The Swiss voice in the world since 1935

في سويسرا … الفجوة السياسية بين الجنسين تزداد اتساعًا  

نساء ورجال
في جميع أنحاء العالم، تتسع الفجوة في الميول السياسية بين النساء والرجال. Keystone / Peter Klaunzer

تتباين الميول السياسية بين النساء والرجال في سويسرا، ويعود ذلك إلى اختلاف الأولويات والاهتمامات، فتميل النساء إلى إبداء حساسية أكبر تجاه القضايا الاجتماعية والبيئية. وتتجاوز هذه الظاهرة حدود سويسرا.  

يتسع الاختلاف في الآراء السياسية بين الرجال والنساء، ويمكن ملاحظة هذا الاتجاه في مختلف أنحاء العالم بدرجات متفاوتة، إلا أنه يظهر بشكل أوضح بين صفوف الشباب.  

وقد سلطت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة الضوء على الانقسام بين الناخبين والناخبات من فئة الشباب. ووفقًا لما ذكرته صحيفة الغارديانرابط خارجي البريطانية، فقد صوتت 58% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و29 عامًا لصالح كامالا هاريس، بينما حصل دونالد ترامب على تأييد 56% من الرجال في نفس الفئة العمرية.    

وتشير صحيفة فاينانشيال تايمزرابط خارجي البريطانية إلى اتّضاح الانقسامات بين الجنسين أكثر خارج الدول الغربية، وذلك بعد دراسة بيانات من عدة دول. ونقلًا عن الصحيفة، فقد زادت الفجوة بين الذكور والإناث من فئة الشباب في كوريا الجنوبية، وكذلك في الصين، وفي أفريقيا، حيث تُظهر تونس نفس الاتجاه. وتؤكد الصحيفة ما وصفته بـ “الفجوة العالمية بين الجنسين”، التي تؤثر في  جميع القارات.   

اختلاف في أساليب التصويت   

وتواجه سويسرا هذه الظاهرة أيضًا، حيث يظهر تزايد في الفجوة بين الجنسين في الاقتراعات الوطنية. وقد اتّضح ذلك خلال الاستفتاء الفدرالي الذي جرى في نوفمبر الماضي، إذ رفضت النساء القضايا الأربع المطروحة للتصويت، بينما وافق الرجال عليها.   

وصوتت النساء، بشكل خاص، ضد خطة الحكومة لتوسيع الطرق السريعة، التي لم تنجح في كسب الأغلبية في النهاية. وتعتبر الفجوة بين الجنسين، التي كشفت عنها مؤسسة البحوث الاجتماعية في برن (gfs.bern) بعد تحليلها للبيانات عقب التصويت، إحدى أكبر الفجوات بين الجنسين على الإطلاق؛ فقد وافق 57% من الرجال على المشروع، بينما لم تؤيده سوى 38% من النساء.   

كما ظهرت أكبر فجوة بين الجنسين على الإطلاق، بفارق 27 نقطة مئوية، عام 2022 أثناء التصويت على إصلاح تأمين الشيخوخة، كما يوضّحه الرسم البياني أدناه. فقد أيد قرابة ثلثي الرجال التعديل المتمثل في رفع سن التقاعد للنساء، بينما عارضته ثلثا النساء. وفي هذه الحالة، تغلّب رأي الناخبين الذكور، واعتُمد الإصلاح المقترح.  

محتويات خارجية

ومع ذلك، تشدد الباحثة السياسية، مارتينا موسون، على أن” الاقتراعات التي يلاحظ فيها انقسام كبير بين الرجال والنساء، تمثل الاستثناء وليس القاعدة“.     

في الواقع، ظهرت فجوة كبيرة بين الجنسين (بفارق 10 نقاط مئوية على الأقل) في أقل من 70 اقتراعاً فدرالياً من أصل أكثر من 410 قضايا عُرضت على الشعب منذ بدء تحليلات قرارات التصويت التي تجريها مؤسسة VOXرابط خارجي. وفي 30 حالة فقط، صوّت الرجال والنساء بشكل مختلف.

وفي ثلاث حالات أخرى، أسفرت نتيجة التصويت عن الرفض في النهاية بسبب عدم تأييد أغلب الكانتونات المقترح المقدم، مما يعني عدم تأثير تنوع الجنس على النتيجة. كما لا تتيح لنا البيانات المتوفرة التمييز بين أصوات مواطني سويسرا ومواطناتها، المقيمين فيها والمقيمات والمغتربين عنها والمغتربات.   

ورغم ذلك، اتسعت هذه الفجوة بشكل متكرر وأصبحت أعمق منذ عام 2020، فقد حدثت ستّة من عشر اقتراعات فدرالية سجَّلت أعمق الفجوات، في السنوات الأربع الماضية.  

وتختلف هذه المسألة، حسب مارتينا موسون، وفقا للقضايا المعروضة للتصويت. فتقول: “ندرك أن الناخبات يتخذن قرارات مختلفة في بعض المسائل التي أصبحت بارزة في السنوات الأخيرة، وخاصة في ما يتعلق بالقضايا البيئية”.   

وتشير الباحثة السياسية إلى ميل النساء، من حيث المبدأ، إلى دعم حماية البيئة عند الاقتراع. ومع ذلك، يصوتن أيضًا لصالح تعزيز الإعانات للشيخوخة، ودعم الأقليات أو الفئات الضعيفة، بالإضافة إلى الرعاية الصحية الوقائية والخدمات العامة، وغالبًا ما يعارضن تعزيز القوة العسكرية. وتشير أيضا إلى دفاع النساء عن مصالحهن، عندما تتعرض للخطر بشكل مباشر، كما حدث في التصويت على الترفيع في سن التقاعد.   

وتقدم مارتينا موسون تفسيرًا إضافيا، حيث تشير إلى أنّ “وعيا سياسيًّا جديدًا قد نشأ بين النساء”. وتعتقد أن إضراب النساء في عام 2019 ساعدهن على الشعور بقوتهن السياسية، وفهم أنهن متحدات في قضايا معينة. كما تضيف: “أصبحت النساء الآن أكثر انفتاحًا على التفكير بطرق تختلف عن الرجال”.  

النساء يصوتن أكثر لصالح أحزاب اليسار  

ولا تقتصر الفجوة بين الجنسين على عملية التصويت فقط، بل تظهر أيضًا في أنماط السلوك الانتخابي، إذ تُفضل النساء التصويت لليسار السياسي أكثر من الرجال.  

فبينما يفضّل الرجال في الانتخابات الفدرالية الأحزاب البرجوازية، تختار النساء في كثير من الأحيان الأحزاب اليسارية المناصرة للبيئة. وقد كان هذا هو الحال بالفعل في تسعينات القرن الماضي، كما يوضّحه الرسم البياني أدناه استنادًا إلى الدراسات الانتخابية المختارة (التي أجرتها جامعة لوزان منذ عام 1995).  

محتويات خارجية

ورغم ذلك، اختلف الاتجاه العام تمامًا عندما سُمح للنساء بالتصويت في البداية، إذ كنّ أكثر انحيازًا لأحزاب اليمين مقارنةً بالرجال. وقد قيل إن تصويتهن كان يشبه تصويت الكهنة. وتوضح أنكي تريش، عالمة السياسة ورئيسة فريق بحوث الانتخابات السويسرية (Selects)،رابط خارجي أن هذا الاتجاه بدأ يتغير منذ عام 1987 فصاعدًا، واتّضح أكثر مع كل انتخابات جديدة.  

كما توضح أن التغيير الذي حدث في التسعينيات قد نتج عن انتشار العلمنة. وتضيف أن النساء في السبعينيات كن أكثر ارتباطًا بالدين، وأكثر مشاركة في الحياة الكنسية. وتعتبر أن تغير وضع المرأة يعد من العوامل المهمة أيضًا. كما تشير العالمة السياسية إلى أن “النساء اليوم أكثر مشاركة في سوق العمل، ويمتلكن مستوى تعليميا أعلى من الرجال في المتوسط”.  

وتعتقد أن قضايا مثل حقوق المرأة وحقوق الأقليات، تميل لجذب اهتمام النساء نحو الأحزاب اليسارية. وتؤكد: “إنهن حسّاسات جدا تجاه هذه المواضيع”.  

ويمكن أن تتسع الفجوة بين الجنسين أكثر في السنوات القادمة، خصوصًا بين الذكور والإناث من الشباب. فبينما كان الحزب الاشتراكي الأكثر جذبًا للنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و24 عامًا في الانتخابات الفدرالية الأخيرة، اتّضح ميل الرجال في نفس الفئة العمرية نحو حزب الشعب (UDC / يمين محافظ)، بحسب دراسة Selects. وأشارت أنكي تريش إلى أن “الفروق تبرز أكثر بين جيل الشباب”.   

القطيعة ليست كاملة  

ورغم ذلك، لا تثير الفجوة السياسية بين الرجال والنساء قلق المختصين والمختصات. إذ توضّح أنكي تريش قائلة: “لا تزال اختلافات ملحوظة بين بعض الفئات السكانية. فقد تسبّب الدين سابقا في نشوب صراعات كبرى، بينما أصبحت الفروقات بين الجنسين اليوم، تحظى بأكثر أهميّة قليلا”.  

وتشير الدراسات، وفقًا للباحثة، إلى ازدياد التفكير لدى الشابات في مواقفهن السياسية عند اختيار الشريك. وتضيف: “إذا أصبحت هذه الظاهرة شائعة، فقد تؤثر في المجتمع”.  

 كما تبدو مارتينا موسون متفائلة أيضًا، فتقول: “لا أعتقد توقّف النساء والرجال عن التوافق في السياسة، وبالتالي في الحياة اليومية”.  

ظاهرة عابرة أم مشكلة تمثيل  

وتثير هذه الفجوة بين النساء والرجال القلق لدى الأحزاب السياسية في اليسار أكثر من اليمين. وتقول يوهانا غاباني، العضوة في مجلس الشيوخ عن الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين): “لا أعتقد أن هناك انقسامًا دائمًا“. وتعتقد ارتباط الاختلافات بشكل اساسي بقضايا محددة.  

ووفقًا للنائبة عن حزب الخضر، دلفين كلوبفنشتاين، يعكس الانقسام بين الجنسين الذي لوحظ في الأصوات، من بين أمور أخرى، ضعف تمثيل المرأة في المجالس الفدرالية. وتعتقد أن”آراءهن لا تؤخذ في الاعتبار بشكل كافٍ في عملية صنع القرار البرلماني، إذ يعبرن عنها من خلال التصويت”. 

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

*تم إجراء تعديل في النص حول الفجوة بين الجنسين في الاقتراعات الفدرالية في يوم 27 مارس 2025.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية