قراءة أولية في نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب المصري
أوضح خُـبراء مصريون أن نتائج الجولة الأولى من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس الشعب "لم تكن مفاجِئة"، وأنها "كانت متوقّـعة ومنطقية لمن يقرأ المشهد السياسي المصري بموضوعية".
واعتبر متخصِّـصون في الإعلام السياسي وشؤون البرلمان والتحليل الاجتماعي والسياسي، استجوبتهم swissinfo.ch في القاهرة أن اللجنة القضائية العُـليا للإنتخابات، كشفت عن أن “الإعادة هي سيِّـد الموقف” وأن حزب “النور” السّـلفي، كان الحصان الأسود في هذه الجولة التي جرت يومي 28 و29 نوفمبر 2011 الماضي، وأسفرت عن اكتساح الإسلاميين، وفي المقدمة منهم حزب الحرية والعدالة، الذِّراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
في الوقت نفسه، أشاد الخبراء بتحالف “الكتلة المصرية”، الإطار الجامع للأحزاب الليبرالية واليسارية، والذي نافس الكتلة السلفية على المركز الثاني بقوّة، وتوقعوا أن يكون له دوْر مهِـم في الحياة السياسية في مصر الجديدة.
منطِـقية وليست مفاجِـئة!
الخبير الإعلامي الدكتور حمزة سعد، أستاذ الإعلام السياسي بكلية الإعلام بجامعة القاهرة والأستاذ بقسم الإعلام والاتصال، في جامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، اعتبر أن “نتائج المرحلة الأولى لم تكن مفاجئة، كما يتصوّر البعض، وإنما هي نتيجة منطِـقية لمن يقرأ المشهد السياسي المصري بموضوعية في السنوات الأخيرة، وذلك لأن الإخوان، الجماعة الأكثر تنظيما والأكثر اتصالاً بالجماهير والأكثر وجوداً على أرض الواقع، كما أن التيارات الأخرى لم تستعِـد جيدا للانتخابات وتحتاج إلى وقت ليْـس بالقصير، لتكون قريبة من الجماهير، فضلا عن أن استخدام البُـعد الدِّيني جاء في صالح الإسلاميين، عكْـس القوى الليبرالية التي أُضيرت جراء ذلك”.
وقال سعد في حديث خاص لـ swissinfo.ch “بعد الدِّعاية التي قامت بها الكنيسة، فضَّـل المسلمون أن يعطوا أصواتهم للأحزاب الإسلامية (النور والأصالة والحرية والعدالة) في مقابل (الكتلة)، التي تؤيِّـدها الكنيسة”، مشيرا إلى أن “اضطهاد النظام السابق للإسلاميين، أحد أهم أسباب تعاطُـف الشعب معهم، ومن ثمَّ زيادة شعبيتهم”.
وعن دلالات هذه النتائج، أوضح الدكتور حمزة سعد أن “ثورة 25 يناير، نقطة تحوّل جوهريه في تاريخ مصر الحديث، وليس أدلّ على ذلك من اقتراب التيار الإسلامي من الوصول إلى زِمام الحُـكم أو التحكُّـم في من سيأتي على رأس الحُـكم، وهو التيار الذي حورب على مدار تاريخه، كما أن الإسلاميين (خصوصا الإخوان)، ما زالوا الأقوى على الساحة، بفضل خِـبرتهم الطويلة في العمل السياسي والتي اكتسبوها منذ ثورة 1952”.
دلالات وآثار النتائج!
من الدلالات أيضا، أن الوضع الإقتصادي ومستوى التعليم (ارتفاع نسبة الأمية في صفوف السكان) وعامل الدِّين، كانت عناصر مؤثرة في نتيجة الإنتخابات، إضافة إلى أن “النتائج التي حقَّـقتها بعض القوى الجديدة، مثل (الكتلة المصرية)، مقارنة بالوقت الذي أتيح لها للإستعداد للإنتخابات، مثَّـلت مفاجَـأة، وربّـما تمثل انطلاقة تبني عليها لما هو قادم”، معتبرا أن “المرونة التي أبداها التيار السلفي والذي غيَّـر من ثوابته، بموافقته على دخول حلَـبة السياسة واستفادته من الوضع الرّاهن، عكْـس بعض القوى التي لم تُـبْـدِ أية مرونة، وتُـصِـر على إدارة العملية السياسية من ميدان التحرير”.
وعن الآثار التي يمكن أن تترتَّـب على هذه النتائج، أشار سعد إلى أن “المراحل المقبلة من الإنتخابات، ستشهد مُـنافسات شديدة، قد تصل إلى حدِّ العنف، لأن التيار الإسلامي سيسعى لتحقيق المزيد من المكاسب، عكْـس القوى الليبرالية التي ستستميت لمحاولة تحقيق بعض المكاسب”، مشيرا إلى أن “البرلمان المقبل سيكون خليطًا من قوى سياسية مختلفة، في المرجعيات أو التوجهات، وإذا لم يحدث توافُـق، فربما يؤثر ذلك على استقرار مصر”.
واختتم الخبير الإعلامي الدكتور حمزة سعد تصريحاته قائلاً: “إن التيار الإسلامي ما لم يُطَـوِر من خطابه السياسي ويحاول أن يدير المرحلة السياسية المقبلة بحِـكمة سياسية، بعيدا عن محاولة السيطرة على المشهد بأكمله، دون توافُـق مع القوى الأخرى والمجلس العسكري الحاكم، فربما يصطدم بالداخل والخارج ويفقِـد كل شيء ليعود مجددا إلى المربع رقم واحد”.
الإعادة.. سيد الموقف!
بدوره، قال الخبير السياسي أمجد الجباس، الباحث البرلماني المتخصّص في شؤون مجلس الشعب المصري: “كان واضحاً أن الإعادة هي سيد الموقف في الدوائر الفردية، بسبب زيادة أعداد المرشّـحين على الدائرة الواحدة، مما سبّـب تفتيت الأصوات، فلم تتمكن الغالبية العظمى من المرشّحين (93%) من الحصول على الأغلبية (50% + 1) في الجولة الأولى. ويُـتوقّـع أن تشهد الفترة الفاصلة بين الجولتيْـن سباقاً محموماً، لعقد تحالُـفات وائتلافات بين من يخوضون جولة الإعادة، وهو الأمر الذي تتزايَـد أهميته، إذا أخذنا في الاعتبار أن ثمة مرحلتين أخريين تستلزمان مزيداً من الحشد والتنسيق بين القوى “المتقاربة”، للحيلولة دون تفتيت الأصوات.
وأضاف الجباس، في حديث خاص لـ swissinfo.ch “بدا واضحاً أن مستوى أداء اللجنة القضائية العليا للإنتخابات لم يكن على الدرجة التي تليق بضخامة الحدث الذي تتصدّى لها، ومن ثم بدا أداؤها متواضعاً في كثير من الأحيان وظهر أن قنوات الاتصال بينها وبين القضاة المُـشرِفين على الإنتخابات، وكذلك مع الجهات الحكومية المعنية معها بإدارة العملية الانتخابية، ليست على ما يُـرام”، معتقدا أننا “سنشهد المزيد من السلبيات في المرحلتين المقبلتين”.
وتابع الجباس: “كشفت الجولة الأولى عن أن الميول التصويتية للناخبين، كانت عُـرضة للتلاعب على أساس الدِّين. فكثير ممَّـن أيَّـدوا التيار الدِّيني (ممثلاً بالدرجة الأولى في حزبيْ الحرية والعدالة والنور)، جاء تصويتهم لهذا التيار اعتِـراضاً على توجهات التيار الليبرالي المعارِض (ممثلاً بالدرجة الأولى في الكتلة المصرية)، وهو الأمر الذي يكشف عن عدم الوعْـي الكافي من قِـبل الناخبين بالمعايير الواجب اتِّـباعها، عند المقارنة بين الأحزاب والقوى المتنافسة، وهذا الإصطفاف على أساس دِيني يُـتوقّـع له أن يستمر في المرحلتيْـن المتبقيتين”.
ويُلاحظ الباحث البرلماني المتخصّص في شؤون مجلس الشعب المصري أن المعضلة الرئيسية المتصلة بهذه الانتخابات “تظل مرتبطة بنظام القوائم، الذي خُصِّـصَ له ثُـلثا المقاعد، والذي لا يمكن الحُـكم على آثاره الآتية والمستقبلية، قبل انتهاء كافة المراحل وتحديد عدد المقاعد التي ستحصل عليها كل قائمة، وبخاصة، إذا ما أخذنا في الإعتبار أن هذا النظام دائماً ما يكون لصالح القوائم التي حصلت على أصوات قليلة “نِسبياً”، في مواجهة القوائم التي تصدّرت المشهد”.
توسع قاعدة المؤيدين للإخوان
الباحث السياسي أحمد تهامي، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أشار من ناحيته إلى أن “حزب الحرية والعدالة اعتمد على كونه حزب الإخوان المسلمين، مستفيداً من خِـبرة الجماعة الممتدّة لأكثر من 8 عقود (83 عاما) في العمل العام، وهو ما أهَّـله لحصد 40 – 45% من أصوات الناخبين. وتقوم إستراتيجية الحزب على وضع نفسه في موقِـع وسطي بين متناقضات عدة، ما بين الثورة والاعتصام ودعاة الاستقرار، وكذلك التناقض بين القوى السلفية المتنامية والقوى الليبرالية والأقباط حول هوية الدولة وقضية الشريعة”.
وقال تهامي، الباحث الملتحق ببرنامج الدكتوراه في كلية الحكومات والعلاقات الدولية بجامعة درهام، بالمملكة المتحدة في تصريح خاص إلى swissinfo.ch “استفاد الحزب من دعْـم الشرائح الأكبر من الطبقة الوسطى، من المهنيين والقطاع الخاص، الذين يعانون من سوء الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب الشرائح المتديِّـنة المؤيدة تقليدياً لهذا الحزب”، معتبرا أن “التصويت الكبير للحزب يؤشِّـر على نجاحه في توسيع قاعدة مؤيِّـديه واستقطاب شرائح واسعة من الناخبين، من طبقات اجتماعية مختلفة، غير القاعدة التقليدية الموالية له”.
من جهة أخرى، عزا تهامي نجاح “التحالف الديمقراطي” الذي مثَّـله حزب الحرية والعدالة إلى “ضمّ أحزاب الكرامة والغد والعمل، مما مثل وسطاً سياسياً جديداً أدى إلى نجاح أمين اسكندر، رئيس حزب الكرامة، وهو أول مرشّـح قبطي يفوز في الإنتخابات”، مشيرا إلى أن “المعضلة التي ستواجهه (أي التحالف) هي قدرته على انتزاع صلاحيات حقيقة للبرلمان والحكومة من المجلس العسكري في إدارة أمور الدولة، إلى جانب قدرته على بناء تصوّرات توافقية، تجمع القوى السياسية المتناقضة في البرلمان المقبل”.
وبدوره، اعتبر الباحث السياسي أحمد تهامي أن “حزب (النور) السَّـلفي، هو الحصان الأسود لهذه الجولة بحصوله على 20 – 25%، ليحتلّ المركز الثاني في القوائم، وقد جاء أداؤه القوي، نظراً لتمتُّـعه بشبكة اجتماعية واسعة بناها خلال العقدين الأخيرين، من خلال العمل الدَّعوي والإجتماعي، وحقّق نتائج كبيرة في محافظات الإسكندرية وكفر الشيخ ودمياط، التي كانت محسومة سابقاً للإخوان واليسار”، معتبرا أنه “يعتمد على تصعيد خطاب الهوية، الذي يكتسب تعاطُـف المواطنين البُـسطاء والمتديِّـنين، وهو ما يُـوقِـعه في مطبّـات ويختلق أزمات، قد تعود عليه سلبياً في مراحل لاحقة”.
“الكتلة المصرية”: قوة سياسية مهمة
في سياق متصل، بيَّـن تهامي أن “تحالف (الكتلة المصرية)، التي تمثل الاتجاه الليبرالي الجديد، ويقوده حزب “المصريين الأحرار”، نجح في إثبات وجوده كقوّة سياسية مهمّـة، وتراوح بين المركز الثاني والثالث في كثير من الأحيان. لكنه اعتمد في قواعده الاجتماعية على تأييد الطبقات الميْـسورة وشِـبه الميسورة والأكثر ليبرالية وحداثة”، موضحا أنه “لم ينجح في الوصول إلى عُـمق الواقع المصري، إلا من خلال تأييد الكنيسة وحثِّـها الأقباط على التصويت له، خوفا من اتِّـساع نفوذ الإسلاميين، ويقوم خطابه في الأساس على التحذير من الخطر الإسلامي على هوية الدولة ومستقبلها”.
وفي إشارة إلى شباب الثورة، قال المحلل السياسي أحمد تهامي: “راهَـنَـت حركات الشباب على الخيار الثوري والإستمرار في الميدان، وحاولت أن تشارك في العملية الانتخابية من خلال تحالُـف (الثورة مستمرَّة)، ولكن هذا التحالف الفضفاض، الذي يضُم قوى أيديولوجية مختلفة ولا يتمتع بدعم مادّي قوي، لم يحقِّـق النجاح المتوقع، وأدّى التردّد والتأرجح بين الإستمرار في الميدان أو اللجوء لصناديق الانتخابات، إلى كثير من الإضطراب في المواقف، والتي أدّت إلى إعلان الناشطة أسماء محفوظ انسحابها من الانتخابات، ثم تراجُـعها بعد ذلك”.
ويختتم تهامي بالقول، بأنه “ربّـما كان أفضل تمثيل للشباب، هو وضعهم على رأس بعض قوائم الإنتخابات، خصوصا (الكتلة المصرية)، وهو ما أدى إلى نجاح اثنين من ائتلاف شباب الثورة، هما زياد العليمي وباسم كامل، في حين يخوض مصطفى النجار من حزب العدل، الإعادة في مدينة نصر، ولم ينجح محمد الجبة على قوائم (الحرية والعدالة) في دمياط، نظراً لنجاح (النور) السلفي في سحب الكثير من مقاعد (الحرية والعدالة)”.
القاهرة (رويترز) – بدأت يوم الاثنين 5 ديسمبر انتخابات الاعادة للمرحلة الاولى لمجلس الشعب المصري لاختيار 52 نائبا بالنظام الفردي في تسع محافظات من بينها القاهرة. وفتحت أغلب لجان الانتخاب أبوابها في الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي (0600 بتوقيت غرينتش).
وذكرت وكالة أنباء الشرق الاوسط ان 48 مرشحا لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين و36 مرشحا لحزب النور، وهو حزب سلفي و20 مرشحا لاحزاب أخرى يخوضون انتخابات الاعادة.
وكان أربعة مرشحين للمقاعد الفردية فازوا في المرحلة الاولى التي أجريت يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين 28 و29 نوفمبر.
وقال شاهد عيان ان الاقبال ضعيف في لجنة مدرسة الفريق عبد المنعم واصل ولجنة مدرسة سيزا نبراوي في ضاحية القاهرة الجديدة بالقاهرة.
وأضاف “اختفت ظاهرة الطوابير في الساعة الاولى من التصويت. يوم الاثنين الماضي توافد الناخبون على اللجان من الساعة السابعة والنصف ووقفوا في طوابير طويلة قبل أن يبدأ الاقتراع”. وتابع “الشرطة العسكرية زادت دورها في تأمين اللجان. أمام كل لجنة يقف أحد أفراد الشرطة العسكرية”.
ويجري انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب بنظام المنافسة الفردية بينما ينتخب ثلثا الاعضاء بنظام القوائم الحزبية المغلقة الذي تحصل كل قائمة فيه على نسبة من مقاعد المجلس تعادل نسبة الاصوات التي حصلت عليها.
وأمام لجنة انتخابية في الدائرة الاولى بمدينة الاسكندرية الساحلية قال سلفيون انهم انتخبوا القيادي السلفي عبد المنعم الشحات، بينما قال أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين انهم أدلوا بأصواتهم لحسني دويدار منافس الشحات المتحالف مع جماعة الاخوان.
وقال نشطاء ليبراليون انهم انتخبوا دويدار لزيادة فرصته في الفوز على الشحات الذي قالوا انه لا يؤمن بالديمقراطية.
ويسعى حزب الحرية والعدالة في الاعادة الى تعزيز تقدمه على السلفيين بينما تكافح الاحزاب الليبرالية لتصمد في المشهد السياسي الذي أعيد تشكيله بالاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية في فبراير شباط.
ومن المتوقع أن يحصل حزب الحرية والعدالة على أكبر عدد من المقاعد في أول برلمان ينتخب ديمقراطيا في مصر منذ ستة عقود مما يعزز قبضتهم في صراع على السلطة في أكثر الدول العربية سكانا. وسوف تعلن نتائج القوائم في نهاية المراحل الثلاث في الحادي عشر من يناير 2012.
وأظهرت أصوات القوائم في المحافظات التسع تقدم حزب الحرية والعدالة وحزب النور والكتلة المصرية التي تضم ليبراليين ويساريين.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 ديسمبر 2011).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.