في مجلس حقوق الإنسان.. انقسام حول “حماية الأديان” والأراضي المحتلة
اختتم مجلس حقوق الإنسان دورته الثالثة عشرة باعتماد العديد من القرارات من بينها قرار مناهضة تشويه صورة الأديان، وآخر ينص على تنظيم جلسة نقاش حول موضوع حماية الصحفيين في مناطق الصراعات، لكنها تميزت بحجب مناقشة تقرير حول السجون السرية، وتصعيد في اللهجة بين المجموعات الجغرافية بخصوص الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وفي معرض تقييمه لحصيلة الدورة الثالثة عشرة التي انعقدت في جنيف من 1 إلى 26 مارس 2010، اعتبر السفير البلجيكي آليكس فان موفن رئيس المجلس أنها سمحت “بالإستماع إلى تقارير 18 من المقررين الخاصين والخبراء المستقلين وأصحاب الولايات الخاصة مما سمح بخوض نقاش معمق حول عدد من القضايا تشمل مناهضة التعذيب، وحرية الدين والمعتقد، والحق في الغذاء وتقارير خاصة بدول بحالها”.
ومن التقاليد التي تعززت في السنوات الأخيرة، فتح نقاش مُوسع في المجلس حول مسائل معينة تسترعي اهتمام محافل حقوق الإنسان من ممثلي الدول ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وشهدت هذه الدورة تنظيم 5 جلسات نقاش تناولت قضايا مثل مناهضة الإعتداءات الجنسية ضد الأطفال وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتأثيرات الأزمة الإقتصادية والمالية على الحقوق الإنسانية.
من جهة أخرى، تم اعتماد التقارير النهائية الخاصة بـ 16 دولة كانت قد عُـرضت تقاريرها أمام آلية الإستعراض الدوري الشامل. إضافة إلى اعتماد قرار لأول مرة بخصوص “فتح نقاش داخل مجلس حقوق الإنسان حول موضوع حماية الصحفيين في مناطق الصراعات” وهي المبادرة التي انطلقت من جنيف قبل عدة أعوام تحت شعار “الحملة العالمية من أجل شارة لحماية الصحفيين”. ومن المتوقع أن تحتضن دورة يونيو القادم نقاشا حول هذا الموضوع. كما اعتمد المجلس القرار المتعلق بالتكوين والتربية في مجال حقوق الإنسان الذي تقدمت به كل من سويسرا والمغرب والذي يهدف لتعزيز التكوين في مجال حقوق الإنسان.
إجمالا، تمثلت الحصيلة الملموسة لهذه الدورة تمثلت في اعتماد 30 مشروع قرار اعتُمدت أغلبيتها بالإجماع، ما يعني أنها “تمت في جو مفعم بالروح البناءة”، على حد تأكيد السفير البلجيكي.
انقسام وتشدد بسبب “حماية الأديان”
إذا كانت الحصيلة إيجابية من حيث عدد القرارات التي تم اعتمادها، فإن الطريقة التي تمت بها المناقشات لا تترك الإنطباع بأن الأجواء كانت بناءة. فقد أثار مشروع مناهضة تشويه صورة الأديان الذي تقدمت به دول منظمة المؤتمر الإسلامي ودعمتها الدول الإفريقية وبعض الدول الكبرى مثل روسيا والصين، معارضة الدول الغربية التي استمالت بعض الدول الأمريكية اللاتينية والإفريقية.
وفي الوقت الذي نص فيه القرار الذي تم اعتماده بغالبية 20 صوتا مقابل 17 وامتناع 8، على “إدانة كل أوجه التمييز القائم على أساس الدين”، وعبر عن “الأسف لاستخدام الصحافة المكتوبة والالكترونية وشبكة الإنترنت من أجل التحريض على الكراهية والعنف والمعاداة للأجانب وعدم التسامح على أساس ديني”، رأت الدول الغربية ومن يدعمها أن “التمييز ضد أقليات دينية أمر واقع يجب التصدي له ولكن الموضوع يُطرح بشكل خاطئ وفي محفل غير ملائم”. وعللت الدول الغربية معارضتها بأن “حقوق الإنسان تحمي الأشخاص ولا تحمي الأديان”. وقد مارست الدول الغربية بعض الضغوط من أجل إثناء بعض الدول عن التصويت لصالح المشروع (وهو ما يفسر ارتفاع عدد الدول المعارضة، التي تراجع البعض منها عن تأييده في آخر لحظة) ومع ذلك حصل المشروع على أغلبية 20 صوتا من بين 47 (عدد الأعضاء في المجلس).
هذا القرار تابعته سويسرا باهتمام بالغ لكونه تضمن في إحدى فقراته إشارة الى “إدانة حظر بناء المآذن”، رغم تفادي مقدمي مشروع القرار ذكر الكنفدرالية بالإسم. وفي تعقيبها على قرار المجلس أوضحت سويسرا، بانها “تأخذ علما بهذا القرار”، وستعمل على “تعزيز الحوار داخليا وخارجيا من أجل التوضيح بأن حرية الدين والمعتقد مازالت مضمونة ومصونة في سويسرا رغم هذا القرار لحظر مآذن جديدة والذي لا يحظر بناء مساجد جديدة تضاف الى حوالي 150 مسجد ومكان عبادة في البلد”. كما شدد السفير السويسري على أن “هذا التصويت لم يكن مُوجّها لا ضد الجالية المسلمة ولا ضد الدين الإسلامي وأن الحكومة تصر على مواصلة الحوار”، مُنوها إلى أن “الجاليات المسلمة في سويسرا قد استجابت لدعوة الحوار هذه”.
استمرار المطالبة بـ “التوازن”
رغم إعلان رئس المجلس في بداية الدورة عن تأجيل البت في توصيات تقرير لجنة التحقيق المعروفة بتقرير غولدستون “بطلب من المعنيين بالأمر”، تم التقدم بثماني مشاريع قرارات بعضها مرحلي لتعزيز عملية التحقيق في كيفية تطبيق الأطراف المعنية بتوصيات تقرير غولدستون، وأخرى لعرض واقع الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وكانت هذه أيضا من النقاط الأخرى التي أثارت انقساما في مجلس حقوق الإنسان، بين نفس المجموعات تقريبا، العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز من جهة، والدول الغربية ومعها بعض دول أوروبا الشرقية سابقا وبعض الدول الإفريقية والأمريكية اللاتينية من جهة أخرى.
ولدى تطرق المجلس إلى ما يجب القيام به تطبيقا لتوصيات لجنة تقصي الحقائق حول الحرب في غزة أو ما عرف بتقرير غولدستون، اعتمد مشروع قرار بـ 29 صوتا مؤيدا مقابل رفض 6 وامتناع 11 عن التصويت يطالب بإنشاء لجنة خبراء مستقلين متخصصين في حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، تكون مهمتها تحليل كافة الإجراءات القانونية التي اتخذها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني للتحقيق في التجاوزات التي حدثت في الحرب على غزة (موفى 2008 وبداية 2009).
كما طالب القرار المفوضة السامية لحقوق الإنسان بدراسة فكرة تأسيس صندوق تعويض لتقديم التعويضات للمتضررين الفلسطينيين من عمليات غير مشروعة قامت بها إسرائيل أثناء حربها على غزة. وهو القرار الذي تم اعتماده ب 29 صوتا، ومعارضة 6 دول هي الولايات المتحدة الأمريكية والمجر وإيطاليا وسلوفاكيا وأوكرانيا، وامتناع بلجيكا وبوركينا فاصو والكاميرون وشيلي وفرنسا واليابان ومدغشقر والمكسيك والنرويج وجمهورية كوريا وبريطانيا عن التصويت.
وتمثلت تعليلات غالبية الدول التي عارضت وبعض البلدان الممتنعة عن التصويت في أن مشروع القرار”غير متوازن”، وهو ما أثار غضب السفير الفلسطيني الذي تساءل أمام أعضاء المجلس عن حقيقة الدعوة للتوازن قائلا: “هل يعني التوازن عندما تقوم إسرائيل بقتل أربعة مدنيين أكبرهم 19 عاما أن أقول إنها قتلت اثنين فقط؟ أو عندما تعلن عن بناء 1600 وحدة إستيطانية.. التوازن أن أقول إنها 800 ؟”.
ودعا السفير الفلسطيني إبراهيم خريشي الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان وبالأخص تلك التي عارضت أو امتنعت عن التصويت على مشروع القرار إلى “مساعدة إسرائيل على أن تصبح بلدا خاضعا للقانون” قبل أن يختتم مداخلته بالقول: “لقد زوروا جوازات سفركم، أخشى أن يزوروا تاريخكم”. وهو موقف يلخص إلى حد بعيد الأجواء التي سادت أشغال الدورة الثالثة عشرة لمجلس حقوق الإنسان التي أسدل الستار عليها عشية الجمعة 26 مارس 2010.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
يحتوي مشروع قرار “مناهضة تشويه صورة الأديان” الذي عرض على التصويت ظهر الخميس 25 مارس 2010 وتمت الموافقة عليه على 21 فقرة من بينها:
الفقرة 2 : يعرب (مجلس حقوق الإنسان) عن بالغ قلقه إزاء وضع قوالب نمطية سلبية للأديان وتشويه صورتها، وإزاء مظاهر التعصب والتمييز في مسائل الدين أو المعتقد التي لا تزال واضحة في العالم والتي أدت إلى التعصب ضد أتباع هذه الأديان.
الفقرة 3: يعرب عن بالغ استيائه إزاء جميع أعمال العنف والإعتداءات النفسية والبدنية والتحريض على القيام بها ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقدهم، وإزاء توجيه هذه الأعمال ضد منشآتهم التجارية وممتلكاتهم ومراكزهم الثقافية وأماكن عبادتهم، فضلا عن استهداف المواقع المقدسة والرموز والشخصيات الدينية لجميع الأديان.
الفقرة 4: يعرب عن بالغ قلقه إزاء استمرار الحالات الخطيرة لتعمد استخدام القوالب النمطية للأديان ومعتنقيها وللشخصيات المقدسة في وسائط الإعلام، وإزاء البرامج والخطط التي تنفذها المنظمات والمجموعات المتطرفة بهدف خلق وإدامة قوالب نمطية بشأن أديان معينة وبخاصة عندما تتغاضى عنها الحكومات.
الفقرة 5: يلاحظ بقلق بالغ اشتداد حملة تشويه الأديان والتحريض على الكراهية الدينية عموما، بما في ذلك التصنيف العرقي والديني للأقليات المسلمة في أعقاب أحداث 11 ايلول /سبتمبر 2001 المأساوية.
الفقرة 7: يعرب عن بالغ قلقه في هذا الصدد إزاء الربط المتكرر والخاطئ بين الإسلام وانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب، ويعرب عن اسفه في هذا الشأن إزاء القوانين أو التدابير الإدارية التي وضعت خصيصا لمراقبة ورصد القليات المسلمة مما يؤدي الى وصم هذه الأقليات ويضفي الشرعية على التمييز الذي تعانيه.
الفقرة 8: يدين بشدة في هذا الصدد الحظر المفروض على بناء مآذن المساجد وغير ذلك من التدابير التمييزية التي اتخذت مؤخرا، والتي تعد من مظاهر كره الإسلام التي تتنافى بشكل صارخ مع الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بحرية الدين والمعتقد والضمير والتعبير، ويشدد على أن هذه التدابير التمييزية من شأنها إذكاء التمييز والتطرف وسوء الفهم المؤدي الى الاستقطاب والتفرقة مع ما يترتب عن ذلك من عواقب خطيرة غير مقصودة ولا منظورة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.