لبنان أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل: “نموذج للتعايش يحتاج الى تحسين”
أثناء مناقشة تقرير لبنان أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، شدد الوفد الرسمي على المكانة المخصصة لحقوق الإنسان في مجتمع يعتبر نموذجا للتعايش. وفيما دعمت الدول العربية والصديقة ذلك، طالبت عدة دول غربية بالحد من ممارسة التعذيب وإلغاء عقوبة الإعدام والعمل على تحسين ظروف معيشة وإقامة وعمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
لتقديم تقرير لبنان أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل يوم 10 نوفمبر 2010، تضمن الوفد اللبناني الذي ترأسه أمين عام وزارة الخارجية والمغتربين السيد وليم حبيب، ممثلين عن مختلف الوزارات المعنية وإدارات الأمن والمصالح المعنية بالعمالة الأجنبية.
وأثناء تقديم التقرير الرسمي لبلاده المكون من حوالي 30 صفحة، شدد السيد وليم حبيب على أن لبنان “ينفرد بكونه قد ضمَّن مقدمة دستوره إلتزامه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنه ساهم مباشرة في صياغة الصك الدولي سنة 1948”.
وعلى غير عادة غالبية الدول العربية، أسهب الممثل اللبناني في التشديد على أهمية مشاركة منظمات المجتمع المدني في إعداد التقرير، مع إقراره بأنه “تم الإستماع إلى مساهماتها القيمة في المرحلة النهائية من إعداده”.
“مرحلة مفصلية”
لم يتردد الممثل اللبناني في معرض توضيحه للتركيبة الإجتماعية والسياسية لمجتمع بلاد الأرز العاكسة لتنوعه الديني والثقافي، في اقتباس عبارة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني الذي قال بالحرف: ” لبنان أكثر من وطن.. لبنان رسالة”. ولكن هذا التنوع له تحدياته كما أن الحروب المتعاقبة عملت على تعطيل مسيرة حقوق الإنسان في هذا البلد ودفعت بأكثر من نصف سكانه إلى الهجرة في الوقت الذي يستقبل فيه أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والعمالة الأجنبية.
التحديات الناجمة عن هذه العوامل المختلفة وتأثيرها على مجمل أوضاع حقوق الإنسان كانت محور معظم التدخلات التي رافقت استعراض التقرير اللبناني، لكن الوفد الرسمي شدد على أن المرحلة الحالية تعتبر “مفصلية شديدة الأهمية”، وأسهب في شرح “الخطة الوطنية لحقوق الإنسان” التي لا زالت قيد الإعداد والتي تعتزم إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس (هي اليوم على شكل مشروع معروض على وزارة العدل وعلى لجنة حقوق الإنسان النيابية) وتعيين وسيط الجمهورية (في قضايا حقوق الإنسان) بعد صدور قرار بهذا الخصوص في عام 2005 (لكن الحكومة مازالت تجهز لتعيينه وإصدار المراسيم التطبيقية بشأنه)، إضافة إلى إنشاء مكتب لحقوق الإنسان في وزارة الداخلية والبلديات ومديرية قوى الأمن الداخلي، واستحداث مديرية عامة لحقوق الإنسان والحريات العامة بوزارة العدل.
التقرير الرسمي اللبناني استعرض أيضا تعاون بيروت مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان، حيث استقبل البلد زيارة لجنة مناهضة التعذيب ويقوم بالإعداد حاليا لاستقبال المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للرق، لكن رئيس الوفد أعلن بطريقة غير معتادة (على الأخص من قبل دول عربية) عن “استعداد لبنان للتعاون مع المقررين (الأمميين) الخاصين في جميع المجالات ومع أصحاب الولايات ذات الصلة”.
تثمين عربي لإيجابيات التقرير
للتعقيب على تقرير لبنان وتقديم التوصيات تم إعداد قائمة تضم 66 دولة طلبت التدخل في النقاش، لكن الوقت المخصص للمراجعة لم يسمح إلا لثمانية وأربعين مندوب بالتحدث أمام المجلس، معظمها دول عربية وصديقة لم تتردد في توضيح إيجابيات التقرير اللبناني وتقديم توصيات للحكومة اللبنانية بمواصلة الجهود في خطوات أعلنت فعلا عن شروعها في إنجازها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
الأردن ثمّن بالخصوص إشراك ممثلي المجتمع المدني في الإعداد للتقرير، فيما ردّد وفد الإمارات أن دستور الجمهورية اللبنانية أشار إلى احترام حقوق الإنسان “مما يدل على حرص لبنان وعزمه على ترسيخ هذه الحقوق في أسمى وثيقة تشريعية في البلاد”. وفيما ذكّـر المندوب السعودي بأن لبنان “يستضيف المكتب الإقليمي للمفوض السامي لحقوق الإنسان”، أوصت قطر الحكومة اللبنانية “بمواصلة بذل جهودها من أجل ضمان التفاهم والتعايش السلمي بين جميع أطياف الشعب اللبناني”.
ومن التوصيات “المحايدة” و”غير المحرجة” التي عادة ما تقدمها الدول العربية لدى استعراض تقرير دولة عربية أخرى، بما في ذلك لبنان، تكررت الإشارة في مداخلات ممثلي الدول العربية إلى “مواصلة الجهود لتعميم التعليم” و”تقديم توصية بمراعاة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، ما دفع أحد المراقبين إلى القول “وكأن الدول العربية ليس بها سوى مُعاقين وأمّيين”.
التعذيب..والإعدام.. والعمالة الأجنبية
الدول الغربية لم تتردد من جهتها في الإعراب عن استحسانها لبعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية أو تعتزم اتخاذها من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان بالنسبة لجميع مكونات المجتمع اللبناني، لكنها حرصت على تحديد جملة من القضايا ترى أنها تحتاج الى تصحيح أو تحسين.
في هذا السياق، أشادت الولايات المتحدة بالخطوات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وبالأخص”مشروع القانون الرامي لحماية المرأة من العنف المنزلي، والجهود المبذولة لإصلاح القانون الجنائي لكي يتماشى مع معاهدة منع التعذيب، والنوايا الهادفة لإقامة مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان”، لكنها عبرت في الوقت نفسه عن “القلق من كون بعض أنواع التعذيب النفسي ليسن مُجرّمة في لبنان”، لذلك أوصت بـ “تجريم كل أنواع التعذيب كما تنص على ذلك معاهدة مناهضة التعذيب، واتخاذ إجراءات تأديبية تتناسب مع خطورة الجريمة”.
نفس النقطة أثارتها فرنسا التي شددت بدورها على “ضرورة رفع التحفظ على المادة 22 من معاهدة منع التعذيب وضرورة التسريع بإقامة الآلية الوطنية المستقلة لزيارة السجون، وتسليط الأضواء على الإدعاءات باستمرار حالات التعذيب”.
وقد أثارت النرويج ومعها عدد من الدول الغربية مسألة العمالة الأجنبية المستخدمة في البيوت وهشاشة الإطار القانوني الذي تخضع له، وطالب المندوب النرويجي بضرورة “إلغاء نظام الكفالة وتعويضه بنظام يتماشى والقوانين الدولية”.
وفي سياق رده على المداخلات، أوضح رئيس الوفد اللبناني ونائب وزير الخارجية السيد وليم حبيب أن “وزارة العمل أنشأت لجنة تسيير وطنية تشمل ممثلي كل الوزارات المختصة والمنظمات الدولية والجمعيات الأهلية… تعمل على إعداد مشروع عقد عمل مُوحد يشتمل على شهادة تأمين إلزامية” وأكد أنه “تم تنظيم عمل مكاتب الإستخدام المتخصصة في العمالة المنزلية وتم إعداد كتيب بلغات العمالة المتوافدة يوزع عليها عند وصولها الى لبنان”.
ومع أن لبنان لم ينفذ أية حالة إعدام منذ عام 2004 رغم صدور عدة أحكام بالإعدام، فإن هذا الموضوع كان محط توصيات تدعو الحكومة اللبنانية إلى العمل على الإلغاء النهائي لهذه العقوبة.
وبعد الإستماع الى شروح الوفد اللبناني وتساؤلات الدول الأعضاء، ستقوم الترويكا المكونة من ثلاثة بلدان وهي شيلي وماليزيا ونيجيريا بإعداد التوصيات التي ينتظر أن يتم إقرارها يوم الجمعة 12 نوفمبر الجاري.
استعراض تقرير لبنان أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، أدى في عدة مرات الى مشادات كلامية بين الوفد الإسرائيلي وكل من الوفد السوري واللبناني عندما أثار هذان الأخيران سواء في التقرير أو اثناء تدخل الدول “تأثيرات الغزو الإسرائيلي” سواء على أوضاع حقوق الإنسان في لبنان او على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في لبنان منذ عشرات السنين.
فقد قاطع الممثل الإسرائيلي كلمة الممثل السوري مطالبا رئيس المجلس بالتدخل. لكن الممثل السوري واصل إلقاء كلمته ليشير الى أن “قيام إسرائيل وتهجير ملايين الفلسطينيين قسرا من اراضيهم وإنكار حق عودتهم لديارهم أدى الى تعرض لبنان لاعتداءات متكررة ومجازر مروعة من قبل إسرائيل… أدت الى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من التمتع بالحق في السكن والغذاء..”
نفس الموضوع طرحته بعض الدول الغربية من باب مطالبة لبنان بمواصلة تليين القيود المفروضة على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وهو ما قال بشأنه رئيس الوفد اللبناني ونائب وزير الخارجية السيد وليم حبيب: “الحكومة اللبنانية وضعت اساسا جديدا للتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين وأنشأت لجنة حوار لبنانية – فلسطينية مهمتها تسهيل إيجاد حلول لتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين”
من التحسينات، عدد الممثل اللبناني “إصدار قرار وزاري يقضي بحق عمل الفلسطينيين المقيمين في لبنان في كل المهن التي يزاولها اللبنانيون وألغت رسم إجازة العمل للفلسطينيين”.
وفي رده على ترديد العديد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لتوصيات بـ “ضرورة السماح بحرية تنقل آلاف اللاجئين المقيمين في لبنان والإسهام كأعضاء كاملي العضوية في المجتمع”، ذكّر الممثل اللبناني بأن “الدستور اللبناني اشار في مقدمته الى أنه لن يسمح بتوطين الفلسطينيين على اراضيه وهو ما يقع في صلب المصلحة العليا للشعبين وأكدت عليه مبادرة السلام العربية”.
أما فيما يخص الجانب الإنساني، أشار الممثل اللبناني إلى أن “لبنان الذي لا يتسع لأبنائه، لا يمكنه أن يعطي أكثر مما لديه، وأن رعاية الفلسطينيين صحيا وتعليميا هي من صلاحيات منظمة الأونروا”.
وفي انتقاد لمن يطالبون لبنان ببذل المزيد أوضح الممثل اللبناني بأن “على هؤلاء أن يُراجعوا مساهماتهم لمنظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تعاني من نقص في التمويل”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.