فاتح درسون: “علينا قراءة الواقع السياسي بدقّـة”
لا تكاد قضية عدم التسامح والتمييز العنصري في سويسرا تخمد، حتى تطفو على السطح من جديد.
ويتزامن ذلك مع سنة سياسية استثنائية، ستشهد في شهر أكتوبر القادم تنظيم انتخابات عامة، يشكل فيها موضوع الأجانب وملف الهجرة كالعادة، محور اصطفاف واستقطاب بين الأحزاب السياسية بكل أطيافها.
يضع الخطاب السياسي المُـعادي للأجانب لدى الأحزاب اليمينية المتطرفة، الدولة السويسرية في حرج أمام التزاماتها على المستويين، الأوروبي والدولي.
فخلال هذه السنة فقط، اعترف مُـمثل سويسرا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (مقره جنيف) في ردّه على تقرير أعدّه المقرر الأممي الخاص حول العنصرية، بوجود هذه الظاهرة المرضية في البلاد، وإن رفض تعميم الحُـكم أو القول بوجود توجّـه نحو انحرافات عنصرية، كما ورد في التقرير.
وفي يوم 3 يونيو الجاري، اعتذرت السلطات السويسرية عن عدم استقبال السيد عمر أرهون، الممثل الشخصي لرئيس منظمة الأمن والتعاون والمكلّـف بمكافحة عدم التّـسامح والتمييز ضد المسلمين في أوروبا، وبرّرت رفضها بخشيتها أن تؤدّي الزيارة إلى نشوب جدل سياسي عشية الانتخابات العامة، حسب ما ورد عن صحيفة سونتاغس تسايتونغ (الصادرة في زيورخ).
يوم 7 يونيو، أرسلت الجهة نفسها وفدا من اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية إلى مؤتمر بوخارست، الذي تديره منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول التمييز وعدم التسامح، وتعرّض المؤتمر لأوضاع حقوق الإنسان، وخاصة الأجانب في القارة الأوروبية، وتضمّـنت كلمة الوفد السويسري، إشارة للمبادرة المثيرة للجدل، والتي أطلقتها بعض الشخصيات المعروفة بتوجّـهها اليميني الراديكالي، والمطالبة بحظر بناء المآذن والنصّ على ذلك في الدستور الفدرالي.
ولإلقاء مزيد من الضوء على هذه القضايا جميعا، أجرت سويس انفو هذا الحوار مع السيد فاتح درسون، عضو اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية وعضو الوفد السويسري لمؤتمر بوخارست حول التمييز وعدم التسامح.
سويس انفو: دُعيت للمشاركة لمؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لمكافحة التمييز والاحترام المتبادل، في الوقت الذي رفضت سويسرا استقبال عمر أرهون، ممثل المنظمة. فهل هناك أي علاقة بين الأمرين؟
فاتح درسون: ما حصل كان سوء فهم، ولقد اتّـصلت بالجهتين لاستيضاح الأمر، وأكّـد لي الطرف السويسري أنه لم يرفض الزيارة، ولكنها مسألة وقت، وستتم قريبا بدعوة رسمية من الجانب السويسري، لكن لا علاقة بين مشاركتي في مؤتمر بوخارست وهذا الأمر.
سويس انفو: هل تم التطرق إلى هذه المسألة خلال مؤتمر بوخارست؟
فاتح درسون: لا أبدا، لأن الأمر سويسري بحت وسيتم التعامل معه على هذا المستوى.
سويس انفو: ما هي أبرز القرارات التي توصل إليها مؤتمر بوخارست؟
فاتح درسون: بعد إعادة تأكيده على ضرورة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية ودولة القانون، كمرتكزات للمفهوم الشامل للأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، واعتباره الكراهية والتمييز العنصري مظاهر تُـخل بالديمقراطية والاستقرار، شدّد البيان الختامي للمؤتمر على ضرورة نشر قِـيم التسامح والتفاهم والاحترام المتبادل، وعلى وضع التشريعات والآليات التي تساعد على رصد الإخلال بتلك القيم ومحاسبة المخلين.
ودعا البيان كل الدول الأعضاء في المنظمة إلى تضمين مقرراتها الدراسية، مواد تدعو للتسامح ونبذ الكراهية، كما دعا المؤتمر إلى ضرورة نشر الوعي بأهمية التنوع الثقافي والديني واعتباره مصدر ثراء للمجتمعات، وناشد ممثلو جميع الأديان الالتزام بقيم الحوار والانفتاح وبتأسيس علاقات شراكة من أجل التعايش السلمي بين الجميع.
سويس انفو: في خطابك للمؤتمرين، أكدت على الحاجة إلى تأسيس حوار بنّـاء بين الأقليات المسلمة والمجتمعات المحلية. ما هي الدروس التي استفدتها من تجربتك الخاصة في هذا الميدان؟ وهل من السهل إيجاد شركاء في هذا الحوار؟
فاتح درسون: شخصيا، لدي تجربة ناجحة وثرية في مجال العمل المشترك مع السلطات والكنائس، وحتى المؤسسات التعليمية، والمسألة بسيطة، إذا سعيت للتواصل، ستجد دائما الشريك.
المسألة هي مسألة رغبة وإرادة، وما عليك إلا القيام بالخطوة الأولى تجاه الآخر. وأعترف أن الأمر ليس دائما بهذه السهولة، نحن هنا في اتحاد المنظمات الإسلامية في زيورخ، نظمنا العديد من المعارض حول الثقافة والحضارة الإسلامية وعقدنا محاضرات ودروس لشرح مبادئ الدين الإسلامي وفتحنا المراكز الإسلامية للزوار المحليين، وكل ذلك من أجل تعزيز الاحترام والتعارف ومن أجل تجاوز الأفكار المُـسبقة السلبية، وهي بالمناسبة لدى الطرفين.
سويس انفو: في نفس الخطاب أيضا، أشرتم إلى المبادرة الساعية إلى منع بناء المآذن في سويسرا. فهل ناقشتم الأمر في المؤتمر؟ وما هي الانعكاسات المحتملة لإقرار مثل هذه المبادرة؟
فاتح درسون: نعم أثرت هذا الأمر لخطورته، وكذلك أشار إليه عضو سويسري آخر في الوفد، ولم نكن ننتظر أن يكون محل جدل في المؤتمر، لأنه أمر خاص بهذا البلد، ولابد أن يعالج في هذا الإطار.
سنتابع الأمر من خلال المجلس السويسري للأديان ومنتديات حوار الأديان، وأيضا من خلال الحوار مع ممثلي الكنائس والسلطات المعنية، أرى أنه يجب أن نكون حذرين جدا في التعامل مع هذه المبادرة لحساسية الأمر.
إن المسألة لا تخص المسلمين وحدهم، وعلينا العمل جميعا، بما في ذلك السلطات والكنائس والأحزاب السياسية من أجل الحفاظ على التسامح الديني والسِّـلم الاجتماعي، الذي تنعم به بلادنا. إنه أمر يخص جميع المواطنين، وليس أقلية منهم فقط.
سويس انفو: التزم جميع أعضاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، البالغ عددهم 56 دولة، بمحاربة كل أشكال التمييز العنصري على أراضيها، فهل أنتم راضون عن الجهود التي تبذلها الحكومة السويسرية في هذا الإطار؟
فاتح درسون: أعتقد أننا في وضع أفضل من غيرنا، ونسير في الاتجاه الصحيح، باستثناء بعض المشكلات التي تظهر من حين لآخر، وعلينا معالجتها بحكمة.
من جهتنا، نحن عازمون على العمل من أجل اندماج المسلمين وإنجاح مشاركتهم الفعالة في العمل لمصلحة هذا البلد، لكن نجاح الاندماج مرهون بانفتاح الطرف الثاني أيضا. علينا تعزيز التفاهم والتعارف، والمشكلة الكبرى هو في جهلنا لبعضنا البعض.
سويس انفو: ما هي أهمية الدور الذي يمكن أن يضطلع به الإعلام في هذا المستوى؟
فاتح درسون: علينا النظر أولا للإعلام كشريك في الحل، وليس كجزء من المشكلة. والجميع يُـدرك أهمية الدور الذي بات يلعبه الإعلام في عصرنا، ولهذا، بادرنا في زيورخ للعمل مع وسائل الإعلام ودعوناها إلى الدقة في نقل الخبر،وفي اختيار الكلمات والمصطلحات المناسبة، وعلى وسائل الإعلام مثلا، التفريق بين “الإسلام” و”الإسلاميين”، ومفهوم “الجهاد” و”الإرهاب”، ومن الممكن الوصول إلى تفاهم وتعاون من خلال تفعيل الحوار، ولدينا نية تنظيم سلسلة من المحاضرات نتوجه بها خاصة إلى الإعلاميين ووسائل الإعلام.
سويس انفو: لا يجب أن يكون هناك طرف محايد في مكافحة الكراهية والتمييز العنصري، كيف تنظرون لجهود المجتمع المدني في هذا الإطار؟
فاتح درسون: هناك تقدم ملحوظ مقارنة بما سبق. الآن، لدينا تقارير ودراسات علمية عن واقع الأجانب والأقلية المسلمة، لكنها جهود لا تزال في مرحلة الرصد، وعلينا أن نذهب أبعد من ذلك وأن نتساءل مثلا، ما الذي يمكن أن نقوم به في مجال مكافحة هذه الظاهرة في ميدان العمل والسكن وبناء المساجد؟ وما هي الإجراءات الواجب إتِّـباعها من أجل الوصول إلى حالة تتعادل فيها الفرص أمام الجميع في مجال التعليم والتكوين وغيرها…
سويس انفو: يبدو أن التمييز ضد المسلمين لم يعد حالة فردية معزولة، بل أصبح جزءً من البرنامج السياسي لبعض الأحزاب السياسية، كيف تنظرون إلى هذا التحول؟
فاتح درسون: علينا أن نكون حذرين في قراءة الوضع السياسي، ففي أغلب الأحيان تكون القضايا المطروحة سياسية في جوهرها، وليست دينية، ونحن نمر بنفس التجربة كلّـما كانت انتخابات على الأبواب.
هم يصعِّـدون حملاتهم ضد المسلمين من أجل كسب مزيد من الأصوات، إنها ليست المرة الأولى، ومن المرجح أن لا تكون الأخيرة، وعلينا التعامل مع هذا الوضع.
نحن نعيش في مجتمع ديمقراطي يقوم على تعدّد الآراء وتتنافس فيه الأطراف المختلفة على كسب الرأي العام لجانبها، وقد يكون في ذلك فرصة لنا للتواصل مع مكوِّنات المجتمع المختلفة، سلطة وأحزابا وجمعيات…
سويس انفو: تقول إن الأمر سيستمر في المستقبل أيضا، هل فكرتم في اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في حلول مستديمة؟
فاتح درسون: أنسب الحلول، هو وضع إطار شامل لحوار بنّـاء يوثق العلاقات ويعزّز التفاهم ويتجاوز الأفكار السلبية المسبقة، وهذا يتطلب العمل على مستويين: أولا، الحوار وشرح المواقف، وثانيا، الاتفاق على برنامج عمل لتغيير المعطيات في الواقع، وهذان المستويان متكاملان، لا يمكن الاستغناء بالواحد منهم عن الآخر.
أجرى الحوار عبد الحفيظ العبدلي – زيورخ
المهندس فاتح درسون، سويسري ولد في زيورخ في سبتمبر 1974، في عائلة من أصل تركي، ومتزوج وأب لطفل.
ويحسن التخاطب باللغة الألمانية والتركية والإنكليزية، وعضو في اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية وبمنتدى حوار الأديان بزيورخ وباتحاد المنظمات الإسلامية بزيورخ.
يشرف فاتح درسون على العديد من المشروعات في مجال اندماج الأجانب على مستوى كانتون زيورخ ومناطقه المتعددة، كما سبق أن أشرف على تنظيم العديد من المعارض الثقافية والمحاضرات والدورات الهادفة إلى التعريف بالإسلام وبناء جسور التواصل بين الأقلية المسلمة والمجتمع المحلي.
ينظم، بمشاركة أعضاء آخرين في اتحاد المنظمات الإسلامية من حين لآخر، زيارات لنُـخب المجتمع المحلي للمراكز الإسلامية بزيورخ وضواحيها، وقد شملت تلك الزيارات المشتغلين في قطاع التعليم ونُـخب سياسية ورجال الشرطة والقضاء وإدارة الهجرة وشؤون المواطنين، والغرض من هذه الزيارات، التعارف ومد جسور التواصل والإطلاع على الجهود التي تقوم بها تلك المراكز من أجل إنجاح عملية الاندماج .
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.