“فـجـر الحُريّــة في سوريا قــــادم لا محالة”
في كل يوم، تكشف التقارير والمعلومات الواردة من داخل الأراضي السورية عن بشاعة الحرب التي تشنها سلطات دمشق على المتظاهرين العزل والمدنيين في حمص وأدلب وريف دمشق وغيرها من بؤر التوتّر والإحتجاج العديدة داخل البلاد.
وتتابع الجالية السورية المقيمة في سويسرا بانزعاج وقلق شديديْن هذه التطوّرات من دون أن تنال من يقين جزء هام منها بأن “فجر الحرية في سوريا قادم لا محالة”، على حد قول بعضهم.
ولم يكن يوم الأربعاء 8 فبراير استثناءً حيث ذكرت وكالة الانباء الفرنسية أن العشرات من المدنيين السوريين قد قتلوا جرّاء القصف الشديد الذي تعرّضت له ولا تزال مدينة حمص على يد القوات النظامية. ويوجد من بين الضحايا بحسب تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان ثلاث عائلات بأكملها.
وتنقل الوكالة الفرنسية عن عمر شاكر، معارض سوري من مدينة حمص يقيم بلبنان، تأكيده “تعرّض المدينة منذ فجر يوم الأربعاء إلى قصف شديد يستهدف على وجه الخصوص حي بابا عمرو، وحي الخالدية، وبيادا، في ما يبدو أنها عملية تمهّد لهجوم برّي شامل على المدينة”.
تأتي هذه التطوّرات عقب زيارة وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات الروسيين إلى دمشق يوم السبت 5 فبراير ودعوة الوزير لافروف القيادة السورية إلى المباشرة بإجراء إصلاحات ديمقراطية. في المقابل تزداد عزلة النظام الحاكم في دمشق على الساحة الدولية بعد أن قررت كل من الولايات المتحدة ودول أوروبية (من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا) والعربية (مثل تونس ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر) طرد السفراء السوريين واستدعاء سفرائها المعتمدين في دمشق، وحديث تركيا عن اعدادها لمبادرة جديدة تقول إنها سوف تكون “في صالح الشعب السوري وليس في صالح نظامه”.
وفي قراءة لما يجري على الساحة السورية، تقول لافا خالد، وهي صحفية سورية لجأت إلى سويسرا قبل فترة وترأس حاليا “تحالف شباب الثورة السورية” في حديث إلى swissinfo.ch: “لقد أثبتت هذه الثورة أن السوريين أصحاب إرادة، وأن النظام القمعي الذي حكمهم لأربعين سنة هو زائل لا محالة”. أما علي زيدان، سوري مقيم في سويسرا، ويشتغل في مجال الأعمال الحرة فلا يُخالجه أدنى ريب بأن “السوريين سيحققون أهدافهم، ولن يستطيع النظام أن يصمد أمام بركان غضبهم”.
ولا يمكن للمراقب للشأن السوري إلا أن يُسجّل الثقة القوية لدى بعض السوريين بالربيع الديمقراطي المقبل في بلادهم، فرغم أن الآلة العسكرية والأمنية في سوريا لم تتوقّف عن استهداف المحتجين على مدى عشرة شهور ونيف، فإنها لم تنجح في إسكات صوتهم أو تضييق بقعة الغضب والإحتجاج، المتوسعة باستمرار، ما دفع السلطات إلى تصعيد قمعها، عبر قصف منهجي ومنظم وشامل للمدن والأرياف السورية على السواء.
لا خوف على المستقبل
هكذا يبدو ان الأوضاع تتجه إلى حرب أهلية واسعة النطاق، من جهة الجيش والتشكيلات الامنية الرسمية وشبه الرسمية، ومن جهة اخرى أفراد الشعب من المدنيين والعسكريين المنشقين عن النظام. وإزاء هذا الوضع، يقول علي زيدان: “إذا لم ينجح المجتمع الدولي، الذي هو الآن صامت ومتخاذل، في إيقاف الهجمة الشرسة للنظام البعثي، سوف يضطر الشعب السوري للدفاع عن نفسه بكل الوسائل المتاحة، ومنها حمل السلاح”.
وتذهب لافا خالد إلى أن الشعب السوري قد أثبت للعالم وطيلة انتفاضته التي شارفت العشرة أشهر “أنه شعب يستحق الحرية والكرامة، لكن العالم ينام على جثث الضحايا غير عابئ بآهاتهم”.
فالمستوى الذي بلغه عدد الضحايا والمصابين والمعتقلين والمتضررين يجعل من الصعب بحسب المراقبين للوضع السوري استتباب الوضع من جديد للنظام القائم، وهي بالنسبة للكثيرين في الشارع السوري بحسب رئيسة تحالف الشباب الثائر: “ثورة كرامة، ولا تراجع عنها حتى تحقق أهدافها”.
والهدف المعلن لما شهدته سوريا طيلة هذه الأشهر بحسب المعارضة السورية هو “فسح المجال امام الشعب السوري لكي يختار شكل النظام الذي يريد”، ولا خوف من الفوضى، فسوريا على حد عبارة السيد زيدان: “كانت دولة موجودة وذات كيان سياسي قبل حافظ الاسد وخليفته، وأقدم برلمان عرفته المنطقة كان في سوريا”.
ومن هنا كانت اجندة الشعب السوري واضحة، وأهدافها مرسومة، شعارها كما تقول لافيا خالد: “الثورة مستمرة حتى إسقاط النظام”، وهدفها على حد قول زيدان: “إقامة دولة مدنية وديمقراطية”.
جالية فاعلة رغم تشتت جهودها
للوصول إلى ذلك، يناط بالجاليات السورية في الخارج دور مهم يتلخّص في العديد من النقاط يجُملها من تحدّثت إليهم swissinfo.ch في “تقديم الدعم المادي” للداخل السوري، والإستمرار في “التظاهر واقتحام السفارات والقنصليات”، وحمل أصدقاء سوريا والمناصرين لقضايا تحرر الشعوب وانعتاقها على “التحرّك بشكل أقوى”، وإشعارهم بأن كل تأخير منهم ثمنه دفع المزيد من الدم السوري.
غير أن غياب الغالبية الساحقة من الشعب السوري عن الحراك السياسي طيلة العقود الستة الأخيرة بحكم ما يكتنف العمل السياسي المعارض من حظر وتضييق ومخاطر، إضافة إلى تشبّع أبناء الجاليات السورية المتوزعة على بلدان العالم بقيم السلبية والحذر الشديد، يجعل تحركاتهم اليوم محدودة التأثير، وردود أفعالهم مشتتة في غياب هيئات ومنظمات تنتظمه وتنسق فيما بينه وتفعّله.
ولتدارك هذا الفراغ، أوضح علي زيدان، المقيم في سويسرا منذ عدة سنوات أن “هيئات سورية تمثّل الجاليات في سويسرا وعلى مستوى أوروبا هي في طور التكوّن والشروع في النشاط”. وفي انتظار تفعيلها، أوضح زيدان أن مجموعات صغيرة من السوريين المقيمين في سويسرا تتواصل مع الإعلام السويسري، ومع هيئات حقوق الإنسان المحلية والدولية من أجل توعيتها بخطورة الأوضاع في سوريا، كما يتم التواصل مع جمعيات إنسانية عديدة في سويسرا من أجل حشد الدعم والإغاثة للمصابين واللاجئين، ويؤكّد زيدان أن هذه الدعوات قد لقيت القبول والإستجابة.
كذلك تقوم هذه الجماعات الصغيرة، التي لم يحدد محدثنا هويتها، بمساع للإتصال ببرلمانيين سويسريين من أجل “مطالبتهم ببذل المزيد من الضغوط على نظام دمشق كالإقدام على طرد السفير السوري من سويسرا، وسحب السفير السويسري من دمشق” (ملاحظة من التحرير: لقد تم استدعاء السفير السويسري في دمشق للتشاور منذ أغسطس 2011 ولم يعد إلى سوريا حتى الآن).
وفيما يعتبر علي زيدان الموقف السويسري من الأحداث في سوريا “رائعا جدا، وإيجابيا جدا، وينبع من الإلتزام المبدئي بالقيم الإنسانية والأخلاقية”، ترى الإعلامية لافا خالد على العكس من ذلك أنه “لا يزال خجولا، يكتفي بفرض عقوبات اقتصادية ومالية من دون أن تقترن بها مواقف سياسية جريئة”، وتضيف “على الحكومة السويسرية أن تتحرّك بقوة أكبر، وأن تبدي موقفا سياسيا أوضح من المجازر التي تحصل في سوريا” هذه الأيام.
وسّعت سويسرا من نطاق عقوباتها ضد سوريا. فقد أضيفت إلى قائمة الأفراد والمؤسسات التي شملتها العقوبات السويسرية إلى حد الآن 34 شخصا جديدا، من بينهم إثنان من الوزراء والعديد من أفراد الأجهزة الأمنية. وكذلك أضيف إلى القائمة التي أدتها كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية 19 شركة سورية.
وأشار بيان صدر الإثنيْن 6 فبراير 2012 عن كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية إلى أن القائمة السوداء في نسختها الجديدة باتت تشتمل على أسماء 108 شخصا، و38 شركة. وجميع هذه الكيانات سوف تمنع من الحصول على تأشيرات دخول على سويسرا، وسوف تجمّد ودائعها المالية. وتكون سويسرا بهذا الإجراء الجديد قد التحقت بالإتحاد الاوروبي الذي وسّع هو بدوره من نطاق عقوباته على سوريا.
نجد ضمن القائمة الجديدة مثلا القناة التلفزيونية برس تي في ، ويوميّة الوطن، وقد وُجهت إلى هذيْن الوسيلتيْن الإعلاميتيْن تهمة نشر التضليل والتحريض على العنف ضد المحتجين.
كذلك من بين الشركات التي اضيفت إلى قائمة العقوبات بعض شركات النفط المملوكة كليا أو جزئيا إلى الدولة وبعض المصارف. هذه المؤسسات كلّها متهمة بتمويل النظام السوري، وتشمل هذه العقوبات شركة الإتصالات Syriatel التي تمنح نصف أرباحها إلى الحكومة السورية.
أما الأشخاص الذين ألحقت أسماؤهم، فنجد من بينهم: وزير المالية محمّد الجليلاتي، وفهد الجاسمي، وزير الإقتصاد، بالإضافة إلى عشرين عسكريا، ومسؤولا أمنيا. وجميعهم متهم بإعطاء اوامر لإطلاق النار على المحتجين، وممارسة اعمال وحشية والإعتقال التعسّفي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.