكن – في الظروف الحالية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط – للدبلوماسية السويسرية أن تلعب دورا ما؟
إيف بيسون: لا أرى ذلك باستثناء موصلة القيام ببعض الأدوار في الحوار بين الأطراف اللبنانية. وحتى الإيجابية التي كانت تتمتع بها سويسرا لمواصلة الحوار بين الأطراف الفلسطينية من خلال استمرار الحوار مع حركة حماس وعدم تبني الموقف الأوروبي والأمريكي (المصنف لها على أنها منظمة إرهابية)، يبدو أن تسريبات الجزيرة قد أضعفتها.
ختاما، وبعيدا عن التحليل، كيف تحكم شخصيا على هذه التجربة التي تعيشها المنطقة سواء ما حدث في تونس أوما يجري اليوم في مصر؟
إيف بيسون: أجد أنها تجربة خارقة للعادة. والمهم هو أن تلك الهوة التي كان الغربيون يرغبون في إبقائها ما بين إمكانية ظهور ديمقراطية على الطريقة الغربية وبين احترام لبعض المعايير الإجتماعية الخاصة بالمجتمعات العربية والإسلامية، ستعمل هذه الأحداث التي تعرفها المنطقة على تضييقها. وقد تجد المنطقة في النموذج التركي ما يلبّي هذا الطموح. لذلك اعتقد أن تركيا أمامها اليوم فرصة لاستثمار نفوذها في المنطقة، النموذج السياسي الإسلامي، والقوة الاقتصادية، والنفوذ عبر المحور السوري خصوصا بعد ارتكاب إسرائيل لخطإ تعكير علاقتها مع أنقرة.
جنيف (رويترز) – قالت نافي بيلاي مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان يوم الثلاثاء 1 فبراير 2011 ان لديها تقارير غير مؤكدة بأن ما يصل الى 300 شخص قد يكونون قتلوا في الاحتجاجات التي تشهدها مصر.
وفيما دعت الى الهدوء أثناء احتجاجات يوم الثلاثاء التي قد تكون “لحظة مصيرية”، حثت بيلاي السلطات المصرية على ضمان تفادي الشرطة والجيش الاستخدام المفرط للقوة وعلى حماية المدنيين.
وقالت بيلاي في بيان صدر في جنيف “الخسائر في الارواح تتصاعد بشكل يومي وتشير تقارير غير رسمية الى احتمال مقتل 300 شخص حتى الان واصابة اكثر من 3000 واعتقال المئات.”
وذكر متحدث باسمها ان الارقام غير الرسمية للخسائر جاءت من منظمات غير حكومية.
وقالت بيلاي “مسيرة الثلاثاء يبدو انها ستصبح على الارجح لحظة مصيرية في انتقال مصر الى مجتمع أكثر حرية وعدلا وديمقراطية.”
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 فبراير 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.