قراراتُ الحوار الوطني بين مطامح اليمنيين وخلافات السياسيين
بعد حوار استمر عشرة أشهر وهيمنت عليه سجالات ونقاشات ساخنة، اختتم مؤتمر الحوار الوطني الشامل أشغاله يوم الأحد 26 يناير 2014 في العاصمة صنعاء، وباستثناء مواقف بعض فصائل الحراك الجنوبي وتحفّظ الحوثيين والإشتراكيين على بعض مخرجاته، فقد حظيت توصيات ومقترحات المؤتمرين بتأييد غالبية القوى والمكوّنات السياسية اليمنية وبمباركة الأطراف الأممية والدولية والإقليمية.
تمثل مخرجات المؤتمر في نظر العديد من المراقبين، بداية جديدة على طريق التحوّل والتغيير في نظام الحُكم وشكل الدولة، غير أنها في الوقت ذاته تثير العديد من الأسئلة، تدور معظمها حول ما إذا كان اليمن قد اجتاز مرحلة الخطر إلى برّ الأمان أم أن الواقع المعقّد والشائك في هذا البلد، يبقى المختبر الحقيقي لخروجه من عُنُق الزجاجة، التي حُشِر فيها حتى بعد التسوية السياسية التي أعادت القوى التقليدية المتسلّطة نفسها إلى واجهة العمل السياسي، التي يُراهن كثيرون على أن تؤدّي تلك المُخرجات إلى تحجيمها مقابِل ترسيخ دعائم دولة القانون والعدالة والمواطنة، التي عملت تلك القوى باستمرار على إضعافها، مقابل تقوية نفوذها عبْر تحكّمها بالسلطة والثروة.
أمام هذا الواقع المتسم بدرجة كبيرة من التعقيد، يُخشى أن ينعكس سلْباً على تنفيذ تلك المخرجات التي ينظر لها البعض أنها مجرّد طموحات بعيدة المنال بسبب بقاء تلك القوى العشائرية والقبلية والدّينية والمذهبية، متحكِّمة بموارد القوّة والنفوذ، سواء المحسوبة على النظام السابق أو المنشقّة عنه، التي ظل تأثيرها حاضراً بقوّة، خاصة خلال المفاوضات بين المُكوِّنات السياسية، على تغيير الحكومة والمشاركة فيها الذي بقي القول الفصل فيها لحزب التجمّع اليمني للإصلاح وحلفائه القبليين والعشائريين، والذي بدا واضحاً من خلال رفضهم تغيير رئيس حكومة التوافق محمد باسندوة، على الرغم من فشله الذريع على كافة المستويات، الأمنية والإقتصادية والخدمية، منذ تولّيه رئاسة الحكومة بموجب المبادرة الخليجية.
المزيد
“النظام الفدرالي في النهاية ليس سوى تسوية سياسية”
خلافاتٌ حول مقررات الحوار الوطني
مع أن جميع الأطراف المشاركة في الحوار الوطني وقّعت على مقرراته، إلا أن خِلافات حادّة بدأت تُحيط بها. فالحوثيون يروْن أن المحدّدات التي حكمت المرحلة التالية للتوقيع على المبادرة الخليجية، قد اختلفت عن التي تمخّضت عن الحوار الوطني.
فالأولى، كما يفسرّونها، حكمتها مُقتضيات المبادرة وآليتها التنفيذية. فيما أضحت الثانية، التي بات يُطلق عليها بالمرحلة التأسيسية والتي تبدأ بانتهاء الحوار وتمتد لمدّة عام، محكومة بمُخرجات الحِوار، الذي ضمّ أطرافاً لم تكن أصلاً موقِّعة على المبادرة الخليجية، وإنما هي من المكوِّنات التي نصّت المبادرة على التحاوُر معها، وهم الحوثيون وممثلو الحِراك الجنوبي والشباب والنساء والمستقلّون، وبالتالي، لم يعُد من المقبول أن تبقى مُعادلة حكومة تُـقاسِم الحقائب الوزارية بواقِع 50% لحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح و50% لأحزاب اللقاء المشترك، هي المعادلة التي تحكم مرحلة ما بعد الحوار الوطني، التي أصبحت مرجِعية المرحلة التأسيسية التي تقتضي مشاركة مختلف المكوِّنات المشارِكة في مؤتمر الحوار.
وعلى الرغم من تلك المطالب، إلا أن العديد من المؤشرات الأولية تؤكِّد على بقاء محدّدات مرحلة ما قبل الحوار تحكُم المرحلة اللاحقة له، والتي تظهر في التمسك بحكومة باسندوة من قِبل حزب الإصلاح وحلفائه، التي شُـكِّلت بمقتضى المبادرة، لا عن المعطيات المُنبثِقة عن الحوار من جهة، وتمسّكهم بالرئيس السابق وحزبه من جهة أخرى، ببقاء مجلس النواب خلال المرحلة التأسيسية.
أما فيما يتعلّق بالحراك الجنوبي، فإن الفصائل المشاركة منه في الحوار، وعلى الرغم من أنها أعربت عن اطمئنانها لقرارات مؤتمر الحوار واعتبرتها مُـلبِّية لمطالب الجنوبيين، خاصة لجهة تمثيلهم خلال المرحلتيْن التأسيسيتيْن بنسبة 50% في مختلف الهيئات التشريعية والتنفيذية، وتحول شكل الدولة من البسيطة إلى الإتحادية وإنشاء صناديق وآليات لتعويض المتضرّرين، إلا أن الفصائل المتشدّدة التي يقودها علي سالم البيض، نائب الرئيس السابق وحسن باعوم والعطاس والرئيس السابق علي ناصر محمد، سارعت إلى رفض مُخرجات الحوار واعتبرته شأناً يخصّ الشماليين، الأمر الذي قد يُلقِي بظلاله على مسار التحوّل المأمول، وِفق نفس المخرجات.
إعلان رئيس الجمهورية عن تشكيل لجنة خاصة بتحديد الأقاليم وعددها.
توسيع مجلس الشورى لاستيعاب المكوّنات السياسية المشاركة في المؤتمر والتي ظلت خارجه.
تشكيل لجنة صياغة الدستور من 17 عضواً من قِبل الرئيس والحكومة ولجنة التوفيق.
تشكيل هيئة وطنية من جميع المكوّنات المشاركة في الحوار، تتولى الإشراف على تنفيذ مخرجات الحوار والموافقة على الدستور وإحالته للرئيس، ثم إحالته إلى مجلس النواب ثم الإستفتاء الشعبي عليه في مدة لا تقل عن 9 شهور ولا تتجاوز سنة.
إجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية يحدد موعدها وسلطاتها الدستور المُستفتى عليه.
السنوات الأربع التالية للإنتخابات البرلمانية والرئاسية أطلق عليها “مرحلة تأسيس الدولة الإتحادية وتحديد سلطات الأقاليم والولايات وإصدار التشريعات والقوانين اللاّزمة للإنتقال للدولة الإتحادية”، وسيُمثل الجنوب خلال المرحلة التأسيسية بنسبة 50% في السلطة التشريعية والقيادات التنفيذية والإدارية.
رفْـض الحراك الجنوبي
في تعليقه لـ swissinfo.ch، يرى الدكتور علي الصبيحي، الناشط الجنوبي وعضو مجلس النواب السابق أن “الموقف الرّافض لمخرجات الحوار في الحراك الجنوبي، ينطلق من واقع خِبرته الطويلة في التعامُل مع القوى السياسية التقليدية، التي ما زالت هي المتحكّمة في قواعد اللُّعبة السياسية ولم يصدر عنها حتى الآن ما يُطمئِن بأنها قد قطعت مع كل عادات الماضي المريرة”، مشيراً في هذا السياق، إلى أنها رافضة حتى لمبدإ التوافُق مع شركائها، كما ظهر في موقفها الرافض لروح التوافق على حكومة جديدة تمتلك سلطة القرار، بل تريد حكومة تابعة لها توجِّهها عن بُعد، كما هو حال الحكومة الحالية.
هذا يُمثل – حسب الصبيحي – يمثل اختباراً أولياً لحقيقة التغيير الذي يفترض أن الحوار قد جاء به، وهذا في حدّ ذاته يؤكِّد صواب وسلامة مواقِف الفصائل الرّافضة لمخرجات الحوار الوطني، الذي تظل مراكِز القوى الشمالية، وعلى وجه الخصوص منها حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذو التوجه الدِّيني وحلفائه، من الجماعات العشائرية والقبلية المسانِدة، هي المحدِّدة لمحتوى ومضمون الحوار، كما تريده هي، لا كما صاغه المتحاورون، فضلاً عن أن هناك أزمة ثقة في الشارع الجنوبي تجاه كل ما يتصدّى لمعالجة القضية الجنوبية. ويخلص الصبيحي إلى أنه، لا يَستبعِد أن تقود تلك القِوى انقلاباً على الرئيس الحالي، مؤكِّداً أنها غيْر مأمونة الجانب في معاجلة أي من الملفّات المطروحة بجدية.
تزايُـد المخاوف.. ولكن
أما الكاتب الصحفي مصطفى راجح في تعليقه على ذلك، يرى أنه: إذا لم يتِم تشكيل حكومة كفاءات قوية متحرّرة من المحاصصة الحزبية وتقاسم الوظيفة العامة، فكل مخرجات الحوار والدستور القادم ستوضَع موضِع الفشل، لأن الواقِع على الأرض، كما يضيف راجح، يمضي بالبلد نحو انتِشار الحرب الطائفية في شمال الشمال بين الحوثيين والسلفيين والقبائل، واستمرار الاغتيالات والتفجيرات بشكل متواتر؛ واستمرار النزيف الاقتصادي الناتج عن تخريب أنبوب النفط، الذي كلف اليمن خلال المرحلة المنقضِية أكثر من أربعة مليارات دولار.
على الرغم من تزايُد المخاوِف من قوّة الواقع وتعقيداته، الذي دائماً ما يصدم مسار الإصلاحات السياسية، إلا أن المعطيات هذه المرة، كما يشرحها لـ swissinfo.ch محمد يحيى الصبري، عضو مؤتمر الحوار الوطني عن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بقوله:
أولاً، هذه المرة اليمنيون يمتلكون خارطة طريق يستطيعون من خلالها أن يعملوا ويناضلوا من أجل أشياء واضحة المعالم، تحدد ما هو التغيير؟ وكيف يكون؟ ومن أين يبدأ؟ ولم يعد هناك مجال لطرف لفرض الخارطة التي يريدها، لأن هذه الخارطة، خاصة في بناء الدولة اليمنية الجديدة، تشمل شكل الدولة وصياغة الدستور ووضع التشريعات والقوانين وتنظيم الإدارة والعلاقة وشكل الدولة والحقوق والحريات العامة.
ثانياً، الظروف هذه المرة مختلفة عن تجارب الحوارات السابقة، من حيث آلياتها ومن حيث المشاركين فيها وكذا من حيث المشاكل التي ناقشتها ووضعت لها الحلول والمخارج.
ثالثاً، الخيارات الأخرى المتاحة أمام القوى المتصارعة، لن تجد لها سنداً وطنياً ولا إجماعاً شعبياً، أيا كانت الموارد ومصادر القوى التي تملكها تلك الأطراف، وأصبحت أمام خياريْن لا ثالث لهما، إما بناء الدولة الوطنية بالشراكة والتوافق مع الجميع، وإذا فكر ذلك الطرف بالحرب بالمذهب أو بالفوضى، إن كان له مناصرين من الاتباع، لن يكون حوله إجماع وطني.
رابعاً، هناك ضمانة دولية تقف وراء الإرادة الشعبية، وهي ليست أخلاقية، بل مرتبطة بمصالح وأمْن المجتمع الدولي والإقليمي، الذي لا تحتمل مصالحه الإقليمية والدولية في اليمن أي تهديد.
قاعدة الشراكة الوطنية
وبشأن التحدّي الذي تطرحه فصائل الحراك الجنوبي، الرافضة لضمانات الحوار، يقول الصبري: “سيكون على السلطات وأدواتها التنفيذية، أن تتصرف بما تُمليه عليها واجبات المسؤولية تُجاه الجنوب، لأنه على حدّ تعبيره، فاقد للثقة وعانى من مظالم وانتهاكات حقوقية، وهذا يوجب التعامل بجدية مع مطالبه من جهة، ومن جهة أخرى، بإبقاء باب الحوار مفتوحاً مع الرافضين، ولا يجب أن ينتهي بنهاية مؤتمر الحوار الوطني، لأن القاعدة التي تحكم الحاضر والمستقبل، هي قاعدة الشراكة الوطنية التي لا يُستثنى منها أحد”.
الخلاصة، أن نجاح الحوار في إحداث التحوّل الذي ينتظره اليمنيون من مخرجات، يتوقف على مدى الإلتزام بترجمة تلك المخرجات في دولة تضمن المواطنة المتساوية والعدالة في توزيع السلطة والثروة وتحميها من سطوة ونفوذ القِوى التقليدية، التي ما زالت حتى الآن المتحكِّمة في تحديد مسار تلك المخرجات.
شكل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اللجنة المكلفة بتحديد عدد الأقاليم في الدولة الإتحادية، المفترض إقامتها في اليمن بموجب نتائج الحوار الوطني، حسبما أفادت وكالة الأنباء اليمنية يوم 28 يناير 2014.
وذكرت الوكالة أأن اللجنة مؤلفة من 23 عضوا ويرأسها هادي شخصيا. وستقوم اللجنة بحسم المسألة الخلافية الشائكة المتعلقة بعدد الأقاليم في الدولة الاتحادية، وهي مسألة لم يتوصّل الحوار الوطني إلى حلها.
وستختار اللجنة بين صيغتي الإقليمين، شمالي وجنوبي، التي يطالب بها الجنوبيون، وصيغة الأقاليم الستة التي تلقى دعما بين الشماليين الرافضين صيغة الإقليمين، بحجة أنها تستعيد في الشكل حدود دولتي اليمن السابقتين، الشمالي والجنوبي. كما يمكن أن تعتمد اللجنة أي صيغة مناسبة بين الصيغتين.
ووضع الحوار الوطني اليمني خارطة طريق لتحويل البلاد الغارقة في العنف والفقر، الى دولة اتحادية. وكان يفترض أن تنتهي في فبراير 2014 المرحلة الانتقالية التي حددها اتفاق انتقال السلطة في اليمن، بعد تنحي الرئيس علي عبد الله صالح. إلا أن الحوار أطلق مرحلة انتقالية ثانية، هي بمثابة مرحلة “تأسيسية” لكتابة الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
(المصدر: وكالات).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.