في تونس.. حديث مبكر عن مستقبل النظام السياسي
تستعدّ السلطة في تونس لتنظيم انتخابات بلدية في التاسع من شهر مايو القادم، سيكون للحزب الحاكم نصيب الأسد فيها، مثلما حصل مع مختلف الانتخابات السابقة، كان آخرها الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، التي جرت في شهر أكتوبر 2009.
وقد تعدّدت مواقِـف الأطراف السياسية منها بين متردِّد ومهدّد بالمقاطعة أو عازم على المشاركة، دون أن يعرف حجْـم ما سيحصل عليه من مقاعد متناثرة، لكن المؤكّـد أنه لن يتمكّـن أي حزب خارج السلطة من الحصول على أي بلدية، مهْـما كان حجمه أو أداؤه أو صِـلته الجيِّـدة بالنظام.
دعوة لحوار حول مستقبل النظام
في هذه الأجواء التي تطغى عليها المشاورات السياسية والحسابات المُـختلفة وعدم الاطمِـئنان الكُـلِّـي لأسلوب إدارة الانتخابات، توجّـهت حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) بنداء فاجأ الأوساط الحزبية والسياسية. فقد دعت مُـختلف الأطراف – بما في ذلك السلطة – إلى المشاركة في حِـوار حوْل مُـستقبل النظام السياسي في تونس ما بعد 2014 بهدف “التوصل إلى حلّ مؤسساتي لمسألة التّـداول على السلطة”.
يتّـخذ هذا النداء أهمية خاصة، ليس فقط بالنظر لطابعه المُـستقبلي، ولكن أيضا للحساسية الشديدة التي تُـحيط بهذه المسألة التي لم تحظَ بنِـقاش عَـلني وواسع في البلاد. فالمعلوم أن الرئيس بن علي يُـدير شؤون البلاد منذ تولّـيه مقاليد الحُـكم في صبيحة السابع من نوفمبر 1987، بعد أن أصبح الرئيس بورقيبة عاجِـزا عن القيام بمهامه. وقد تمّ تجديد انتخابه خلال خمس دورات مُـتتالية، وذلك على إثر عدد من التّـعديلات الدستورية، كان آخِـرها التنقيح الدّستوري عدد 51 (1 يونيو 2002) الموسّـع، الذي تمّ إقراره عن طريق الاستفتاء. وفي هذا السياق، يتنزّل نداء حركة التجديد.
جاء في بيانها أنه “في ظلّ الأحكام الدستورية القائمة التي لا تسمح للرئيس زين العابدين بن علي بالترشح لفترة رئاسية أخرى، كما لا تضمن عمليا تعدّد الترشح، إضافة إلى غِـياب بوادر أي استعداد لإصلاح النظام السياسي والمنظومة الانتخابية، بما يفسح المجال لمنافسة حقيقية بين المترشحين في انتخابات تحظى بالقدْر الكافي من المِـصداقية”، وهي بذلك تُـشير إلى أن التّـحوير الدستوري الأخير قد وضع حدّا أقصى لسِـنِّ المترشح، وهو 75 عاما.
وبما أن الرئيس بن علي الذي لم يُـعلن بعدُ عن نيَّـته في تجديد الترشّـح للرئاسيات المُـقبلة، سيكون مع حلول موعِـد الاستحقاق القادِم في سنة 2014 قد تخطّـى ذلك السّـقف، رأت الحركة في ذلك فرصة لإطلاق حِـوار سياسي حول هذه المسألة.
بهذه الدّعوة، تعتقد حركة التجديد بأنها تضَـع السلطة والتجمّـع الدستوري الحاكِـم أمام أحد الخياريْـن، إما الكشف عن وُجود نيّـة للمطالبة بإجراء تعديل دستوري جديد، يُـلغي شرط السِـن، وبالتالي، يفتح المجال أمام تجديد العُـهدة للرئيس بن علي لدورة أخرى أو لدورتيْـن، كما حصل في مصر. وإذا ما تمّ الإعلان عن هذا السيناريو، فإن جُـزءً من أحزاب المُـعارضة، بما في ذلك حركة التجديد، ستنطلِـق في حملة مضادّة لِـما تصفه في بعض بياناتها بـ “فتح المجال أمام الرئاسة مدى الحياة”.
صمت السلطة
أما إذا حافظت السلطة على صمْـتها تُـجاه هذه المسألة، ممّـا قد يفهم منه وجود توجّـه رسمي نحو احتِـرام الحيْـثِـيات الحالية للدستور، فإن ذلك يستوجِـب من وِجْـهة نظر حركة التجديد وغيرها من الأحزاب، فتح حِـوار عَـلني حول الشروط السياسية التي ستدور فيها الإنتخابات الرئاسية القادمة، لأنه في ظلِّ الدستور الحالي، فإنه يتوجب على المترشح أن يلقى الدّعم من قِـبل “عدد من أعضاء مجلس النواب ورؤساء البلديات”.
وقد نصّـت المجلة الانتخابية التونسية (على إثر إعلان السيد الشاذلي زويتن عن نيته الترشح ضد الرئيس الحبيب بورقيبة في انتخابات 1974)، على ضرورة توفّـر ثلاثين نائبا أو ثلاثين رئيس بلدية لقَـبول ترشّـح أي شخص لمنصِـب رئاسة الجمهورية. وبما أن ذلك لن يكون وارِدا في ظلِّ ميزان القِـوى السائد لأي مرشح من خارج النظام والحزب الحاكم، ممّـا يعني حصول استحالة عملية لتحقيق تداوُلٍ ديمقراطي على السلطة.
وحتى إعداد هذا المقال، لم يسجّـل أيّ ردِّ فِـعل علني على هذه الدّعوة. فالسلطة تجاهَـلت الأمر ولم تتطرّق له أي صحيفة قريبة من الحُـكم، وهو ما جعل السيد أحمد إبراهيم يرى في ذلك “مؤشرَ انغِـلاق” ويُـصرِّح بأن “وسائل الإعلام الوطنية قد ارتَـأت كالعادة تجاهُـل مبادَرتنا والتكتّـم عليها، بحيث لم نجد صدىً لنِـدائنا، لا في وكالة الأنباء الرسمية ولا في الصحف، ناهيك عن الإذاعة والتلفزة”، لكن في المقابل، لم تعمل الأجهزة المعنية على مُـصادرة العدد الأخير من أسبوعية “الطريق الجديد” (لسان حال الحركة)، التي أبرَزت نصّ النداء بصفحتها الأولى تحت عنوان “حركة التجديد تدعو إلى حِـوار وطني حول مستقبل تونس”.
لقد فضَّـلت السلطة التّـعامل بذَكاء، بالرّغم من الإشارة الجريئة التي تضمّـنها النداء، حيث ورد بأنه “نتج عن هذا الوضع تكاثُـر التساؤلات حول مستقبل بلادنا ورواج الإشاعات، خصوصا منها المتعلِّـقة بدور بعض مراكِـز القِـوى من خارج المؤسسات الجمهورية وانتشار أجواءَ الانتظارية والحيْـرة”.
الأحزاب السياسية.. تفاجأت!
أما بقية الأحزاب السياسية، بما فيها التي تربِـطها علاقات جيِّـدة بأصحاب المبادرة، لم تخْـف كونها قد فوجئت بهذا النِّـداء. فالأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي، اكتفت بالردّ على سؤال swissinfo.ch حول موقِـفها من ذلك بالقول، بأن حزبها “لم يتّـصل بأي شيء رسمي، وعندما يحصل ذلك، فإن لكل حادِث حديث”. كذلك الشأن بالنسبة لحزب التكتُّـل من أجْـل العمل والحريات، الذي يشترك حاليا مع حركة التجديد وأطراف أخرى، من بينها تيار “الإصلاح والتنمية” المستقل، في حوار قد يفضي إلى تشكيل قائمات موحّـدة في الانتخابات البلدية القادمة. هذه الأطراف لم يتِـم إشراكها في صياغة هذا النداء أو حتى إعلامها بمُـحتواه قبْـل صدوره.
في مقابل ذلك، تحدث الدكتور خليل الزاوية، عضو المكتب السياسي لحزب التكتل، عن نصّ مشترك، لا يزال بصدد الإعداد الجماعي من قِـبل مختلف هذه الأطراف، وقد يتضمّـن حديثا عن مستقبل النظام السياسي في تونس خلال المرحلة القادمة.
بقطع النظر عن مختلف رُدود الفعل الصّـامتة والتعليقات التي تردّدت في الكواليس والجلسات المُـغلقة، فالمؤكّـد أن هذا الموضوع أصبح مطروحا أكثر من أي وقت مضى، وهو مرشح حسَـب توقعات البعض، بأن يفرض نفسه بقوّة كلّـما تمّ الاقتراب من موعِـد الاستحقاق الرئاسي القادم. وقد سبق للدكتور مصطفى بن جعفر، رئيس حزب التكتل أن أكّـد في حِـوار سابق مع swissinfo.ch بأنه لا يعتقِـد بأن الدّورة الرئاسية الحالية ستكون الأخيرة بالنسبة للرئيس بن علي. ويُـشاطِـره في ذلك التوقع، الكثير من السياسيين بمُـختلف اتجاهاتهم.
وإذا كان البعض من المُـعارضين قد رفعوا منذ أكثر من سنة شِـعارا ردَّدوه في تجمّـعاتهم السياسية “لا رئاسة مدى الحياة”، فإن أنْـصار الحِـزب الحاكم، قد يفسِّـرون الأمر بشكل مُـختلف في صورة التوجّـه نحو التمسّـك ببقاء الرئيس بن علي، وقد يروْن في ذلك “وفاءً للرجل وثِـقة في قُـدرته على إكمال إدارة شؤون البلاد”، خاصة إذا ما استمَـر في تمتّـعه بصحة جيدة، ومواصلة مُـتابعته لمُـختلف الملفات والإمساك بأهَـم الخيوط وتمتّـعه بولاء جميع المؤسسات ومراكز القوى.
حيثيات الإشكال السياسي
أما بالنسبة للأوساط الدبلوماسية، فهي من جِـهتها تُـتابع هذه الأيام باهتِـمام شديد أي حديث حول هذا الموضوع، وبعض الدبلوماسيين أصبحوا لا يتردَّدون في توجيه الأسئِـلة للعديد من الشخصيات السياسية حول رُؤيتهم للكيْـفية التي سيتِـم بها انتقال السلطة، بل والتساؤل أحيانا عن الأشخاص المرشّـحين أكثر من غيرهم الذين قد تُـؤهِّـلهم الظروف للَعِـب دورٍ ما في هذه المرحلة.
هذه هي الأجواء التي تحف بدعوة حركة التجديد، وبقطع النّـظر عن مصير هذا النداء، وسواء لقِـي مَـن يتفاعل مع أصحابه أم لا، فالمؤكّـد أن المعارضة بمُـختلف أطيافها، لن يكون لها دور في عملية التّـداول على السلطة، لأن التّـداول سيتِـمّ من داخل دوائر النظام وليس من خارجها. أما الإجابة الحاسِـمة عن حيْـثيات هذا الإشكال السياسي، فيملِـكها رجُـل قوي واحِـد لم يكشِـف بعدُ عن موقفه، وهو الرئيس بن علي.
صلاح الدين الجورشي – تونس – swissinfo.ch
قرطاج (تونس) (رويترز) – اتهم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي يوم السبت 20 مارس الماضي، معارضين شكّـكوا في جدوى إجراء الانتخابات البلدية في مايو المقبل – بحجّـة أنها ستكون غير نزيهة – بأنهم يخشَـون المُـنافسة “لقلّـة ثقتهم” ببرامجهم.
ويبدو أن تصريحات بن علي جاءت ردّا مُـباشرا على تهديد الحزب الديمقراطي التقدّمي، أحد أبرز تشكيلات المعارضة بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، في حال “استمر الانغِـلاق السياسي في البلاد”.
وقال بن علي في خطاب ألقاه بمناسبة عيدَيْ الشباب والاستقلال يوم السبت “إننا نؤكِّـد الأهمية التي نُـوليها لهذه المحطّـة السياسية (الانتخابات البلدية)، باعتبارها ترسيخا متجدّدا للديمقراطية المحلية وفُـرصة لتكريس المواطَـنة والتنافس النّـزيه بين مختلف قوائم المترشحين”. وأضاف “أما أولئك الذين بادروا بإلقاء الاتِّـهامات المجانية للعملية الانتخابية حتى قبل أن تبدأ وشرعوا في الحديث من الآن عن تزوير خَـيالي يتحصّـنون وراءه، فنقول لهم إن صناديق الاقتراع هي الفيصل بين القائمات المترشحة بمختلف ألوانها وانتماءاتها في عهد آل على نفسه أن يكرس كل التراتيب القانونية والممارسات الأخلاقية التي تكسب العملية الانتخابية نزاهتها ومصداقيتها”.
ومضى يقول “لكن أولئك الذين احترفوا التشكيك وإلقاء الاتهامات الجزاف في مثل هذه المناسبات، هم الذين يخافون دائما المواجهة الشريفة والشجاعة للمُـنافسات الانتخابية لقلّـة الثقة بأنفسهم وببرامجهم وعزوف الشعب عنهم”.
وكانت مية الجريبي، الامينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي قالت في وقت سابق هذا الشهر، إن حزبها يطالب الحكومة بأن تفسح الحدّ الأدنى أمام المواطن حتى يطّـلع على برامج المعارضة، دون خوف، وأن توفر مناخا ينبذ الخوف وأن يتم تحرير الإعلام من القُـيود لينقل الاختلاف وأن توقف غلق المقرّات العمومية أمام اجتماعات الأحزاب المعارضة.
وقالت إنه في حال عدم توفّـر هذه الشروط، فإن حزبها سيُـعلن المقاطعة ولن يُـشارك في انتخابات يكون فيها “ديكورا”.
وتجري الانتخابات البلدية المقبلة في التاسع من مايو المقبل. وسيفتح باب الترشح لعضوية 264 مجلسا بلديا ويُـسيطر أنصار حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم على أغلب مقاعد المجالس البلدية.
ويمنح الدستور التونسي 25% من مقاعد المجالس البلدية للمعارضة، لكن الحزب الديمقراطي التقدمي شكّـك أصلا في جدوى إجراء الانتخابات، لأنها حسب رأيه، مسؤوليه لا تكرّس إلا هيْـمنة حزب واحد على المشهد السياسي في البلاد.
وكان الرئيس بن علي فاز في انتخابات رئاسية أجرِيت نهاية العام بنسبة 89.62% في انتخابات وصفتها المعارضة الراديكالية بأنها “غير نزيهة”.
وتعهّـد الرئيس التونسي “بترسيخ حرية الرأي والتعبير والارتقاء بقطاع الإعلام بمُـختلف أصنافه، المكتوبة والمسموعة والمرئية، سوءا بدعم المِـهن الصحفية وتحسين أوضاع الصحفيين أو بتيسير عملهم ومساعدتهم على أداء مهامِّـهم في أفضل الظروف الممكنة”.
وتواجه تونس انتقادات من منظمات تعنى بحرية التعبير بتكميم حرية الصحافة وملاحقة الصحفيين المستقلين. لكن بن علي قال إن تونس ليس بها محظورات ولا ممنوعات فيما يتناوله الإعلام من قضايا وما يطرحه من ملفّـات “فإننا ندعو بالمناسبة إلى احترام قيّـمنا وخُـصوصياتنا وعدم الإساءة إلى قواسمنا الأخلاقية والاجتماعية المشتركة والامتناع عن تجريح الأشخاص والقدح في أعراضهم”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 مارس 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.