في غزة..” اختبار قوة” بين إسرائيل وحماس “يستبدل السياسة بالقنابل”
قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية قطاع غزة لليوم الثالث على التوالي فيما يواصل الجيش الإسرائيلي الإستعدادات لاحتمال غزو القطاع بعد مقتل أكثر من 300 فلسطيني وجرح مئات آخرين في الغارات الجوية. وفي سويسرا، تركز اهتمام المعلقين في الصحف الصادرة يوم الإثنين على احتمالات تطور الموقف ومخاطر تفجر المنطقة.
ومثلما كان متوقعا، غطت أحداث غزّة وصورها الصفحات الأولى في وسائل الإعلام السويسرية الصادرة يوم الاثنين، التي تراوحت عناوينها بين “طوفان من النار على قطاع غزّة” (صحيفة 24 ساعة) – لوزان و”تساحال يُـغرق غزّة في حمّـام من الدّم” (لاليبيرتي) – فريبورغ و”إسرائيل تُـعِـدّ هجومها البري” (لوتون) – جنيف.
وفيما نوّهت معظم الصحف إلى أن عملية “الرصاص المصبوب”، التي شنّـتها إسرائيل على غزّة، تميّـزت بعنف غير مسبوق منذ عام 1967، أشار معلِّـقون إلى أن امتحان القوّة، الذي يدور حاليا بين تل أبيب وحماس، كان “منتظرا”.
غــرق
في افتتاحية صحيفة لوتون، الصادرة بالفرنسية في جنيف، التي جاءت تحت عنوان “الغرق”، كتب لويس ليما يقول: “إن الإسرائيليين قرروا – لعدم القدرة على تسوية مصير “مُـطلقي الجِـنّ” النوويين في طهران – تدمير أقصى ما يُـمكن من حماس، هذا “العدُوّ القاتل” الآخر، الذي يفرِضُ على رُبع مليون ساكن في الدولة العبرية، العيش في ظلّ الخوف، تحت التهديد المحتمل لصواريخه”.
وبعد أن أشار إلى أن ما يحدُث هذه الأيام، يُـشكِّـل انهيارا لسياسة أمريكية عجزت عن إيجاد أدنى انفتاح دبلوماسي على مدى ثمانية أعوام، كما يندرج في سياق الانعكاسات المنحرفة لسياسة إسرائيلية تؤدّي عشية كل انتخابات عامة في البلد، إلى تصعيد للعنف أو إلى حرب أو إلى مزيج متفجِّـر من كل هذا.
وذهب لويس ليما إلى أن تزامُـن الفترة الانتقالية ما بين إدارتين في واشنطن وموعد انتخابي إسرائيلي، لم يُـؤدِّ فقط إلى “انفجار في شوارع غزّة المدمّـرة”، بل يُـخشى أيضا من أن “تُـصيغ بعُـمقٍ السنوات القادمة”.
اختبار قوة جديد
صحيفة 24 ساعة، الصادرة في لوزان، قالت في افتتاحيتها “إن ما يُـسمّـى المجموعة الدولية، تتابع مرة أخرى كمفترج، انفجار أعمال العنف في غزّة”، وتساءلت: هل هناك فرصة كي يُـستمع إلى دعوات التهدئة المتكررة، التي صدرت منذ يوم السبت من لندن إلى موسكو، مرورا بنيويورك، التي اجتمع فيها مجلس الأمن الدولي؟
واعتبرت الصحيفة أنه من المحتمل أن تكون القرارات، التي اتُّـخذت في القدس (بشنّ الهجوم)، مُـغايِـرة لما حدث، لو أن “التحالف الحاكم اصطدم بإدارة أمريكية مهتمّـة بمراعاة حظوظ اتفاق سلام”، لكن، وبما أن عملية الانتقال السياسي لا زالت مستمرّة في واشنطن، فإن “جميع الظروف كانت مهيّـأة كي تُـختتم السنة باختبار قوّة جديد في غزّة”.
مراسل صحيفة لاليبيرتي، الصادرة في فريبورغ، من القدس، ذكّـر بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت توقّـع بأن المعارك في غزّة ستكون “طويلة وأليمة وصعبة”، وأشار إلى أن القيادة العسكرية تُـفضِّـل عدم اللجوء إلى تدخّـل برّي، نظرا لأن “خطر اصطدام المدرّعات الإسرائيلية بمقاومة قوية ومواجهة حرب عصابات حماس المسلّـحة جيدا والمشحونة بطاقة اليأس”، قائم بشكل كبير.
وذكر المراسل سيرج رونان أن إسرائيل تترك في الوقت الحاضر لسلاحها الجوّي مهمّـة إرغام حماس، التي تتعرّض لخسائر فادحة وعمليات تدمير مكثّـفة، على طلب هُـدنة جديدة عن طريق مصر، التي تحاول التفاوض لوقف إطلاق النار. وأضاف بأن بعض الإشاعات تشير إلى أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تحوّلت مؤخرا (يوم الخميس 25 ديسمبر) إلى مصر لمقابلة الرئيس مبارك وقد تكون حصُـلت – حسب الإشاعة دائما – على موافقة القاهرة على عملية عسكرية محدودة في قطاع غزّة.
وأضاف مراسل “لاليبيرتي” في القدس، أن “القادة المصريين يخشون بنفس قدر إسرائيل، الإسلاميين الفلسطينيين التابعين لحركة حماس، وهذا هو سبب رفضهم لفتح معبر رفح بين غزّة ومصر”.
هل يجب التذكير..؟
أما صحيفتا “ليكسبريس” و”لامبارسيال” (الصادرتان بالفرنسية في كانتون نوشاتيل)، فذكرتا في افتتاحية مُشتركة بأن “الذريعة الرسمية التي تقدمت بها إسرائيل – إطلاق الصواريخ التي تمس ترابها – لتبرير الهجوم الدامي على غزة، (الذي أسقط) قرابة 300 قتيل، لا تخدع أحدا بطبيعة الحال، ولكن كان إطلاق الصواريخ قد أوقع ضحية واحدة يوم السبت في الجانب الإسرائيلي”.
وتابع كاتب الافتتاحية جاك غيرار: “إن هذه الأدوات الحرفية لا تبلغ أبدا تقريبا هدفها، ولم توقع خلال السنوات القليلة الماضية سوى عدد ضئيل من الضحايا. وعدم التناسب الممارس من قبل الجيش الاسرائيلي في هذه الأرض الصغيرة المكتظة واضح بالتأكيد”.
وتساءل غيرار: “هل يجب التذكير بأن الفلسطينيين هم ببساطة في ديارهم في هذا المكان من العالم الذي يعتبر مهدا من مهود البشرية؟ هل يجب التذكير بأنه في نوفمبر 1947، وضعت القوى العظمى خططا لتقاسم فلسطين – التي لم تكن ملكا لهم- بدون استشارة شعبها، ورمت على طرق المنفى ملايين الفلسطينيين المحرومين من حق العودة؟ هل يجب أن نكرر بأن الأمم المتحدة، في عام 1947 أيضا، قررت إنشاء دولتين؟ ومازال الفلسطينيين ينتظرون دولتهم…”
تشابه مع حرب لبنان 2006
صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في بازل) علقت على أحداث غزة بقلم إينغي غونتر بقولها “بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية يبقى السؤال المطروح: ما الذي ترغب الحكومة الإسرائيلية في تحقيقه؟ هل يمكنها بعملياتها في غزة تحقيق ما أخفقت في تحقيقه في لبنان؟ الشك في ذلك وارد. فحتى ولو ما زالت الولايات المتحدة تبدي تفهما لهذا التصرف، وحتى ولو ما زال الانتصار العسكري حليف إسرائيل، فإن ذلك قد يتغير بسرعة. إذ يكفي أن تصيب قنبلة قد أخطئ تصويبها مدرسة فلسطينية أو أن يقوم انتحاري بتفجير نفسه في تل ابيب لكي تنقلب الصفحة. وحتى ولو ردد العسكريون بأن العمليات قد تستمر لعدة ايام فإن السياسيين مهتمون بانهاء العملية في أقرب الآجال لأن الظروف السائدة في إسرائيل هي ظروف انتخابات وتطور أحداث غزة قد تحدد المصير السياسي لوزيرة الخارجية تسيبي ليفني ولوزير الدفاع إيهود باراك.
صحيفة آرغاور تسايتونغ (تصدر بالألمانية في أرغاو) وبعد أن أوضحت تفهمها لرد فعل إسرائيل على تزايد إطلاق صواريخ القسام، تساءلت بدورها عن الهدف السياسي من العملية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد غزة. وكتبت في افتتاحيتها “إن من يبدأ عملية عسكرية لا يرغب فقط في تحقيق هدف استراتيجي بل أيضا سياسي. ويبدو أن إستراتيجية إسرائيل هي وضع حد لإرهاب حماس. ولكن الطيران الإسرائيلي لم يتمكن من تحقيق ذلك في الماضي وسوف لن يتمكن من تحقيق ذلك اليوم”.
وانتهت الصحيفة الى تشبيه ذلك بما حدث في لبنان قبل أن تضيف “يبدو أن العملية الحالية تخلو من هدف سياسي لأن إسرائيل غير مهتمة بإعادة احتلال قطاع غزة، كما أنه من غير الوارد إجراء مفاوضات مع حماس. لذلك يبدو الهجوم الحالي على غزة.. حلقة دموية ولامنطقية من مراحل دوامة العنف في الشرق الأوسط”.
“القنابل بدل السياسة”
صحيفة تاغس أنتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ) ترى في العملية العسكرية العديد من التناقضات اذ كتب لوسيانو فيراري يقول: “إن الأهداف متضاربة: من جهة يُراد إرغام حماس على قبول وقف إطلاق النار والتوقف عن إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل. ولكن في نفس الوقت يتم وعن قصد قصف ثكنات الشرطة والمنشآت التي تسمح للمنظمة الراديكالية بمراقبة قطاع غزة والتحكم فيه. والتضارب الثاني هو أن إسرائيل ترغب في تقوية المنظمة الفلسطينية المناهضة لحماس أي منظمة فتح المعتدلة والتابعة للرئيس محمود عباس، ولكنها تضعها في وضعية حرجة بالهجوم الحالي والعنيف على غزة. والتضارب الثالث يكمن في أن الاستخدام غير المتكافئ للقوة يُحرج الأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة ويُضعف دور الولايات المتحدة الأمريكية كحليف قوي لإسرائيل. والتضارب الأخير هو أن التصرف العنيف الحالي لا يخدم الحكومة الحالية في إسرائيل بل التيارات المتشددة في المعارضة”.
صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في زيورخ) تعرضت في افتتاحية تحت عنوان “القنابل بدل السياسة” الى التساؤل عن الأهداف الحقيقية للعملية العسكرية الحالية ضد قطاع غزة. ومع أن الصحيفة اعتبرت أن الهدف المتمثل في وقف إطلاق صواريخ القسام على جنوب إسرائيل “يبدو مشروعا ومنطقيا، فإن كل التجارب التي تمت لحد الآن تظهر بأن الاعتماد على الوسائل العسكرية وعلى القوة وحدها لم تتمكن من إخضاع المتطرفين في قطاع غزة أو إرغامهم على قبول وقف لإطلاق النار لفترة مطولة. كما أن إخضاع قطاع غزة لحصار ضد استيراد المواد الغذائية لم يعمل على إضعاف حركة حماس بل العكس هو الصحيح”.
وفي هذا الجو المحبط من العنف والعنف المضاد بين حركة حماس وحكومة إسرائيلية انتقالية ضعيفة، ترى نويه تسورخر تسايتونغ أن “الأصوات القادرة على ابتكار مخرج من دوامة المواجهة غير متوفرة”، وتشير إلى أنه “حتى المفاوضات التي تمت إلى حد الآن بين حكومة أولمرت وحركة الرئيس محمود عباس المعتدلة لم تقدم أية نتائج ملموسة”، لتنتهي في الختام إلى أن “الهدوء والعودة الى وضع طبيعي في قطاع غزة سوف لن يتم على المدى الطويل إلا بفضل انتهاج سياسة خلاقة وليس عن طريق الصواريخ والقنابل”.
سويس انفو
1987 تأسست حركة حماس خلال الانتفاضة الفلسطينية الاولى.
1993 حماس ترفض اتفاقات السلام المؤقتة بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات.
1996 انتخاب عرفات رئيسا. وفتح تحصل على 68 من مقاعد البرلمان الفلسطيني البالغ عددها 88 مقعدا. وحماس تقاطع الانتخابات.
2000 اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعد انهيار محادثات السلام.
2004 وفاة عرفات في باريس ومحمود عباس يخلفه في منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس الفلسطيني.
2005 عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون يعلنان هدنة. عباس يفوز بدعم حماس التي تلتزم بالهدنة الى حد كبير. واسرائيل تنهي احتلالا دام 38 عاما لقطاع غزة.
2006 حماس تفوز بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية وتحصل على 74 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 132 مقعدا. حركة فتح التي كانت لها الهيمنة لفترة طويلة تحصل على 45 مقعدا.
2007 حماس تنتصر على قوت فتح الموالية لعباس في حرب اهلية قصيرة بقطاع غزة. عباس يعزل حكومة حماس ويعين حكومته في الضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل.
ما هي حماس؟
كلمة (حماس) هي كلمة مركبة من الحروف الاولى لعبارة (حركة المقاومة الاسلامية) اضافة الى معناها المعروف بالعربية.
وحماس ملتزمة من الناحية الرسمية بتدمير اسرائيل واقامة دولة اسلامية مكانها. لكنها قالت انها ستقبل قيام دولة فلسطينية في الاراضي التي احتلتها القوات الاسرائيلية في حرب 1967 مقابل هدنة طويلة الاجل.
ورفضت حماس مطالب اسرائيل والولايات المتحدة ودول اخرى بالاعتراف باسرائيل ونزع سلاحها. وسعت اسرائيل والولايات المتحدة لعزل حماس.
قادت حماس حملة تفجيرات انتحارية ضد اسرائيل من عام 2000 لكنها التزمت في وقت لاحق بهدنة في عام 2005 . ودفعت الضربات الجوية الاسرائيلية بقطاع غزة يوم السبت رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل للدعوة الى انتفاضة جديدة.
ومما ساعد حماس في الانتخابات البرلمانية في عام 2006 تعهداتها بالقضاء على الفساد في السلطة الفلسطينية وحربها ضد اسرائيل. كما تحظى الحركة بشعبية بسبب شبكة الجمعيات الخيرية التي تديرها.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 ديسمبر 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.