“لو تبقى ســوريّ واحد على قيد الحياة فلن يتخلى عن إرادة التغيير”
تعتبر الفنانة السورية فدوى سليمان أنه يجب على الفنان "أن لا يقف متفرجا أمام مطالب الشعب السوري في إقامة نظام ديمقراطي، بعيد عن أصابع الأمن والرقابة".
هذه السيدة العلوية التي خرجت للشارع منذ الساعات الأولى وكسرت نمطية الحرب الطائفية، ترى اليوم أن النظام “هو المسؤول الأول عن تسليح الثورة التي بدأت سلمية”. وبعد ما آلت إليه المواجهات من دمار وقتل، تؤكد الآن أن “على الجميع العودة للحوار، لأن لا أحد بإمكانه الخروج منتصرا” من الصراع الدائر.
هذه الأيام، تشارك الفنانة السورية فدوى سليمان في الدورة الحادية عشرة لمهرجان أفلام حقوق الإنسان التي تدور فعالياتها في جنيف ما بين 1 و 10 مارس 2013. وقد خصصت التظاهرة جلسة نقاش حول الأوضاع في سوريا، وبثت عددا من الأشرطة الوثائقية حول تطورات الإحتجاجات التي تطورت إلى مواجهات مسلحة أسفرت عن سقوط أكثر من 70 ألف قتيل وتشريد أزيد من مليون شخص. swissinfo.ch التقت الفنانة السورية المنشقة على هامش أشغال المهرجان وأجرت معها الحوار التالي.
swissinfo.ch: أنت من الفنانين القلائل الذين التحقوا بثورة الشعب السوري في بدايتها السلمية، بل شاركت في المظاهرات الشعبية. ما الذي دفعك لذلك؟
فدوى سليمان: الفنان شخص حر بطبعه، ويفهم الحرية، ويفهم العدالة، ويفهم الكرامة. وإذا لم يكن قادرا على فهم ذلك فليس بإمكانه أن يكون فنانا، لأنه في حاجة إلى الحرية حتى يستطيع الإبداع والتعبير عن ذلك.
وبمعزل عن كوني فنانة، فأنا إنسانة، وبنت سوريا، وسوريا بلدي وتعنيني. وأنا جزء منها وهي جزء مني. ولا يمكنني أن أقف متفرجة أمام مطالب محقة لشعبي، وليست مطالب فئة على حساب فئة أخرى بل مطالب تؤثر على الجميع.
والذي دفعني لأشارك في هذه الثورة هي الثورة التي أعيشها في داخلي، واللتان تلتقيان في كوننا نرغب في إقامة نظام ديمقراطي، ومؤسسات بعيدة عن أصابع الأمن والرقابة، ومن أجل توزيع الثروات بشكل عادل، وخلق فرص عمل للجميع بشكل متساو.
وما دفعني أيضا هو لجوء النظام منذ البداية إلى مواجهة المتظاهرين السلميين بالرصاص. وهذا ما تركني أشعر بأن هناك شيئا عميقا وغير جيد من الممكن أن يحدث في سوريا. ولذلك يجب البحث عن كيفية حماية بلدنا وحماية أنفسنا وبعضنا البعض، لتحقق الديمقراطية بدون الدخول في حرب.
كنت من أوائل الذين خرجوا في هذه المظاهرات السلمية، لكن النظام صورها على أنها كانت من صنع عصابات مسلحة ومدفوعة من الخارج. كيف تحكمين على بداية عمليات الإحتجاج في المدن السورية؟
فدوى سليمان: للأسف أن النظام أطلق من اللحظة الأولى أنها عصابات مسلحة وأنهم سلفيين. لكن المنطق ليس بإمكانه قبول أن تكون هناك عصابات مسلحة أو سلفيين في نظام ديكتاتوري وبلد عسكري ويُحكم بقوة العسكر والأمن. كنا نقول لمن يردد ذلك بالعبارة العامية “روح العب غيرها”.
لكن النظام أطلق ذلك لكي تتحقق له هذه النبوءة، ولكي يتحجج بها فيما بعد أمام العالم، وللقول بأنه ليست هناك ثورة حقيقية، في وقت كان فيه الشعب السوري في حاجة الى ثورة حقيقية منذ مدة، سواء لرفع حالة الطوارئ، ولإلغاء المادة الدستورية التي تمنع تعدد الأحزاب، ومشاركة الناس بالحياة السياسية، لأن الشعب السوري ظل مهمشا.
فالنظام أطلق هذه الأكاذيب لكي يقضي على الثورة الحقيقية، وللأسف أن العالم صدقه. فقد ردد بأن هناك سلفيين وإرهابيين في الوقت الذي كان فيه الديمقراطيون يستغيثون ويصرخون في الشوارع، وفي الوقت الذي كنا فيه نحمل أغصان الزيتون ونردد شعارات واضحة لم يكترث لها العالم، وصدق ما يقوله النظام.
فنانة سورية من مواليد 17 مايو 1970 بمدينة حلب.
تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق وتابعت دورة إخراج مسرحي في فرنسا.
من المسرحيات التي قامت فيها بأدوار:
سفر برلك- بدون تعليق- احتمالات- العنزة العنوزية- بيت الدمى- ميديا- صوت ماريا.
من أعمالها الاذاعية:
شخصيات روائية- مجلة التراث- بانوراما القرن- هن في عيون الأدب- حزورة رمضان- الفاكهة تقول.
من أعمالها التلفزيونية:
الشقيقات- يوميات أبو عنتر- آخر أوراق العيد- هوى بحري- طيبون جدا- الطويجي- الحصاد- صرخة في ليل طويل- أنشودة المطر- أسماء صغيرات- ريح النار.
ساهمت في العمل السينمائي: “نسيم الروح”، كما شاركت في العديد من أعمال الدبلجة.
تميزت بخروجها في المظاهرات الشعبية السلمية المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد في بداية الثورة السورية، إلا أنها اضطرت تحت ضغط التهديدات للخروج من بلادها والإستقرار في فرنسا.
فدوى سليمان، من الأصوات السورية التي لا زالت حريصة على المطالبة بضرورة الحفاظ على سلمية الثورة.
من وجهة نظرك، من المسؤول عن تسليح الثورة؟
فدوى سليمان: أكيد أن النظام هو المسؤول بالدرجة الأولى، خصوصا عندما يواجه شعبه بالرصاص، لأنه نظام خائن لإرادة شعبه، ومرتبط بحماية مصالح الدول العظمى على حساب مصالح الشعب.
وقد وجد النظام جهات وقوى دولية وأحزاب وتيارات لها مصلحة في تحقيق هذه النبوءات. وكل هذه القوى الظلامية من المؤكد أنها تحالفت لإسقاط المطالب الديمقراطية للثورة السلمية.
رغم ما يحدث من دمار وقتل، هل لا زال الشعب السوري مؤمنا بضرورة التغيير؟
فدوى سليمان: طبعا لا زال مؤمنا ومؤمنا ومؤمنا جدا، رغم كل هذا القصف و التدمير الذي يستهدف سوريا دولة وشعبا ومؤسسات. وما يندهش له المرء، ويُفاجئ الجميع هو أن المتظاهرين السلميين لا زالوا يواجهون كل هذه الأطراف مجتمعة، المسلحين، والنظام والقوى الإسلامية التي انتشرت في البلاد. الشعب السوري شعب يستحق الحياة وللأسف هناك من يرغب في قتل هذه الإرادة عند السوريين، لكن لو يتبقى سوري واحد على قيد الحياة، فسوف لن يتخلى عن إرادة التغيير.
الأزمة السورية من الأزمات الكبرى التي عجزت المجموعة الدولية، بحكم التجاذب بين القوى العظمى عن إيجاد حل سياسي لها، بل يرى البعض أنها عجزت حتى في تقديم الدعم الانساني بشكل معقول.. ما رأيك؟
فدوى سليمان: طبعا هناك صمت دولي مخجل ومعيب ولا إنساني. وقد بدأنا نشعر منذ الأشهر الست الأولى للثورة السورية بأن المجتمع الدولي مجتمع متخاذل، ويريد بالنهاية ما يحدث في سوريا.
المجتمع الدولي سقط في نظر السوريين بطريقة مفجعة. وانكشف بأن هذا المجتمع الدولي لا يريد ديموقراطية سلمية لأنه إذا تحققت ديمقراطية سلمية في سوريا سوف يؤدي ذلك الى تغيير بالمنطقة العربية بأكملها، وهذا لا يخدم مصالح الغرب. وقد انكشف أن الغرب يرغب في تحقيق الديمقراطية لنفسه فقط، ولا يريد دعمها عند الآخرين. أما الأمم المتحدة التي إنتظرنا منها الكثير فيمكن القول أنها أمم متنازعة ومتصارعة وليست أمما متحدة.
وبالنسبة لحقوق الإنسان ما هي في النهاية إلا مؤسسة قائمة ولكن لا يعنيها الإنسان، لأنه لو كان يعنيها الإنسان لكان من اللازم أن تسارع من اللحظة الأولى لمنع العنف، لأنها تعرف جيدا بأن العنف سيولد العنف المضاد. مؤسسات حقوق الإنسان كان من اللازم أن تقف الى جانب الحياة في مواجهة الموت، لا أن تقف الى جانب المصالح والثروات والبترول والغاز. لأن هذه الأمم ستواصل التنازع حول هذه الثروات وعلى حساب الإنسان.، في وقت يمكن فيه تعزيز المبادلات بدون قتل او دمار. يجب على الأمم أن تتخلى عن معادلة الحروب للخروج من أزماتها. هناك حديث كثير عن منع انتشار الأسلحة ولكن نرى انتشاره في الساحة. هناك حديث كثير عن السلام، ولا نرى غير الخراب يعم. هذا كله يقود الشعوب الى الشعور بالخذلان وعدم الثقة في المستقبل. لقد سقطت كل الأقنعة وأصبحت الكلمات عبارة عن كلمات فارغة… وما يصدم أكثر هو أن نصل الى قناعة أننا في شريعة الغاب، وأن الديمقراطية كذبة، والحرية كذبة، والعدالة كذبة، والكل أكاذيب تُمرر على الشعوب الحية والرافضة لكل أشكال التبعية، والتي يُمارس عليها القتل والموت باسم الحرية والعدالة وباسم مكافحة الإرهاب.
موضوع الطائفية كثيرا ما تم التلويح به في هذه الأزمة السورية. أنت من الأصوات القليلة التابعة للطائفة العلوية التي تجرأت على تقديم برهان على أن موضوع المطالبة بالتغيير أمر لا يتوقف عند الحدود الطائفية. هل هناك أصوات أخرى تثبت بأن الموضوع مواجهة مع نظام وليس مواجهة بين طوائف؟
فدوى سليمان: لقد خرج الشعب السوري منذ اللحظة الأولى الى الشوارع مرددا “نحن شعب سوري واحد ونحن ضد النظام وليس ضد الطائفة”. لكن الإعلام الغربي والعربي أصر من اللحظة الأولى على أن يظهر بأن ثورة الشعب السوري هي ثورة طائفية. والمعروف أن الأنظمة الديكتاتورية في العالم تلعب على كل الأوراق، وكذلك الأحزاب الدينية تلعب على كل الأوراق. ولذلك كان من السهل دفع الشعب في اتجاه حرب طائفية. لكن رغم كل ذلك لا زال الشعب السوري الى هذه اللحظة يقاوم ويرفض الدخول في حرب طائفية.
ولست أنا وحدي العلوية المعارضة للنظام بل هناك المئات والآلاف من العلويين المناهضين للنظام. وحتى البعض ممن لا زالوا في مؤسسات الدولة حتى اليوم ، هم يخدمون الثورة سرا، وأعني الثورة السلمية والثورة الديمقراطية الراغبة في بناء دولة الدستور والقانون، وليس الدولة التي تخدم العقلية الإسلامية. فالإسلام مُحترم كدين، ويحق لكل انسان أن يختار عقيدته ،والانتماء الى طائفته، لكن يجب ان تكون هناك دولة تحكم الجميع بموجب دستور وقوانين يتوافق عليها الكل.
ولست الفنانة الوحيدة بل هناك العديد من الفنانين الذين ساندوا الثورة إما جهرا او سرا. ويكفي أن أذكر فارس حلو، ومي سكاف، وجلال الطويل. وهناك الكثير من أعضاء المؤسسة الفنية الذين يساندون الثورة بدون الجهر بذلك لأننا في مواجهة نظام قمعي.
هل على الرغم من الدمار والقتل الذي وصلت إليه الأوضاع في سوريا، لا زلت تؤمنين برؤية سوريا الديمقراطية التعددية التي قامت من أجلها الثورة السلمية في البداية؟
فدوى سليمان: أنت محق في طرح هذا السؤال لأنه السؤال الذي نطرحه على أنفسنا كل يوم.
ففي مصر تم إسقاط نظام مبارك. وتلاه ركوب القوى الإسلامية على موجة الثورة لسرقة ثورة الشعب المصري الديمقراطي. لكننا نعيش اليوم ثورة مضادة . وهو ما تعيشه تونس أيضا. لأن الشعب لم يخرج من أجل الديمقراطية لكي تحكمه أحزاب دينية لن تكون إلا قمعية او ديكتاتورية.
أما في سوريا فقد انطلقت الثورة والثورة المضادة في نفس الوقت، وهذا ما زاد في تعقيد واقع الثورة السورية. إذ كانت هناك انطلاقة ثورة ضد النظام، ووصول إسلاميين، ومقاومة نفوذ الإسلاميين ومنع الانحراف. فالسوريون يقومون بثورة على اربعة او خمسة محاور في نفس الوقت.
لكن هذا الشعب لا بد أن ينجح في ثورته على الرغم من هذا التحطيم في هذه الحرب التي اعتبرها حربا عالمية لقوى عظمى على الأرض السورية لقهر إرادة السوريين في تحقيق دولتهم الديمقراطية.
أخيرا، هل لديك نداء تودين توجيهه إلى الشعب السوري من جنيف؟
فدوى سليمان: الشعب السوري الذي سلبه العالم من إرادة تقرير مصيره بنفسه، والذي تم تحديد مجالس، وطُلب تشكيل حكومات في الخارج لتمثيله. هذا الشعب الذي تتناثر أشلاء ابنائه تحت آلة القصف والتدمير، سيسجل له التاريخ في يوم الأيام أن ما حدث في حقه هو بمثابة أكبر جريمة وعار تُرتكب في حق الإنسانية. لقد حاول الشعب السوري القيام بثورة إنسانية، وأن يقاوم تحت ضربات صواريخ سكود، وفي لامبالاة تامة من المجموعة الدولية، لكن العالم أصر على أنها حرب أهلية وطائفية وسلفية.
لذلك ندائي لهذا الشعب، أن يعود على الرغم من كل شيء، الى الداخل وأن يشكل حكومة تمثله وان يحدد مطالبه بوضوح. وللوصول الى ذلك، على الجميع أن يلقي بسلاحه جانبا وان يدخل في حوار. وهذه هي المرة الأولى التي أقف فيها الى جانب المطالبين بالحوار، حقنا للدم السوري ، لأن لا أحد بإمكانه الخروج منتصرا من المواجهة المسلحة، وحتى ولو خرج منتصرا بالشكل، فإنه مخذول وخاسر في المضمون.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.