لبنان يتأرجح بين اهتزاز الوضع الأمني والحرب الأهلية
الكل في لبنان كان يعلم، وفي مقدّمتهم حزب الله، أن التفجيرات الإرهابية آتية لاريْب فيها: أمس، في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية الشيعية، التي ذهب ضحية انفجار السيارة الملغومة فيها الثلاثاء الماضي نحو 50 جريحا، وغداً ربّما في الطريق الجديدة السُنيّة في بيروت.
ولأن الكل كان يعلَم، لا أحد فوجِئ، لا بل العكس: العجب كان أن يمُر كل هذا الوقت منذ أن انخرط حزب الله اللبناني بكليته في الحرب السورية، قبل أن ينتقِل لهب الحريق إلى بلاد الأرز.
والحال، أن هذا الوقت لم يمر في الواقع، إذ أن مصادر أمنية لبنانية وثيقة الإطلاع، كانت قد أكّدت مؤخراً أن حزب الله ومخابرات الجيش اللبناني، اكتشفت 33 سيارة مفخّخة خلال الأسابيع القليلة الماضية، مُعظمها في الضاحية الجنوبية من بيروت، وأن هذا ما دفع العديد من مسؤولي الحزب وأقاربهم ومعارفهم إلى نقل عائلات بأكملها إلى الجنوب على جناح السّرعة.
وحقيقة أن حزب الله لم يكشِف النِّقاب عن هذه السيارات، هو دليل فاقِع على أنه كان يستعِد لوقوع هذا التطوّر، منذ اللحظة الأولى لإعلان أمينه العام السيد حسن نصر الله في مايو الماضي، الانخراط رسمياً وعلناً في الحرب إلى جانب النظام السوري.
شلل سياسي
القول أن الحزب “كان يستعِد” من دون إعلان (بهدف عدم نشر الرّعب في صفوف أنصاره وسكان الضاحية)، يعني أنه كان واثِقاً ومتأكّداً من أن الحرب ستصِل إلى معاقله في نهاية المطاف. وبما أنه ليس في وارِد سحْب الخمسة آلاف مقاتل من سوريا في أي وقت قريب، لا يبق أمامه سوى، إما التغطية الإعلامية على التهديدات الأمنية أو إعداد جمهوره بالتدريج لتقبّـل أثمانها ومضاعفاتها.
الآن، وطالما الصورة على هذا النحو، لا يتوقّع أحد أن يعمد حزب الله إلى القيام بأي خطوة سياسية لتحصين الوضع الداخلي اللبناني من مضاعفات الحريق السوري: لا على صعيد تشكيل حكومة وِحدة وطنية، ولا لإنقاذ المؤسسات العسكرية والأمنية من مخاطر الفراغ، ولا لترميم الوضْع الاقتصادي المُتدهْور.
لماذا؟ لأن مثل هذه الخطوات، خاصة تشكيل الحكومة، ستضع الحزب فوراً في قفص المساءلة والتدقيق حول ما يقوم به في سوريا، في وقت لا يبدو فيه أي بصيص ضوء في نهاية نفَق تورّطه الخطير في الحرب السورية.
كل ما سيقوم به الحزب في هذه الفترة، هو العمل على تعبِئة قواعده على الصعيديْن، السايكولوجي والأمني، لتقبُّل مسلسل التفجيرات الآتية، كواقع لا مهرب منه، وهذا يشمل التخويف الدائم من “قاطِعي الرؤوس” و”آكلي القلوب”، المتطرفين والتكفيريين السُنّة، وترسيخ الاعتقاد بأن وجود قوات الحزب في سوريا هدفه الدّفاع عن الشيعة في لبنان تحت شعار: “فلنذهب إليهم بدل أن يأتوا إلينا”.
بكلمات أوضح: الحزب جاهز لانتقال الحرب السورية إلى لبنان، بوصفها جزءاً من الأثمان والتضحيات (التي أشار إليها نصر الله في خطابه الأخير) والتي يجب أن تُبذل “لنُصرة النظام المقاوِم والمُمانع” السوري، كما قال. هذا على رغم أن الحزب بذل بالفعل جهوداً كبيرة لمنع حدوث هذا التطوّر، لأنه ببساطة لا يستطيع خوض معارِك على الجبهات الثلاث، سوريا ولبنان وإسرائيل، في وقت واحد.
خطر العرقنة
حسنا. لبنان إلى أيْن الآن من هنا؟ معظم المحللين في الداخل اللبناني وخارجه، لا زالوا مُصرّين على القول أن الاضطرابات الأمنية في لبنان لن تترجم نفسها حرباً أهلية. فلا حزب الله ولا أي طرف لبناني آخر يريدها، ولا الدول الكبرى، التي تسعى بشكل حثيث لمنع توسُّع وامتداد الحرب السورية في المنطقة، تسعى إليها، وهذا تأكّد مجدداً قبل أيام، حين قالت مصادر دبلوماسية إن “الولايات المتحدة وفرنسا اتفقتا مع المملكة العربية السعودية على منع انتقال الحرب الأهلية السورية إلى لبنان”.
علاوة على كل ذلك، أي حرب أهلية لبنانية جديدة، تتطلّب تمويلاً مالياً كثيفاً، وهذا ما لا تستطيع القوى الإقليمية المعنية (من إيران إلى السعودية) تحمّله، بسبب انغماسها الراهن بكليتها في هذه المرحلة في تمويل الحرب الأهلية السورية، وبالتالي، الأرجُح أن يقتصر الأمر على التفجيرات الموضعية على النّمط العراقي، حيث العمليات الإرهابية تضرب الأمن، لكنها لا تجر المجتمع ككل إلى حرب مفتوحة.
استنزاف الجيش
أخبار مُطَمئِنة للبنانيين؟ أجل، ولكن ليس كثيراً، حين نتذكَّر أن كلفة مثل هذه “العرقنة” في لبنان ستكون مئات وربما آلاف القتلى والجرحى، وتوجيه ضربات قاصمة للاقتصاد اللبناني المتأرجح أصلاً على شفير الهاوية.
وهذه حصيلة يجب أن يُسأل عنها طرف واحد هو وحده كان المسؤول منذ عقد وحتى الآن عن لعبة الحرب والسلام في لبنان: حزب الله، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، ثمّة خطر كبير بأن تتعرّض مؤسسة الجيش اللبناني، التي تعتبر الضامن الوحيد للسِّلم الأهلي في البلاد، إلى إنهاك واستنزاف شديدين، في حال استمرت الأزمات الأمنية المُتنقِّلة من الجنوب في صيدا إلى الشمال في طرابلس، مروراً بمنطقة البقاع المحاذية للحدود السورية.
يقول هنا المحلل الاستراتيجي إميل حوكايم: “إن كلا ً من حزب الله (الشيعي) والقيادة السُنيّة لا تزال حريصتيْن على تجنّب المجابهة المباشرة بينهما. لكن الخطر الحقيقي على لبنان، هو التآكل التدريجي لمِصداقية القِوى الأمنية، بفعل الاضطرابات الأمنية المُتنقِّلة. وفي حال سقط لبنان، فإنه سيسقط بسبب هذه الديناميكيات المحلية، التي تضغط الآن بقوّة على الجيش، وليس لأن ثمّة طرفاً يقول إنه حان وقت القتال للسيطرة على البلاد”.
تحليل في محله؟
أجل، إذ أن تورّط حزب الله في سوريا، والذي تمّ على الأرجح بفتوى مباشرة من ولِي الفقيه الإيراني، قد وضع لبنان بالفعل في قلب الحريق الإقليمي الرّاهن بين السُنّة والشيعة.
وحين يبدأ المتطرِّفون السُنّة هجماتهم الإرهابية والانتحارية، كما هو متوقّع، على المناطق الشيعية ويرد المتطرّفون الشيعة بالمثل ضد المناطق السُنيّة، قد لا يطول الوقت قبل أن تفقد الأجهزة الأمنية سيطرتها النِّسبية الرّاهنة على الوضع. وحينها، قد يتحقّق تحذير المحلل حوكايم من مخاطر “سقوط لبنان”.
بيروت (رويترز) – إنفجرت سيارة ملغومة في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله اللبناني -الذي يحارب إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية في سوريا- يوم الثلاثاء 9 يوليو، مما أسفر عن إصابة 53 شخصا.
وقال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل للصحفيين، بعد أن زار الجرحى في مستشفى بهمن، إن 53 شخصا أصيبوا في الانفجار ولم يسقط قتلى.
وتزايدت حدّة التوترات في لبنان في أعقاب تدخل مقاتلي حزب الله الشيعي في الحرب في سوريا، دعما للأسد ضد مقاتلي المعارضة الذين يغلب عليهم السُنّة، ويقاتلون منذ نحو عامين للإطاحة به.
وقال علي مقداد، النائب البرلماني عن حزب الله من مكان الانفجار، إن عملاء يحاولون إحداث فِتنة في لبنان هُم المسؤولون عن الهجوم. ووصف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، الذي تفقّد منطقة الانفجار، ما حصل بأنه “عمل إجرامي يهدف إلى خلق فتنة طائفية سُنية شيعية، ولا أحد يقبل بها لا السُنة ولا الشيعة مهْما حصل.”
وتسبّب الصراع في سوريا في حالة من الاستقطاب الحاد داخل لبنان، حيث يؤيد معظم المسلمين السُنة مقاتلي المعارضة، بينما يدعم الشيعة إلى حد كبير الأسد، الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية. وكانت جماعات متشددة من المسلمين السُنة قد هدّدت بتنفيذ هجمات ضد حزب الله في أعقاب تدخّله العسكري في سوريا.
ورأى مراسل لرويترز حريقا كبيرا مشتعِلا في موقع الانفجار، الذي استهدف مرأبا للسيارات تابعا لمركز تجاري في منطقة بير العبد. وتضُم المنطقة أيضا الكثير من مكاتِب حزب الله السياسية. وتصاعد دخان أسود كثيف فوق المباني السكنية المحيطة. واشتعلت النيران في عشرات السيارات في ساحة الانتظار، التي تركت فيها السيارة الملغومة.
وأظهرت لقطات بثها تلفزيون المنار، التابع لحزب الله، وهو الوحيد الذي كان متواجدا في مكان الانفجار بعد منْع معظم الصحفيين من الاقتراب، حفرة غطيت بغطاء أزرق وحولها سيارات مُحطَّمة. ووقف رجال من حزب الله بقبعاتهم الحمراء والصفراء جنبا إلى جنب رجال الجيش اللبناني لمنع الناس من الاقتراب من المكان.
وقال شهود إن مسلحين من حزب الله اعتقلوا رجلين بالقرب من مكان الحادث. وحمل شبّان غاضبون يحملون صور الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وهم يهتفون “الله. نصر الله والضاحية كلها.”
وأطلق جنود الجيش اللبناني النار في الهواء لتفريق الحشود الذين حاولوا التعدّي على وزير الداخلية شربل الذي أحجم من قبل عن شنّ حملة على جماعات سُنية متشدّدة في لبنان.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 يوليو 2013).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.