“علينا كشباب أن نَفتَك الثقة من الساسة وأن لا ننتظر منهم مَنحها إيانا”
آنضمت جامعة جنيف هذا العام إلى مُستشارية الدولة في كانتون جنيف والعديد من الشركاء الآخرين للإحتفال باليوم الدولي للديمقراطية، الذي حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة موعد إحيائه في 15 سبتمبر من كل عام. وبهذه المناسبة، نظمت هذه المؤسسة التعليمية المرموقة برنامجاً غنياً ومتنوعاً امتد من يوم 19 وحتى 24 سبتمبر، تضمَّن دعوتها مجموعة من الطلاب التونسيين لتعريفهم بالتجربة الديمقراطية للطلاب السويسريين، وتوفير مساحة للطرفين لتبادل وجهات نظرهم وتجاربهم ومخاوفهم وآمالهم، وتقييم الحالة الراهنة للديمقراطية في البلدين.
بحضور آنيا فايدن غيلبا، مُستشارة الدولة بكانتون جنيف، وعدد من الشخصيات الأكاديمية والبحثية والسياسية المرموقة في جنيف وتونس، جَمَعَت إحدى القاعات الدراسية بجامعة جنيف مساء الإثنين 19 سبتمبر 2016 بين مجموعة من الطلبة السويسريين والتونسيين في المراحل الدراسية الثانوية والجامعية في ندوة حوارية حملت عنوان “سويسرا- تونس: تبادل الرؤى حول ديمقراطية متحركة”رابط خارجي.
من بين الطلّاب التونسيين المشاركين في الندوة، إلتقت swissinfo.ch بـكل من سارة بن حسن، طالبة الماجستير في مجال العلوم السياسية إختصاص قانون عام، ذات الأربعة وعشرين ربيعاَ، والناشطة في المُجتمع المدني التونسي، وأحمد الحسين عباسي، المحامي المُتدرب الذي يبلغ الخامسة والعشرين من العمر، والحاصل على درجة الماجستير في القانون الدولي والعلاقات ﺍلأﺭﻭبية – المغاربية، والذي استهل أطروحة الدكتوراه هذه السنة في موضوع “الإنتقال الديمقراطي لتونس”.
“أسبوع الديمقراطية” في جامعة جنيف
إنضمت جامعة جنيف هذا العام إلى مستشارية كانتون جنيف وعدد آخر من الشركاء في الكانتون لإحياء اليوم الدولي للديمقراطية في 15 سبتمبر، الذي كانت منظمة الأمم المتحدة قد قررت تبنيه في سبتمبر 2007 ليُصبح يوماً عالمياً للديمقراطية.
تضمن البرنامج الثري والمنوع الذي أعدته الجامعةرابط خارجي في “أسبوع الديمقراطية” الذي استمر من 19 ولغاية 24 سبتمبر 2016، دعوة مجموعة من الطلاب التونسيين لتعريفهم بالتجربة الديمقراطية للطلاب السويسريين.
في ندوة حوارية حملت عنوان “سويسرا- تونس: تبادل الرؤى حول ديمقراطية متحركة” نظمتها كلية العلوم ومعهد الدراسات العالمية في الجامعة ومستشارية كانتون جنيف، تبادلت مجموعة من الطلاب من كلا البلدين وجهات نظرهم وتجاربهم ومقترحاتهم بشأن الديمقراطية في بلديهم بحضور عدد من الساسة والباحثين والأكاديميين من جنيف وتونس.
تطرقت النقاشات في الندوة إلى محاور “كيفية التوفيق بين التقليد والحداثة” وإلى “دور المجتمع المدني ودور المرأة في مرحلة تونس ما بعد الثورة” وإلى “قضايا الديمقراطية وممارسات السلامة الجديدة” إضافة إلى “الثقافة والديمقراطية والعلمانية”.
كما تحدث في الندوة كل من آنيا فايدن غيلبا، مستشارة الدولة بكانتون جنيف، وحسني عبيدي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول الوطن العربي ودول المتوسط في جنيف، وأمينة بوزقندة الزغل، المديرة العامة لجامعة “باريس دوفين تونس” الخاصة، وعبد الرؤوف الماي، النائب في مجلس نواب الشعب التونسي ورئيس لجنة التونسيين في الخارج في المجلس، وآخرين.
swissinfo.ch: كيف تم إختياركما للمشاركة في أسبوع الديمقراطية في جنيف؟
أحمد الحسين عباسي: جاء إختياري نتيجة تنسيق بين جامعة جنيف والدولة السويسرية وجامعة “باريس دوفين تونس”، حيث إتصل بي الأستاذ المؤطر وطُلِب مني إرسال سيرتي الذاتية، التي بُعِثَ بها لاحقاً إلى الجامعتين سالفتي الذكر، ليتم إختياري بالنتيجة.
سارة بن حسن: لقد مررت بنفس هذه الإجراءات، حيت تم الإتصال بي من قِبَل بعض الأساتذة في كلية العلوم القانونية والسياسية والإجتماعية بتونس. ومع توفري على تجربة جيدة في المُجتمع المدني التونسي، ومن خلال السيرة الذاتية، تم إختياري للمشاركة في هذا الحدث.
swissinfo.ch: هل ترون أن مشاركة الشباب في الحياة السياسية في تونس اليوم هي أكبر من ذي قبل، سيما وأنه مَطْلَب ما انفك الشباب يطالبون به بعد الثورة؟
أحمد الحسين عباسي: هذا أكيد. إن مشاركتنا في الحياة السياسية اليوم أكبر بكثير. قَبل الثورة لم يكن لنا الحق حتى بالمشاركة في التصويت أو في التعبير عن آرائنا. ورغم أن المشاركة لازالت منقوصة وتفتقر إلى النجاح، لكن هناك تحسن كبير جداً؛ فقد توجهنا إلى صناديق الإقتراع في عامي 2011 و2014، كما نمارس الضغط من خلال وسائل التواصل الإجتماعي.
سارة بن حسن: صحيح أن الشباب لم يشارك بنسبة كبيرة في التصويت وهَجَر صناديق الإقتراع، لكنه يتوفر على دور كبير جداً وبخاصة على مستوى المُجتمع المدني، الذي يكوِّن الشباب نحو 80% منه. وكما هو معروف فإن للمجتمع المدني دور فعال في بناء الديمقراطية وفي الثورة أيضاً.
swissinfo.ch: ما الذي أدى إلى عزوف الشباب عن التصويت؟
سارة بن حسن: هناك أزمة ثقة في تونس، وهذه تشمل الساسة والوضع الإجتماعي والإقتصادي. وهناك أزمة فعلية في التعامل والعلاقة بين الأجيال. صحيح أن فُرَصَنا في التعبير عن آرائنا اليوم هي أكبر من السابق، ولكن هناك صراع بين الأجيال، وصراع حول تمثيل الشباب في المواقع الإستراتيجية ومواقع اتخاذ القرار. وهنا أضيف أن علينا كشباب أن نَفتَك هذه الثقة وأن لا ننتظر من الساسة مَنحها إيانا.
أحمد الحسين عباسي: حتى الساسة لا يمنحوننا الثقة كشباب، وكثيراً ما يكون الشباب مُهَمَّشين على الرغم مما يتمتعون به من كفاءات.
swissinfo.ch: بعد ما سمعتموه في هذه الندوة الحوارية اليوم، هل ترون إمكانية تطبيق الديمقراطية التي يمارسها الشباب السويسري في الوقت الحالي في تونس؟
أحمد الحسين عباسي: من الصعب الحديث عن تطبيق التجربة السويسرية أو أي تجربة أخرى في بلد آخر. أنا أحبِّذ الحديث عن بناء تجربة فريدة من نوعها بِحَسب المجتمع المعيّن في المكان المعيّن. حتى التجربة السويسرية نفسها لو تم تقليدها كما هي لا يمكن أن تنجح في تونس 100%. بالإمكان إقتباس الأشياء الإيجابية في هذه التجربة والإستئناس بها وبتجارب دول أخرى مثل فرنسا أو أمريكا أو غيرها، ولكن لا يُمكن تطبيقها بحذافيرها. نحن ديمقراطية ناشئة، وهناك هَجْر لصناديق الإقتراع في تونس، ولا أتصور أن بإمكاننا بعد مرور خمس سنوات فقط على الثورة أن نصوِّت كل شهر على كل قانون، هذا صعب جداً.
سارة بن حسن: الديمقراطية مبدأ وهدف. إن تاريخ تونس وظرفها يختلف عن سويسرا. لكن في إعتقادي يمكن اقتباس بعض عناصر النموذج السويسري مع إضافة الميزات التونسية المُستَنبَطة من العقلية التونسية والإسلام والتُراث والتقاليد. الشباب السويسري يسبقنا تجربة ونضجاً في المواطنة، وما علينا إلا أن نَتَّبع خطاه. كذلك تقتضي الممارسة وًعياً و نُضجاً وطنياً، والشباب التونسي مُستعد لأن يكون قدوة للشباب العربي.
swissinfo.ch: بعد أشهر قليلة تكون الثورة التونسية قد أكملت عامها السادس. كيف يتفاعل الشباب التونسيون مع ما يدور في بلدهم؟ هل يشعرون بالتفاؤل أو التشاؤم أو بخيبة الأمل؟ وما الذي أنجِز بالنسبة للديمقراطية إلى اليوم وما الذي لم يُنجَز؟
أحمد الحسين عباسي: لقد قمنا بخطوات أولى ولايزال الكثير من العمل في إنتظارنا. لا يمكن الحديث عن الديمقراطية والحرية مع ارتفاع معدَّل البطالة وتزايد نسبة الفقراء، إذ يجب تعزيز النظام الديمقراطي بنظام إقتصادي وسياسة تنمية ناجعين، فالحقوق السياسية شديدة الإرتباط بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية.
لازلنا في تونس اليوم، وبعد انتخابات 2014 بصدد التركيز على المؤسسات التي تحمي الديمقراطية والدستور التونسي الجديد، مثل المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية، مثل هيئة حقوق الإنسان أو هيئة الحوكمة الرشيدة. كما أن لدى السلطة التشريعية الكثير من العمل للمصادقة على مشاريع القوانين الضرورية لتطبيق الدستور.
الأمل قائم، لكن علينا أن نُسرِع لننتهي من مرحلة الإنتقال الديمقراطي ونبني دولة قوية قادرة على حماية مواطنيها إجتماعياً وإقتصادياً وأمنياً.
سارة بن حسن: شخصياً، أنا سعيدة جداً بالإحتفال بعيد الثورة. صحيح انني متخوفة أيضاً من المسار الإنتقالي، وأخشى ما أخشاه هو العودة للوراء. لقد أصيب الشباب التونسيين بخيبة أمل عارمة. فقد قاموا بالثورة واعتصموا من أجل الحصول على الشغل والحرية والكرامة الوطنية، وهاهم الساسة قد إفتَكّوا ثورتنا، وهاهي مطالبنا لا تزال حبراً على ورق؛ مطالب تم التسويق لها في الحملات الإنتخابية ثم تركها جانباً بعد التصويت والجلوس على المقاعد ومناصب أخذ القرار.
لقد كانت تونس ولا تزال سبّاقة في التغيير وخوض الرهانات. أنا متفائلة طبعاً، لأنني شابة أولاً ولأنني ناشطة في المجتمع المدني أيضاً. أنا لا أنتظر أن يأخذ السياسيون القرار، بل أساهم فعلياً في تقرير مصيري ومصير البلاد و الأجيال القادمة.
لقد صاغت تونس أحدث الدساتير، وتم تكريم الرباعي الراعي للحوار (الوطني) بجائزة نوبل للسلام. وقد حققنا انتخابات شفافة وأنشأنا محكمة دستورية وهيئات دستورية، وسوف نساهم أيضاً في تكريس مبدإ اللامركزية.
swissinfo.ch: كيف يمكن النهوض بالديمقراطية في تونس؟ وما هي العوامل التي تعيق تقدمها في الوقت الراهن؟ العادات والتقاليد/ الدين/ الأجيال السابقة/ نظام الحكم أم الجهل والأمية؟ وما الذي يتطلبه التغلب على هذه المعوقات؟
أحمد الحسين عباسي: ينبغي تطبيق الدستور أولاً والتركيز على المؤسسات التي تحمي الديمقراطية من أجل بناء ديمقراطية قوية. نحن نواجه الكثير من المشاكل وعلى كافة المستويات، سواء الثقافي، أو الإقتصادي، أو الإجتماعي أو السياسي. لكن الأهم برأيي هو بناء جيل واعٍ للمستقبل، لأن الأجيال السابقة وبالرغم من إمتلاكها لدرجة من الوعي، لكنه لا يزال لا يرتقي لمستوى الممارسات الديمقراطية. نحن بصدد التدرُّب والتعود التدريجي، لذا لا بد من إصلاح نظام التعليم بشكل خاص بغية بناء أجيال واعية للمستقبل.
سارة بن حسن: الممارسة والممارسة ثم الممارسة! الديمقراطية تقتضى المشاركة في الحياة العامة بكل الطرق السلمية. العادات والتقاليد والدين والأجيال السابقة ونظام الحكم والجهل والأمية كلها معوقات في وجه المسار الديمقراطي، لكن الإرادة الشعبية تبقى الأمل والبديل المطلوب.
swissinfo.ch: ماهو دوركم كطلاب في تعزيز مسار الديمقراطية في تونس؟ وما نوع الدعم الذي تتمنون توفيره لكم لتحقيق مساعيكم؟
أحمد الحسين عباسي: الطلاب في تونس متمسكون ببناء النظام الديمقراطي وحمايته، وهم ينتظرون فقط إشراكهم وإعطائهم الفرصة. فحتى الأحزاب السياسية لا تعطي الفرصة للشباب الناشط، ولا نجد فيها شبابا على مستوى القيادة. الطلاب في تونس لهم دور كبير جدا وهم ينشطون في المجتمع المدني ويمارسون نشاطات عدة لحماية الديمقراطية في جميع المجالات.
سارة بن حسن: يتمثل دورنا بتكريس المبادئ الديمقراطية عبر نشر ثقافة الحوار وقبول الإختلاف. نحن ناشطون في المجتمع المدني ونعمل على مراقبة النظام، أي بعبارة أخرى نحن بمثابة سلطة ضغط على النظام السياسي. نريد دعماً من الدولة لتحسين النظام الدراسي وخلق مواطن شغل لاسترجاع آمال الشباب، كما نريد دعماً إعلامياً. لكننا عندما ينعدم هذا الدعم، نحاول توصيل أصواتنا عبر مواقع الإتصال الاجتماعي رغم العراقيل.
swissinfo.ch: كيف يُمكن للشباب التونسي أن يستفيد من نظيره السويسري في مجال الديمقراطية؟
أحمد الحسين عباسي: بوسعنا الإستفادة من تجربة الشباب السويسري في ممارسة الديمقراطية وتعودهم عليها. كما يمكننا الإستفادة من إنفتاحهم على أوروبا والعالم، ومن نظامهم الديمقراطي الفريد من نوعه ومن جدّيتهم أيضاً.
سارة بن حسن: الشباب السويسري نفسه عازف عن المشاركة في الحياة العامة سواء في الإنتخابات أو ضمن المجتمع المدني. وهذه المؤشرات السلبية تستدعي طرح أسئلة عدة من بينها: اذا كانت سويسرا النموذج في الديمقراطية والُمشاركة الشعبية تشكو من عزوف الشباب، ماذا سيكون مصير دولة ديمقراطية ناشئة مثل تونس؟
مع ذلك، فإن هذه التجربة مثال للشباب التونسي، لأن الطريق نحو الديمقراطية لا يزال طويلاً وشاقاً ولا يُمكننا الملل لأننا لا نزال في بداية الطريق.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.