The Swiss voice in the world since 1935

كارين كيلر- سوتر: سياسية لا تعرف الفشل … كيف ذلك؟ 

كيلر سوتر
عضوة الحكومة السويسرية ورئيسة البلاد في عام 2025، كارين كيلر- سوتر في اجتماع مندوبي الحزب الليبرالي الراديكالي في سويسرا يوم السبت 21 يناير 2023 في دوبندورف. Keystone / Michael Buholzer

تُُحارب وزيرة المالية السويسرية الصورة الشائعة عنها من أنّها امرأة حديدية وصاحبة نفوذ، رغم أنّ ذكاءها العاطفيّ، الذي يقرّ به كلّ من عمل معها عن قرب، هو سبب صعودها. بورتريه الرئيسة السويسرية لعام 2025.   

يعود الانطباع الأول إلى ما قبل 23 عاما، عندما شغلت كارين كيلر- سوتّر البالغة من العمر حينها 38 عاما، منصب مديرة الشرطة في كانتون سانت- غالن. 

ويتعلق التقرير الذي بين أيدينا بظاهرة جديدة آنذاك. لقد تعلّق الأمر بتجارة مخدرات مارسها أشخاص من أصول أفريقية، ببيع الكوكايين في أكياس صغيرة. ما شكّل حقل ألغام سياسي في يوليو 2002. وانشغلت الشرطة بمراكز إيواء اللاجئين واللاجئات الي أصبحت بؤرا لتوزيع المخدرات، وواجهت اتهامات بالعنصرية. 

وقد عززت كارين كيلر- سوتّر وجود الشرطة في النقاط الساخنة في كانتون سانت- غالن، ما لفت إليها الأنظار، وعزز صورتها كمسؤولة قوية. فماذا تقول هي عن هذا الموضوع؟ سألناها عبر البريد الإلكتروني.  

مكالمة هاتفية في وقت متأخر من الليل 

ترد على الفور، وتطلب مكالمة هاتفية في المساء: “بإمكانك الاتصال بي حتى الساعة العاشرة مساءً”، على رقم خاص. لم يكن الأمر معتادا؛ إذ تتمتّع حكومات الكانتونات السويسرية بسكريتارية، ومكاتب اتصال وإعلام، ولا تشتغل إلا في أوقات الدوام المألوفة. 

وكانت مفاجأة حقّا، أن يدور حديث كيلر- سوتّر عن الأشخاص أكثر منه عن السياسات؛ عن ضباط الشرطة، والمهاجرين والمهاجرات، ومدمني المخدرات والمدمنات. وتطرّقت إلى ما يحدثها به الجمهور من حولها، وعن الضحايا، والظلم، والصعوبات، والمطالب المشطة. هل هكذا يتحدث المتشددون والمتشدّدات؟ 

ونُقل عنها قولها: ”إنهم يتعمدون إساءة استخدام حق اللجوء، ويجهلون تقاليدنا الإنسانية“. نعم، هكذا يتحدث المتشددون والمتشدّدات. 

ويصفها الكثير ممن يعرفها بالسياسية التي تسأل ولا تخجل أن تقول إنها لا تعرف شيئا ما. ولطالما أزعجها وصفُها بـ”المتشددة”. 

ذكاء عاطفي 

تقول في السنوات التالية، إنها لم تختر أن تظلّ بلا أطفال. فقد عانت من إجهاضين. وستظهر في الصورة مع كلبها العجوز من نوع جاك راسل “بكاسو”، الذي تفضّل أن تدعوه “بيكسيلي”. 

كما تقول: “أتمنى أن أموت قبل زوجي. فأعتقد أنه قادر على تدبّر أمره بدوني أفضل مني بدونه”. 

ويبدو أنّ من أوجه سوء فهم كارين كيلر- سوتّر، سهولة إنكار حساسية السياسي اليميني أو ذكائه العاطفي، مهما كان قويا. 

فقد انتُخبت للتوّ بعد 23 عاما، وفي منتصف شهر ديسمبر 2024 تحديدا، وفي القصر الفدرالي، رئيسة لسويسرا لعام 2025. 

فقد اكتسبت سمعة طيبة مرة أخرى. كما تُعتبر الآن امرأة ذات سلطة. فقد ظهرت لها قبل أيام قليلة، صورة رئيسية في صحيفة تاغس أنتسايغر، التي وصفتها بأنها” أقوى سياسية في سويسرا“رابط خارجي، وليس للمرّة الأولى. 

وصمة السلطة 

تُعتبر القوّة في سويسرا، حيث تُوزع السلطة الحكومية بدقة شديدة وتُمنح لفترات محدودة، عيبًا أكثر منها ميزة. وقد استغلت كارين كيلر-سوتر يوم انتخابها رئيسة للاتحاد السويسري، لمحاولة التخلص من هذا الوصف الجديد. فقللت من أهمية نفوذها قائلة في أول جملة من خطابها أمام البرلمان: “كلّ شيء نسبيّ تقريبا”، مشيرة إلى أن هذا الانتخاب بدوره نسبي. 

وقد ينظر البعض إلى المرأة في السلطة بتشكك أكثر من الرجل في نفس المنصب. وسيؤكّد الشعب السويسري هذه الحقيقة في ديسمبر 2024.  

ووفقًا لمقياس الانتخابات لهذا العام، أظهر استطلاع للرأي أنّ ألبرت روشتي، عضو الحكومة الفدرالية عن حزب الشعب ذي التوجه اليميني المحافظ، أكثر تأثيرا من كارين كيلر-سوتر، وتبقى رغم تأثيرها هي أيضا بالقدر نفسه تقريبا، أقلّ منه شعبية بشكل ملحوظ. رابط خارجي

“وضع مؤثر في الناس”  

سألناها في ذلك اليوم كيف ترى وضع سويسرا حاليا؟ فأجابت: ”نبلي بلاءً حسنًا. ولا يشكو الاقتصاد أي مشاكل، وإذا تذمّرنا، فذاك لأجل قضايا رفاهية“. 

وتضيف: ”ومع ذلك، نحن عرضة لهذه الحال من عدم اليقين”. وتذكر حرب روسيا ضد أوكرانيا، والتغير المناخي، والحكام المستبدين الذين يحددون مسار العالم، وحركات الهجرة، والحكومات المنهارة. فتقدّم جردا متشائما. 

وتقول: ”يشعر الناس أن البلاد لا يمكن أن تبقى في مأمن من هذه التطورات”. إذ لا تسمح درجة ارتباط سويسرا بالخارج بذلك. وتشعر كارين كيلر-سوتر أنّ ”هذا الوضع مؤثر في الناس“. 

الهروب بعيدا 

في ويل، تقوم الأم روسلي سوتر، صاحبة مطعم في إيلج، على خدمة الضيوف، ويعتني والدها بالمطبخ والقبو. فقد قضت كيلر سوتر كثيرا من طفولتها، في نهاية السبعينات، في هذا المطعم في شرق سويسرا.  

رئيسة سويسرا
كارين كيلر-سوتر، في عمر 15 سنة. Privé

وباعتبارها الأصغر سنا، كان عليها أن تفرض نفسها في العائلة أمام إخوتها الثلاثة الأكبر منها. كما تعلمت السياسة في النزل. حيث يمكن أن يتفاهم الملاّك الجدد مع الجميع، ومناقشة الأمور برويّة. 

وتتحدث والدتها اللغة الفرنسية بطلاقة مع الزبائن من سويسرا الناطقة بها، عند القدوم إلى ويل لاستلام المركبات من مصنع ”هورليمان“ للجرارات. وإلى اليوم، لا يزال شرق سويسرا يُعدّ قلبها الصناعي المنبثق من إرث صناعة النسيج السابقة. رابط خارجي

المطعم كمدرسة في الحياة 

ويُعدّ المطعم نشاطا تجاريا بالمعنى الحرفي للكلمة، وقد دأبت العائلة على القيام به منذ أجيال. فيكشف درج النقود في كل مساء، عن مدى نجاحك في يوم عمل طويل، ومدى الإقبال، وكم بعت من الطعام.   

وكشفت في إحدى المقابلات لاحقا، أنّ مبدأها الإرشاديّ الأوّل: ” اكسب قبل أن توزع الأرباح”، والثاني: ”الحرية قبل المساواة“، والثالث: ”الخاص قبل الدولة“.  

وتعلمت روسلي سوتر اللغة الفرنسية خلال إقامتها في سويسرا الناطقة بها. وفي وقت لاحق، خلال سنوات دراستها الثانوية، أمضت كارين كيلر-سوتر أيضًا عامًا في مدينة نوشاتيل. وحصلت بعد شهادة الباكلوريا، على دبلوم في الترجمة الفورية. وأمضت سنة في لندن، وفصلاً دراسياً في مونتريال حيث درست العلوم السياسية. 

تأثرها بالليبرالية 

وظهر تحررها المبكّر في الاستماع إلى موسيقى البانك روك، ورفضها الخدمة مع والدها في المطاعم. واعتنقت اليساريّة لفترة من مراهقتها، ثمّ سرعان ما تحولت إلى اليمين، معجبة بمُثُل التنوير، وتعاليم الليبرالية، والمسؤولية الفردية، والحرية.  

وابتعدت عند عودتها عن البيئة الريفية والكاثوليكية، وانضمت إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي الحر عام 1987، في سن 23 عامًا. وباعتبارها امرأة شابة ذات فكر حر، فقد تناقضت مع البيئة المحافظة لأصولها، وسرعان ما لمع نجمها في سماء الشهرة. 

“الوضوح والحديث في صميم الموضوع” 

ويتذكّر غوتليب ف. هوبلي، رئيس تحرير صحيفة سانت غالر تاغبلات آنذاك، قائلا في مقال رشيقرابط خارجي: ”شابة أبهرتني بوضوح أفكارها، ودقة مناقشاتها في صلب الموضوع، وموضوعيتها المركّزة التي كانت تنقلها أيضًا بطريقة رشيقة“.  

ثم أصبحت مستشارة محلية، وعضواً في لجنة الاتحاد الكانتوني للفنون والمهن، ثم مستشارة كانتونية ورئيسة حزب، وعضو في حكومة الكانتون مسؤولة عن الأمن. 

”يبدو أنّ حقيقة قسوة حججها، التي لا تركز أبداً على الرجل أو المرأة أحيانا، لا تزعج ناخبيها وناخباتها.” 

إحساس مجروح بالعدالة 

سرعان ما جذب عملها كمديرة للشرطة الانتباه؛ إذ تعمل على اتخاذ إجراءات سريعة ضد من يثير الشغب، وتشديد إجراءات اللجوء. وقد تمكّنت من خلال هذه القضايا الوطنية، من تحقيق الشهرة على المستوى الوطني.  

صورة تاريخية
الوزير الفدرالي السابق كريستوف بلوخر، إلى اليسار، ووزيرة حكومة سانت غالن كارين كيلر-سوتر، إلى اليمين، يوم الجمعة 2 أبريل 2004 (KEYSTONE/Eddy Risch)

ورشّحها حزبها عام 2010 لعضوية الحكومة الفدرالية. لكن كلفتها سمعتها كمتشددة، ”كرستوف بلوخر في لباس امرأة”، خسارة الانتخابات. وترشح رجل بديلا عنها، يوهان شنايدر-أمان.  

وكتبت صحيفة ”تاغس أنتسايغر“ في صورتها المذكورة أعلاه، ”كيلر-سوتر، الباردة، المتعطشة للسلطة، والقاسية: صورة الوزيرة الفدرالية، صورة مبتذلة أُنشئت لتعيق صعود موهبة سياسية استثنائية“.  

 فوصفت كيلر-سوتر في هذا النصّ إدراكها المرير بعد هزيمتها في الانتخابات قائلة: ”لم أكن هناك إلا لتزيين بطاقة الحزب الانتخابية“.  

وقالت إن إحساسها الكبير بالعدالة، يدفعها في كل شيء. فلا تشكو الهزيمة بقدر ما يؤلمها الظلم. 

السياسة في النهاية هي تدبير المال 

وانضمت كيلر- سوتر إلى مجلس الشيوخ (الغرفة العليا من البرلمان الفدرالي) في عام 2011. وسرعان ما أصبحت على دراية بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية. فتأخذ الدولة وتعطي، وتجمع الإيرادات، وتوزعها، ما مكنها من فهم آليات العمل الحكومي على المستوى الفدرالي.  

ولا تخشى الاحتكاك بخصومها في السياسة، بل تعقد صفقات معهم. فتقدم تنازلات في اللجان، وتحصل على تنازلات منها.  

وتبدو هادئة ومتواضعة في تعاملاتها الشخصية. وتوصف بالانفتاح الإيديولوجي، ولكنها مرنة استراتيجيًا. فتبني شبكات العلاقات وتحافظ عليها.  

 

كيلر سوتر
نجمة صاعدة في عالم السياسة: عضوة الحكومة الفدرالية كيلر-سوتر في مجلس الشيوخ في عام 2023. Keystone / Alessandro Della Valle

وتضع تحت قبة القصر الفدرالي، اللمسات الأخيرة على حرفتها السياسية. فانتخبت عضوة في الحكومة الفدرالية عام 2018، وقبلت وزارة العدل التي تُركت لها، مرغمة في البداية. 

وانتقلت في أول فرصة، إلى وزارة المالية عام 2023. وقد تعلمت من تجربة 30 عامًا من العمل في المناصب السياسية، أن كل سياسة تنتهي بالمال في مرحلة ما. فيقول عالم السياسة لوكاس غولدر: ”يمكنها المساعدة في تشكيل الوضع الحكومي برمته من خلال الشؤون المالية، وهي تستخدم ذلك لصالحها”. 

انتقادات من اليسار 

أُطلقت حملة ضد مبادرة الأعمال المسؤولة، ونجحت في الفوز فيها بفارق ضئيل في صناديق الاقتراع. وتتهمها المعارضة بأنها منخرطة كوزيرة فدرالية أكثر من اللازم. وتصفها صحيفة “فوخنتسايتونغ” (Wochenzeitung)، بأنّها “ملكة رأس المال”. 

كما قادت أيضا عملية بيع طارئة لبنك كريدي سويس الرئيسي، قبل ساعات من انهياره، ما كان سيجر النظام المالي العالمي إلى الهاوية. ويتهمها خصومها بأنها ورطت الدولة في التزامات دون مبرر؛ و”كان ذلك خطأ”، كما عنونت الصحيفة الأسبوعية اليسارية. 

خفض الدعم 

 واقترحت كيلر-سوتر في عام 2024، برنامج ادخار يهدف إلى خفض 5 مليارات فرنك سويسري في جميع مرافق الدولة. وتتهمها المعارضة باتباع أجندة محافظة خفية. وكتبت الصحيفة الأسبوعية: ”تعتقد وزيرة المالية كارين كيلر-سوتر أنها وجدت في المدخرات وسيلة لمحو التقدم الاجتماعي الذي تحقق في السنوات الأخيرة“.  

وتؤكد هي نفسها في مقابلات معها، أن المسألة عندها لا تزال قدرة الدولة على اتخاذ إجراءات. فصرّحت في صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ مثلا: ”من الخطأ الاعتقاد بأن الليبرالية تريد إضعاف الدولة”.  

واتّبعت خطة تقشف طموحة للغاية. فإلى جانب توليها أصعب وظيفة في سويسرا، يبدو وكأنها اختارت لنفسها أيضًا أصعب مهمة؛ إلغاء الإعانات. وقد تهيمن النقاشات حول هذه القضية على عامها الرئاسي، وقد تكون صاخبة، لكنها ما زالت تحب موسيقى البانك روك. ولئن كانت المهمة مرهقة، فإنّ الملاكمة هوايتها المفضلة. 

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية