فالتر كيلين: “يجب منح الأولوية لمعالجة قضية النازحين في العراق”
بعد زيارته للعراق، وعشية مغادرته لمنصبه كمقرر خاص أممي مكلف بحقوق الأشخاص المرحلين داخليا، يستعرض السويسري فالتر كيلين حصيلة المهمة التي تولاها على المستوى الدولي قبل أن يركز اهتمامه ابتداء من بداية العام المقبل على أوضاع حقوق الإنسان في بلاده.
swissinfo.ch: بعد عودتكم من زيارة للعراق دامت أسبوعا كاملا، كيف يمكن تصور الأوضاع هناك بعد انسحاب القوات الأمريكية؟
فالتر كيلين: يوجد البلد في مرحلة انتقالية، سواء فما يتعلق بالأوضاع الأمنية أو فيما يخص تشكيل الحكومة. ولدي انطباع من أن الكل ينتظر ما سيحدث. وهذا له تأثير مباشر أيضا على أوضاع اللاجئين في البلدان المجاورة وعلى النازحين في داخل العراق. فعودة هؤلاء تراجعت بكثير منذ الإنتخابات التي أجريت في شهر مارس.
لقد وجهتم نداءا قبل الزيارة للسلطات العراقية، بعدم الاستمرار في مطاردة المرحلين داخليا. أين تكمن المشكلة؟
فالتر كيلين: لم يكن الأمر يتعلق بمواصلة المطاردة. إذ أن الحكومة لم تقم أثناء فرار الأشخاص من مكان إقامتهم بسبب أعمال العنف الطائفية في عام 2006، بتجهيز أية منشئات أو مخيمات لإيوائهم واستقبالهم جماعيا. وهذا يعني أن الأشخاص الأكثر فقرا اضطروا للبحث عن مأوى لهم في الساحات العمومية او في المباني العمومية، لأن تلك الأماكن هي التي منحتهم قليلا من الأمان. لكن المهلة التي صدرت بعدم طردهم من تلك الأماكن تم رفعها الآن.
وكان مضمون ندائي بأنه “لا يجب طرد هؤلاء الأشخاص للشارع”، لأن ذلك سوف لن يعمل إلا على تعقيد الأمور إنسانيا واجتماعيا ، بل يجب تركهم يعيشون حيث يقيمون اليوم إلى أن تقوم الحكومة بإعداد مخطط يحدد بالضبط الحلول الممكنة لهؤلاء النازحين، إما بإعادتهم إلى مناطقهم أو إسكانهم حيث يقيمون.
وهل حقق هذا النداء بعض النتائج؟
فالتر كيلين: لقد تم الاستماع جزئيا لهذا النداء. فقد أجريت حديثا مطولا مع الوزير الأول نوري المالكي، الذي أبدى انفتاحا للفكرة المتمثلة في قيام الوزارات المعنية بإعداد مخطط وإستراتيجية للبحث عن حلول لهؤلاء المُرحلين بما في ذلك منحهم قطعا من الأراضي يمكنهم إقامة مبان عليها. ومن هذا المنطلق يبدو لي أن النداء كان في محله. ولكن ما لم يحدث هو الحصول على تأكيد بعدم طردهم من المباني والساحات التي يقيمون فيها، ولو أن هذا الإقتراح لم يتم رفضه. وسنرى ماذا سيحدث.
يبدو أنكم خرجتم بحصيلة مزدوجة من هذه الزيارة؟
فالتر كيلين: ما دمنا في وضعية حكومة انتقالية لا يمكن انتظار معرفة التوجهات الكبرى قبل أن تباشر الحكومة القادمة مهامها فعليا. لكن ما هو مشجع هو أنني حصلت على تأكيدات على ضرورة تحديد إستراتيجية ومخطط عمل بخصوص تحسين حماية ومساعدة النازحين والبحث عن حلول دائمة تشترك فيها منظمة الأمم المتحدة بدل القيام بترتيبات آنية مثلما تم حتى الآن.
زرتم مخيمين في العاصمة بغداد ومخيما آخر في أربيل. لماذا لم تقوموا بزيارة ضواحي بغداد؟
فالتر كيلين: يوجد مشروع مهم في ديالى بالقرب من بغداد، يتم فيه بناء منازل وبنى تحتية ومصحات ومخازن تموين لتشجيع النازحين على العودة. وهو مشروع متكامل ويعرف تنسيقا جيدا بين السلطات والأمم المتحدة وكل الشركاء المهتمين بعملية التنمية. ولكن المنطقة عرفت خلال أسبوع الزيارة تجدد أعمال عنف وقتالا بين مختلف الميليشيات. وهو ما جعل القيام بزيارة لتلك المنطقة أمرا خطيرا.
وما الذي يمكنكم القيام به لصالح العراق في الأسبوع الأخير من مهمتكم؟
فالتر كيلين: سأقوم بتحضير تقرير شامل، يُعرض في شهر مارس القادم للمناقشة أمام مجلس حقوق الإنسان. وهو التقرير الذي يمكن أن يساعد مختلف الجهات الحكومية والأمم المتحدة بل الدول المانحة أيضا في بحثها عن حلول لوضعية النازحين في العراق.
وتكمن المشكلة في أن العراق يُواجه اليوم العديد من المشاكل التي تجعل من التحديات الكبرى، إبقاء مشكلة اللاجئين في البلدان المجاورة والنازحين في الداخل من ضمن الأولويات. لذلك آمل في أن يُسهم هذا التقرير في ذلك. وسأجري بعد أسبوعين محادثات في نيويورك مع أهم البلدان المانحة ومع ممثلي الأمم المتحدة. وهذا أقل ما يمكنني أن أضيفه في هذا المجهود.
في بداية عام 2011، سوف تتولون إدارة مركز فدرالي جديد لحقوق الإنسان. وهي توصية وجهتها الأمم المتحدة إلى أعضائها (استجابت لها إلى حد اليوم 40 دولة بإقامة مراكز مماثلة). ما الذي تعتزمون تحقيقه من خلال هذا المركز؟
فالتر كيلين: هذا المركز – حسب تصور الحكومة الفدرالية – سيكون له طابع تقديم خدمات بالدرجة الأولى. إذ سنقوم بتقديم المشورة والنصح في مجالات حقوق الإنسان إلى السلطات على مختلف المستويات، إضافة الى الجمعيات والإتحادات والقطاع الإقتصادي. إذ سنقوم بالدراسات، ونتولى مهمّة إعلامية، كما سنقوم من حين لآخر بإعداد دورات تدريبية. ولكن المركز سوف لن يُقام حسب ما توصي به منظمة الأمم المتحدة أي (في شكل) مؤسسة مستقلة لذلك يجب أن نكون واقعيين فيما يتعلق بالتأثيرات والنفوذ.
يُضاف الى ذلك أن سويسرا تفتقر إلى حد اليوم لمؤسسة ولآليات تسمح لها بتقييم الإنتقادات والتوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس أوروبا، وهذا ما سنعوضه قدر المستطاع. وسنقوم في هذا الإطار بوضع الخبرات والمعرفة تحت تصرف الأطراف المعنية سواء كانت حكومية أو منظمات أو ممثلي المجتمع المدني من خلال مركز يجمعهم جميعا في نقاش واقعي حول ما يمكن القيام به.
بصراحة هل يمكن القول بأن سويسرا لديها مشاكل في مجال حقوق الإنسان؟
فالتر كيلين: أكيد أننا لا نعرف مشاكل في مجال حقوق الإنسان مثل الممارسة المنهجية للتعذيب، أو عمليات القتل وما شابه ذلك. ولكن مجال حقوق الإنسان يمس العديد من أوجه الحياة ولا توجد دولة في العالم يمكنها أن تدّعي أنها مثالية في مجال حقوق الإنسان.
فسويسرا بها العديد من المجالات التي تعرف مشاكل. فنحن نتعرض دوما للإنتقاد بخصوص معاملة الشرطة. ونفتقر للقاعدة التي تسمح لنا بالردّ على تلك الانتقادات نظرا لأننا لا نملك إحصائيات عن تلك الإنتقادات. كما أنه لدينا مشاكل فيما يتعلق بالإتجار بالنساء لأن الكثير من اللواتي يشتغلن في ميدان تجارة الجنس لا يقدُمن الى سويسرا بمحض إرادتهن. أكيد أن العدالة تعاقب من حين لآخر ولكننا لا نقوم بالشيء الكثير.
كما تعرف سويسرا مشاكل كبرى في مجال العنف العائلي، لأن العمليات التي تحدث عادة في سويسرا كثيرا ما تكون بين أفراد العائلة أو المقربين. وإذا كانت بعض الكانتونات قد أصدرت ردود فعل جدية فإن كانتونات أخرى مازالت تنتظر. وعموما لا يتعلق الأمر بالإنتهاكات الفردية، لأن العدالة تتولى ذلك جيدا. بل يتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالقضايا المؤسساتية: أي ما الذي يجب على الحكومة القيام به من أجل تحسين الأمور؟
ولد في عام 1951 في زيورخ، ودرس في جامعات فرايبورغ وبرن وهارفارد.
يتولى منذ عام 1985 تدريس القانون والقانون الدولي بجامعة برن.
يعتبر من الخبراء الدوليين المرموقين في مجال حقوق الإنسان.
تولى ما بين عامي 1991 و 1992 مهمة مبعوث خاص للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة آنذاك مكلف بوضع الكويت تحت الإحتلال العراقي.
ما بين عامي 2003 و 2008 كان أول عضو سويسري في لجنة شكلتها الأمم المتحدة لإعداد أسس إقامة مجلس جديد لحقوق الإنسان.
تولى منذ عام 2004 وحتى موفى شهر اكتوبر 2010 مهمة مبعوث للأمين العام للأمم المتحدة مُكلف بحقوق النازحين والمُرحّلين.
الى جانب فالتر كيلين تتولى عدة شخصيات سويسرية حاليا بعض المناصب الأممية الرفيعة:
الوزير السويسري السابق جوزيف دايس يتولى حاليا رئاسة الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
البروفسور لوسيوس كافليش عضو في لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة.
الأستاذة هيلين كيللر ، خبيرة في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
الأستاذ توماس شتوكر، نائب رئيس فريق العمل الأول بالمجلس العالمي للمناخ.
البوفسور جون زيغلر، عضو اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان.
كونراد اوسترفالدر العميد السابق للمعهد التقني العالي بزيورخ، يتولى حاليا عمادة جامعة الأمم المتحدة.
ومن الشخصيات السويسرية التي تقلدت مناصب أممية في السابق:
الوزير الأسبق أدولف أوغي الذي تولى منصب مستشار الأمين العام لقضايا الرياضة في خدمة الأمن والسلم.
البروفسور نيكولا ميشيل، تولى منصب نائب الأمين العام للقضايا القانونية.
السفيرة كارلا ديل بونتي، كانت تتولى منصب النائبة العامة بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة.
(ترجمه من الألمانية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.