مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في تونس.. تقدّم بطيء وبحث عن وِفاق صعْب

منذ تقلده المنصب في 16 ديسمبر 2011، يُحاول الرئيس التونسي منصف المرزوقي لعب دور الوسيط بين مختلف الأطراف السياسية والفكرية والإجتماعية في البلاد لكن العديد من المعارضين لا يترددون في انتقاده بشكل لاذع واتهامه بالإنحياز لحركة النهضة، حليفه الأساسي في الحكم. Keystone

في تونس، حِراك سياسي واجتماعي متعدّد المُستويات، تُغذِّيه تناقُضات حادّة وتبايُنات ملحوظة بين الأحزاب المُنقسِمة بين حاكِمة ومُعارضة.

ولعل من بين الأسئلة الرئيسية التي يتردّد طرحها باستمرار: إلى أيْن تَسِير البلاد؟ وهل تتّجه رغم كل هذه الصِّراعات، نحو مَسارٍ صحيح ومفتوح أم أنها في طريق مسدود؟

لأول مرّة في تاريخ النظام السياسي العربي، باستثناء لبنان، يجرؤ عددٌ من نواب الشعب على دعوة رئيس دولة لِمحاسَبته على تصريحات أدلى بها، اعتُبِـرت مُسيئة لجُزء من النُّخب السياسية والفِكرية، والتّهديد بإقالته، إن لَـزم الأمر.

هذا ما سيحصُل قريبا مع الرئيس المؤقّت الدكتور المنصف المرزوقي، بعد أن وقَّع 77 نائبا بالمجلس الوطني التأسيسي على لائحة إعْفاء، والتي بمُوجبها سيضطَر إلى حضور جلسة تاريخية، ستتِمّ خلالها مساءلته عمّا ذكره خلال الحِوار الذي أجْرته معه قناة الجزيرة الفضائية، حين قال إذا “أخذ العِلمانيون المُتطرِّفون السلطة، فإنهم سيُواجِهون المقاصِل والمشانِق”. ومما زاد الطين بلّة، تهديد المرزوقي في تصريح مُنفصِل موجّـه لـ “التونسيين الذين يتطاوَلون على دولة قطَـر”.

جدل بين الرئيس وخصومه

جلسة المساءلة التي لم يتحدد موعدها بعد ستُعتَبر ثاني امتِحان صعْب يواجِه المرزوقي، وذلك بعد التجمّع الإحتجاجي الذي نظّمه مؤخّرا لعشرات من المثقفين التونسيين في باريس، خلال استقبالهم لرئيس بلادهم، ممّا أفسد عليه اللِّقاء الذي نظّم في مقر معهد العالم العربي في باريس بمناسبة إصداره لكتابه الجديد عن الثورة التونسية.

هذا الجدل الصّاخب بين الرئيس وخُصومه، لم يحل في المقابل، دون انطلاق حِوار وطني برِعاية المرزوقي نفسه، جمع أهَم الأحزاب السياسية الممثلة في المجلس التأسيسي (وغير الممثلة)، وذلك في محاولة لتجْسير الفَجْوة بين الترويكا الحاكمة والمعارضة.

القضايا الخلافية

هذا الحوار الذي لا تزال تُقاطعه الجبهة الشعبية، التي تتشكّل من أبرز تيارات اليَسار الراديكالي، يهدِف إلى تحقيقِ توافُق حوْل أجندة ما تبقّى من المرحلة الانتقالية، خاصة فيما يتعلّق بتحديد تاريخ نهائي للانتِخابات القادِمة، على أن لا يتجاوَز ذلك موفى يوم 29 ديسمبر من السنة الجارية، إلى جانب التوافُق أيضا على القانون الانتِخابي الجديد، الذي سيُشكِّل إحدى القضايا الخِلافية الكبرى خلال المرحلة القادمة.

غير أن هذا الحوار، الذي يُمثِّـل أملا في إمكانية تصحيح ما تبقّى من المسار، لا تزال تُواجهه صعوبة هامّة، وتتعلق بضرورة تشريك الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تشعُر قيادته بأنه قد تمّ تهميشها وسحْب البِساط من تحتِها، باعتبار أنها كانت صاحبة المبادرة في إطلاق الحِوار الوطني الأول، والذي أفْشَلته حركة النهضة وحزب المؤتمر بمقاطعتهما له، بحجّة مشاركة حزب نداء تونس، الذي يتَّهمانه بكونه يجمع “أزلام النظام السابق”.

غير أنه من المُفارقات أن يشترك الحزبان في المبادرة الجديدة إلى جانب الباجي قايد السبسي، في مقابل إقصاء اتحاد الشغل، في حين يعلم الجميع بأن مشاركة الاتحاد تُعتَبر من الشروط الأساسية، لضمان نجاح حِوار جادّ وقابِل للصّمود أمام الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

انتقدت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس يوم الخميس 18 أبريل 2013، ما أسمته “حملة إعلامية مُمنهجة” في تونس ضدّ دولة قطَر “ورموزها”. وقالت في بيان وقّعه راشد الغنوشي، رئيس الحركة “تتعرّض الشقيقة قطَر ورموزها إلى حملة إعلامية مُمنهجة، انخرطت فيها أطراف سياسية وجِهات إعلامية تجاوَزت كل أخلاقيات النقد لبلد شقيق، لم يتردّد في مساعدة تونس ثورةً وشعبا قبْل الثورة وبعدها”.

ورأت الحركة أن “هذه الحملة تُسيء إلى قطَر، مثلما تُسيء إلى تونس، وتستهدِف قَطْع الثورة التونسية عن أحد أكبر مُؤيِّديها وداعميها، بما يُعتبر إحياء لخطّة “تجفيف المنابع (الدِّينية) سيِّئة الذِّكر”، التي طبّقها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، مذكّرة “بالدّور الحاسم الذي لعِبته قناة الجزيرة (القطرية) في نجاح الثورة وخلاص التونسيين من الدِّكتاتور المخلوع”.

وتابعت تؤكّد (الحركة) أن العلاقة بين البلدين الشقيقين أكبر من أن تتأثر بمثل هذه الحملات وأن الثورة التونسية ماضية نحْو تحقيق أهدافها بمساندة دائمة من كل أصدقائها”.

ودعت (النهضة) إلى “الترفّع عن التّجاذُبات السياسية وعدم جعلها سببا في الإضرار بالمصالح الوطنية”. كما دعت “بعض وسائل الإعلام إلى الموضوعية وعدم نقْل الأخبار الزائفة والمُسيئة وترويجها، بما يتعارَض مع أخلاقيات المِهنة”.

ويوم الثلاثاء 16 أبريل، قدم نواب بالمجلس الوطني التأسيسي إلى ادارة المجلس لائحة طالبوا فيها بسحب الثِّقة من الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، على خلفية تصريحات حذّر فيها التونسيين من “التّطاول” على دولة قطر. وينتظر أن يتِم في وقت لاحق تحديد تاريخ جلسة عامّة لمساءلة الرئيس التونسي.

وفي 11 أبريل الحالي، قال المرزوقي إن التونسيين “الذين يتطاوَلون على دولة قطَر الشقيقة بالسبّ والشتم (..) يجب أن يتحمّلوا مسؤوليتهم أمام ضمائرهم، قبل أن يتحمّلوها أمام القانون”.

وأدلى المرزوقي بهذا التصريح عندما تسلّم في اليوم نفسه من القطري علي بن فطيس المري، المحامي الخاص لدى الأمم المتحدة المكلّف باستِرداد الأموال المنهوبة من دول الربيع العربي، شِيكا بقيمة 28,8 مليون دولار، هو رصيد ليلى الطرابلسي (زوجة بن علي) في بنوك لبنانية.

وفي اليوم الموالي، تحدّى عشرات الآلاف من نشطاء فيسبوك في تونس رئيس بلادهم وأطلقوا “حملة التّطاول على قطَر”، التي كالوا فيها السباب والشتائم للرئيس التونسي ولأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

وبعد الإطاحة بنظام بن علي مطلع 2011 شهِدت العلاقات بين تونس وقطر تقاُربا لافِتا تدعم بعد وصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم.

وتتّهم أحزاب معارضة تونسية دولة قطَر بالتدخّل في شؤون تونس وبدعم حركة النهضة إعلاميا عبر قناة الجزيرة، فيما تنفي الحكومة التونسية ذلك باستمرار. واتّهمت وسائل إعلام محلية مؤخّرا قطَر بتجنيد “جِهاديين” تونسيين وإرسالهم إلى سوريا لقتال القوات النظامية هناك.

وكانت تونس أغلقت سنة 2006 سفارتها في الدوحة، احتجاجا على بثّ قناة الجزيرة القطرية مقابلة مع المُنصف المرزوقي، دعا فيها التونسيين إلى “العِصيان المدني” ضدّ نظام بن علي.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 18 أبريل 2013)

تبايُـن المواقف

بشكلٍ موازٍ ومُتداخل مع ما سبَق، عاد الخِلاف من جديد بين حركة النهضة وقيادة اتحاد الشغل، وذلك بسبب تبايُن المواقِف داخل اللّجنة المُشتركة، التي كُلِّـفت بالتحقيق في أحداث 4 ديسمبر 2012، والتي شهِدت عُنفا شديدا أمام مقرّ الإتحاد وسط العاصمة وداخله، وتمّ توجيه أصابِع الاتِّهام إلى أنصار رابطات حماية الثورة، القريبة من حركة النهضة.

لقد تبايَنت وِجهات النظر بين أعضاء اللجنة، مما أدّى إلى إصدار تقريريْن منفصليْن، واحد صادر عن الاتحاد، اتَّهم صراحة الرّابطات بتعنيف النقابِيين واقتحام المقَر المركزي للاتحاد، وذلك استنادا إلى وثيقة مُسلَّـمة من وزارة الداخلية، في حين اعتُبِـر التقرير الثاني القريب من الحكومة، أن العُنف قد صدَر من الطرفيْن. وبذلك، عادت أزمة الثِّقة بين حركة النهضة والقيادة النقابية، التي هدَّدت باحتمال اللّجوء مرّة أخرى إلى الإضراب العام، بعد أن تراجَعت عنه على إثر اتِّفاق الطرفيْن على تشكيل لجنة التحقيق.

وفي الوقت الحاضر، تجري مساعٍ من أجْل تنظيم لقاء، يجمَع الشيخ راشد الغنوشي وحسين العباسي، الأمين العام للاتحاد، في محاولة لاحتِواء التصعيد وتطويق تداعِيات الأزمة.

معضلة سياسية

في هذا السياق، لا مفر من القول بأن رابطات حماية الثورة تحولت بمرور الوقت إلى مُعضِلة سياسية، بعد أن أصبحت مصدَر خِلاف وتوتّر بين مُعظم القِوى السياسية وهيئات المجتمع المدني من جهة، وبين حركة النهضة وحزب المؤتمر وحركة وفاء، المُنشقّة عن هذا الأخير، من جهة أخرى.

فهذه الرابطات مُتَّهمة بارتِكاب العُنف في مناسبات عديدة، وكان أخطرها، ما حصل بمدينة تَطَاوِين، حين أدّى الإعتداء بالضّرب إلى موْت ممثِّل حزب نداء تونس بالجهة. كما قامت أيضا بتعطيل عديد الإجتماعات لأحزاب المعارضة، مُستعمِلة في ذلك أساليب عنيفة، بما في ذلك اقتِحام المقرّات وقاعات الفنادق، مثلما حصل في مدينة جربة، حيث هاجمت الخيول المُجتمِعين.

“ضمير الثورة” و”الثورة المضادة”

وبالرغم من أن هذه الرابطات متّهمة بكونها أحد الأذرُع التي تستعمِلها حركة النهضة لمواجهة خُصومها، خاصة بعد أن وصفها الغنوشي بكونها “ضمير الثورة”، إلا أن أحد فروعها في ضاحية الكرم القريبة من العاصمة، قد قرّر في الأيام الأخيرة مُحاصرة المقَر المركزي لحركة النهضة، بهدف منْع اجتماعاتها أو فتح مقرّات جديدة، وذلك بحجّة أنها “خانت الثورة”، عندما قبِلت الجلوس مع حزبيْن مُتهميْن بارتباطِهما بحزب التجمّع المُنحل، وهما حزب “نداء تونس” الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي وحزب “المبادرة”، الذي يقوده وزير الخارجية السابق في عهد بن علي كمال مرجان، وهو ما يؤكد أن هذه الرّابطات قد تُصبح في المرحلة القريبة القادِمة “قوة” مُنفلتة وخارج دائرة السيْطرة، خاصة مع انطِلاق الحملة الإنتخابية، التي يُفترض أن يُشارك فيها الجميع، ويخشى البعض أن تشهَد صِراعات ومُواجهات بين أتْباع هذه الرابطات وبين من يتّهِمونهم بقِوى “الثورة المضادة”.

مسار سياسي متعرّج

في هذا السياق، تكتسِب تصريحات سمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أهمية خاصة. فهذا الوزير المُنتمي إلى حركة النهضة، لا يزال يشكِّل حالة استِثنائية داخل المشْهَد الحكومي، نظرا للمسافة التي تفصِله عن حزبه. فقد صرّح أكثر من مرّة بأنه ليس مع رابطات حِماية الثورة، وانتَقد المُسوَدّة الأولى من الدستور، وها هو يؤكِّد على أنه “حتى الشرعية المُنبثِقة عن الانتخابات، هي شرعية نِسبية ويجب أن تُدعَم بالشرعية التوافُقية”، منتقدا “التفرد بكتابة الدستور” واعتبر ذلك “تعَسُّفا في استِعمال الحق”.

وبما أنه لا يزال ينتظِر التصويت على مشروع القانون الخاص بالعدالة الانتِقالية، المطروح حاليا على المجلس التأسيسي، فقد دعا إلى منحه الأوْلوية، خِلافا لكُتلة النهضة التي تريد أن يتِم أولا تمرير قانون تحصين الثورة. وهذا يعكس التبايُن في وِجهات النظر داخل الحركة، بين وزير يريد أن يبقى وَفِيا لمبادِئ حقوق الإنسان، التي يَعتقِد بأنه يجب مُراعاتها لحماية المسار السياسي من الإنحِراف، وبين مَن يرى من داخل النهضة أن المرحلة الحالية تستوجِب تضْييق الخِناق على الخصوم السياسيين، خاصة في ضوء نتائج استطلاعات الرأي، التي تتقاطَع حول صُعود نجم الباجي قايد السبسي وحزبه.

المسار السياسي في تونس مُتعرِّج، يتقدّم قليلا، ثم يتراجًع أو يتوقّف، ليَستأنِف بعد ذلك سَيْره البَطيء. وتُفيد المؤشِّرات، أنه مع نهاية هذا العام، ستصبح الرُّؤية أكثر وضوحا، شريطة أن لا تحدُث مفاجآت غيْر سارّة على الصعيد الأمني. أما بالنسبة للإنتخابات، فإن أصواتا عديدة بدأت تؤكِّد أن التونسيين قد لا يذهبون إلى صناديق الإقتراع، إلا في بدايات سنة 2014. أما المؤكّد فهو أن التوصّل إلى وِفاق في تونس قد يكون صعبا هذه الأيام، لكنه ليس مستحيلا.           

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية