كيف يمكن وقف “الإساءة إلى الأديان” دون “الحد من حرية التعبير”؟
شهد مجلس حقوق الإنسان في دورته الحالية جدلا بين الدول الأعضاء بخصوص مفهوم الإساءة للأديان وعلاقته بحرية التعبير وذلك في سياق مناقشة تقرير حول الموضوع أعده المقرر الأممي الخاص حول أوجه التمييز العنصري.
وفيما اقترح المقرر استبدال أرضية النقاش من “الإساءة للأديان” إلى “التحريض على الكراهية”، انقسمت الدول الأعضاء في المجلس بين مطالب بضرورة إدخال قانون جديد لحماية الأديان، ورافض لذلك بدعوى أن ذلك قد يحد من حرية الرأي والتعبير.
الأمر المؤكد هو أن النقاش لا زال في بداياته داخل مجلس حقوق الإنسان بخصوص ظاهرة تنامي الإساءة لبعض الأديان وبالأخص للإسلام. فقد شهد المجلس يوم 19 سبتمبر نقاشا أوليا بمناسبة استعراض تقرير المقرر الخاص المكلف بمناهضة جميع أوجه التمييز العنصري الذي أعده المقرر السابق دودو ديانغ وقدمه المقرر الحالي غيتهو مويغاي، والذي أنجز خصيصا لمعالجة “مظاهر الإساءة للأديان وبالأخص تأثيرات المعاداة للإسلام على التمتع بكل الحقوق”.
وأظهرت المداخلات التي تخللت النقاش جليا حجم الهوة القائمة بين بلدان عربية وإسلامية تساندها دول إفريقية وآسيوية تعتبر أن هناك ضرورة لقرار قانون جديد يحمي الأديان من المس بها والتجريح والإساءة لها، ودول غربية ترى أن القوانين الحالية كافية وأن أي تشريع جديد قد يؤدي إلى المس بحرية التعبير والرأي.
نداء للدول الأعضاء لتغيير المفهوم
التقرير الذي تم إعداده بناءا على طلب من مجلس حقوق الإنسان، والذي كان من المفروض أن يقدم في شهر مارس 2008، أورد بأن السائد اليوم يتمثل في أن “بعض الأحزاب العنصرية في دول ديمقراطية بدأت تضفي الطابع الشرعي على أفكار عنصرية ومعادية للأجانب”.
وقد تطرق التقرير إلى “بعض أوجه التمييز ضد الأديان وبالأخص التمييز ضد المسلمين، بل أيضا التمييز داخل الدين الواحد خصوصا فيما يتعلق بالأقليات أو التيارات الدينية الجديدة”.
وبالإشارة إلى ما يسمى بصدام الحضارات، أورد التقرير بأن “الوضع الدولي الحالي المتميز بظاهرة محاربة الإرهاب، عزز مواقف أولائك الذين يؤمنون ضمنيا بتفاوت الحضارات والثقافات في المكانة، وشكل أرضية إيديولوجية جديدة لنخبة من المثقفين والسياسيين”.
وفي معرض تعداد العواقب الناجمة عن ذلك، يقول المقرر الخاص “تعميق مخاطر الانقسام الإيديولوجي، والانغلاق حسب الهوية، والتشجيع على ممارسة تصرفات عنصرية عبر مؤسسات رسمية مثل ضرورة التسجيل، أو التهجم ضد معتنقي ديانة من الأديان، أو إبداء عدم التسامح في رؤية رموزهم الدينية”. وينتهي التقرير إلى أن العالم يشهد “تآكلا لمبدإ احترام حرية الدين والمعتقد، وتعزيزا للانطواء الذاتي حسب الهوية القائم على أساس الانتماء الديني”.
وفيما يخص التمييز ضد الإسلام، أوضح المقرر الخاص أن “المعاداة للإسلام تعاظمت بشكل كبير بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001، سواء عن طريق تشديد القوانين الوطنية المستهدفة للأقليات المسلمة، أو عبر تصرفات فردية معادية”، وينتهي التقرير الى خاتمة مفادها أن “الإسلام أصبح مقترنا بالعنف وبالإرهاب وبحتمية وقوع صدام بين الحضارات والأديان”.
وقد ضـمّـن السيد دودو ديانغ في تقريره مقترحا يدعو إلى ضرورة التحول من معالجة الموضوع من مفهوم “الإساءة للأديان” إلى مفهوم “محاربة التحريض على الكراهية بدافع قومي أو عرقي أو ديني”، حيث يرى أن المفهوم الأول اجتماعي في حين أن المفهوم الثاني قانوني ويستند إلى بنود واضحة ومحددة في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
نقاشات.. ومداخلات
ممثلة باكستان التي تحدثت باسم الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي أوضحت بأن “نتائج دراسة تم القيام بها مؤخرا أظهرت بأن المسلمين يُنظر لهم بشكل سلبي في البلدان الغربية السبعة التي شملتها الدراسة، وأن هناك توجها لإلصاق كل المشاكل بالإسلام، وأن المسلمين هم الضحية الأولى للإرهاب”، لكنها عبرت عن الأمل في أن “يؤدي النقاش الدائر على مستوى مفوضية حقوق الإنسان والمقرر الخاص المكلف بمناهضة جميع أوجه التمييز، الى تعزيز الشعور بضرورة اتخاذ معايير دولية لمحاربة التمييز ضد الأديان”.
ممثل الجزائر أشار من جانبه إلى أن “المستهدف في أغلب الأحيان ليس الدين في حد ذاته بل الناس الذين يعتنقونه، وأن الكراهية ضد المسلمين حلت محل الكراهية ضد اليهود التي أصبحت أمرا غير مقبول سياسيا في عدد من الدول الغنية”، وعبر عن “الأسف لكون حرية التعبير يتم الاحتماء ورائها لإذكاء نار الفتنة بين الطوائف”.
ممثل سوريا أدان بدوره “تصرفات الذين يحرفون القوانين المتعلقة بحرية التعبير من أجل إذكاء نار الفتنة بين الطوائف والأفراد”، مؤكدا على أن “لكل حرية حدودا”، قبل أن يضيف “كيف تتم إثارة حرية التعبير فقط عند الحديث عن الإساءة للإسلام، بينما يتم فرض حصار صارم على هذا الحق عندما يتعلق الأمر بقضايا معينة تتعلق بديانات أخرى وبأحداث تاريخية تعود للقرن الماضي؟”، وتساءل الممثل السوري – متوجها بالخطاب إلى المقرر الخاص – عن “الفائدة من تغيير مفهوم بمفهوم آخر”.
ممثل فنزويلا أشار إلى أن النقاش حول الإساءة للأديان أظهر وجود خلافات كبرى وذلك “بتوظيف البعض لمبدأ حرية التعبير، التي ليست حرية مطلقة بل بحدود شأنها في ذلك شان باقي القوانين الدولية”، ومن ثم طالب بوضوح “بضرورة التعجيل بالشروع في مناقشة آلية قانونية مُلزِمة لمحاربة الإساءة للأديان ومحاربة كل مظاهر عدم التسامح التي تنتهك الحقوق الأساسية للأفراد”.
اتفاق هناك.. وخلاف كبير هناك
الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي رحبت – على لسان الممثل الفرنسي الذي تترأس بلاده الإتحاد حاليا – بالإقتراح الصادر عن المقرر الخاص والمفوضة السامية لحقوق الإنسان في تقريريهما بالتحول من معالجة الموضوع من مفهوم “الإساءة للأديان” إلى مفهوم “محاربة التحريض على الكراهية”.
لكن السفير الفرنسي حرص على التذكير بأن “دول الاتحاد الأوروبي تعتبر أن حرية التعبير وحرية المعتقد أمران متكاملان. وأن الحق في حرية التعبير أمر أساسي وضروري لحرية الفكر والضمير”. لذلك، يقول السفير الفرنسي “يجب التفريق بين انتقاد الأديان من جهة وبين التحريض على الكراهية من جهة أخرى”، وأوضح بأن “التحريض على الكراهية الدينية هو وحده الذي يجب منعه، أما احترام التعددية الدينية فيفرض احترام حق كل فرد في مناقشة وانتقاد ومعارضة القيم والمعتقدات”.
ورفض الممثل الأوروبي إمكانية إضافة معايير قانونية جديدة معتبرا أن “القوانين الأوروبية كافية لمحاربة التحريض على الكراهية. وأنه في حال تداخل بين الحقوق الأساسية (في إشارة إلى التداخل بين حرية التعبير والإساءة الى الأديان) يمكن عرض القضية على القضاء لأن المحاكم وحدها القادرة على تقييد الحريات”، وهو تمش يرى فيه “تجنيبا لوضع محاربة التحريض على الكراهية على مائدة النقاش السياسي وترك ذلك بين أيدي القانون”. وبصريح العبارة، عارض الممثل الأوروبي “إمكانية إدخال مفهوم (الإساءة للأديان) ضمن معايير حقوق الإنسان”.
ممثلة بلجيكا أسهبت في نفس الاتجاه موضحة بأن “حقوق الإنسان هي لحماية الأفراد وليس الأديان والأفكار”، واعتبرت أن “التسامح والتعددية يفرضان السماح بطرح الأديان للنقاش وللانتقاد”. منتهية إلى القول بأنه “لا يجب التفريق بين مظاهر التمييز”، معتبرة في الوقت نفسه أن “الملحدين لهم الحق في نفس الحماية”.
وفي المحصلة، فإنه إذا كان الطرفان متفقين على ضرورة محاربة التحريض على الكراهية، فإن الطرف الأول يصر على ضرورة حماية الأديان ولو أدى ذلك إلى الحد من حرية الرأي والتعبير، في حين يُبدي الطرف الثاني تمسكا بحرية التعبير ولو أدى ذلك إلى انتقاد الأديان.
وفي غياب توافق بين الطرفين، يظل الموضوع مطروحا على النقاش في هذا المحفل الأممي وفي العديد من المواقع الأخرى، والأكيد أنه ستتم العودة إليه كلما عرف مؤشر الكراهية العرقية والدينية تصعيدا ملفتا للانتباه أو مثيرا للإنشغال في منطقة أو بلد ما.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
إذا كان المقرر الخاص الجديد المكلف بمحاربة جميع أوجه التمييز، السيد جيتهو مويجي (الذي وجد نفسه مضطرا لتقديم تقرير أعده سلفه)، مقتنعا بضرورة تعميق الحوار، فقد أعلن أنه سيركز بالدرجة الأولى أثناء فترة ولايته على أوجه التحريض على الكراهية العرقية مشددا على أنه “سيعتمد على تقارير المنظمات الأهلية” التي تقوم بجمع تلك الحالات ومتابعتها.
وفي معرض انتقاده لدعاة الاكتفاء بالقوانين الوطنية لمحاربة التحريض على الكراهية والإساءة للأديان يقول: “إن قوانين الدول بها فوارق كبرى عندما يتعلق الأمر بمحاربة التحريض على الكراهية”، لكنه يعترف أيضا بأن “الحالات التي تُعرض على العدالة من حين لآخر تقدم الكثير من الدروس”.
وبالنسبة للذين يرغبون في الحد من حرية التعبير من أجل محاربة المساس بالأديان يقول السيد جيتهو مويجي: “عندما نرغب في الحد من صلاحيات حق من الحقوق الأساسية مثل حرية التعبير أو الرأي، من الضروري أن نطرح التساؤل التالي: أليس في الحل الذي نتوخاه ضررا أكبر؟”.
ويرى المقرر الخاص الجديد أن “هناك تراكمات متجذرة لمظاهر الكره، وبالتالي لا يمكن للعدالة أو القانون وحدهما التصدي لذلك، بل يجب ان يُقابل الفعل الداعي إلى الكراهية بفعل يدعو الى التسامح، وبهذا يمكن إضعاف أصوات أعداء التسامح ودعاة التمييز”، على حد قوله.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.