فلسطين تتمخّض.. على شفير الإنفجار
التطوّرات في فلسطين تقترِب من لحظة انفِـجار كبير يُـمكن أن تُـعيد عقارِب الساعة 60 سنة دُفعة واحدة إلى الوراء بسبب الانسِـداد الكامل لفرص التسوية والانهيار شِـبه التام لخِـيار الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية.
هذه هي الخلاصة التي خرج بها العديد من المحلِّـلين الشرقيين وهُـم يتابعون كُـلاً من “استسلام” إدارة الرئيس الأمريكي أوباما لكل الشروط الإسرائيلية الخاصة بكل من المُـستوطنات والتّـسوية، والتمخّـضات العنيفة التي تجري في كلٍّ من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة هذه الأيام.
الموقف الأمريكي “الاستسلامي”، جاء بوضوح على لسان هيلاري كلينتون، بعد اختتام جولتها الشرق الأوسطية الأخيرة، إذ قالت: “لا تزال لدى الولايات المتحدة أسئلة جدّية حول المُـستوطنات، لكننا نفهَـم أيضاً إلى حدٍّ كبير أن هذه المسألة ترتبِـط بالحاجات الأمنية لإسرائيل وبرَغبَـتها في إقامة حِـزام يُـمكن الدِّفاع عنه حول أراضيها”.
هذا الموقف عنى في العُـمق دعوة إلى تفهّـم ضرورات الاحتلال الإسرائيلي، ولم يبق الآن سوى أن يفهم الفلسطينيون بأن عليهم تفهّـم هذا التفهّـم الأمريكي، إذ أن هذا، كما تجلّـى بوضوح مؤخّـراً، أقصى ما تمخّـض عنه جبَـل “الثورة التغييرية” الأوبامية. حسناً، إلى أين الآن من هنا؟ إلى انتفاضتين، لا واحدة.
انتفاضة فلسطينية جديدة تنطلِـق مجدّداً من القدس، لكن سيكون عليها هذه المرّة الانتفاض، ليس على الاحتلال وحسب، بل أيضاً على قادة حماس وفتح معاً لحملهم على وقْـف مسيرة انشطارهم الجغرافي والإيديولوجي والإستراتيجي الجنوني الرّاهن.
وانتفاضة إسرائيلية أيضاً، لاستكمال تهوِيد ما لم يُهوَّد بعدُ في القدس والضفّـة الغربية، بعد أن نالت حكومة نتانياهو الضّـوء الأخضر ودرع التثبيت الأمريكييْـن للمُـضي قُـدماً في ذلك.
“الاحتلال العربي”
هل نحن نمزح حين نتحدّث عن انتفاضة إسرائيلية؟ كلاّ البتّـة. فهذا ما يقوله هذه الأيام الإسرائيليون أنفسهم. لنستمع، على سبيل المثال، إلى ما قاله أحدهم وهو رون بريمان، رئيس “منظمة بروفسورات إسرائيل القوية” (هآرتس 4-10- 2009):
“أجل، الاحتلال يجِـب أن ينتهي، لكن أي احتلال؟ إنه الاحتلال العربي للأراضي الإسرائيلية في الضفة وغزة. هذه هي الأراضي المحتلّـة حقاً، والتي ارتكب بعض قادة إسرائيل جريمة إعادة بعضِـها في أوسلو، ثم خلال فكّ الارتباط مع غزة. بيْـد أنه ليس ثمّـة في الواقع مبرِّر للانتحار على هذا النّحو أو للتضحية بالرُّؤية الصهيونية على مذبح ما يسمّـونه السلام”.
ويضيف: “إننا نرفض حلّ الدولتيْـن. وإذا ما كان لابد من حلٍّ، فلا يجب أن يتِـم ذلك غرب أراضي إسرائيل (الضفة وغزة)، بل في الأردن الذي يجب أن ينتقل إليه عرب إسرائيل الحاليون عاجلاً أم آجلاً. هناك سيكون الحلّ. لكن في هذه الأثناء، يجب أن نُنهي الاحتلال: الاحتلال العربي لأرض إسرائيل”.
قد يُـسارع البعض إلى القول أن هذه المقاربة قديمة قِـدَم اليمين الجابوتنسكي، وأنها لم تعُـد واردة الآن بعد أن قبل حتى بنيامين نتانياهو مبدأ إقامة دولة فلسطينية، بغضّ النظر عن طبيعة هذه الدولة.
لكن هذا غير صحيح. فهذه الفِـكرة القديمة ما انفكّـت تتجدّد كل يوم في الدولة العِـبرية، على رغم كل المياه الغزيرة التي تدفّـقت تحت أرجُـلها منذ معاهدة كامب ديفيد ومؤتمر مدريد، ثم اتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربة. وحين وُضِـعت إسرائيل في عام 2000 بين خيارَيْ الدولتيْـن أو الدولة العُـنصرية الواحدة على النّـمط الجنوب إفريقي، لم تتردّد في اختيار الثاني.
الآن، خيار الدولتين مات وشبع موتاً، ما عدا في الإسم والخُـطب الدولية البلاغية الرنّـانة. وبريمان لا يفعل شيئاً في الواقع سوى محاولة رُؤية الغابة التي تختفي وراء شجرة موت هذا الخيار، وهي غابة يجِـب أن يُحسم فيها الصِّـراع بشريعة الغاب وبأنيابها ومخالِـبها.
وجولة كلينتون أسبغت الشرعية الأمريكية على كلِّ التوجّـهات، وهذا ما سيُـترجم نفسه، قريباً على الأرجح، في شكل شلاّلات دَم جديدة في فلسطين والمنطقة.
أراضٍ.. ومياه
بيْـد أن هذا ليس كلّ ما في جُـعبة الإسرائيليين لتصفية القضية الفلسطينية أو على الأقل “تصديرها” إلى كلٍّ من الأردن ولبنان، هناك سلاح آخر يستخدِمونه بكثافة الآن، اسمه سلاح المياه.
فبعد تقرير غولدستون حول جرائم الحرب الإسرائيلية، جاء الأسبوع الماضي دور منظمة العفو الدولية لتكشِـف عن جرائم “السّلام الإسرائيلي”: الدولة العبرية تمنع الماء عن ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقِـطاع غزة، وتفتح كلّ الصنابير أمام المستوطنِـين الذين يهدرونها على أحواض السِّـباحة ومروج العشب الأخضر، وحتى على مزارِع السّـمك في جرود الضفة الغربية.
80% من المياة الجَـوفية في الضفة الغربية تذهب إلى المستوطنين (نحو 400 ألف)، فيما 3،2 مليون في الضفة يحصلون على الـ 20% المتبقِـية. أما مياه نهر الأردن، وهي المصدر الوحيد الثاني للمياه، فهي محظورة على الفلسطينيين.
“صحيفة فاينانشال تايمز” توجّـهت قبل أيام إلى بلدة سوسيا في جنوب الضفة الغربية، لمعايَـنة تقرير لجنة العفو على الطبيعة، وعادت بالصورة التالية: “المياه لا تصل البتّـة إلى هذه البَـلدة، التي هي كناية عن مجموعة من الأكواخ المُترنِّحة والمُتداعية، ولذا، اضطر الأهالي إلى الاعتماد على بِـئر قديم شحيح المياه لا يكفي سوى أسرة أو أسرتيْـن. على بُـعد أمتار قليلة من سوسيا، تنتصب فوق تلّـة مرتفعة مستعمرة يهودية، تُزنّر منازلها الزهور والحدائق الغنّاء، وتخترقها الأشجار الباسقة، وتحيط بها صفوف طويلة من الخِـيم الحرارية التي تتغذّى خُـضرواتها من دفق متواصل من المياه. أما مستعمرة الكارمل اليهودية المجاورة، ففيها حوض سباحة ومزرعة كبيرة لإنتاج الأجبان والألبان وأحواض مائية جميلة”.
المقارنة بين هاتيْـن البُـقعتين المجاورتيْـن، أشبه بالمقارنة بين الجنّة وجهنّـم. وربما هذا بالتّـحديد ما يريده الإسرائيليون: أي توفير الجنّة لمستوطنيهم وتعطيش السكان الأصلييين، لدفعهم إما إلى الموت عطشاً أو الحَـسرة أو الاثنين معاً.
تل أبيب تقول إنها غير مسؤولة عن هذه المأساة التي تحيق بغزّة والضفة معاً. لماذا؟ لأن اتِّـفاق أوسلو مَـنحها الحقّ في السيْـطرة على 80% من موارد المياه في الأراضي المحتلّـة، لكن القادة الفلسطينيين في الضفة كما في غزة، الذين شطرهم الصِّـراع على السلطة والتّـنافس على أدِّعاء امتلاك الحقيقة خلال الحِـقبة الأخيرة إلى معسكريْـن متصارعيْـن، يجدون أنفسهم الآن في زورَق واحد وسَـط بحيرة لا ماء فيها.
فالمسألة لم تعُـد بعد قضية احتلال أراضٍ وحسب، بل باتَـت مسألة حياة أو موت. مسألة صِـراع بقاء على وجه التّـحديد لكل “الجماهير” التي يُفتَـرض أن يُمثِّـلونهم. وبالطبع، إذا ما قضت هذه “الجماهير” عطَـشاً، لن يعود ثمّـة فرصة لا لحُـكم شعب بلا أرض، ولا للمطالبة بأرض أُخلِـيت من شعبها.
تقرير غولدستون سقط على رؤوس القادة الفلسطينيين وهُـم غارقين حتى أذنيْـهم في التّـنافس على مباهج السلطة الدُّنيَـوية. هذا كان التفسير الذي قُـدَّم آنذاك لتبرير ما لا يُبرّر: القفز فوق الجرائم الإسرائيلية العامة للوصول إلى أغراض سياسية خاصة.
بيْـد أن تقرير لجنة العفو الدولية يجِـب أن لا يحظى بهذا المَـصير الغريب نفسه. فلا حماس ولا فتح يمكنها أن تربح منه على حساب الأخرى، ولا الضفة الغربية ستتميّز عن غزة في شحّ المياه، كما حاول الغرب تمييزها على صعيد فُـرص العمل والمشاريع الاقتصادية. الكل في المُـصيبة سواء والكلّ في العَـطش سواسية.
وإذا لم تتوحّـد فتح وحماس في هذا المجال على الأقل، فمتى تتوحّـدان؟ حين يُـصبح شعبهما الذي لا أرض له، شعباً من “اللاجئين المائيين”.
احتمالات هذا التوحّـد تبدو شحيحة شحّ المياه، لأن كلاَ من فتح وحماس عالِـقتين في مأزق إستراتيجي ومنزلَـق مفهومي أو فكري (إذا جاز التعبير): الأولى، لا تستطيع التقدّم إلى الأمام نحو الدولة الفلسطينية، وِفق أوسلو، على رغم الدّعم الأمريكي والأوروبي الهائل لها، بسبب الرّفض الإسرائيلي لذلك. والثانية، لا يمكنها التّـراجع (حتى الآن على الأقل)، إلى ما قبل انتخابات 2007، التي جعلتها تتذوّق طعْـم السلطة (وإن كانت هذه سلطة مغمسة بمرقة أوسلو المسمومة).
هذا على الصعيد الإستراتيجي، أما على المستوى المفهومي، فواضح أن كِـلا الطرفيْـن أو على الأقل أحدهما، في حاجة إلى تغيير “أنموذجه الفكري” كي يستطيع الإمساك (حماس) أو إعادة الإمساك (فتح) بمقاليد قيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني. وكما هو معروف، الأنموذج، كما حدّده مؤرخ العلوم توماس كون، هو مجموعة الأفكار والممارسات التي تُستخدَم في حِـقبة معيّـنة لتفسير الظهور واتِّخاذ موقف أو رأي فيها، وبالتالي، تغيير الأنموذج يعني إنقلاباً في الأفكار والممارسات، كما حدث على سبيل المثال حين قلب غاليليو الفِـكرة بأن الأرض ثابتة وهي مركز الكون أو حين أطاح أينشتاين بمفهوم الكوْن الميكانيكي الذي وضعه نيوتن.
الأنموذج الفلسطيني الجديد يجب أن يتخطّـى مشروع الدولتيْـن، الذي سيْـطر على جدول الأعمال الفلسطيني طيلة نَـيف ونِـصف قرن، والذي تبنّـته فتح علناً وحماس ضمناً، كما يجب أن يتجاوز إستراتيجيتيْـن متباينتيْـن، ثبت عدم نجاعتهما معاً: الكِـفاح المسلّـح (عبر الصواريخ أساساً) للتحرير والكفاح التفاوضي لتحقيق التسوية.
3 مخارِج
مشروع الدولتيْـن (كما ألمحنا)، مات وانقضى الأمر وبات لِـزاماً دفْـن كلّ مفاهيم الأنموذج الذي انبثق منه هذا المشروع، بما في ذلك إستراتيجيتَـيْ الكفاحيْـن، المسلّـح والتفاوضي، اللذين استهدفا إقامة دولة فلسطينية وِفق حدود 1967. والبديل؟ إنه يتلخّـص في ثلاث: الهدنات والبناء والتعبِـئة:
1- الهُـدنات أوالتّـهدِئات، مطلوبة هنا بكل أنواعها، وليس فقط مع إسرائيل، بل مع الذات أيضاً، أي بين الفلسطينين أنفسهم، وهذا ممكن إذا اعترفت حماس وفتح بالأمر الواقع المتعلّـق بوفاة مشروع الدوليتيْـن، وتحركتا نحو تجاوزه.
2- والبناء المقصود، هو بث الرّوح مجدّداً في منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها المؤسسة الوحيدة التي أثبتت منذ تأسيسها عام 1964، ثم منذ انتقال زعامتها سِـلماً من أحمد الشقيري ويحيى حمودة إلى ياسر عرفات، أنها قادِرة على لمِّ شعث الشعب الفلسطيني في الدّاخل كما في المنافي.
3- أما التعبِـئة، فهي تتعلّـق ليس فقط بإعادة حشد وتوحيد فئات الشعب الفلسطيني، بل أيضاَ بإعادة حشد وتعبئة الشعوب العربية وراء القضية الفلسطينية، استعداداً وانتظاراً لبزوغ موازين قِـوى دولية جديدة ستُـغيّر كل معايير ومستويات الصِّـراع في الشرق الأوسط، وهي موازين آتية لا ريْـب فيها، وقريباً. هل يعني كل ذلك دعوة إلى إدارة الظّـهر للمقاومة على أنواعها؟
كلا البتّـة. لكن هذا المرة ستندرِج هذه المُـقاومة في إطار إستراتيجية عُـليا تأخُـذ بعيْـن الاعتبار كل المُـعطيات الفلسطينية والعربية والدولية الرّاهنة، وتكيّف أشكال المُـقاومة (من العمليات العسكرية إلى الانتفاضات السلمية) على أساسها.
إسرائيل، بكل أحزابها من اليمين والوسط واليسار (أو ما تبقّـى من اليسار)، دخلت بنجاح مرحلة ما بعدَ مشروع الدولتيْـن وبلوَرت خُـططاً للمرحلة الجديدة، تترواح بين “الترانسفير” (ليبرمان) وضمّ نصف الضفة إلى الأردن ونصف غزة إلى مصر (ليفني) وإقامة “بانتوستات” اقتصادية لفلسطينيّـي الضفة (نتانياهو)، ويبدو أن الأمريكيين أو بعضهم على الأقل، يستعدّون لهذه المرحلة أيضاً.
فقبل نحو شهريْـن، دعا السفير الأمريكي السابق (والصقر المحافظ الجديد) جون بولتون، إلى توزيع غزة والضفة الغربية على مصر والأردن وإسرائيل، وهذه في الواقع لم تكُـن صاعِـقة في سماء صافية، وثمة ثلاثة أدلة على ذلك.
الدليل الأول
وجُـود أطراف نافِـذة في الولايات المتحدة (البنتاغون والكونغرس ومراكز الأبحاث)، تدعَـم بقوة هذه الخطّـة، بزعامة دانييل بايبس، الذي يُـطلق عليه اسم “الفارس الأسود”، بسبب تطرّفه الصهيوني. وقد لخّـص هذا الأخير في أوائل عام 2008 (أي قبل سنة من حرب غزة) مبرِّرات هذه المقاربة بالتالي:
– ياسر عرفات ثمّ محمود عباس، فشِـلا في تحويل غزّة إلى سنغافورة جديدة وفي منْـع صعود الإسلام الراديكالي فيها، ولِـذا يجب التخلِّـي عن فِـكرة السيادة الفلسطينية على هذا القطاع.
– على واشنطن والعواصم الغربية الأخرى، الإعلان بأن تجربة الحُـكم الذّاتي في غزّة فشِـلت، ثم القيام بالضغط على الرئيس المصري حسني مبارك لتقديم يَـد العوْن، ربّـما عبْـر منح غزة أراضٍ مصرية إضافية أوحتى ضمِّ القطاع برمَّـته إلى مصر، بصفته محافظة من محافظاتها.
– هذه الخطوة الأخيرة ستكون منطِـقية وبديهِـية ثقافياً: فالغزّاويون يتحدّثون لكْـنة عربية شبِـيهة بتلك التي ينطق بها المصريون في سيناء، ولديهم علاقات عائلية مع سيناء أكثر من الضفة الغربية، وكذا الأمر بالنسبة إلى علاقاتهم الاقتصادية مع سيناء، وحتى حركة حماس الغزّاوية تجِـد جذورها الحقيقية في جماعة الإخوان المسلمين المصريين، لا في الحركة الوطنية الفلسطينية.
ويخلِّـص بايبس إلى القول أن “تحويل هذه العلاقات غير الرسمية إلى علاقات رسمية عبْـر ضمّ غزة إلى مصر، سيُـحقق جملة أهداف دُفعة واحدة: 1 – وقْـف الصواريخ على جنوب إسرائيل. 2 – كشْـف الطابع الاصطناعي للوطنية الفلسطينية. 3 – كسْـر الطريق المسدُود في العلاقات العربية الإسرائيلية.
الدليل الثاني
تبنِّـي حزب اللِّـيكود الحاكم لهذا المشروع بالكامل. وهذا واضح في برنامج بنيامين الانتخابي، الذي يدعو إلى استبدال شِـعار “السلام لانهاض الاقتصاد” في فلسطين والشرق الأوسط، بشعار “الاقتصاد لتحقيق السلام“، وذلك عبْـر نسْـف طُـموحات الفلسطينيين الوطنية من خلال ملء بُـطونهم وتقاسُـم الضفة مع الأردن. أما الدليل الثالث، فهو توافُـر أطراف فلسطينية وأردنية تؤيِّـد هذا التوجّه أو هذا على الأقل ما ينبِّـئ به مشروع “المملكة الأردنية – الفلسطينية الهاشمية“، الذي كشفت عنه “وثيقة عوض الله – عريقات” خلال عام 2008، والذي يُـفترض أن يتكوّن من شرق الأردن و90% من أراضي الضفة الغربية، ويقوم بتوطين ليس فقط لاجئي الضفة، بل أيضاً اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا.
هل هذه الأدلة كافية؟ ليس تماماً؟ إذن، فلننْـتبِـه جيداً إلى التطوّرات في الغابة الإقليمية الكاملة، التي كانت وراء شجرة الحرب الإسرائيلية الأخيرة في غزة. بنيامين نتانياهو فصّل هذه الخطة الأخيرة على النحو الآتي:
– لا حاجة إلى دولة فلسطينية. الأراضي ستُـقسَـم إلى مجموعة من المناطق الجغرافية – الاقتصادية المكرّسة لمشاريع رجال الأعمال تحت شعار: البحبوحة تحقّـق السلام، لا السلام يحقق البحبوحة.
– يُـسمح للفلسطنيين بإدارة تجمّـعاتهم السكانية في المدن والبلدات، لكن بقية الأراضي ستكون تحت سيطرة إسرائيل لأسباب إستراتيجية في إطار حِـزام أمني – عسكري شامل.
– التركيز الرئيسي للخطّـة هو، وِفق تعابير نتانياهو، نقْـل اهتمام العالم من مسألة الدولة الفلسطينية إلى قضية الصِّـراع بين الإسلام الراديكالي والغرب، التي باتت لها الآن الأولوية القُـصوى في جدول الأعمال العالمي.
كاديما – العمل إذن، يريد تحويل الفلسطينيين إلى أشباه مُـواطنين – بشر، فيما الليكود يسعى إلى جعلهم سِـلعاً لفُـرجة السياح الدِّينيين الأمريكيين وخَـدماً لدى الأجهزة الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية – الأمريكية. فماذا يفعل الفلسطينيون في المقابل؟ أمرا واحدا: يُـجنّـون تمهيداً للانتحار، إذا ما تواصلت الانقسامات الراهنة.
وبالطبع، هذا لن يكون انتحاراً ذاتياً فقط، بل قد يجـر آخرين أيضاً إلى أتُـونه. مَـن هُـم هؤلاء الآخرين؟ كل العرب.
سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch
رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – قال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين يوم الاربعاء 4 نوفمبر 2009 إن الفلسطينيين ربما يضطرون الى التخلي عن هدف اقامة دولة مستقلة اذا واصلت اسرائيل التوسع في المستوطنات اليهودية ولم توقفها الولايات المتحدة.
وأضاف عريقات في مؤتمر صحفي انه ربما حان الوقت للرئيس الفلسطيني محمود عباس كي “يخبر شعبه بالحقيقة وهي أنه في ظل استمرار الانشطة الاستيطانية لم يعد حل الدولتين خيارا”.
وكان عباس قد جعل من وقف الانشطة الاستيطانية الاسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة شرطا لاستئناف محادثات اقامة الدولة الفلسطينية مع اسرائيل مستندا الى “خطة خارطة الطريق” للسلام التي وضعت عام 2003.
وحثت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون التي التقت بالزعماء الاسرائيليين والفلسطينيين يوم السبت الرئيس عباس على التفاوض مع اسرائيل وحل مسألة الاستيطان ضمن اطار عمل المحادثات دون جدوى.
وقال عريقات ان كلينتون التي أشادت بعرض نتنياهو الحد من البناء مؤقتا بمستوطنات الضفة الغربية ليقتصر على ثلاثة الاف وحدة سكنية اضافية فقط تفتح الباب لمزيد من المستوطنات في العامين القادمين.
وأضاف أن البديل الذي تبقى للفلسطينيين هو “اعادة تركيز اهتمامهم على حل الدولة الواحدة حيث يستطيع المسلمون والمسيحيون واليهود أن يعيشوا كأنداد”.
وكانت اسرائيل قد رفضت حل دولة واحدة للاسرائيليين والفلسطينيين بوصفه قنبلة سكانية موقوتة تجعل من اليهود أقلية بالبلاد.
وقال عريقات ان مفهوم نتنياهو الذي ينطوي على اقامة دولة فلسطينية ذات سلطات سيادية محدودة وموقفه المتصلب من مستقبل القدس يرقيان الى املاء شروط لمفاوضات السلام مقدما.
وأضاف عريقات أن نتنياهو قال لعباس “ان القدس ستكون العاصمة الابدية والموحدة لاسرائيل وان قضية اللاجئين لن تطرح للمناقشة وان دولتنا ستكون منزوعة السلاح وان علينا الاعتراف بالدولة اليهودية وانها لن تكون حدود 1967 وان المجال الجوي سيكون خاضعا لسيطرته.”
ومضى يقول “هذا املاء وليس مفاوضات.”
وكان اخر لقاء بين نتنياهو وعباس في نيويورك في سبتمبر ايلول حيث حضرا اجتماعا تصافحا خلاله ورتبه الرئيس الامريكي باراك اوباما.
وأكدت كلينتون مجددا في القاهرة يوم الاربعاء أن واشنطن لا تقبل بشرعية المستوطنات الاسرائيلية المقامة على أراض احتلت في حرب عام 1967.
لكنها أضافت في محاولة أخرى لحث الفلسطينيين على خوض محادثات مع اسرائيل “الدخول في مفاوضات الوضع النهائي سيسمح لنا بوضع نهاية للنشاط الاستيطاني.”
وقال عريقات ان الفلسطينيين “ارتكبوا خطأ” فيما مضى بالموافقة على التفاوض مع اسرائيل دون اصرار على وقف بناء المستوطنات وانهم لن يكرروا هذا الخطأ هذه المرة.
وأضاف أن ايهود اولمرت سلف نتنياهو كان قد تفاوض مع الفلسطينيين خلال ولايته التي استمرت ثلاثة اعوام لكنه ترك منصبه مخلفا عددا من المستوطنات اليهودية اكبر من عددها حين تولى رئاسة الوزراء
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 نوفمبر 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.