قطع الغاز عن إسرائيل.. قرار “تجاري” يسعى “العسكري” لتوظيفه سياسيًا
أوضح خبير في القانون الدولي أن قرار وقف تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، هو "قرار تجاري بحت، وليس سياسيًا".
وفي حديث خاص مع swissinfo.ch، اعتبر الدكتور السيد مصطفى أبو الخير أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم في البلاد خلال الفترة الإنتقالية، يريد أن يعطيه الشكل السياسي في محاولة منه “لاستثماره سياسيًا في تجميل صورته لدى الشارع المصري” التي تأثرت كثيرًا خلال الفترة الماضية.
وذهب أبو الخير، أستاذ القانون الدولي في الجامعات العربية، إلى وجود علاقة بين توقيت صدور القرار ونشره في وسائل الإعلام، واقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية، التي يسعى المجلس العسكري من خلالها لتوصيل مرشحه – غير المعلن عنه رسميًا – عمرو موسى، إلى سدة الحكم، لضمان “الخروج الآمن للمجلس العسكري”، و”الوضعية المتميزة للمؤسسة العسكرية في الدستور المقبل”.
وتوقع مصطفى أبو الخير، المحامى لدى محكمة النقض، والمهتم بملف العلاقة بين مصر وإسرائيل، أن يكون الإعلان عن قرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل محاولة لإرضاء الشعب، وإلهائه عن الحكم المرتقب وغير المستبعد من المحكمة الدستورية العليا ببطلان الإنتخابات البرلمانية (الشعب والشورى)، وهو ما يعني العودة بالمشهد السياسي المصري إلى المربع رقم (صفر).
وكان رئيس الشركة القابضة المصرية للغاز “إيجاس” محمد شعيب، قد أوضح أن الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة “إيجاس” قررتا إلغاء تعاقدهما مع شركة شرق المتوسط، التي تتولى عملية تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل. مشيرًا إلى أن الشركة القابضة المصرية للغاز والهيئة المصرية العامة للبترول كان بينهما وبين شركة شرق المتوسط عقد تجاري وتم فسخه يوم الخميس الماضي (19 أبريل 2012)، بسبب عدم التزام شركة شرق المتوسط بسداد الأقساط الشهرية لعدة شهور، وهو ما أعطى الحق لشركته والهيئة المصرية العامة للبترول في فسخ التعاقد.
وكشف شعيب، أن قرار فسخ العقد هو قرار نهائي، لا رجعة فيه مطلقاً. منوهًا إلى أنه أمر تجاري وليس سياسياً، حيث هناك عقد تجاري مبرم بين طرفين، الأول (البائع) ممثلاً في الهيئة المصرية للبترول والشركة القابضة للغاز “إيجاس”، والثاني (المشتري) وهو شركة شرق المتوسط، المعروفة إعلامياً بشركة “حسين سالم”، المصدرة للغاز لإسرائيل، ومع إخلال الطرف الثاني بسداد الأقساط لعدة شهور، لجأ الطرف الأول لفسخ العقد. معتبرًا أن من حق الشركة الأخرى اتخاذ أي إجراء ترى أنه يرد لها حقها، كالتحكيم الدولي.
يشار إلى أن تصدير الغاز لإسرائيل، يتم بموجب اتفاق وقع في عام 2005، بين شركة الشرق الأوسط للغاز (آي. إم. جي)، التي تحتكر تصدير الغاز لإسرائيل، وجمهورية مصر العربية، ويتم بمقتضى الاتفاق توريد 1.7 مليار متر مكعب سنوياً، من الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل، لمدة 15 عاماً، بسعر لا يتعدي 7 سنتات للقدم المكعب. وقد بدأ الضخ الفعلي للغاز المصري لإسرائيل عبر خط أنابيب الشرق الممتد من العريش إلي عسقلان بتكلفة 470 مليون دولار، حيث تحصل إسرائيل على 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من مصر.
غير أن هذا الاتفاق أثار جدلاً واسعاً في الشارع المصري، خاصة بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011، في الإطاحة بنظام مبارك، واستحواذ الإسلاميين بقيادة الإخوان المسلمين على البرلمان بمجلسيه، عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة، وبروز أزمة البوتاجاز (أو غاز الطهي) بشكل ملحوظ أرّق الأسرة المصرية، فضلا عن ظهور تقارير تتحدث عن تدني أسعار البيع مقارنة بالأسعار العالمية.
مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
swissinfo.ch: بداية، هل يمكن إعطاء خلفية مركزة عن اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل.. وملابسات التوقيع عليها.. والأسباب والدوافع التي أدت إلى ذلك؟
د. السيد أبو الخير: في ظل النظام الفاسد للرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، وفى غيبة المراقبة والمحاسبة، عقد النظام المصري اتفاقية سيئة السمعة مع إسرائيل، بمقتضاها تقوم مصر بتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، وبأسعار دون الأسعار العالمية بكثير، في وقت يُحرم فيه الشعب المصري من حقوقه في هذا الغاز، حيث يعاني الأمرّين في ظل نقص أنابيب البوتاجاز.
وقد وقعت الإتفاقية عام 2005، ونص فيها على أن تستمر لمدة 15 عامًا، قابلة للمد 5 أعوام أخرى، وقد جاءت ضمن خطوات التطبيع الاقتصادي مع مصر، لذلك يعدها البعض مكملة لاتفاقية كامب ديفيد، أو تطبيقا لها، وهذا ما استندت إليه المحكمة الإدارية العليا، في إلغاء حكم أول درجة بإلغاء الاتفاقية، حيث اعتبرت المحكمة أن الإتفاقية من أعمال السيادة التي تخرج عن رقابة القضاء، وهى اتفاقية بين شركة مصرية وشركة إسرائيلية.
وما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء صدور مثل هذا القرار بقطع إمداد إسرائيل بالغاز؟
د. السيد أبو الخير: أعتقد أن الأسباب اقتصادية بحتة، وليست سياسية، لأن هناك متأخرات على الشركة الإسرائيلية المستوردة للغاز الطبيعي، وقد نقل التلفزيون المصري عن وزير البترول المصري عبد الله غراب، يوم الإثنين 23/4/2012، قوله إن “قرار وقف تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل يرتبط بنواحي تجارية، ولا تحكمه أية اعتبارات سياسية”. وربما يكون مناورة مصرية للرد على الشركة الإسرائيلية التي أقامت دعوى لطلب التعويض بسبب خسائرها من التفجيرات المتعددة لخط الغاز (14 مرة)، عما أصابها من أضرار، حيث تطالب بتعويض قدره (8) مليارات دولار، فردت الحكومة المصرية بإلغاء الاتفاقية لعدم سداد الشركة الإسرائيلية متأخرات عليها.
ولماذا صدر قرار وقف إمداد إسرائيل بالغاز في هذا التوقيت بالذات؟ هل تعتقد أن هناك ثمة علاقة بينه وبين الانتخابات الرئاسية؟
د. السيد أبو الخير: نعم بالتأكيد هناك علاقة بين صدور مثل هذا القرار والإنتخابات الرئاسية، وربما لدعم عمرو موسى مرشح (المجلس) العسكري غير المعلن عنه، وأعتقد أن المجلس العسكري يريد زيادة شعبيته، بعد أن انخفضت في الشارع السياسي المصري، كما أن هذا القرار سيعقبه قرار سياسي خطير، ربما يكون حل مجلس الشعب، عن طريق حكم المحكمة الدستورية العليا المنتظر قريبًا. لأن الأمور لن تسير كما يريدون، لأننا في نهاية شهر أبريل والمدة الباقية أقل من شهرين، لا تكفى لعمل الدستور، ولا تكفى لانتخابات الرئاسة، ومن ثم فإنني أعتقد أن إلغاء الإتفاقية وهو قرار تجاري سيُستخدم سياسيًا، لمحاولة إحياء شعبية المجلس العسكري التي بدأت في الإنخفاض.
عندما طالب الشعب والبرلمان بقطع الغاز رفض المجلس العسكري، وقال إن هناك اتفاق ولا بد من الالتزام به، والآن يصدر القرار في لحظات ودون مطالبة.. فما تفسيركم؟
د. السيد أبو الخير: القرار مؤقت وسياسي، لأن الحكومة صرحت بأنه لا مانع من كتابة عقد جديد، أي أن الأمر مجرد خلاف اقتصادي ربما على سعر الغاز، يستخدمه المجلس العسكري لأغراض سياسية، لتجميل صورته في الشارع المصري، ولا استبعد الإتفاق بين المجلس العسكري والكيان الإسرائيلي على كتابة عقد جديد بعدما تهدأ الأمور. وذلك لإنقاذ المجلس العسكري الذي هبطت شعبيته في الشارع المصري، خاصة بعد المليونيات الأخيرة (جمعتي 13 و20 أبريل 2012) والتي قيل إنها ستستمر، وأعلنت القوى السياسية وفي مقدمتها جماعة الإخوان وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة مشاركتها في مليونية الجمعة المقبلة 27 أبريل.
ما هي التأثيرات المحتملة لهذا القرار على مستقبل العلاقات الإقتصادية، بين مصر وإسرائيل؟ وخاصة على اتفاقية “الكويز”؟
د. السيد أبو الخير: سيتم تدارك هذا الأمر، والأخطار الإقتصادية له، ولا أعتقد أن إمداد الكيان الإسرائيلي بالغاز توقف أو سيتوقف في ظل النظام الموجود حاليًا، كما أستبعد أن يترتب عليه المساس بالإتفاقيات الإقتصادية الأخرى مثل اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة والمعروف إعلاميًا باتفاقية “الكويز”، وفي أكثر الإحتمالات ربما يتم تعديل بنود الإتفاق فيما يخص نسب المواد الخام الإسرائيلية الداخلة في صناعة النسيج المصري.
ما مدى إمكانية تأثير هذه الامتدادات مستقبليًا على اتفاقية “كامب ديفيد”، في ظل مطالبات العديد من نواب البرلمان (ذي الأغلبية الإسلامية) بإعادة النظر في الاتفاقية إن لم يكن إلغاؤها بالكلية؟
د. السيد أبو الخير: من أهم مهام النظام السابق الذي مازال موجودًا حماية أمن إسرائيل، لإطالة عمره، سواء بتأمين الجبهة الجنوبية لهذا الكيان، أو إمداده بوسائل الحياة، لذلك لا أعتقد أن أيًا من الإتفاقيات سيُعاد النظر فيها بما يشكل تهديدًا لأمن إسرائيل، وإن كانت مصر تستطيع من الناحية القانونية إلغاء الاتفاقية (تصدير الغاز/ كامب ديفيد) بالقانون الدولي.
هل من حق تل أبيب اللجوء إلى التحكيم الدولي لطلب تعويض 8 مليارات دولار كما تدعي؟ ولماذا؟
د. السيد أبو الخير: نود أن نوضح هنا أن اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل منعدمة، وباطلة بطلانًا مطلقًا، ولا يجوز الإتفاق على مخالفتها من قبل كافة أشخاص وآليات القانون الدولي، أو التمسك بها، لمخالفتها مبادئ عامة في القانون الدولي هي: مبدأ تحريم الإستيلاء على أراضى الغير بالقوة، ومبدأ حق تقرير المصير، ومبدأ حق الدفاع الشرعي.
وفى الإتفاقية بند يشير إلى حق اللجوء الى التحكيم الدولي في حالة الخلاف، وإذا كان من حق إسرائيل اللجوء للتحكيم الدولي بدعوى طلب تعويض للضرر، فإنه يمكن لمصر أن تدفع ذلك بأنها في حالة ثورة منذ 25 يناير 2011، وأن هناك قوة قاهرة، فإما أن تزيل الإلتزام القانوني عنها، أو أن تخففه، وهذا أمر معروف في القانون الدولي، لكن في كل الأحوال فإن الإلغاء سيُوقف نزيف الخسارة اليومي جراء بيع الغاز المصري بأقل من السعر العالمي.
عمرو موسي: “وقف تصدير الغاز إلي إسرائيل خطوة طبيعية في ضوء المعلومات الخاصة بالفساد الذي شاب هذه الصفقة. إلا أنه يؤسفني أن هذا الخبر أعلن أولاً من إسرائيل وليس من مصر، بما يؤكد أننا لم نصل إلي مستوي الشفافية المطلوب في تناول العديد من الأمور التي تهم الرأي العام المصري، والمهم أن نصل أيضاً إلي مستوي الكفاءة في درء أي تبعات قانونية يمكن أن تؤثر علي المصالح المصرية في هذا الشأن”.
عبد المنعم أبو الفتوح: “اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل هي امتداد لنظام الفساد الذي صنعه مبارك، ودليل قاطع علي التعاون المسبق بينه وبين الصهاينة. واتفاقيتي بيع الغاز لإسرائيل، وكامب ديفيد لم تذهبا إلى وزارة الخارجية المصرية، ومازالتا موجودتان في الرئاسة، منذ توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات عليها. وقد تقدمت بطلب رسمي في وقت سابق للإطلاع على النص القانوني للاتفاقية فرد علي أحد وزراء الخارجية بعدم وجودها لدى الوزارة”.
محمد سليم العوا: أشار إلى أن إسرائيل أصبحت في ورطة بعد قطع مصر الغاز عنها، وأصبحت مهددة من عدة جهات أولها إيران ثم لبنان وسوريا. وأثني على هيئة البترول بسبب قرارها الصائب بوقف تصدير الغاز لإسرائيل، خاصة أنه قرار مبني على سند قانوني من التعاقد، ومطلب جماهيري نادى به الشعب المصري من قبل ثورة يناير. واعتبر أن القرار ما هو إلا فسخ عقد بين الهيئة العامة المصرية للبترول وبين شركة بترول الشرق الأوسط والتي تصدر بدورها الغاز لإسرائيل.
حمدين صباحي: عبر عن فرحته الغامرة لصدور قرار يقضي بوقف تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني، بعد أن أعلنت شركة «إي إم جي»، الشريك في اتفاقية تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، أن مصر أبلغتها يوم الأحد 22 أبريل 2012، بإلغاء الاتفاق طويل الأجل. وكتب صباحي، مساء الأحد، عبر صفحته على (تويتر)، “تحية لقرار وقف تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني، ونتمنى استمرار تنفيذ القرار احتراما لإرادة الشعب وأحكام القضاء وحفظا للثروة الوطنية”.
عبد الله الأشعل: قال إن موقف مصر من وقف تصدير الغاز لإسرائيل هو موقف قانوني وسليم، ولن تضر بمعاهدة السلام بين البلدين، وذلك لأن ما تم إبرامه من عقد بين الشركة المصرية العامة للبترول وشركة البحر المتوسط هو عقد وهمي داخلي وليس له علاقة بالاتفاقيات الدولية. واعتبر أن وقف تصدير الغاز لإسرائيل هو قرار سياسي لتصحيح موقف المجلس العسكري الذي أثار الشارع المصري بالخزي والعار، وخاصة بعد توليه مقاليد البلاد علي الرغم من أن القرار جاء متأخرا كثيرا . وأوضح أنه منذ رحيل مبارك من حكم البلاد وإسرائيل متخوفة بدرجة كبيرة من الشعب المصري وغير مطمئنة لما يحدث في مصر، وقرار وقف تصدير الغاز جاء صادما لإسرائيل وتأكيدا لتخوفها.
أبو العز الحريرى: وجه تحية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة على قرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل من جانب واحد. وقال “بلغني أن مصر قررت وقف تصدير الغاز لإسرائيل من جانب واحد، وأنا أحيى المجلس العسكري، إن كان هذا الخبر صحيحا، رغم اختلافي معه”. وقال إن هذا القرار كان يجب أن يتم اتخاذه منذ زمن طويل، وليس بعد أن تم تفجير خط الغاز 14 مرة.
أ – تبيع الهيئة العامة للبترول إلى شركة شرق البحر المتوسط للغاز الطبيعي الذي يخصص لاستهلاك أسواق منطقة الشرق الأوسط وأوروبا من خلال الأنابيب. الكمية التي سيتم التعاقد بها هي 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويمكن زيادتها في حالة وجود فائض.
ب – تكون أسعار البيع فوب العريش هي 75 سنت أمريكي لكل مليون وحدة، بحد أقصى دولار أمريكي وربع الدولار، وفي حالة ارتفاع سعر برميل البترول البرنت إلى 35 دولار يزيد سعر المليون وحدة من الغاز إلى دولار ونصف الدولار.
ج – تكون مدة العقد مع شركة شرق البحر المتوسط للغاز 15 عامًا تجدد (لخمسة أعوام أخرى) بموافقة الطرفين.
د – تخول وزارة البترول ممثلة في الهيئة العامة للبترول أن تتفاوض مع شركة شرق البحر المتوسط للغاز طبقا للصيغ الدولية المتبعة والتي تربط سعر الغاز الطبيعي مع أسعار البترول الخام وأن تبرم عقد التوريد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.