“على سويسرا الـتـحـلـّي بالـجـرأة في عـلاقـتـها مع الصين”
من المنتظر أن تبدأ سويسرا قريبا مفاوضات مع الصين من أجل التوصّل إلى اتفاق للتبادل التجاري الحر، وهي خطوة ترى برن أنها حيوية جدا بالنسبة لاقتصادها. swissinfo.ch أجرت حوارا بهذا الشأن مع طوماس برنشفيك، المسؤول عن ملف السياسة التجارية في تحالف "إعلان برن"، وهي إحدى المنظمات غير الحكومية التي أعربت مبكرا عن انشغالها من الآثار المرتقبة لهذا الإتفاق على أوضاع حقوق الإنسان في الصين، وعلى مصداقية السياسة الخارجية السويسرية.
وفي ظل نمو وتسارع العولمة الإقتصادية، تتزايد أهمية السوق الصينية بالنسبة لمعظم قطاعات الإقتصاد السويسري. وفي الوقت الحاضر، تمثل الصين أكبر شريك اقتصادي لسويسرا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وكتلة الإتحاد الأوروبي.
وقد أظهرت دراسة جدوى أنجزت بدايات هذه السنة أن إجمالي الناتج المحلي السويسري يمكن أن ينمو بمعدّل 0.23%، وأن القطاع الصناعي يمكن أن يحقق فائضا في الأرباح بنسبة 290 مليون فرنك بمجرد إلغاء الحواجز التجارية (القائمة حاليا) بين البلديْن. وإذا ما نجحت برن وبكين في إبرام هذا الإتفاق، فسوف يكون الأوّل من نوعه الذي يتم التوصل إليه بين الصين وبلد أوروبي.
في المقابل، حذرت العديد من المنظمات الإنسانية، والهيئات الداعمة للتنمية، مثل تحالف “إعلان برن”، و”التحالف السويسري من أجل الجنوب”، والجمعية السويسرية للدفاع عن الشعوب المهددة، وجمعية الصداقة السويسرية التيبيتية، يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 من أنه سيكون من غير الأخلاقي أن تحقق الشركات السويسرية أرباحا على حساب انتهاك حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات في الصين. وفي ما يلي نص الحوار مع طوماس برنشفيك.
swissinfo.ch: كيف تنظرون إلى مستقبل اتفاق التبادل التجاري الحر مع الصين؟
طوماس برانشفيك: لسنا ضد التفاوض مع الصين، لأن المفاوضات يمكن أن تُمكن سويسرا من تشجيع الصين على تأهيل نفسها لاحترام المعايير الدولية. وما نطالب به هو تضمين ذلك الإتفاق بنودا توجب احترام حقوق الإنسان. وكذلك أن تقوم سويسرا بدراسة أوّلية حول الآثار المحتملة للإتفاق على الوضع الإقتصادي والحقوق الإجتماعية للفئات الفقيرة في الصين. وفي ضوء نتائج تلك الدراسة، يمكن لسويسرا أن تقرر إن كان بالإمكان الشروع في المفاوضات أم لا.
ما هي التحسينات بالضبط التي تقترحون أخذها بعين الإعتبار في أي تفاق محتمل؟
طوماس برانشفيك: علينا أن نكون واقعيين. لن يكون بإمكان سويسرا إطلاقا التأثير بشكل فعّال على أوضاع حقوق الإنسان في الصين في إطار التفاوض من أجل اتفاق التبادل الحر. ومن الواضح أيضا أن المفاوض الصيني لن يسمح لنفسه بالتعرّض للضغوط بشأن هذا الموضوع. لكن بإمكان سويسرا الإسهام في ذلك، من خلال مثلا الإلتزام بعدم السماح بدخول أي منتجات صينية تم تصنيعها في ظروف لا تحترم المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، أو المعايير التي وضعتها منظمة العمل الدولية، أو حتى من خلال فرض الرقابة على سلوك الشركات السويسرية الكبرى العاملة في الصين، خاصة تلك الناشطة في مجال الصناعات المعدنية أو المواد الأولية الخام. كل ذلك للتأكد من أن تلك الشركات لا تستغل الأوضاع السيئة لحقوق الإنسان في البلاد من أجل الحصول على منتجات أقل تكلفة.
هل اعتمدت سويسرا هذا الصنف من الإجراءات في المقترح الإطاري المنظم للمفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق التبادل التجاري الحر؟
طوماس برانشفيك: في ما يتعلّق بالآثار الممكنة لمثل هذا الاتفاق، سبق أن طالبنا كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية بالقيام بالدراسات الضرورية في هذا المجال مرات عديدة. مثلا خلال مفاوضات سويسرا مع الفيتنام، أو مع الهند. لكن طلباتنا المتكررة جُوبهت بالرفض من الحكومة. وبررت هذه الأخيرة موقفها بأن هذا النوع من الدراسات مكلف، ونتائجها غير موثوقة بالقدر الكافي. نحن نجد أن مبررات الحكومة واهية، لأن وكالات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان تطالب باعتماد هذه الإجراءات منذ أزيد من عشر سنوات.
كذلك الأمر بالنسبة للبنود المتعلقة بحقوق الإنسان والتي من المفترض أن يتضمنها الإتفاق المرتقب، لم تضمّن سويسرا بنودا من هذا القبيل في أي اتفاق من اتفاقياتها الدولية، على عكس الإتحاد الأوروبي. الشيء الوحيد الذي فعلته سويسرا هو أنها نصّت على مرجعية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الديباجة، التي هي ليست ملزمة، وهذا ما يُفقد تلك الخطوة جدواها. هذه الخطة التي تعتمدها الحكومة السويسرية غير مجدية.
تتمتع سويسرا في الحاضر بعلاقات تجارية وطيدة مع الصين، كيف تعاملت مع ملف حقوق الإنسان حتى الآن؟
طوماس برانشفيك: يوجد بين البلديْن حوار على المستوى الحكومي، هدفه ضمان احترام حقوق الإنسان (الحوار السويسري- الصيني بشأن حقوق الإنسان). ويتركز الإهتمام في هذا الحوار على عقوبة الإعدام، واحترام حقوق الأقليات، والحريات الدينية، والتأكيد على المسؤولية الاجتماعية للشركات الخاصة. مثلا خلال الإستعراض الدوري لأوضاع حقوق الإنسان في الصين أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، كانت سويسرا الدولة الوحيدة التي تحدثت بصوت عال عن انتهاك حقوق الأقلية الإيغورية. وهو موضوع شديد الحساسية بالنسبة للصين. مع ذلك، لا يُعدّ الحوار بين سويسرا والصين بشأن هذا الموضوع كافيا، إذ أنه لم يُسفر عن أي نتائج محسوسة.
إذا أصرّت سويسرا على تضمين بنود خاصة بحقوق الإنسان في الإتفاق المرتقب، ألا يُخشى أن تتعرض لضغوط من الصين؟
طوماس برانشفيك: هذا ممكن، لقد رأينا الضغوط التي مُورست على سويسرا بشأن قرارها منح اللجوء إلى المواطنيْن الصينييْن من أصل أيغوري المعتقلين السابقيْن بغوانتانامو. [في مارس 2010، منحت سويسرا حق اللجوء إلى شقيقيْن صينييْن من أصل إيغوري أطلق سراحهما من معتقل غوانتانامو، بعد أن برّأت ذمّتهما من أي أعمال إرهابية أو مخالفة للقانون، وذلك رغم احتجاج الحكومة الصينية – التحرير]. وقبل فترة قصيرة رأينا أيضا الإبتزاز الذي تعرضت له النرويج بسبب منحها جائزة نوبل للسلام إلى السجين الصيني ليو جياباو.
إن إبرام اتفاق مع بلد يتصرف بهذا الشكل يمثل في حد ذاته مشكلة. إلى أي حد سوف تصمد سويسرا؟ هل ستتمسك بقيمها أم أنها سوف تصمت للحفاظ على مصالحها الاقتصادية؟ في كل الأحوال على سويسرا أن تبدي حدّا أدنى من الشجاعة، ولا يجب أن تعطي الأولوية للمصالح الإقتصادية على حساب انتهاك حقوق الإنسان.
خلال اتصال له مع swissinfo.ch، أشار السّفير كريستيان إيتّار، رئيس القسم الخاص بالاقتصاد الخارجي، في كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية في معرض ردّه على دعوات المنظمات غير الحكومية بشأن التعاون السويسري الصيني إلى النقاط التالية:
تأخذ الحكومة السويسرية في الاعتبار، وبجدية، حقوق الإنسان، ومعايير منظمة العمل الدولية.
تخوض سويسرا حوارا مع الصين وتتعاون معها في إطار العديد من المشروعات بشأن قضايا حقوق الإنسان ومعايير منظمة العمل الدولية، وحماية البيئة، والحث على تحمّل الشركات لمسؤولياتها الاجتماعية، وسلامة عمليات الإنتاج، والعلاقات الجيدة بين العمال في الشركات الصينية.
اتفاق التبادل التجاري الحر مع الصين سوف يصاغ بطريقة تكمّل وتعزز الأهداف والجهود السابقة. كذلك سوف يمتّن العلاقات الاقتصادية، وسوف يساهم في التنمية المستدامة.
الأحكام الإضافية لهذا الاتفاق، بما في ذلك الديباجة، التي تعرض المبادئ التوجيهية بشكل عام، سوف تعمل على ضمان تنفيذ تلك الحقوق والالتزامات الصادرة عن الوكالات والهيئات الدولية.
تصاغ المعايير الدولية سواء في مجال حقوق الإنسان أو الشغل أو في ما يتعلق بالمسؤوليات الاجتماعية للشركات الخاصة في إطار الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية والمنظمة الاقتصادية للتعاون والتنمية.
اعترفت سويسرا بجمهورية الصين الشعبية في 17 يناير 1950، وكانت أوّل دولة غربية تبادر بذلك. وبالتزامن سحبت اعترافها بجمهورية الصين (تايوان).
لم تكن العلاقات بين الصين وسويسرا وطيدة بسبب التحولات في الصين، وبسبب الحرب الباردة. لكن تلك العلاقات شهدت تطورا سريعا انطلاقا من سنة 1979عندما اطلق دينغ سياوبينغ سياسته القائمة على تحرير السوق وإدخال إصلاحات عامة.
حاليا، توجد حوالي 300 شركة سويسرية، و700 فرع لشركات أخرى تعمل في الصين. كما يبلغ عدد السويسريين المقيمين هناك 3.300 تقريبا.
منذ 2002، أصبحت الصين، ومن ضمنها هونغ –كونغ، أكبر شريك إقتصادي لسويسرا في القارة الآسيوية. وبلغت القيمة الإجمالية للصادرات السويسرية لهذا البلد 5.2 مليار فرنك سنة 2009، (10% أقل من قيمتها في 2008)، في حين بلغت قيمة الواردات من الصين حوالي 4.9 مليار فرنك (بأقل من 4% مقارنة بالسنة التي قبلها).
على المستوى العالمي، تعتبر الصين المصدّر الأوّل لسويسرا بعد الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الاوروبي. أما السوق الصينية فهي رابع أكبر سوق للبضائع السويسرية بعد الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، واليابان.
تتعاظم أهمية الصين مع الوقت كذلك بالنسبة للسياحة السويسرية، خاصة وأن تعداد السكان في الصين يبلغ 1.33 مليار نسمة.
(نقله من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.