“لا مفر من وضع حقوق وحريّـات المواطن العربي على رأس الأولويات”
بعد نجاح الشعبين في تونس ومصر في الإطاحة برئيسي البلدين، تتابع المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف باهتمام كبير ما يجري في بلدان عربية أخرى من مطالبات شعبية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان واحترام الحريات وتحقيق العدالة. وعلى غير عادتها، سارعت المفوضية إلى تسليط الأضواء على التطورات الجارية في مصر وتونس والبحرين واليمن وليبيا والجزائر وغيرها بهدف تعزيز احترام الحقوق والحريات في هذه المنطقة من العالم.
وفي لقاء أجرته swissinfo.ch مع السيدة منى رشماوي يوم 16 فبراير 2011 على هامش ندوة صحفية دعت إليها المفوضية، حثت الخبيرة الحقوقية ورئيسة قسم سلطة القانون والمساواة وعدم التمييز بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، الأنظمة القائمة في الدول العربية على الإستماع إلى المطالب التي ترفعها منذ سنوات طويلة منظمات المجتمع المدني المستقلة المدافعة عن حقوق الإنسان وتحويلها إلى برامج إصلاحية إن هي أرادت تفادي ما شهدته تونس ومصر في الشهرين الماضيين.
swissinfo.ch: تتابع المفوضية عن كثب ما يحدث في العالم العربي. كيف تقيمون هذه الثورات الشعبية وما تطالب به؟
منى رشماوي: نحن بالطبع في المفوضية لنا اهتمام كبير بوضع حقوق الإنسان في العالم العربي. وفي الحقيقة هذه لحظة هامة جدا من ناحية حقوق الإنسان في العالم العربي. فقد كنا في بعثة لتونس وشاهدنا بشكل كبير ما يتطلع إليه الشعب التونسي اليوم من ناحية احترام الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
وما يلفت نظري في الحقيقة كمواطنة عربية وما أعتز به كثيرا هو استعمال كلمة “الكرامة” وكيف أن الإنسان العربي اليوم يتطلع بشكل كبير الى كرامته وينظر إليها باعتزاز كبير. فنحن في المفوضية نعتقد بأنها لحظة تاريخية وهامة جدا بالنسبة لاحترام حقوق الإنسان في العالم العربي. ويجب علينا مواكبة مسيرة الإنسان العربي خاصة في تونس ومصر وبالضبط في هذه المرحلة التاريخية بحيث يتم تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية لأن هذه هي المطالب الأساسية التي برزت في هذه الثورات.
عمليا، كيف تعتزمون مواكبة هذه المسيرة؟ وبعد أن أرسلتم وفدا لمعاينة الإحتياجات في تونس، هل لديكم خطة لإرسال لجنة مماثلةإلى مصر؟
منى رشماوي: نحن نتطلع الى حوار جدي مع السلطة الحالية في مصر، سواء سلطة الجيش أو الحكومة القائمة. ونتطلع للتوصل الى طريقة تسمح لنا بمساعدة الشعب المصري بشكل تضامني وإيجابي، ومساعدة السلطات في هذه المرحلة التاريخية الهامة جدا حتى تستطيع الإستجابة لمطالب الشعب المصري.
لكن هل لديكم حاليا هناك اتصالات بالسلطات المصرية؟
منى رشماوي: نحن في حديث وفي حوار مع السلطة في مصر ومع مؤسسات المجتمع المدني ومع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وعلى إدراك ومتابعة تامة بما يحدث. ونتمنى أن نستطيع الذهاب إلى مصر في وقت قريب جدا.
كشفت الأحداث التي يشهدها العالم العربي حجم معاناة منظمات المجتمع المدني العربية من تخلي المجتمع الدولي عنها في صراعها مع الأنظمة بدعوى تجند هذه الحكومات في ما يسمى بالحرب على الإرهاب. هل يمكن توقع أن يتم استدراك هذا التقصير ودعم بناء منظمات المجتمع المدني في العالم العربي اليوم؟
منى رشماوي: بالنسبة لنا في آليات حقوق الإنسان تعتبر مؤسسات المجتمع المدني شريكا حقيقيا وهاما في احترام حقوق الإنسان في وطننا العربي. ولنا في المفوضية علاقة وثيقة واتصال يومي مع مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي. وما تتحدث عنه هو موضوع هام ألا وهو أن الأجندة العالمية بشكل عام ضحت بعمل المجتمع المدني مقابل قضية التعامل مع الإرهاب أو الحرب ضد الإرهاب وما على ذلك.
فمنظمات المجتمع المدني كانت دوما تحاول جلب الانتباه الي ما يجب القيام به لتفادي بناء دولة بوليسية. ولكن ما حدث بالفعل خلال العقدين السابقين هو تعزيز بناء الدولة البوليسية في العديد من الدول وهذا على حساب احترام الحقوق الأساسية من سياسية واقتصادية واجتماعية. كما جلبت معها الفساد واستغلال السلطة والإعتقالات التعسفية والكثير من المشاكل.
بالطبع كانت هناك مؤسسات المجتمع المدني المتواجدة في بعض من الدول العربية وليس في كلها، تحذر من هذه النتائج الصعبة. ولكن مع الأسف لم يكن يُستمع لصوتها بشكل كاف. ولو تم الاستماع لهذه المنظمات التي كانت تحلل مجتمعاتها بشكل جيد على أسس حقوق الإنسان، لما وصلنا الى النتيجة التي وصلنا إليها اليوم. ولكن مع الأسف لم يكن يستمع الى أصوات هذه المنظمات، بل كانت تحارب حربا كبيرة من قبل حكوماتنا في العالم العربي. وبدل أن تتخذ الدول، ما طالبت به منظمات المجتمع المدني على أنه برنامج إصلاحي ناتج عن تحليل تطلعات الشارع، فضلت محاربتها.
واليوم نجد أننا وصلنا الى مرحلة حاسمة تتطلب إعادة ترتيب أوضاعنا في العالم العربي بحيث نضع حقوق وحريات المواطن العربي في أولى الأولويات وهذا ما يطالب به المواطن العربي اليوم. إنه يطالب بكرامته وإنسانيته وباحترام حقوقه وان يُعامل كإنسان عربي كما تعودنا عليه من خلال دراستنا في تاريخنا العربي وفي مناهجنا التعليمية. فالمواطن يرغب في أن يتحول ذلك الى ممارسة يومية وبالتالي هذا هو المطلب العربي اليوم.
الملاحظ أن المرأة في العالم العربي، سواء فيما حدث في تونس او في مصر شاركت الى جانب الرجل للمطالبة التغيير. بل هناك تحركات حتى في السعودية للمطالبة بمزيد من الحقوق للمرأة. فهل لك أن توجهي كلمة للمرأة العربية في هذه المرحلة الحاسمة؟
منى رشماوي: المرأة العربية هي مواطن عربي تعيش في أرضها ووطنها وفي عائلتها وليس على المريخ. فهي تعامل كما يعامل أي فرد وهي 50% او 60% من المجتمع ولذلك لا يمكن اليوم أن نتحدث عن العالم العربي أو المجتمع العربي بدون أن نتحدث عن المرأة العربية.
ولذلك فإن أجندة الإصلاح يجب تشمل المرأة العربية وإلا تكون قد همشت 50% من شعبك. وهذا ما لا يقبل به اليوم الشعب العربي، لأن تهميش المواطن او المواطنة العربية اليوم لم يعد مقبولا. فقد قامت المرأة بجانب مما تم في تونس وما تم في مصر وهي اليوم جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة.
ألا ترين أن طموحات القائمين بهذه الثورات لم توف حقها من قبل آليات حقوق الإنسان؟ ثم ألا ترين أن عدم إقدام مجلس حقوق الإنسان على تخصيص جلسة لمناقشة الإنتهاكات سواء في تونس أو في مصر تقصيرٌ من قبل هذه الآليات؟
منى رشماوي: ما يمكن قوله في هذا المجال هو أنه من الواضح أن الحكومات لا تواكب تطلعات شعوبها، وليس فقط في منطقتنا العربية، لأننا نرى أن الشعوب في واد والحكومات في واد آخر. وهذه الهوة الكبيرة بين الشعوب والحكومات يجب البحث عن طريقة لتقليصها.
وفي الواقع، فان ما يحدث اليوم في العربي هو أمر تاريخي وحساس يفرض علينا إما أن نكون مع شعوبنا أو ضدها والخيار واضح. فالحكومات العربية تدرك جيدا بأن أساسها هو الشعوب وهي شعوب نفتخر بها لأنها وطنية ومرتكزة على أروع ما في حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الاجتماعية.
هل تعتقدين بأن ما يحدث اليوم من تطور هائل في نظرة المجتمعات العربية لواقع احترام الحقوق والحريات، سيكون له تأثير على عمل آليات حقوق الإنسان الأممية؟
منى رشماوي: يجب أن يكون له تأثير. لأنه من أجل أن تكون لآليات حقوق الإنسان مصداقية لدى رجل الشارع، يجب أن تضع يدها على نبض الشارع وأن تكون متجاوبة مع ما يتم في المجتمعات، وإلا سوف لن تكون قادرة على تفادي المشاكل التي رأيناها في تونس ومصر.
منذ يوم الثلاثاء 15 فبراير 2011 (وقبل أن يرتفع عدد الضحايا إلى أربعة أشخاص) عبرت السيدة نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان عن قلقها بخصوص الإستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات في البحرين، بما في ذلك قتل اثنين من المتظاهرين بطريقة سلمية. وناشدت السلطات من أجل احترام حق التظاهر.
فقد تم قتل علي عبد الهادي الموشيمة يوم الاثنين 14 فبراير، وفهد سلمان متروك يوم الثلاثاء 15 فبراير من قبل قوات الأمن في البحرين.
وقالت السيدة نافي بيلاي في بيانها “لقد تم قتل الكثير من المتظاهرين السلميين في الآونة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا”.
وأضافت “على السلطات، حيثما كانت، أن تتجنب بشدة الاستخدام المفرط للقوة، الأمر الذي يحرمه القانون الدولي. وأن عليها ان تقوم في أقرب وقت بالتحقيق بطريقة محايدة وشفافة في الانتهاكات التي ارتكبت”.
وشددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان على أن الاستقرار الاجتماعي الدائم لا يمكن بناؤه إلا على أسس حرية التعبير والتجمع السلمي. يضاف الى ذلك أن البحرين التي تعتبر بلدا موقعا على العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية عليها أن تحترم كلية التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
وناشدت المفوضة السامية التي زارت البحرين في شهر ابريل 2010، السلطات في المنامة “من أجل الحد من تجاوزات جهاز الأمن والقيام بتحقيق جدي في إدعاءات ممارسة التعذيب وانتهاك حقوق مئات السجناء السياسيين والنشطاء الحقوقيين المعتقلين”.
وقالت المسؤولة الأممية: “إن هؤلاء النشطاء المعتقلين، ومن ضمنهم بعض الأطفال بعضهم في العاشرة استفيد أنهم معتقلون بدون أن يسمح لمحاميهم أو لعائلتهم بالإتصال بهم، وأنهم يتعرضون لأسوء المعاملة في الاعتقال”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.