في المغرب: “الأصالة والمعاصرة” يتقدم.. وظاهرة شراء الأصوات تتفاقم
لم يُثر فوز حزب الأصالة والمعاصرة بالمرتبة الأولى بالانتخابات البلدية التي جرت في المغرب يوم الجمعة 12 يونيو، الكثير من الدهشة.. ولم تُبد الأحزاب التي يُعتقد أنه أخذ نصيبها من المقاعد في المجالس البلدية غضبها الشديد..
..رغم أن الحزب حديث الولادة ولم يمض على تأسيسه سوى 10 أشهر لا يمتلك – بمقاييس العمل الحزبي في المغرب الأقصى – قاعدة تنظيمية أو قدرات سياسية تؤهله للحصول على هذا الفوز، حسب الأوساط الحزبية المغربية، إلا كون مؤسسه وزعيمه فؤاد عالي الهمة، صديقا للملك محمد السادس.
وغياب الدهشة والغضب سيكون مفهوما إذا ما لاحظ المتتبع للحياة السياسية المغربية منذ إعفاء الهمة من مهامه الرسمية كوزير في الداخلية وإعلانه في صيف 2007 خوضه غمار الإنتخابات التشريعية، حالة الدهشة والغضب التي طبعت تعاطي الاحزاب مع ما تلى فوز الهمة بمقاعد دائرته الإنتخابية الثلاثة وتشكيل فريق برلماني يحتل المرتبة السادسة (من حيث الحجم) وتأسيس جمعية للتفكير والتفعيل، بحجم أكبر من منظمة مجتمع مدني وأقل من حزب سياسي، أطلق عليها اسم “حركة لكل الديمقراطيين” ضمت في صفوفها يساريين راديكاليين سابقين.
وقبل الإعلان عن تأسيس حزبه “الأصالة والمعاصرة” في أغسطس 2008 شُنّت عليه حملة شرسة من طرف الأحزاب السياسية، بعضها علني وبعضها مبطن، وأصبح معروفا باسم “الوافد الجديد”، أكثر من اسم الحزب، لكن مهاجميه أو المدافعين عنه، كانوا يشيرون إلى أن الهمة ذاهب نحو اكتساح الساحة السياسية خلال الاستحقاقات القادمة بل ذهبوا إلى حد “التأكيد” بأنه سيكون رئيس الحكومة التي ستفرزها تشريعيات 2012.
وعندما أعلن شكيب بن موسى وزير الداخلية مساء يوم السبت 13 يونيو عن فوز حزب الهمة بالمرتبة الاولى بالبلديات بحصوله على 6015 مقعدا (69ر21 في المائة من إجمالي المقاعد المتنافس عليها) بمليون و155 ألف و247 صوتا (7ر18 في المائة من إجمالي الأصوات)، كان رد فعل الحشد المجتمع في وزارة الداخلية بالرباط المكون (بالاضافة الى الصحافيين) من كبار رجال الدولة وزعماء الأحزاب بمختلف اتجاهاتها والمحللين السياسيين والمراقبين المغاربة أو الدوليين.. طبيعيا (!).
فلا اعتمر الغضب وجوه الرافضين ولا الفرح وجوه المؤيدين، لأن الغضب والقلق صب خلال الشهور الماضية والفرح لا زال ينتظر المحطة القادمة، لكن الغاضبين والفرحين لازالوا لم يعرفوا – إلى حد الساعة – أسباب ودوافع اعفاء الهمة من مهامه الرسمية والتحاقه بالحياة السياسية الحزبية والأهم معرفة موقف العاهل المغربي الملك محمد السادس من هذا المسلسل الذي يلعب صديقه “دور البطولة” في حلقاته.
نسبة المشاركة .. وحجم الإقبال
وإذا كانت الأحزاب بمختلف مكوناتها راهنت قبل يوم الاقتراع على حجم المقاعد والأصوات التي ستحصل عليها، فإن وزارة الداخلية وتحديدا الوزير شكيب بن موسى راهن على حجم المشاركة بعد العزوف الكبير الذي عرفته تشريعيات 2007 (لم تتجاوز ال37ـ بالمائة 20 بالمائة منها أصواتا ملغاة)، لذلك كان بن موسى مبتهجا بإعلانه أن نسبة الاقتراع بلغت 4ر52 بالمائة.
وقال بن موسى “إن هذه النسبة التي تمثل سبعة ملايين وخمسة آلاف وخمسين ناخبا من أصل 13 مليون و360 ألف مسجل في اللوائح الانتخابية، تعدّ “جدّ مشجعة”، بالنظر إلى طبيعة هذا الاقتراع الذي يرتبط بالانشغالات اليومية للساكنة، والذي تؤثر فيه العلاقات المباشرة بين الفاعلين المحليين”، فيما قال اسماعيل العلوي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية “إن ثلثي المواطنين (نحو 7 ملايين) ساهموا في العملية الإنتخابية من أصل 13 مليون مسجلين في اللوائح الانتخابية فيما فضل الباقون “البقاء في موقع المتفرج” مؤكدا إلى أن عملية الدمقرطة لها “عدُوّان اثنان هما الجهل والفقر” واعتبر العلوي أن هذا الموقف الذي “يهدد المسار الديمقراطي فيه نوع من التخاذل لأنه يتعين على المواطن المشاركة في الانتخابات إذا كان يرغب في التغيير”..
هذه الملاحظة صدرت أيضا عن جماعة العدل والاحسان الأصولية شبه المحظورة والتي تمتنع عن المشاركة في الإستحقاقات الانتخابية حيث اعتبرت أن النسبة المعلن عنها والتي جاءت متعارضة تماما مع الضعف الشديد في الإقبال على صناديق الإعتراض، لا تمثل أكثر من 30 بالمائة لأن احتسابها تم فقط من المسجلين في اللوائح الانتخابية وأن هذا فيه تجاهل مقصود لكل الكتلة الناخبة (التي تقدر بحوالي 20 مليون ناخب وناخبة). وبالنسبة للجماعة فإن “الذين قاطعوا الانتخابات حقيقة حوالي 13 مليون مواطن وليس فقط 6 ملايين. مما يجعل النسبة الفعلية حوالي 33 بالمائة. وإذا أضفنا نسبة الأصوات الملغاة فلن تصل إلى 30 بالمائة في أحسن الأحوال”، وتساءلت الجماعة “بأي ارتفاع وتطور يحتفلون”؟.
شراء الأصوات.. نقطة سوداء
ولم تكن نسبة الناخبين المشاركين بالإقتراع هي الرقم الوحيد الذي ابتهج له بن موسى إذ سجل فوز 3406 من النساء المتنافسات والذين خصص لهن القانون 12 بالمائة من نسبة المقاعد وخضن الإنتخابات في إطار ما سمي “القوائم الاضافية” أو ضمن اللوائح العادية وايضا ما يتعلق بمعدل الأعمار حيث أن 18 في المائة من المرشحين الذين تم انتخابهم تقل أعمارهم عن 35 سنة، مقابل 16 في المائة سنة 2003 وأن 51 في المائة من هؤلاء المنتخبين لهم مستوى تعليمي ثانوي أو عالي، مقابل 46 في المائة سنة 2003 وإن هذه النسبة تفوق لدى النساء المنتخبات 71 في المائة.
إلا أن المكسب الحقيقي لوزارة الداخلية هو الإجماع على أن الإدارة تخلت نهائيا عن الأساليب السابقة التي كانت تتبعها في الماضي من خلال التدخل المباشر والسافر أحيانا في العملية الإنتخابية بدءا من التسجيل في اللوائح وصولا إلى تحديد نتيجة الفرز حتى ولو اقتضى الأمر تغيير ما تعطيه صناديق الإقتراع.
في المقابل، يبدو أن استخدام الأموال في شراء الأصوات تحول إلى ظاهرة حقيقية تتسم بها الإنتخابات في المغرب ومع أن جميع الأطراف السياسية المشاركة تحدثت عنها إلا أن السلطات والأحزاب لم تجد بعدُ السبيل للوصول الى الحد منها تمهيدا للقضاء عليها.
وهو الأمر الذي ندد به حزب العدالة والتنمية الأصولي المعتدل الذي احتل المرتبة السادسة بحصوله على 1513 مقعدا (5.5 بالمائة) و 460 ألف و774 صوتا (7.5 في المائة) والمتحصل على أعلى عدد من الأصوات في تشريعيات 2007 وأيضا في انتخابات الجمعة الماضي في التصويت على اللوائح، يليه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما احتل حزب الأصالة والمعاصرة المرتبة السابعة.
وحسب القانون الانتخابي المغربي فإن نمط الاقتراع في المدن التي يتجاوز عدد سكانها الـ 25 الف يكون التصويت فيها باللائحة، والتي تعني انتخاب الحزب، فيما يكون نمط الانتخاب الفردي في بقية الدوائر الإنتخابية وهي طبعا الأكثر عددا.
ووصف عبد الاله بن كيران الأمين العام للحزب نتائج الانتخابات بـ “العادية” وأشار إلى أن حزب العدالة والتنمية “احتل المرتبة السادسة من حيث النتائج التي تم الإعلان عنها رسميا لأنه اختار تغطية ثلث الدوائر الانتخابية فقط” إلا أن الحزب “حافظ على مكانته في المدن التي كان قد حقق فيها نتائج جيدة في الانتخابات الجماعية 2003″، على حد قوله.
وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإن نتائجه في المدن تعبير عن رضى المواطنين عن أداء ناشطيه في المجالس البلدية التي تولوا تدبيرها خلال السنوات الست الماضية، رغم ما تعرض له في مدينة مكناس حيث قامت السلطات بإبعاد رئيس البلدية لمخالفات ارتكبها مرفقة بحملة إعلامية شرسة.
مكاتب المجالس.. ومنافسة شرسة
في الواقع لا تكتمل الإنتخابات البلدية في المغرب بانتخاب المستشارين وأعضاء المجالس أي يوم الاقتراع الشعبي العام، بل إن الاقتراع القادم والذي يتعلق بانتخاب مكاتب المجالس البلدية تعتبر الأهم والأخطر نظرا لما يخوله القانون من صلاحيات واختصاصات لرئيس المجلس أو للعُمدة (رئيس البلدية) في المدن الكبرى وهو ما يجعل الأحزاب والأفراد يتسابقون ويستخدمون أحيانا كل السبل للوصول إلى هذا المنصب.
في هذا السياق، علمت سويس انفو أن جميع الأحزاب أبلغت الفائزين باسمها أن التحالفات بتكوين مكاتب المجالس مسألة محلية وليست مركزية. وأفاد عبد الواحد الراضي الكاتب الاول للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن توجيهات حزبه تتمثل في أنه “على الفائزين باسمه إقامة تحالفات مع الأكثر كفاءة ونزاهة دون اشتراط الإنتماء السياسي”. وباستثناء المجالس التي تكون فيها الأغلبية النسبية لحزب ما يضمن فوز مرشحيه للمكتب، فإن بقية المجالس عادة ما تشهد منافسة شرسة وتدفق أموال هائل وتحالفات خارج إطار التحالفات السياسية العامة تكون أحيانا هجينة وغير مفهومة.
واذا كانت انتخابات يوم الجمعة 12 يونيو 2009 ذات طابع محلي، فإن الأوساط السياسية كانت ترتقب نتائجها لتتلمس عبرها مؤشرات لتركيبة المشهد السياسي المغربي خلال المرحلة المقبلة خاصة بعد الحملات المتبادلة بين حزب الأصالة والمعاصرة من جهة وحكومة عباس الفاسي وتحديدا وزارة الداخلية من جهة ثانية.
وفي هذا الصدد، فإن اتصال الملك محمد السادس هاتفيا برئيس الوزراء الفاسي لإبلاغه تجديد الثقة به وبحكومته بعد الإنسحاب المفاجئ لحزب الأصالة والمعاصرة من الأغلبية الى المعارضة لا يعني أنها ثقة دائمة فقد تدفع الحسابات السياسية للقصر إلى ترتيبات أخرى تأخذ بعين الاعتبار مكانة الحزب الوليد الذي أصبح بإمكانه الآن أن يقدم نفسه باعتباره “الحزب الأول” في المشهد السياسي.
محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch
الرباط (رويترز) – فاز حزب سياسي مغربي جديد يضم أقوى انصار الملك محمد السادس بمعظم المقاعد في الانتخابات المحلية.
وقال وزير الداخلية شكيب بنموسى يوم السبت 13 يونيو 2009 إن حزب الاصالة والمعاصرة حصل على 6015 مقعدا أي بنسبة 21.7 في المئة من الاصوات متقدما على حزب الاستقلال المشارك في الحكومة والذي حصل على 5292 مقعدا اي بنسبة 19.1 في المئة.
وتأسس حزب الاصالة والمعاصرة العام الماضي على ايدي ناشطين من خمسة احزاب صغيرة ومثقفين يساريين. ويطرح الحزب نفسه كبديل للاسلاميين ولحزب المستقبل وسعى للتغلب على عدم اهتمام الناخبين من خلال وعود بمواصلة الالتزامات السياسية.
والحزب وليد فكرة فؤاد عالي الهمة وهو نائب سابق لوزير الداخلية وصديق مقرب من العاهل المغربي. وحصل عالي الهمة على دعم قوي في الداخل والخارج لتبنيه اصلاحات لمكافحة الفقر وتحسين اجواء العمل ودعم حقوق المرأة.
ويسيطر الملك الذي يتولى الحكم منذ ما يقرب من عشرة اعوام على زمام السلطة باعتباره رئيس دولة وزعيم ديني.
وتعتبر الانتخابات البلدية التي جرت يوم الجمعة 12 يونيو أول اختبار حقيقي للتآلف الحكومي المكون من المحافظين والاشتراكيين بعد أن حقق حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل أفضل نتائجه في الانتخابات التشريعية في عام 2007.
ويقول منتقدون لرئيس الوزراء عباس الفاسي الذي يتزعم حزب الاستقلال ان حكومته تفتقر للطاقة والقيادة. وخسرت الحكومة أغلبيتها البرلمانية الشهر الماضي عندما سحب حزب الاصالة والمعاصرة دعمه لها.
ولم يحصل حزب العدالة والتنمية الاسلامي الا على 1513 مقعدا اي بنسبة 5.5 في المئة من الاصوات مما جعله يحتل المركز السادس. وكان الحزب قد شارك بمرشحين اقل من حزب الاصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال وانصب تركيزه على بلدات كبيرة حيث اعتاد ان يكون التأييد له اقوى.
وقال مصطفى الرميد العضو المؤسس لحزب العدالة والتنمية ان طموحات حزبه انهارت وسط موجة من قيام الاحزاب المنافسة بشراء الاصوات. وقال لرويترز ان حزب العدالة والتنمية كان يقف على جانب بينما كان على الجانب الاخر المال والمال فقط.
وقال انه يتوقع ان يفوز حزب العدالة والتنمية بمعظم المقاعد في المدن الشمالية مثل الدار البيضاء والرباط وسلا وقنيطرة لكن الاحزاب الاخرى قد تبعده عن السلطة هناك من خلال تشكيل ائتلافات.
وقال وزير الداخلية بنموسى ان هناك 1767 شكوى بحدوث مخالفات في الانتخابات لكنها كانت ضئيلة للغاية ولم تؤثر على العملية الانتخابية.
وكانت السلطات تأمل في اقبال كبير يشير الى اعادة صلة المواطنين الساخطين بالنظام السياسي لا سيما في البلدات الشمالية الكبيرة بالمغرب حيث ينتشر الفقر والبطالة بين الشباب على نطاق واسع.
وبلغت نسبة الاقبال 52.4 في المئة وهي أقل من النسبة المسجلة في الانتخابات المحلية عام 2003 والتي كانت 54 في المئة لكنها تزيد عن نسبة الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2007 وبلغت 37 في المئة. ومن المقرر اجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في المغرب في عام 2012.
وعزا المحللون النتيجة التي حققها حزب الاصالة والمعاصرة الى حملة ماهرة وآلية حزب هائلة مزجت بين النخبة المحلية ورجال الاعمال وعمال التنمية والشباب المتحمس.
وقال المحلل نور الدين عيوش ان الحزب انتقد الاداء الضعيف للمجالس البلدية وهاجم محظورات مثل الفساد وتجارة الحشيش. لكن عيوش قال “إن الفضل الاساسي يعود الى فؤاد عالي الهمة نفسه”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يونيو 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.