“في أزمتها مع ليبيا.. لم يكن بإمكان سويسرا استخدام نفس الوسائل!”
عشية الذكرى الثانية لاندلاع الأزمة المستمرة بين برن وطرابلس، نشر مركز الدراسات الأمنية التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ دراسة تحليلية مفصلة عن حصيلة إدارة سويسرا لأزمتها مع ليبيا عقب اعتقال هانيبال القذافي نجل الزعيم الليبي في جنيف يوم 15 يوليو 2008، واحتجاز ليبيا لمواطنين سويسريين لأكثر من 20 شهرا، قضى أحدهما أربعة أشهر منها في السجن.
الدراسة التي جاءت تحت عنوان: “القضية الليبية: حصيلة طريقة إدارة الأزمة من قبل سويسرا” أعدت من طرف مجموعة من الخبراء العاملين في المركز المرموق المعروف بجديته ومتانة تحليلاته. وفي الجزء الأول من حوار خاص مع swissinfo.ch، يشرح دانيال موكلي، أحد الخبراء الذين ساهموا في إنجازها طبيعة وخصوصية الأزمة القائمة مع ليبيا ويسلط الضوء على المحاولات المختلفة التي قامت بها السلطات الفدرالية من أجل إيجاد حل لها.
swissinfo.ch: كيف صنفتم طبيعة هذه الأزمة مقارنة مع أزمات عرفتها سويسرا في السابق مع دول وأطراف خارجية؟
دانيال موكلي: لقد كانت أزمة صعبة بالنسبة لسويسرا وفريدة من نوعها لأن الأمر لا يتعلق برهائن احتجزتهم جماعات منشقة مثلما كان الحال في أغلب الأحيان التي واجهت فيها سويسرا مشكلة رهائن. بل تعلق الأمر بدولة هي التي احتجزت الرهينتين (حتى ولو أنها لم تصفهم بالرهائن) من أجل الحصول على وسيلة ضغط لحل أزمة نجل القذافي. فسويسرا وجدت نفسها أمام دولة تستخدم طرقا لا يمكنها استخدامها بدورها، وتقع خارج نطاق الوسائل القانونية وهذا ما عـقـد الأمور بالنسبة لها.
ولكن ألم تكن سويسرا واعية بطبيعة الخصم الذي تواجهه؟
دانيال موكلي: أعتقد أنها كانت واعية بطبيعة هذا الخصم، ولكنني أعتقد أنها استغرقت وقتا أطول لكي تدرك بأن لب هذه الأزمة يدور حول شرف عائلة القذافي. فقد حاولت ولمدة البحث عن حلول عبر القنوات الدبلوماسية وهذا من خلال اللقاءات المتعددة التي تمت مع مستويات رفيعة مثل رئيس الوزراء ووزير الخارجية ولكن اتضح فيما بعدُ أن هذه المراكز بعيدة عن موطن اتخاذ القرار في هذه الأزمة أي القذافي ما دام الأمر يتعلق بشرف عائلته.
تطرقتم في الدراسة إلى ثلاث طرق استخدمتها سويسرا لمحاولة حل هذه الأزمة مع ليبيا. هل يمكن لكم تفصيلها؟
دانيال موكلي: في المرحلة الأولى راهنت سويسرا على الوسائل الدبلوماسية. وكان تدخلها سريعا ومتعدد الجوانب وقامت بمحاولات عديدة. ولا يمكن في هذا الإطار توجيه أية انتقادات لها لأن هناك من انتقد بأن وزارة الخارجية تباطأت في الرد وهذا غير صحيح. لكن قد يكون التوجه مباشرة الى القذافي أتى متأخرا نوعا ما كما أن إقحام الرئيس السويسري جاء متأخرا أيضا.
أما المرحلة الثانية (المتمثلة في تدخل رئيس الكنفدرالية لعام 2009 هانس رودولف ميرتس) فقد أظهرت خللا لدى فريق إدارة الأزمة الرئاسي في التنسيق والتخطيط مع باقي الوزارات، وهذا ما أدى الى تبادل انتقادات علنية بين هذه الوزارات عندما فشلت المحاولة. وهنا اتضحت هفوات إدارة الدولة أو كيف يشرف مجلس الحكم الفدرالي (الحكومة) على إدارة الأزمات.
المرحلة الثالثة أظهرت بأن هناك حاجة إلى استخدام وسائل ضغط وإلا أصبح من الصعب إيجاد حل. وبتحول الأزمة الى بُعد أوروبي باستخدام تأشيرات شنغن، كان ذلك تصرفا ناجحا قامت فيه وزارة الخارجية بتحرك جيد بحيث تمت ممارسة ضغط على القذافي من أجل التوصل الى حل وسط بوساطة أوروبية.
لدى تحليلكم للنتائج، كيف قيمتم تصرفات الحكومة في جميع هذه المراحل؟
دانيال موكلي: لقد كانت وزارة الخارجية نشطة في البداية ولكن بدون التوصل الى تحقيق نتائج. ثم كان تدخل الحكومة (الفدرالية) ولكن هنا ظهرت النقائص والهفوات وهو ما يتطلب مراجعة لإصلاح ما يجب إصلاحه ولكن هذا أمر معقد من أجل التوصل الى إدخال إصلاحات ناجعة على إدارة الحكومة. وفي المرحلة الثالثة أظهرت الحكومة نوعا من الوحدة وقامت هي ووزارة الخارجية بعمل جيد ولو أنه ظهرت بعد نهاية الأزمة بعض الإنتقادات المتبادلة بين الوزارات بعد أن تم إفشاء خبر محاولات تحرير الرهينتين باستخدام الجيش. وهذا ما كان سلبيا أيضا.
هل أساءت السلطات السويسرية في حينها تقييم أبعاد هذه الأزمة مع ليبيا أو تداعياتها المحتملة؟
دانيال موكلي: لا أعتقد ذلك فيما يتعلق بالحكومة الفدرالية في برن.. قد ينطبق ذلك على الحكومة المحلية لكانتون جنيف التي لم تـقـدر أبعاد الأزمة كما يجب. فالحكومة الفدرالية أدركت منذ البداية أن الأمر يتعلق بعملية احتجاز رهائن، وقامت بالعديد من المحاولات. أما حكومة جنيف فقد تصرفت وعللت تصرفها بطريقة قانونية بحتة، بل انها عملت على التصعيد في بعض المراحل وهو ما يبرر توجيه الإنتقاد لها.
اعتبرتم في تقييمكم أن السلطات حققت انتصارا في تحرير الرهينتين وأظهرت عجزا في إدارة الأزمة. هل تعتقدون بأن الإفراج عن رهينة بعد عامين من الإحتجاز يُـعـدّ انتصارا؟
دانيال موكلي: يجب أن نقول إن الأمر يتعلق بالتعامل مع دولة ذات نظام صعب للغاية. وأننا انطلقنا من وضعية لم يقم فيها كانتون جنيف بتقديم الإعتذار على ظروف اعتقال نجل الزعيم القذافي. وأنه بحكم تعلق الأمر بشرف العائلة اتخذت الأزمة أبعادا كبرى. وبالنظر إلى كل هذه الخلفيات، يمكن أن ننظر الى أن الإفراج عن (رجل الأعمال السويسري) ماكس غولدي قبل انعقاد جلسات هيئة التحكيم باعتباره انتصارا لسويسرا لأن ليبيا كانت تصرّ دوما على عقد جلسات التحكيم قبل البت في قضية الرهينتين السويسريين.
لاشك في أن عامين تعتبر فترة طويلة بالنسبة للرهينتين، ولكن بالنظر إلى الأزمات الأخرى التي عرفتها ليبيا هناك ما كان أطول وفقا لرغبة القذافي. وفي مجمل الأحوال يمكن القول أن سويسرا خرجت من هذه الأزمة بأقل الأضرار.
بعد مرور عامين على إيقاف هانيبال القذافي وزوجته في جنيف، لا زالت عملية تطبيع العلاقات بين البلدين متعثِّـرة ولم تُـحسَـم كل القضايا العالقة.
بعد اتفاق 13 يونيو 2010، الذي وقعت عليه وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري في طرابلس مع نظيرها الليبي وعودة ماكس غولدي إلى سويسرا، بدأ البلدان في تطبيق بنود الاتفاق، ولكن ببـطء.
في مرحلة أولى،ٍ جدّد الطرفان اختيار القاضية البريطانية إليزابيت ويلمشروست (نائبة عن سويسرا) والقاضي الهندي سرينيفازا باماراجو راو (ممثلا لليبيا) لعضوية هيئة التحكيم، لكن القاضيين لم يتفقا في الموعد المحدد (أي بعد مرور 30 يوما على تاريخ 13 يونيو)، بشأن اختيار قاضٍ ثالث لرئاسة الهيئة.
تتجه الأنظار الآن إلى السيد هيساشي اووادا (من اليابان)، رئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي، ليختار قاضيا يترأس هيئة التحكيم، لكن الاتفاق المبرم بين ليبيا وسويسرا، لا يضبط أجلا محددا لهذه العملية.
على المستوى الاقتصادي، استمر تراجع الصادرات السويسرية إلى ليبيا على مدى الأشهر الماضية، حيث تقلصت في شهر مايو الماضي بنسبة 83،3% (مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي)، لتستقر عند حدود مليوني فرنك. في المقابل، تراجعت الواردات السويسرية من ليبيا (النفط الخام أساسا) بنسبة 99،6% (مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي).
ومنذ بداية السنة الجارية، بلغ متوسط انخفاض الصادرات السويسرية إلى ليبيا 59،6% فيما ارتفع متوسط الواردات بنسبة 34،8% (مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي).
تشير آخر المعطيات المقدَّمة من طرف وزارة الخارجية إلى أن الحضور السويسري في ليبيا لا زال ضعيفا جدا. فبالإضافة إلى 32 شخصا من أصحاب الجنسيات المزدوجة، لا يزيد عدد السويسريين المقيمين حاليا في ليبيا عن 5، يعمل اثنان منهم في السفارة السويسرية.
لأول مرة منذ انتهاء أزمة الرهينتين السويسريين المحتجزين في ليبيا، ينجز مركز أبحاث سويسري مرموق ورصين دراسة مفصلة اشتملت على تحليل لكيفية إدارة الجانب السويسري للأزمة وحددت نقاط الضعف المسجلة وما يجب إصلاحه.
عن الطريقة التي يمكن الإستفادة بها من هذه الدراسة، يقول الخبير دانيال موكلي الذي ساهم في إعدادها مع زملاء له في معهد الدراسات الأمنية في زيورخ: “لقد حاولنا من خلال الإستعانة بوثائق لجنة متابعة الأزمة الليبية التابعة للبرلمان السويسري، تحديد مختلف القضايا وتحديد النقاط التي تتطلب توضيحات أكثر. وبالرغم من أنه لم يكن بإمكان دراستنا أن تشمل كافة الجوانب، لأننا نظرنا الى القضية من زاوية خارجية، لكن مهتمون بأن تعمل لجنة إدارة الأزمات على الإجابة على التساؤلات التي ظلت بدون جواب حتى الآن”.
وعما إذا كانت الجهات الرسمية المكلفة بإدارة الأزمة مع ليبيا، اتصلت بهم خلال الفترة السابقة، يقول السيد دانيال موكلي: “لا لم يتم الاتصال بنا ولم تكن لنا أية اتصالات مع وزارة الخارجية، لكننا اشتغلنا كثيرا مع وسائل الإعلام. لكن لجنة إدارة الأزمة مع ليبيا التي كان مقرها في برن استعانت بخبراء خارجيين، من بينهم جون زيغلر وغيره، لأن هذه اللجنة كانت في حاجة الى خبراء يعرفون تصرفات النظام الليبي. أما نحن فلسنا متخصصين في ذلك، بل فقط قمنا بتحليل كيفية إدارة الأزمة وحاولنا تحديد نقاط الضعف واستخلاص الدروس”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.