لماذا خيارات واشنطن محدودة في سوريا؟
مع التطورات المتلاحقة في المشهد السوري بتوالي الانشقاقات والتي كان أحدثها وأبرزها انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب وانضمامه لصفوف ثورة الكرامة، ومع رحيل كوفي أنان وإسدال الستار على خطته السلمية التي لم يكتب لها النجاح، ومع معركة حاسمة تدور رحاها بين قوات النظام والمعارضة السورية المسلحة للسيطرة على مدينة حلب، اكتفت الولايات المتحدة بتقديم اثني عشر مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية، وبمساندة الجهد الدبلوماسي السعودي لتمرير قرار غير ملزم من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فما السبب في محدودية الخيارات الأمريكية في التعامل مع قمع نظام الأسد لانتفاضة الشعب السوري؟ swissinfo.ch توجهت بالسؤال إلى السفير ريتشارد ميرفي، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى والسفير السابق للولايات المتحدة في سوريا في محاولة لتفسير الموقف الأمريكي والعوامل المؤثرة في محدودية الخيارات الأمريكية:
swissinfo.ch: مع احتدام المعركة لحسم السيطرة على مدينة حلب، هل تشكل نتيجة تلك المعركة مزيدا من التحديات أم انفراجا يتيح للولايات المتحدة القيام بدور أكبر في سوريا؟
السفير ريتشارد ميرفي: إذا سقطت حلب في أيدي قوات الأسد، فسيكون ذلك انتكاسة رئيسية للمعارضة السورية، ولكن إذا تمكنت المعارضة من بسط سيطرتها على حلب وأمكن للجيش السوري الحر إقامة منطقة عازلة آمنة فيها، تمتد حتى الحدود التركية في الشمال، فسيكون هذا إيذانا بتدويل الأزمة السورية، غير أنه يتعين ملاحظة حقيقة عدم وجود شهية دولية مفتوحة للمشاركة العلنية في حسم الصراع بين المعارضة السورية المنقسمة على نفسها وبين نظام الأسد عن طريق فرض منطقة آمنة، لأن إقامة تلك المناطق لا يتم بمجرد الإعلان عنها، ولكن إقامتها تقتضي فرضها بالقوة المسلحة وتوفير غطاء جوي لحمايتها، بل وربما وجودا عسكريا على الأرض لتوفير الحماية للمدنيين السوريين الذين يختارون اللجوء إليها ولا يوجد تأييد شعبي أمريكي لمشاركة الولايات المتحدة في هذا التورط العسكري.
ما صحة وجود تخوف أمني يحول دون مساندة واشنطن الصريحة للمعارضة السورية المسلحة يتمثل في ضم المعارضة لإسلاميين من خارج سوريا قد يكون من بينهم عناصر تنتمي إلى تنظيم القاعدة.؟
السفير ريتشارد ميرفي: لقد تنبأت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من البداية إلى حقيقة أنه كلما طال أمد الصراع وتصاعدت حدته كلما زادت المعارضة السورية تطرفا وانقساما وهو ما سمح بانضمام عناصر جهاديه إسلامية من خارج سوريا، بل وهناك احتمالات لانضمام عناصر من تنظيم القاعدة إلى الجهود العسكرية للمعارضة السورية ومع أنها بأعداد ضئيلة فإنها تفوق بكثير ما كانت عليه في البداية وما لم تستطع الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون الدفع باتجاه المفاوضات حول نقل السلطة سلمياً، فإن المستقبل في سوريا لا يبشر بالخير، وقد أخفقت واشنطن حتى الآن في إقناع موسكو بحتمية رحيل الأسد أو حتى تمرير قرارات من مجلس الأمن لإحكام الضغوط الدولية على نظامه.
ما هو الخيار الذي رفضته الولايات المتحدة رغم انه كان يمكن أن يسهم في تسوية أسرع للأزمة السورية؟
ريتشارد ميرفي: عندما دعا الوسيط الدولي والعربي كوفي أنان إلى اجتماع في جنيف قبل أسابيع لمجموعة اتصال حول الأزمة السورية، اقترح إشراك إيران في تلك المجموعة وأعتقد شخصيا أن هذا خيار كان يتعين على الولايات المتحدة السماح بتجربته حتى مع عدم التأكد من رغبة إيران في القيام بدور وسيط لأنه بدون أدنى شك هناك نفوذ ودور لإيران في سوريا حاليا ربما يفوق بكثير دور ونفوذ روسيا.
هل تعتقد أن عجز المخابرات الأمريكية عن جمع معلومات كافية من داخل سوريا أسهم بشكل أو بآخر في محدودية الخيارات الأمريكية؟
ريتشارد ميرفي: بالتأكيد فإن رحيل السفير الأمريكي روبرت فورد وإغلاق السفارة كان له تأثير في قدرة الولايات المتحدة على الاتصال وجمع المعلومات وأنا ممن يساندون بقوة بقاء التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في دول تختلف معها الولايات المتحدة حتى لو ساءت العلاقات معها لأن وجود دبلوماسيين أمريكيين يوفر القدرة على الاستماع لآراء الشعب وجمع المعلومات، ولكن يجب الاعتراف بأنه حتى في ظل وجود السفير فورد وممارسة السفارة لأعمالها في دمشق، فإنه كان هناك غياب دبلوماسي أمريكي على الساحة السورية لمدة زادت عن خمسة أعوام وحتى عندما فتحت السفارة لم تكن مكتملة العدد من الدبلوماسيين والمكاتب التابعة لها كذلك كانت هناك فجوة في المعلومات والتعرف على فئات المعارضة السورية وساعد على تلك الفجوة ترويج النظام السوري لسنوات طويلة لفكرة أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الحميمة تؤجج الرغبة الأمريكية في استبدال النظام السوري بنظام أكثر تعاونا مع الولايات المتحدة وأقل تصادما مع إسرائيل حول عملية السلام.
كيف تقيم إصرار إدارة أوباما من البداية على استبعاد الخيار العسكري من خيارات الولايات المتحدة في سوريا؟
ريتشار ميرفي: أعتقد أن إدارة أوباما حالفها الصواب في ذلك القرار لأن المعارضة السورية منقسمة على نفسها ولها تاريخ طويل في عدم التوحد. كما أنه لا توجد مساندة شعبية أمريكية للتورط في التدخل العسكري في سوريا، غير أن الولايات المتحدة لم تتوقف عن تزويد دول أخرى في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية وقطر بالمعلومات والإرشادات عن التوجهات السياسية لجماعات المعارضة السورية التي يمكن لهاتين الدولتين أن تزودها بالأسلحة انطلاقا من حقيقة أن احد لا يريد أن يجد نفسه في نهاية المطاف يقدم الأسلحة إلى جماعات متطرفة لها صلات مثلا بتنظيم القاعدة.
هل كان لانتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم دور في التأثير على الخيارات الأمريكية في سوري؟
ريتشارد ميرفي: بكل تأكيد فإن ما أدى إلى استبعاد أي خيار عسكري أمريكي في سوريا بشكل منفرد بعيدا عن الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن هو أن الشعب الأمريكي لم يحبذ مطلقا الدور العسكري الأمريكي في العراق، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى نجاح التورط العسكري الأمريكي في أفغانستان، وبالتالي فليست هناك شهية لدى الرأي العام الأمريكي في مساندة أي قرار لإدارة أوباما بالتورط في وضع بالغ التعقيد سياسيا وعسكريا في سوريا، وبالتالي فلم يكن بوسع أوباما التضحية بفرصة إعادة انتخابه باتخاذ قرار بالخيار العسكري.
سويس إنفو: وهل أخذت إدارة أوباما في اعتبارها أيضا أثار الأزمة السورية على إسرائيل وهي تختار ما بين الخيارات الممكنة؟
ريتشارد ميرفي: بالتأكيد لأن تفكك الدولة السورية لن يكون في صالح أي طرف بما في ذلك إسرائيل، فعلى الرغم من أن إسرائيل تعاملت مع سوريا على مدى عشرات السنين باعتبارها عدوا خطيرا فإن الحدود السورية مع إسرائيل كانت على الدوام هي الأهدأ والأكثر أمنا، واعتادت إسرائيل على التعامل مع نظام الأسد الأب ثم الأسد الابن دون أي مخاطر حقيقية. ولكن الولايات المتحدة ترى أنه إذا تحولت سوريا بسبب الأزمة الحالية إلى أرض خصبة للحقد الطائفي والرغبة في الانتقام بين مكونات المجتمع السوري، سيتزعزع الاستقرار ليس في سوريا وحدها ولكن في المنطقة بأسرها، وهو موقف لا تسانده إسرائيل رغم عدائها لسوريا.
ولكن هناك من يرون أن مساندة واشنطن ولو بشكل محدود للمعارضة السورية يهدف في نهاية المطاف إلى التخلص من ائتلاف ثلاثي معاد لإسرائيل يجمع النظام السوري وإيران وحزب الله؟
ريتشارد ميرفي: نعم وأنا أتحدث هنا بصفتي الشخصية لأننا أجد في الترويج لذلك الهدف في حملة المرشح الجمهوري ميت رومني تأكيدا للشكوك القائلة بأن اهتمام الولايات المتحدة بالمعارضة السورية يستهدف النيل من إيران وليس مساعدة الشعب السوري على تحقيق طموحاته، وعلى الولايات المتحدة أن تدرك أنه كان من الأفضل تشجيع إيران على القيام بدور مساعد في صنع السلام وإنهاء الأزمة السورية عن طريق التفاوض، ولكن للأسف لم يكن هناك اهتمام في واشنطن بالسماح لاختبار ذلك الخيار.
كيف أثرت مواقف الدول المجاروة لسوريا على خيارات واشنطن في التعامل مع الأزمة السورية؟
ريتشارد ميرفي: وضعت الولايات المتحدة آمالا كبيرة على تركيا في أن تطرح بعض الحلول والمبادرات لتهدئة الوضع الداخلي في سوريا، ولكن ذلك لم يحدث فعلى الرغم من أن أردوغان لم يخف استياءه من الأسد ودعاه إلى التنحي إلا أنه لم تبدر أي بادرة من تركيا على استعدادها للقيام بدور صريح في صناعة السلام داخل سوريا.
أما اللبنانيون، فانتابهم الشعور بقلق بالغ من أن تستدرج بلادهم إلى حرب أهلية تمزق أوصالها من جديد، وإلى الجنوب فتح الأردن حدوده لعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، ولكنه يخشى خروجا سوريا بأعداد هائلة من اللاجئين خاصة إذا كانوا من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا باعتبار أن ذلك سيكون من عوامل تقويض الاستقرار في الأردن. أما الدول الأبعد مثل المملكة العربية السعودية وقطر فقد اختارتا مسار تزويد الثوار السوريين بالأسلحة والمعدات العسكرية أملا في تقليص الدور الإيراني في المنطقة.
إذا ما طلب إليك التوصية بتغيير في الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، ما الذي يمكن أن توصي به؟
ريتشارد ميرفي: سأجد نفسي أواجه معضلة حقيقية، لأنه بعد خدمتي في سوريا لمدة زادت على ستة أعوام وتعاملاتي الوثيقة مع السوريين أشعر بالحزن والأسى لما يبدو أنه سيكون مستقبلا غير مشرق لسوريا. ولذلك لا أجد ما أقترحه سوى أنه يتعين على مجلس الأمن بعد رحيل كوفي أنان أن يتوصل إلى توافق حول برامج لمساعدة الشعب السوري وخطة لنقل سلمي للسلطة إلى حكومة تعكس أوسع تمثيل لمختلف طوائف الشعب السوري لكي يمكن الحفاظ على وحدة سوريا.
فإذا لم يحدث ذلك، فالسيناريو الآخر يقضي بأن تقود الولايات المتحدة تحالفا للدول الراغبة والقادرة على التعامل مع الوضع السوري خارج نطاق مجلس الأمن، ولكن ليس هناك حاليا قبول شعبي أو استعداد داخل إدارة أوباما لانتهاج ذلك السبيل.
قال مسؤول رفيع في حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الأربعاء 8 أغسطس إنه ليس مستبعدا في نهاية الأمر فرض منطقة طيران محظور فوق جزء من سوريا يبدو على نحو متزايد انه تحت سيطرة المعارضة المناهضة لحكومة بشار الأسد.
وكان بعض المنتقدين الجمهوريين لأسلوب أوباما في معالجة الأزمة السورية قد طالبوا بتفويض دولي لفرض منطقة حظر الطيران لمنع الطائرات الحربية السورية من القيام بعمليات فوق مناطق معينة وكذلك بتسليح مباشر بدرجة أكبر لقوات المعارضة التي تسعى للإطاحة بالرئيس الأسد.
وترفض الولايات المتحدة حتى الآن تقديم أسلحة بشكل مباشر إلى المعارضة المتشرذمة ويقول مسؤولون أمريكيون انه من الصعب تحديد هوية الفئات ومن تمثله. وركزت واشنطن بدلا من ذلك على المعونات الإنسانية ومعدات الاتصالات وغيرها من أشكال المساندة غير المميتة.
وقال جون برينان كبير مستشاري أوباما لمكافحة الإرهاب: “تدرس الولايات المتحدة دوما المواقف لتتبين نوع السيناريوهات التي قد تتكشف عنها وبناء عليه تدرس بعد ذلك نوع خطط الطوارئ التي قد تكون متاحة لمعالجة ظروف معينة”.
وأضاف قوله ان هناك خيارات مختلفة يجري الحديث عنها في وسائل الإعلام ويلقى بعضها تأييدا. وقال “ان هذه أمور تدرسها الحكومة الأمريكية بعناية شديدة محاولة تفهم انعكاساتها ومحاولة تفهم المحاسن والمساوئ”.
وسئل برينان خلال جلسة في مجلس العلاقات الخارجية بشكل محدد أكثر عن منطقة الطيران المحظور فرد بقوله: “لا أذكر أن الرئيس قال إن شيئا ما مستبعد”.
جاءت تصريحات برينان مع قيام حكومة اوباما بزيادة مساندتها للمعارضين السوريين، وتسريعها للتخطيط لما بعد الأسد في سوريا.
ومن المقرر ان تجري وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون محادثات عن سوريا في تركيا يوم السبت. وكانت قد قالت يوم الثلاثاء ان الانباء تفيد ان المعارضين يسيطرون على اراض من حلب الشمالية أكبر مدن سوريا حتى الحدود مع تركيا.
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تتوخى الحذر من أن تتورط في صراع عسكري آخر وهي تسعى إلى أن تنفض يديها من الحروب في العراق وأفغانستان.
وقال برينان دونما إسهاب: “لقد فعلنا عدة أشياء لمساندة المعارضة. والكثير من المساعدات الإنسانية يجري هناك. وما نريد فعله هو أن نتأكد من أننا نفهم على وجه الدقة من الذين سيتلقون اي نوع من المساعدات”.
وأضاف برينان قوله انه مع أن القاعدة ستسعى إلى استغلال الوضع في سوريا “فإنه عند النظر إلى المعارضة السورية ككل نجد أن الغالبية العظمى منها ليست على غرار القاعدة. إنهم سوريون يحاولون حقا السيطرة على حياتهم ومستقبلهم”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.