“قضية تينّر”…هل يأتي اليوم الذي تعرض فيه أمام القضاء السويسري؟
"على المدعي العام الفدرالي توجيه الإتهام بانتهاك القوانين التي تحظر انتشار الأسلحة المحظورة إلى أفراد عائلة تينّر". هذا ما يلحّ عليه أندرياس موللّر قاضي التحقيق الفدرالي الذي عرض تقريره النهائي بشأن ما يصطلح عليه في سويسرا "قضية تينّر"خلال ندوة صحفية عقدها ببرن يوم الخميس 23 ديسمبر 2010.
هذا التطوّر تزامن مع صدور تقرير عن معهد العلوم والأمن الدولي بواشنطن، وتوصلت نتائجه إلى أن السلطات السويسرية والإدارة الأمريكية أعاقتا التحقيق بشأن هذه القضية التي يتهم فيها مواطنون سويسريون بمساعدة أطراف دولية منها ليبيا، وإيران في الحصول على معلومات حساسة في مجال التسلّح النووي. ومن المرجّح أن يحسم المدعي العام السويسري موقفه قريبا في ما إذا كان من الضروري فتح تحقيق قضائي بهذا الشأن أم لا.
التمسك بالبراءة
يتمسّك أفراد العائلة المتهمة في هذه القضية ببراءتهم، ويقولون أن عملهم لصالح المخابرات المركزية الأمريكية، هو الذى أدى إلى الكشف عن الخطوات الأولى التي قطعتها ليبيا في طموحها للحصول على أسلحة نووية، ثم تخلت عنها لاحقا، وأنه بفضل تعاونهم أيضا أطيح بالشبكة التي كان يديرها عبد القدير خان، الأب المؤسس للبرنامج النووي الباكستاني.
ولئن اعترفت هذه العائلة بتعاونها مع العالم النووي الباكستاني، الذي يتهم بمساعدة ليبيا وإيران، وكوريا الشمالية، في تطوير برنامجها للأسلحة النووية، فإنها تقول أنها فعلت ذلك إلى حدود 28 مايو 1998، حينها فقط، أدركت بحسب قولها أن خان كان يستخدم اليورانيوم المخصّب من أجل تصنيع أسلحة نووية، وليس لأغراض سلمية.
هجوم لاذع على الحكومة السويسرية
انتقد أندرياس موللّر، قاضي التحقيق الفدرالي خلال حديثه إلى وسائل الإعلام “التدخّل الحكومي السافر في مجريات عمل القضاء عبر إقدام الحكومة على إتلاف كل الحجج والوثائق تقريبا التي تدين عائلة تينّر”. ولم يكفها ذلك، “إذ أوحت إلى الشرطة الفدرالية بعدم التعاون مع الجهات القضائية”.
ويشير موللر بذلك إلى ما أقدمت عليه الحكومة السويسرية في يونيو 2009 من إتلاف لحوالي 100 صفحة تحتوي على حجج وبراهين جمعها موللر بنفسه خلال تحقيق قام به حول عائلة تينر، بدعوى أن تلك الوثيقة تحتوي على معلومات خطيرة تهدد الأمن الوطني. لكن نسخ من هذه الوثيقة طفت لاحقا على السطح، ومن المرجّح أن تسخدم في حالة تقرر عرض القضية أمام المحاكم.
تأتي أهمية هذه الوثائق بحسب مولّلر من تشابك عناصر هذه القضية، ويقول: “هذه المسألة مثلها مثل اللغز الغامض، تتضح الصورة كاملة عندما تُركب العناصر مع بعضها البعض”. وفي هذه القضية ليس هناك حجة واحدة بل العديد من المعطيات المتكاملة والمتقاطعة.
من جهة، لا تنكر هذه العائلة أنها تعاونت مع شبكة عبد القدير خان، لكنها تدعي من جهة أخرى عدم علمها بأنه كان يهدف من وراء ذلك إلى صناعة أسلحة نووية. وهنا يتساءل موللر: “إذا لم يكن أفراد هذه العائلة جزء من شبكة عبد القدير خان كما يدعون، كيف علموا في مايو 1998 أن أنشطة هذا الأخير تهدف إلى صناعة أسلحة نووية؟”.وهنا يأتي سؤال آخر: “في هذه الحالة، أليس ممكنا أن يكون هؤلاء مجنّدين، وفي خدمة المخابرات الأمريكية منذ البداية؟”.
إزاء هذا الوضع المعقّد، لا يرى قاضي التحقيق الفدرالي أي مفر من تدخّل القضاء لتسليط الضوء عما حدث، وتوجيه الاتهام إلى أفراد هذه العائلة بتقديم الدعم والمساعدة لتطوير أسلحة محظورة في انتهاك صريح إلى القوانين التي تحظر انتشار هذه التكنولوجيا الحساسة، وتوجيه تهمة “تبييض الأموال” أيضا إلى ماركو تينّر.
تعاون لا يبرأ ذمتهم
أما التقرير الذي صدر هذا الأسبوع بواشنطن فيشدد على خطورة العمل الذي قامت به هذه العائلة السويسرية، والفوضى التي حصلت عندما عجزت كل من وزارة العدل والشرطة السويسرية، ووكالة المخابرات الأمريكية على التعاون بينهما بشأن هذه القضية المهمة.
يقول دافيد أولبرايت، أحد الكتاب الذين أنجزوا هذا التقرير في حديث إلى swissinfo.ch: “لقد أخطأت السلطات السويسرية عندما استعجلت إتلاف الوثائق والحجج، وأخطأت وكالة المخابرات الأمريكية التي اتصف عملها بعدم الجدوى، واما عائلة تينّر، فقد توهمت أن السي أي أي سوف تقدّم لها يد العون والمساعدة عند الحاجة”. ويضيف أولبرايت: “الجميع ساهم في جعل هذا الوضع أسوء مما كان يجب ان يكون عليه”.
لقد درس أولبرايت الجوانب المختلفة لهذه القضية طوال أربع سنوات، وطلب خلالها توضيحات من ضباط في المخابرات الأمريكية، ومن موظفين في البيت الأبيض، ومن الإدعاء العام الفدرالي السويسري، ومن أعضاء في الحكومة، وخلص من كل ذلك إلى ان عائلة تينّر لعبت دورا محوريا في دعم البرنامج النووي الباكستاني الذي انطلق العمل فيه منتصف السبعينات، وأشرف عليه وأداره عبد القدير خان.
ويقول هذا الخبير الأمريكي المتخصص في قضايا تهريب الأسلحة: “هؤلاء كانوا على وعي تام بما كانوا يفعلون، ولم يتوقفوا عن ذلك إلا حينما أدركوا أنهم أصبحوا مكشوفين”. ويضيف نص التقرير: “عندئذ أجبرت المخابرات الأمريكية أفراد عائلة تينّر على إختراق شبكة خان، والعمل لصالحها”. وهذا الأمر سبق أن أقرّ به أورس تينّر خلال برنامج تلفزيوني في سويسرا.
وختم أولبرايت حديثه إلى swissinfo.ch بالقول: “لاأحد يشك في أن هؤلاء الأشخاص قد قدّموا معلومات قيّمة إلى السي أي أي، لكن ذلك لا يبرّأ ساحتهم”.
تشغل “قضية تينّر” نسبة إلى عائلة سويسرية تسكن في كانتون سانت غالن شرق البلاد النخبة السياسية والمحاكم، والرأي العام منذ عدة سنوات، وهذه أبرز المراحل التي مرت بها:
1998: بدأ ثلاثة مهندسين سويسريين (فريدريخ تينّر، وولداه أورس وماركو) العمل لصالح شبكة عبد القدير خان، اب القنبلة النووية الباكستانية.
2000 – 2003: بدأ أفراد هذه العائلة التعاون مع الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية، وقدّموا لها معلومات حول أنشطتهم.
2004: تم إيقاف أفراد عائلة تينّر، ومجموعة أخرى تابعة لشبكة عبد القدير خان.
2006: إطلاق سراح فريديريخ تينّر، والإدارة الأمريكية ترفض تقديم المساعدة القضائية في هذه القضية.
يوليو2007: كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة السويسري السابق يجري محادثات حول هذه القضية مع نظيره الأمريكي بواشنطن.
أغسطس 2007 : الحكومة السويسرية ترفض توسيع القضية لتشمل مسألة التخابر مع دولة اخرى. وترجح العديد من الأطراف أن يكون هذا القرار جاء تحت ضغوط أمريكية.
نوفمبر2007: الحكومة الفدرالية تقرر “حفاظا على الأمن الوطني” إتلاف تصميم صناعة الأسلحة النووية الموجود ضمن ملف القضية.
أغسطس 2008: قاضي التحقيق الفدرالي يؤكد أن قرار إتلاف الوثائق اتخذ تحت ضغوط أمريكية.
ديسمبر 2008: إطلاق سراح أورس وماركو تينّر بعد إيقاف تحفظي دام أربع سنوات.
يناير 2009: لجنة التصرّف التابعة لمجلس الشيوخ السويسري تنتقد قرار الحكومة بإتلاف كل الوثائق بشأن “قضية تينّر”.
21 ديسمبر 2010: دافيد ألبرايت، خبير أمريكي يتهم الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية، وإدارة بوش بوضع عراقيل لمنع محاكمة أفراد عائلة تينّر.
23 ديسمبر 2010: حاكم التحقيق الفدرالي ينتقد قرار الحكومة اتلاف الوثائق المتعلقة بقضية تينّر، ويدعو على عرضها امام القضاء.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.