“في النهاية قوة التاريخ سوف تكون أقوى..”
"عودوا إلى أنفسكم أو ستواجهون الموت"، بهذه العبارة كرر وزير الداخلية السعودي الأمير نايف دعوته إلى المتطرفين المسلحين بعد مواجهات الأسبوع الماضي الدامية في مدينة الرس (شمال الرياض). هي عبارة قصيرة لكنها تدلل بوضوح على النهج الذي التزمته المملكة في التعامل مع ظاهرة العنف.. نهج أمني صارم لا يُهادن..
من جديد شهدت المملكة العربية السعودية مواجهات مسلحة دامية بين القوات الأمنية ومتطرفين مسلحين، ومن جديد أعلنت السلطات الأمنية أنها باتت على قاب قوسين أو أدنى من اجتثاث الفيروس الإرهابي من جذوره.
بعض المراقبين يؤكدون أن العناصر المتطرفة المسلحة “تصارع من اجل البقاء، وأنهم في حالة فرار دائمة”، على حد قول الخبير السعودي خليل الخليل في حديث مع وكالة رويترز للأنباء. في المقابل، يعتبر وآخرون أن الإعلان عن مقتل عدد كبير من عناصر “التيار الجهادي”، كما تقول الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد في حديث مع صحيفة “القدس العربي” الصادرة بلندن، “لا يعني اجتثاثه”. وتؤكد في المقابل على أن “تركيبة الخلايا … مستقلة وغير مرتبطة بترتيب هرمي”.
وبغض النظر عن مدى صحة أي من الرأيين، فمن المؤكد أن المملكة لا تواجه فقط مجموعة متطرفة، تلجأ إلى العنف للتعبير عن رفضها للواقع السياسي. بل تعايش في الوقت ذاته حالة من الغليان الاجتماعي، بدأت تطفو إلى سطح العلانية، وتُـرى أثارها واضحة سواء في ساحة الكتب المنشورة، أو في المواقع الإلكترونية المعبرة عن هويات إقليمية، أو ضمن ساحات الحوار والنقاش المتوافرة على شبكة الانترنت.
ولذا فإن سؤالنا اليوم لا يتعلق بطبيعة المرحلة التي تقف فيها السلطات السعودية في مواجهتها مع المتطرفين المسلحين، بل بالأحرى: هل تكفي الإجراءات القمعية الأمنية للتعامل مع ظاهرة العنف في مجتمع يعيش حالة من الغليان الاجتماعي؟
سويس انفو تحولت إلى الأستاذ جمال خاشقجي، الكاتب الصحفي، والمستشار الثقافي للأمير تركي بن فيصل، سفير المملكة العربية السعودية في المملكة المتحدة، وأجرت معه حواراً مطولاً، عبر فيه وجهة نظر تتماشى بالتأكيد مع مواقفه المعروفة، لكن لعلها تظل في الوقت ذاته مقاربة إلى حد كبير لرأي شريحة من النخبة الحاكمة. وفيما يلي نص الحوار كاملاً.
سويس انفو: اعتبر العديد من المراقبين غربيين وسعوديين على حد سواء، أن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها المملكة منذ مايو 2003 تمكنت من السيطرة على ظاهرة الإرهاب في شكلها العنفي. كيف تعقب على هذا الرأي؟
جمال خاشقجي: هذا صحيح. أنا كنت قلت في الصيف الماضي إننا سوف نشهد هذا الصيف آخر أنسام القاعدة، والحمد لله يبدو أن هذا الكلام صحيح. لم نشهد عمليات كبيرة من القاعدة، القاعدة في حالة مطاردة، وكانت أكبر عملية حصلت عليهم هو ما حصل هذا الأسبوع (الأول من أبريل). فمن الناحية العسكرية ومن الناحية الأمنية، الحكومة السعودية فعلاً نجحت في تفكيك شبكة القاعدة التي نمت في غفلة من الزمن في فترة ما قبل مايو 2003.
سويس انفو: في المقابل، تقول العديد من الأصوات الإصلاحية في المملكة إن الإجراءات الأمنية في حد ذاتها لا تكفي، وأن تجفيف منابع الإرهاب يتطلب التعامل معها من جذورها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضاً. ما هو رأيك؟
جمال خاشقجي: هذا صحيح أيضاً، وهذا القول لا تنفرد به القوى الوطنية والإصلاحية، وإنما نسمعه حتى في داخل الدولة، ومن لطف الله بنا نحن السعوديون، أن في الدولة أيضاً نسم إصلاحي هائل وكبير.
سمو الأمير نايف نفسه، وزير الداخلية، قال كلاماً يشبه سؤالك، ويرى هو أن هنالك مسألة أخرى يجب معالجتها، وهو معالجة جذور وأسباب هذا التطرف، وهو السؤال الكبير الذي يواجهنا نحن السعوديين، ونتحاور اليوم حوله.
تجدين هذا الحوار في مجالسنا، في صحفنا، في محطاتنا التلفزيونية، دائماً نطرح هذا السؤال، لأنه لا نريد أن نعيش ونتعود على وجود عناصر متطرفة، إما فكرياً أو تستخدم العنف. بمعنى بينما لا نستطيع أن نتسامح مع من يستخدم العنف، يجب أيضاً أن لا نتسامح مع من يحاول أن يعرقل مسيرة التنمية ومسيرة الإصلاح باستخدام التطرف اللفظي أو التطرف الفكري.
طبعاً المسألة هذه فيها نوع من الحساسية وفيها نوع من الاحتياج إلى الصياغة القانونية، بمعنى أنه في ظل القبول بمنهج التعددية يعني ذلك القبول بكل الأفكار، بما فيها الأفكار التي تبدو غريبة، ولكن يمكن القبول بها طالما أن صاحب هذه الفكرة لا يحاول أن يفرضها على المجتمع. عندما يحاول أن يفرضها على المجتمع، حينها تبدأ المشكلة، تبدأ المشكلة معه.
فالمسألة لها اتجاهان: الاتجاه الأول هو معالجة الماضي، أسباب الإرهاب وأسباب التطرف، و(الاتجاه الثاني) معالجة المستقبل، (و)هو التعامل مع من يحملون هذه الأفكار في المستقبل، هل يقبل بهم على أساس أنهم جزء من تكوين المجتمع طالما أنهم يوافقون على الاحتكام إلى منطق الأغلبية، إذا حصل هذا الشيء أعتقد لا توجد مشكلة مع أي إنسان حتى لو قال مثلاً بأنه ضد دخول المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، طالما أن هذا رأيه ويبقى رأيه في إطار الصحف أو المؤسسات المدنية، ولا يحاول مثلاً أن يفرض هذا الرأي على الدولة وعلى المجتمع.
سويس انفو: هل نجحت الحكومة السعودية في الحصول على مكاسب سياسية شعبية، خاصة وأن البعض يرى أن الإكتفاء بالمعالجة الأمنية، تقديم بعض التنازلات الطفيفة دون إطلاق عملية إصلاح فعلية، أفقد الحكومة التعاطف الشعبي بعد أول عملية إرهابية في عام 2003.
جمال خاشقجي: نحن في عملية الإصلاح التي أطلقتها الحكومة، نجدها أنها انطلقت حتى في عز الأزمة والهجمات الإرهابية. هناك مشروع إصلاحي كبير وهائل تقوده الدولة، إبتداءاً من المرأة إلى التعددية الفكرية، إلى إدخال مفهوم الانتخابات والمشاركة الشعبية وهو التعبير اللطيف الذي نستخدمه للديمقراطية. الآن الديمقراطية بالفعل تبث بذورها في البنية التحتية الشعبية السعودية بالانتخابات.
الدولة هي التي تشجع المواطنين وتروج للديمقراطية عبر وسائل إعلانها، عبر الإعلانات في الشوارع، اليافطة الإعلانية التي تحمل رسالة “لن يسمع صوتك إذا لم تسجل في الانتخابات المقبلة”، هذه الرسالة من الدولة إلى المواطن، تدعوه وترجوه أن يتفاعل وأن يأخذ حقه في المشاركة الشعبية. فهي حالة شيقة أن تشهدي هذا التفاعل، الدولة تحاول أن تدفع المواطنين إلى المشاركة الشعبية، إلى التوسع بحقوقهم ومطالباتهم.
عملية الإصلاح فيما يخص القضاء، هذا الأسبوع شهد أول قرارات جذرية حصلت، القضاء السعودي مقبل على تغييرات جذرية، مناهج التعليم مقبلة على تغييرات، التوسع في عمل المرأة، مسائل عديدة حاصلة اليوم في السعودية، ولكن حاصلة بالسرعة التي متوافق عليها، البعض يراها بطيئة، أنا شخصياً أتمنى لو تكون أسرع، ولكن عندما أمارس بعض الحكمة أعتقد أننا لا نريد أن نتعجل فننكفئ، فالمسألة تحتاج إلى توازن..، المهم هو الاستمرار، والعملية حتى الآن لم تتوقف.
سويس انفو: يرى بعض الباحثين أن العائلة المالكة تقف في موقف أشبه ما يكون بالمأزق، بين رغبة في إصلاح، وبين مؤسسة دينية تدفعها إلى الخلف، ما هو تعليقك؟
جمال خاشقجي: توجد لدينا مؤسسة دينية واجتماعية تريد أن نبقي في مكاننا أو نتحرك ببطء، ولكن توجد أيضا قوى التاريخ، قوى التعليم، تريد أن نتغير، العالم من حولنا يتغير، فلا بد أن نتغير.
هناك نوع من الخوف من التغيير، هناك نوع من الشعور أن التغيير سيكون على حساب الإسلام، أنا في مقالة لي نشرت مؤخرا، قلت إن البعض بيننا يصنع كوابيس من أجل الاحتفاظ بمكتسباته، ومن أجل تبرير وجوده فيصنع كابوسا بأنه هناك خطة لعلمنة المملكة العربية السعودية، ويريد أن يقنعنا بأن هناك خطة لذلك.
لكن في الحقيقة التفسير الصحيح لهذه المزاعم هو أنها مجرد عمليات الإستقواء، أن المملكة العربية السعودية غير معرضة لا للعلمنة ولا للتخلي عن إسلامها، فلا توجد حاجة لرفع قميص عثمان هذا كلما لاحت في الأفق مبادرات إصلاحية، أنا أتصور فقط أنها محاولات للتمسك بالقديم، للتمسك بالمكاسب والمصالح التي يتمتع بها البعض.
الدين للجميع، الدين لا يجب أن تحتكره فئة، نحن كلنا في السعودية مسلمون، وأنا متفائل أنه في النهاية قوة التاريخ سوف تكون أقوى من المصالح الفردية.
سويس انفو: إذن، ماذا بعد الانتخابات البلدية؟
جمال خاشقجي: بعد الانتخابات البلدية سنشهد أول تجربة التفاعل ما بين مجلس محلي منتخب ومعين يمارس حق الرقابة والتشريع، هذا فهم جداً جديد، وبُعد جداً كبير في الحكم المحلي السعودي.
لأول مرة رئيس البلدية في الرياض أو في جدة أو في الدمام أو في المدينة المنورة سيجد نفسه بأنه ليس مطلق الصلاحية، وسيجد المواطنين أنهم قادرون على اتخاذ القرار والمشاركة في القرار. هذا سوف تبني عليه خطوات كثيرة، سوف تتغير به نمطية الفكر والتعامل في الحكم المحلي.
بعد ذلك، سندخل على موضوع الانتخابات التشريعية أكبر في مجلس الشورى. مجلس الشورى السعودي أصبح اليوم هو مصدر التشريع في المملكة واستصدار القوانين والأنظمة، العملية تتوسع، كل يوم والثاني مجلس الشورى يتخذ قرارات في مختلف المناشط الحياتية التي تهم المواطنين.
بدأت دائرة القرار تتسع من الملك والوزراء إلى مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى إلى المجالس المحلية. كلها تدفعنا إلى الحالة الطبيعية التي يشترك فيها كل مواطن في عملية صنع القرار، وهو البند الذي جاء في الخطة الإصلاحية الهائلة التي أعلنها خادم الحرمين في مايو 2003، والتي تقول بتوسيع المشاركة الشعبية في المملكة العربية السعودية.
سويس انفو: ما دام الحديث عن الإصلاحات في المملكة ألا تعتقد أنه قد آن الأوان لإيجاد حل لوضع الإصلاحيين القابعين في السجون، لاسيما وأنهم يدعون إلى الإصلاح بصورة سلمية؟
جمال خاشقجي: أوافقك مائة في المائة. القضية أمام القضاء السعودي، والقضاء السعودي يجب أن يحسم الموضوع بأسرع وقت ممكن.
سويس انفو: ولكن ألا تعتقد أن المسألة سياسية أساساً؟
جمال الخاشقجي: لكن لا بد أن تخرج عبر القنوات القضائية طالما أنها في القضاء.
وإن كان دائماً المواطن السعودي ينظر إلى شخص سمو الأمير عبد الله كقائد العملية الإصلاحية، وفي حالة سابقة عندما حصل مأزق قضائي، عندما أصر البعض على أخذ قضية مثقف ومفكر سعودي إلى القضاء السعودي، وصدر حكم في حقه، الذي أخرج الدولة والنظام القضائي من المأزق كان شخص سمو الأمير عبد الله.
فبالتأكيد الجميع ينظر إلى مبادرة قوية من صاحب السمو ولي العهد، ولكن دائماً أيضاً، سمو الأمير عبد الله لاحظنا عليه أنه حريص على أن يجعل القرارات مؤسساتية، فعندما حل مشكلة المزيني التي أشرت إليها، هذا المفكر السعودي، حلها من خلال قرار مؤسسي، وليس عبر قرار فردي، بحيث جعل الأمر في إطاره الصحيح، في إطار وزارة الإعلام التي هي صاحبة الحق في النظر في قضايا المفكرين، وليس المحاكم الشرعية.
سويس انفو: قدمت الأزمة الاقتصادية التي مرت بها المملكة، وما رافقها من بطالة وفقر، زخماً للأصوات المعارضة للنظام. اليوم يرى البعض أن ارتفاع أسعار النفط قدم مساحة من الوقت – إن لم تكن الفرصة – للحكومة، لإعادة ترتيب البيت. كيف ستستغل الحكومة الفرصة؟
جمال خاشقجي: الجيد في المملكة العربية السعودية أنها لا تمر بحالة أزمة، الوضع بالفعل مريح جداً في المملكة العربية السعودية، الوضع الاقتصادي، الوضع الإنمائي، سوق المال السعودي يشهد “انتفاضة” إذا صح التعبير غير مسبوقة. الوضع جداً مريح في المملكة، وبالتالي الدولة لا تشعر بأن عليها ضغط، أو أن الساعة تدق بشكل مزعج، فلدينا كل الإمكانيات للتحرك للتغيير.
الأمر الجيد الآخر أنه لا توجد قوى ضاغطة، أو لا توجد حالة انقسام في المجتمع حادة يمكن أن تربك التحرك، ولا توجد أيضاً ضغوط خارجية تربك الوضع السياسي. الوضع جداً طبيعي، فبالتالي يمكن أن نمضي بمشروع إصلاحي بدون القلق من تداعيات تلم بكيان الدولة.
أنا كمواطن سعودي أشعر بالتفاؤل، وأشعر بإمكانية للمضي في الإصلاح بدون خوف على استقرار المملكة، وهو في الحقيقة مسألة لا تتمتع بها الدول. بعض الدول ما أن تبدأ في عملية تغيير حتى تخشى على النظام بالكامل، ولن أذكر أسماء هذه الدول، ولكن المملكة ليست من هذه المجموعة من الدول العربية التي تعاني من هذا الخوف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.