كوابح الماضي تُـعرقل الإنتقال في اليمن
كلما اقترب اليمن الذي يتطلّع للفكاك من كل قيود الماضي التي كبَّـلته ويتشوّق للإنطِلاق نحْو المستقبل الذي لاح له مع هبة الثورة الشبابية، من محطات حاسِمة للانتقال إلى الواقع المأمول، عبْر استحقاق الحوار الوطني، برزت كوابِح الماضي لتُعيق ذلك الإنتقال وتُعرقِله.
فكلما تَسارَعت وتيرة الترتيبات التي تُهيِّء لمراحل الحسْم التي يقوم بها الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، يطغى تردّد من الفُرقاء السياسيين مِن حسْم خِياراتهم بشأن الحوار، إما خوفاً من ظهور قِوى وأفول أخرى، وإما أملاً بضمان موقِع لها في الخارطة السياسية، التي بدأت ملامِحها تتشكّل من خلال مجموعة من الإجراءات التي يقوم بها الرئيس اليمني من أجل التَّهيِئة للحوار الوطني، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليَتها التنفيذية، لنقل السلطة من الرئيس صالح.
الحِراك الجنوبي والحوثيون والشباب
على الرغم من أنه يبدو مُنقسماً بين تيار متمسِّك باستعادة الدولة الجنوبية وتيار الفدرالية، إلا أن مواقفهما تَميل إلى التشدّد بشأن مُعالجة تسوِية القضية الجنوبية، كلَّما ظهر لهم أنّ منطِق السلطة، التي أذاقتْهم مَرارة الوِحدة، ما زالت تحتلّ مواقع بارِزة في المشهد السياسي اليمني مثل: الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر وأنجال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، إلى جانب قادة في الجيش كان لهُم دور في حرب صيف 1994 وما اعقبها من إبعاد وإقصاء للجنوبيين من مواقع الوظيفة العمومية، المدنية والعسكرية.
في المقابل، فإن الحوثيين في شمال البلاد ومع أنهم ليّـنوا مواقفهم تُجاه الانخِراط في مؤتمر الحِـوار الوطني، إلا أنهم يتردّدون كلّما وجدوا أن خصومهم، فيما يُعرف بحروب صعدة الستة، اللواء على محسن الأحمر والقِوى القبلية والدينية المتحالفة معه، يتصدّرون واجهة المشهد السياسي ويُعزِّزون مواقِعهم على حساب القوى الأخرى.
في الأثناء، تبدو قِوى الثورة من الشباب المستقلِّين والحركات والتكتُّلات، التي لم تُمثِّـل في حكومة “الوفاق الوطني”، أكثر تشدّداً حِيال المشاركة في الحِوار الوطني ومُنقسِمون بين مُطالبين بتمثيل عادِل لهُم في المؤتمر، ورافِضين للانخِراط في الحوار.
مناورات القوى العسكرية
بالمقابل، تخشى القِوى العسكرية والقبلية الأخرى، سواء منها المُوالية لنظام صالح أو المحسوبة على الثورة بقيادة الجنرال الأحمر وحلفائِه، من أن يقلّص الحوار الوطني من حظوظهم ويأتي بأطراف تعمَل على تصفية حسابات معها، ولذلك تلجأ إلى المناورة من أجل أن تضمَن مواقِعها في السلطة وتستمِر في حماية مصالحها التي تمكّنت منها، نتيجة وجودها في مواقع قيادية.
فصالح الذي لم يبْعد كاملاً عن السلطة، ظهر مؤخّراً يُـلوِّح بأنه سيَرأس وفدَ حِزبه إلى مؤتمر الحِوار الوطني، ما أثار قلق الأطراف والقوى السياسية الأخرى، ووصل الأمر إلى أن أحزاب اللقاء المُشترك هدّدت بمُقاطعة مؤتمر الحوار، في حال حضوره، ولوّحت بالانسِحاب من الحكومة في حالِ تمرير قانون المصالحة، الذي ربّما يسمح لصالِح العوْدة إلى الحياة السياسية ومُشاركته بلعب دوْر سياسي.
“عودة صالح.. حجرة عثرة في طريق الحوار”
وفي حوار مع swissinfo.ch، فسر الباحث والمحلِّل اليمني خالد الرماح رفض تلك القِوى مشاركة الرئيس السابق قائلاً: “إن مشاركة صالح تُعطيه المشروعية مجدّداً للعودة إلى المسرح السياسي، متجاوِزة أخطاءه الكبيرة في إدارة البلد خلال 33 سنة الماضية والتي أوصلت اليمن إلى ما هو عليه.. وأيضاً فرض جلوس قِوى الثورة مجدّداً مع صالح، يجعلها موضِع اتِّهام بأنها تجاوَزت عن قتله للمحتجِّين والانتهاكات والعُنف، التي أوغل فيها خلال الثورة”.
ويضيف الرماح أن “صالح قد نال أكثر مما يستحِق بحصوله على الحصانة والنّجاة بحياته وبالثروة التي جمعها، وعليه أن لا يطمَح في أكثر من ذلك وأن لا يتطلّع للَعِب دورٍ سياسي مرّة أخرى، حتى يجري الحوار في أجواء مشجّعة”.
ويرى الرمّاح أيضا أن عودة الرئيس السابق من بوابة مؤتمر الحوار الوطني: ستزيد من تعقيد الأوضاع وتشكِّل حجرة عَـثرة كبيرة للسَّير في طريق الحِوار، مشيراً إلى أنه ينتمي إلى الماضي الذي يُـراد تغيره، فيما هو يُـصرّ على أن يكون جُـزءاً من المستقبل السياسي المنتظَـر، ولا يريد أن يتفرّد به المنشقّ عنه الجنرال علي محسن الأحمر، وِفق ما يردّد في أكثر من مناسبة.
القوى السياسية غير مطمئنة
إلى جانب صالح، تضغط القِوى المتوجِّسة من الجنرال علي محسن الأحمر، مطالبة الرئيس هادي بالحدّ من نفوذ الأحمر داخل المؤسسة العسكرية والقبَلية والدِّينية، وقد أدّت تلك الضُّغوط إلى إصدار قرارات رئاسية قضت بإعادة توزيع المناطِق العسكرية وتعْيِـين قيادات عسكرية جديدة لها، إلا أن الأحمر الذي ظلّ على مرِّ العُقود الماضية وزير الدفاع الفِعلي، لم يستجِب لتلك القرارات، لأنها ستحدّ من نفوذه، وسلَـك هو الآخر طريق المناورة التي سلَـكها خصْمه صالح، ما قد يؤثِّـر على مسار الحوار الوطني المُنتظر.
الدكتور عبد الواسع الحميدي، الاستاذ الجامعي والمحلِّل السياسي علّق لـ swissinfo.ch قائلا: إن ما يجري من مناورات، عِبارة عن محاولات لإقامة موانِع وحواجز تضمَن عدم فتْح ملفّات الماضي”، ولذلك “يعمد كل طرف إلى استِخدام كل أوراقه من أجل تجنّب ما هو أسوأ”، حسب الحميدي.
وخلال الفترة التي أعقبت صُدور تلك القرارات التي ترمي إلى إنهاء انقِسام الجيش، تمهيداً إلى إفلاته من السيْطرة العائلية، لجأ علي محسن ولأول مرّة، إلى التلويح بورقة الجيش، عندما ظهر الأسبوع الماضي يستعرِض بعض الوحدات العسكرية التابعة له في محافظة عمران (50 كلم شمال العاصمة) ما عد في نظر المُراقبين، توجيه رسائل من الجنرال عن عدم قَـبوله بقرارات هادي.
ويرى أولئك المراقبون أن الرئيس هادي قد استطاع خلال الفترة الأخيرة أن يحيد طرفَيْ الصِّراع (صالح والموالون له من قادة الجيش وعلي محسن والموالون له من قادة الجيش) من الهيْمنة المُطلَقة على الجيش، وألحق لأول مرة بعض الوحدات، التي كانت تابعة لهم بقيادة وزارة الدفاع، لكن بقاء جُزء من وحدات الفرقة الأولى مدرّع في يد علي محسن، إلى جانب ما لديه من تحالُفات، جعل الكثير من القوى السياسية غيْر مُطمئِنّة لخوْض الحوار.
الحوار.. أمر لا مفرّ منه!
كذلك، بقاء صالح يطرح المخاوِف نفسها ويرى الرمّاح أن الرئيس السابق لا يزال يملك شبكة من التّحالفات المُعلنة والسِرية ومراكز نفوذ عسكرية واجتماعية وموارد مالية، تُمكِّـنه من خلْط الأوراق واللَّعب على ورقة التحالُفات مع قِوى أخرى، كالحوثيين وفصائل الحراك، من أجل توجيه مخرجات مؤتمر الحِوار الوجهة التي يريدها وبما يخدم مصالحه، إن لم يستخدم تلك القوى لخيارٍ مُحتمل وإفشال مؤتمر الحوار الوطني.
رغم كل شيء، يبدو أن التحرّكات والرِّهانات التي يُبديها كلّ طرف من الأطراف السياسية، غيْر مُجدية، نظراً لأن الإرادة الشعبية الوطنية مع التغيير وهي التي قادته، فضلاً عن أن الإرادة الإقليمية والدولية، تلتقي على حتمية التغيير. لذلك يرى الحميدي أن “أسلم الطُّـرق لتلك الأطراف، هو القبول بحتمية التاريخ وإدراك أن التغيير في البلاد فتح بابه ومن المُستحيل إغلاقه، وأن يعيشوا ما بقى لهم من العُمر في راحة واستِجمام بما لديهم، كما أنه من الأفضل للسّلطة والمجتمع أن لا يستغرِقوا في الماضي ويجعلونه مِحكّاً لتصفِية الحسابات وأن يتّجِهوا إلى بناء الثقة المُطمئنة للْوُلوج إلى المستقبل عبْر التأسيس لقواعد جديدة في إدارة البلاد، حتى لا تتكرّر النهايات ذاتها، وربما بصورة أسرَع وأشدّ مَرارة”.
الخلاصة، أن الحوار الوطني الذي يُعدّ إجراءً تكميليا لبنود المبادرة الخليجية، أمر لا مفرّ منه، وإن حاولت بعض القِوى أن تضغط وتُناور من أجل الخروج بأكبر قدر من المكاسب السياسية.
القضايا التي سيبحثها مؤتمر الحوار الوطني، وفقاً لما ورد في المبادرة الخليجية:
(أ) عملية صياغة الدستور، بما في ذلك إنشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد عدد أعضائها.
(ب) الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها.
(ت) يقف الحوار أمام القضية الجنوبية، بما يفضي إلى حلّ وطني عادل لها يحفظ لليمن وِحدته واستقراره وآمنه.
(ث) النظر في القضايا المختلفة، ذات البعد الوطني ومن ضِمنها أسباب التوتر في صعدة.
(ج) اتخاذ خطوات للمُضي قُدماً نحو بناء نظام ديمقراطي كامل، بما في ذلك إصلاح الخِدمة المدنية والقضاء والإدارة المحلية.
(ح) اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالح الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللاّزمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً.
(خ) اتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها، بما في ذلك الأطفال والنهوض بالمرأة.
(د)الإسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المُستدامة، لتوفير فرص عمل وخدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل للجميع.
في 14 يوليو 2012، صدر قرار رئاسي بتشكل اللجنة الفنية للحوار الوطني مكوّنة من 25 عضواً وقد وسّعت عضوية اللجنة لاحقاً مرتين متتاليتين بُغية استيعاب المزيد من القِوى العمل السياسي .
26 نوفمبر ، صالح يشترط مناصفة حزبه للتمثيل في مؤتمر الحوار .
في 29 نوفمبر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر يعلن نسب التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني على النحو التالي:
المؤتمر وحلفاؤه 112
حزب الإصلاح 50
الحزب الاشتراكي 37
الحزب الناصري 30
الشباب 40
النساء 40
منظمات المجتمع المدني 40
الحوثيون 35
الحراك 85
حزب الرشاد 7
تنظيم العدالة والبناء 7
الرئيس هادي 62
الأحزاب المتبقية في اللقاء المشترك 20
الإجمالي 565
في 12 ديسمبر الرئيس عبد ربه منصور هادي يتسلم تقرير اللجنة الفنية للحوار النهائي المتضمن التصورات والآلية المقترحة والنِّسب الممكنة للتمثيل في مؤتمر الحِوار بعد سته أشهر من عملها .
في 2 يناير 2013 الرئيس عبد ربه منصور هادي يؤجِّل موعد الحوار الوطني الشامل لحين اكتمال قائمة المشاركين فيه.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.