كالمي – ري تغادر الساحة بعد كفاح بلا كلل من أجل حياد سويسري نشِـط
قررت وزيرة الخارجية السويسرية عدم تجديد ترشحها مجددا لعضوية الحكومة الفدرالية وأعلنت يوم الأربعاء 7 سبتمبر عن مغادرتها لمنصبها في موفى السنة الجارية بعد أن قضت 9 أعوام كاملة على رأس دبلوماسية بلادها.
منذ التحاقها بالحكومة الفدرالية في عام 2003، اجتهدت ميشلين كالمي – ري بقدر كبير من الإلتزام في الترويج لـ “حياد نشِـط” لبلادها في مجال السياسة الخارجية.ومع أن أسلوبها ومبادراتها أثارت في العديد من الأحيان انتقادات شديدة، إلا أن الدبلوماسية السويسرية سجّـلت في الأثناء حضورا أكبر على الساحة الدولية.
ففي الرابع من ديسمبر 2002، انتُـخِـبت ميشلين كالمي – ري بـ 131 صوتا لعُـضوية الحكومة. وآنذاك، كانت السيدة التي تقدّمت يومها لأداء القسم أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه، شخصية نكِـرة بالنسبة لمعظم السويسريين. فبعد أن وُلِـدت وكبُـرت في كانتون فالي، شقّـت الإشتراكية مسيرتها السياسية في كانتون جنيف، حيث انتُـخِـبت فيه نائبة في البرلمان المحلي ثم رئيسة لفرع الحزب الإشتراكي ثم وزيرة للمالية في حكومته المحلية.
شيئتا فشيئا، اكتشف السويسريون وجها جديدا على الساحة السياسية الفدرالية، يتميّـز بملابس أنيقة وبسيطة، تمزج ألوانها في معظم الأحيان بين الأسود والأبيض وشيء من الأحمر في بعض الحالات. كما أضفت تسريحة الشعر المميّـزة، التي تُـصاحب عادةً ابتسامتها العريضة، طابعا غير تقليدي للقصر الفدرالي، بعد أن اتّـضح أن الوزيرة الجديدة رشيقة وحيوية وذات عزيمة قوية في الوقت نفسه.
بعد انتخابها، صرّحت لوسائل الإعلام: “أصطحب معي طبعا مميَّـزا يقدُم من عائلتي من الفالي، كما أحمل معي تجربتي في جنيف، المطبوعة بانفتاح على العالم”. هاتان الخصوصيتان لازمتا مسيرتها ضِـمن الحكومة الفدرالية، حيث اقترنت تصرّفاتها برغبة في الانفتاح على العالم على رأس وزارة الخارجية وطبع صارم ومصمِّـم، سيساعدها على القيام بمهامها.
حياد نشِـط
مثلما كان متوقّـعا، لم يكُـن من السهل التعاطي مع هذا الطبع العنيد. ومنذ البداية، رجّـت أول امرأة تقود وزارة الخارجية، السلك الدبلوماسي، الذي تعوّد على مدى سنوات على أسلوب عمل جوزيف دايس الهادئ جدا. وبـحُـكم أنها تطلُـب الكثير من معاونيها وتتسرّع أحيانا في ردّ الفعل، لم يتّـسم تعاملها في العديد من الحالات بالدبلوماسية المطلوبة مع أقرب العاملين معها، بل ذهب البعض إلى التذكير بلقَـب “الشريرة”، الذي أطلِـق عليها في جنيف عندما كانت مسؤولة عن الشؤون المالية.
مع ذلك، لم يكُـن المطلوب منها الحصول على محبّـة الدبلوماسيين والموظفين داخل وزارة الخارجية، بل اكتساب التقدير والإحترام لسويسرا في الخارج. وبحُـكم ما تتميز به من حيوية واجتهاد، كثّـفت ميشلين كالمي – ري إطلاق المبادرات لإعادة الحياة مجددا إلى سياسة “الحياد النشط” التي سبق أن أطلقتها الكنفدرالية في بداية الحرب الباردة. وفي 20 مايو 2003، أصبحت أول وزيرة لبلد أجنبي يعبُـر مشيا على الأقدام الخط الحدودي الفاصل بين الكوريتين ويتحوّل من الجنوب إلى بيونغ يانغ للتباحُـث مع قادة كوريا الشمالية.
دائما في عام 2003، قدّمت كالمي – ري دعما مُـلفِـتا إلى مبادرة جنيف، وهي خطة سلام غير رسمية، كانت تهدِف إلى المساعجة على استئناف الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتيسير التفاوض على حل نهائي للصراع بين الطرفين. وفي السنوات الموالية، روّجت الوزيرة للمباحثات الرامية إلى إنشاء مجلس لحقوق الإنسان، صُـمِّـم ليكون أداة أكثر نجاعة (من لجنة حقوق الإنسان) لمراقبة احترام المبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة.
في عام 2006، لم تتردّد في توجيه إدانة واضحة – باسم معاهدات جنيف – لعمليات القصف الإسرائيلي على لبنان واعتبرتها “غير متناسبة” وحثّـت في الوقت نفسه جميع الفرقاء على احترام القانون الإنساني الدولي. هذا الموقف جلب لها انتقادات من طرف إسرائيل، ومديحا داخل سويسرا وخارجها في الوقت نفسه. لقد كانت نبْـرة جديدة للدبلوماسية السويسرية، التي تعوّدت على الصمت، تجنُّـبا للمماحكات.
الدبلوماسية العامة
على مدى أكثر من عامين، ظلّـت كالمي ري المرأة الوحيدة في الحكومة السويسرية وتصدَّرت دوريا ترتيب السياسيين الأكثر تقديرا من طرف مواطنيها. وفي عام 2007، بلغت شعبيتها الذروة، عندما تقلّـدت للمرة الأولى الرئاسة الدورية للكنفدرالية. وفي تلك السنة، نظّـمت عشر “لقاءات مع الجمهور”، اجتذبت مئات الأشخاص وأنشدت أغنية “الأجراس الثلاثة” الشعبية في التلفزيون العمومي الناطق بالفرنسية وألقت خطابا حماسيا في مناسبة الإحتفال بالعيد الوطني (1 أغسطس).
في الوقت نفسه، كانت كالمي – ري حريصة على العناية بصورتها، ويرى معارضوها أنها بالغت في ذلك، بل يذهبون إلى إطلاق اتهامات تُـفيد بأن ترويجها لـ “الدبلوماسية العامة”، ليس سوى مُـبرّر لإبراز نفسها، ويستشهدون في هذا السياق، بالإعتراف السريع باستقلال كوسوفو الذي كان خطوة متعجَّـلة برأيهم وبارتدائها لغطاء رأس خلال زيارتها إلى طهران وبمحاولات الوساطة الفاشلة في كولومبيا وبأسلوب إدارتها للأزمة مع ليبيا (إثر اعتقال هانيبال القذافي في جنيف). ويُـمكن القول أن 2008 كان عاما أسود لوزيرة الخارجية وللدبلوماسية السويسرية أيضا، التي تعرّضت لهجوم دولي واسع على السرية المصرفية.
في الوقت نفسه، لا يُـخفي العديد من رجال السياسة في سويسرا، انزعاجهم مما يصِـفونه “أسلوب كالمي – ري” أو بكلمة أخرى، من طبعها. ويرى منتقدوها أنها تتمسّـك برأيها إلى حدّ العِـناد، حتى عندما يصبح من المؤكد أن القضية خاسرة.
في هذا السياق، دعا حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) والحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين)، الوزيرة الاشتراكية إلى مغادرة منصبها حيث اعتبروا أنها لم تراكم سوى الخيبات بدءا من مبادرة جنيف ووصولا إلى الأزمة مع ليبيا كما أنها جلبت في الوقت نفسه عداوات لسويسرا من طرف إسرائيل حتى الولايات المتحدة، كما رأوا أنها أهملت العلاقات مع الشركاء الأوروبيين للكنفدرالية.
مزيد من الحضور على الساحة الدولية
رغم كل شيء، صمدت المسؤولة الأولى عن الدبلوماسية السويسرية بوجه الهجمات التي تعرضت إليها، واستفادت مؤقتا من تركيز الطبقة السياسية ووسائل الإعلام على استهداف وزراء آخرين، مثل سامويل شميت (الدفاع) وهانس رودولف – ميرتس (المالية)، لكن كالمي – ري استمرّت في إثارة الانتقادات. وفي ديسمبر 2010، أعيد انتخابها لشغل منصب رئيسة الكنفدرالية، لكنها لم تحصُـل في البرلمان إلا على 106 صوتا، وهي أسوأ نتيجة حققها عضو في الحكومة السويسرية منذ عام 1919.
في الأثناء، فقَـدت كالمي – ري الكثير من بريقها لدى السويسريين أيضا. ففي سنتها الرئاسية الثانية، احتلّـت المرتبة قبل الأخيرة في ترتيب الوزراء الفدراليين الأكثر شعبية، حيث لم تتقدم إلا على وزير الدفاع أولي ماورر. ومرة أخرى، تدخل أنصارها للدفاع عنها والتشديد على أن واجبها لا يتلخّـص في كسْـب قلوب السكان والبرلمانيين، بل في الدفاع عن مصالح الكنفدرالية في الخارج.
وفي هذا الإطار، يعترف كثيرون، بمن فيهم العديد من معارضيها، أنها اجتهدت بلا كلل على مدى السنوات التسع التي قضّـتها في الحكومة في الدفاع عن الحقوق الإنسانية وعن معاهدات جنيف. كما أنها انخرطت بفعالية، من أجل تنشيط التقليد السويسري في مجال التوسّـط لحل النزاعات، الذي سجّـل تراجُـعا منذ نهاية الحرب الباردة، وسعت إلى أن تلعب الدبلوماسية السويسرية دورا أكثر حيوية داخل المنظمات والهياكل الدولية. وفي كلمة واحدة، تمكين سويسرا الصغيرة من إشعاع وحضور أكبر في عالم اليوم.
1945: وُلِـدت ميشلين كالمي – ري في مدينة سيون يوم 8 يوليو وظلّـت مقيمة في كانتون فالي حتى سن 19 عاما.
1968: تحصّـلت على الإجازة في العلوم السياسية من جامعة جنيف.
1974: انضمت إلى فرع الحزب الاشتراكي في جنيف وعمِـلت حتى سنة 1997 كمسيِّـرة ومديرة لشركة عائلية لتوزيع الكُـتب.
1981 – 1997: انتُـخِـبت نائبة في البرلمان المحلي لكانتون جنيف.
1986 – 1990 ثم 1993 – 1997: ترأست فرع جنيف للحزب الاشتراكي.
1997 – 2002: شغِـلت منصب وزيرة في حكومة كانتون جنيف المحلية.
2003 – 2011: وزيرة للخارجية في الحكومة الفدرالية.
2007 و2011: تقلدت الرئاسة الدورية للكنفدرالية السويسرية.
خلال السنوات التسع التي قضّـتها على رأس وزارة الخارجية السويسرية، “فازت” ميشلين كالمي – ري في جميع الاقتراعات الفدرالية المتعلِّـقة بالسياسة الخارجية.
5 يونيو 2005: وافق الشعب بـ 54،6% من الأصوات المؤيِّـدة على انضمام سويسرا إلى اتفاقية شنغن ومعاهدة دبلن.
25 سبتمبر 2005: أيّـد 56% من الناخبين توسيع مجال تطبيق اتفاقية حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والاتحاد الأوروبي لتشمل عشرة من الأعضاء الجُـدد في الاتحاد.
26 نوفمبر 2006: أعرب 53،4% من السويسريين عن موافقتهم على مساهمة برن بمليار فرنك في ميزانية الاتحاد الأوروبي، تُـخصَّـص لتطوير ودمقرطة بلدان أوروبا الشرقية.
8 فبراير 2009: عبّـر 59،6% من المواطنين عن تأييدهم لتوسيع الاتفاقية المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص، لتشمل كلا من بلغاريا ورومانيا.
17 مايو 2009: منح 50،1% من الناخبين موافقتهم لاعتماد سويسرا لجواز السفر البيومتري، المطابِـق للمقاييس المنصوص عليها في اتفاقية شنغن.
(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.