لبنان وحزب الله يتراقصان على “حافة الهاوية”
ثمة اجتهادان هنا: أنصار الاجتهاد الأول يقولون إن الأمر على هذا النحو بالفعل، وهم يستشهدون ببيانات بعض قادة حزب الله مؤخّراً، التي قالوا فيها إن "القتال في سوريا واجب وطني وأخلاقي"..
.. وأيضاً بكلام الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام، أمام وفد من تيار 8 مارس اللبناني، الذي نعى فيه سياسة النأي بالنفس اللبنانية ودعا حلفاءه اللبنانيين إلى الانخِراط معه مباشرة وعلناً في قتال المعارضة المسلحة.
يقول أنصار هذا الرأي أيضاً إن زيارة زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله إلى طهران، ترافقت مع أنباءٍ زعمت بأنه تلقّى خلالها طلبات مُباشرة من آية الله خامنئي بوضع “كل ثقل الحزب” إلى جانب نظام الأسد، على الأٌقل مرحلِيا.
وجنباً إلى جنب مع هذه المؤشّرات، كانت الأنباء تتواتر في بيروت عن أن حزب الله بدأ يستقدِم مقاتلين من جنوب لبنان ويدفعهم بأعداد مُتزايدة إلى جبهة حُمص، بعد أن أثبت مُقاتلوه القادمون من شيعة سهْل البِقاع (الذين قيل أنهم تكبّدوا خسائر جمّة في سوريا)، عدم دراية قِتالية كافية.
الاجتهاد الثاني
الاجتهاد الثاني يُشير إلى أن التورّط العسكري للحركة في سوريا، سيكون محدوداً استراتيجياً، بمجرّد تأمين مُثلث حُمص – اللاذقية – دمشق، الذي يعمل النظام السوري الآن على مُحاولة تأمينه، تمهيداً ليس فقط للدّفاع عن العاصمة، بل أيضاً لخوْض حرب طويلة الأمد، إنطلاقاً منه.
ويقول أنصار هذا الرأي، إن الحزب لا يزال يرفض تمديد الحرب الأهلية السورية إلى لبنان، لأن ذلك سينسِف كلّ أوراقه الإقليمية، بكونه الخط الدّفاعي الأول لإيران ضدّ إسرائيل. ومن شأن توسيع تورُّطه في الحرب السورية، أن يجعل هذا النّسف مُحتماً، لأنه سيُفجِّـر في خاتمة المطاف، الخلافات والصّراعات بين السُنّة والشيعة اللّبنانيين.
أي السيناريوهين الأقرب إلى الصحة؟
الكثيرون في لبنان والمِنطقة يتمنَّـون أن يكون تورّط حزب الله محدوداً، كما كان طيلة السنتيْن الماضيتين، إذ مِن شأن تحقّق السيناريو الأول، أن يجرّ لبنان برُمَّته إلى أتُـون الحرب الأهلية السورية، على قاعدة صراع سُنّي – شيعي واسع النطاق، يمتد هلاله من طهران إلى حارة حريك في بيروت، مروراً ببغداد ودمشق.
والأرجُح في هذه الحالة، أن يتّخذ الصِّراع في لبنان شكلاً أمنياً، شبيهاً إلى حدٍّ بعيد بالنموذج العراقي الرّاهن، حيث تقوم المنظمات الجهادية السُنّية بعمليات انتحارية وتفجير سيارات مفخَّخة في الضاحية الجنوبية من بيروت، فتردّ عليها المنظمات الشيعية المُتطرِّفة (وهي قوية الحضور على يمين حزب الله) بالمِثل في المناطق السُنّية. وبالطبع، ستدخل حتْماً المخابرات السورية والإسرائيلية وغيْرها من الأجهزة على هذا الخط، لتأجيج نيران الصراع.
قد لا تصل الأمور في لبنان في هذه الحالة إلى مرحلة الحرب الأهلية مع خطوط تماس واضحة بين السُنّة والشيعة أو بين قوى 14 و8 مارس، لكن بطْن لبنان سيكون مفتوحاً في كل حين على هذا الاحتمال، خاصة مع الضغوط الشديدة والمتواصِلة التي يُمارسها النظام السوري، لتحويل حربه الداخلية إلى حرب إقليمية شاملة.
مؤشرات.. ولكن؟
حتى الآن، المؤشِّرات تدلّ على أن السيناريو الثاني (المحدود) لا تزال له اليد العُليا، وهذا كان واضحاً من الصّفقة الإيرانية – السعودية الكبرى، التي تم بموجبها تكليف تمّام سلام، المقرَّب من الرياض، بتشكيل الحكومة الجديدة، والتي فسّرها الكثيرون على أنها مسعىً لتنفيس الاحتِقان السُنّي – الشيعي، وبالتالي، لمنع تمدّد الحرب السورية إلى لبنان.
مؤشِّـر آخر، هو استمرار تمسُّك حزب الله برِوايته “الوطنية اللبنانية”، أي أنه يُقاتل في سوريا للدفاع عن مواطنين لبنانيين يقطُنون قُـرىً حدودية سورية. وهذه الرواية، على ضعف مَنطِقها مهمّة، لأنها بمثابة إشارة إلى وجود رغْبة في تجنّب الوقوع كليا في فخّ السيناريو الأول.
بيْـد أن المشكلة هنا، هي أن حزب الله ليس اللاّعب الوحيد على الساحة اللبنانية. فماذا لو عمدت المخابرات السورية مثلاً، قبل جبهة النّصرة أو غيرها من المنظمات الجهادية، إلى تفجير السيارات الملغومة في المناطق الشيعية؟ (قيل أن حزب الله اكتشف مؤخّراً ثلاث سيارات مفخّخة في الضاحية الجنوبية من دون الإعلان عن ذلك). ألَـن يؤدِّي ذلك إلى سلسلة ردود فِعل تفقد فيها الأطراف اللبنانية المعنية السيْطرة على الوضع؟
هذا الاحتمال ليس مُستبعداً على الإطلاق. ويكفي هنا أن نتذكّر سيناريو التفجير واسع النِّطاق، الذي عهدت به المخابرات السورية إلى الوزير السابق ميشال سماحة، والذي كان سيؤدّي لو رأى النور، إلى اشتعال أعمال عُنف طائفية في الشمال وفي باقي أنحاء لبنان.
مُنعطف خطر
ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ أمراً واحدا: حزب الله وضع لبنان على مُنعطَف خطِر بمَعارِكه في مثلث حمص – دمشق – اللاذقية، حتى ولو كان هدفه محدودا. فهو يلعب، يرمي بعيدان ثِقاب مُشتعلة في حقل من العُشب اليابِس سريع الاشتِعال.
والمَخرَج الوحيد الآن من احتمال تدهْـور الوضع الأمني بسرعة أو خروجه عن نطاق السيطرة في الداخل اللبناني، هو الإسراع في تسهيل وِلادة حكومة سلام.
لماذا؟ لأن هذا سيكون أهَـمّ مُؤشِّـر على أن حزب الله وحلفاءه لم يخضعوا تماماً إلى ضغوط الأسد وإملاءاته وأن شعار النَّـأي بالنفس العقلاني، لا يزال حيّاً، وإن جُزئيا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.