مؤشِّرات توسّع صراع مذهبي يُهدِّد مستقبل اليمن
فيما تتواصل أشغال مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء، تتزايد وتيرة الخلافات الطائفية المذهبية في مناطق متفرقة من البلاد بين عدد من الأطراف المشاركة فيه مما يُنذر بأيام عصيبة.
بالتّوازي مع جلسات مؤتمر الحوار الوطني، المُتواصلة في منتجع “موفمبيك” في العاصمة صنعاء، والذي تدور فيه نِقاشات حول مُعالجة القضايا المِحورية، التي تُعدّ أهَم المشاكل التي يُعاني منها اليمن مثل القضية الجنوبية وقضية صعدة والعدالة الإنتقالية وشكل الدولة وما شابه ذلك، تتزايد وتيرة الخلافات الطائفية المذهبية في البلاد، بين أطراف تمثلها جماعات مُشاركة في الحوار الوطني.
وفي الآونة الأخيرة، تعددت المؤشِّرات المُعبِّرة على حدّة الصراعات بين جماعات الإسلام السياسي واحتِقان المشهد السياسي أمام هيْمنة خلافاتها الطائِفية والمذهبية، لاسيما بين السلفية الوهّابية ومؤيِّديها داخل حزب التجمّع اليمني للإصلاح والمُوالين لهم من جهة، وبين الشيعة مُمثَّـلين بجماعة الحوثيين والمُناصرين لهم من جهة أخرى.
طالب محتجون من مناصري المتمرّدين الحوثيين الشيعة يوم الخميس 13 يونيو 2013، بتفكيك جهاز الأمن القومي، وذلك أثناء تشييع 13 شخصا قُـتلوا في مواجهات مع قوات الأمن أمام مبنى هذا الجهاز في صنعاء. وهتف الآلاف من المُشيِّعين “الشعب يريد إسقاط الأمن القومي” و”الأمن القومي عميل الأمريكان”. وكان هؤلاء يُشيِّعون 13 شخصا من الحوثيين قتلوا في مواجهات مع قوات الأمن امام مبنى الامن القومي في صنعاء يوم الأحد 9 يونيو.
وحوّل الحوثيون الذين معقلهم في شمال غرب البلاد، التّشييع إلى تظاهرة حشدوا لها حوالي عشرة آلاف شخص. وسار المشيعون من جامعة صنعاء إلى الجامع الكبير في وسط صنعاء، وهو مركز المذهب الزيدي الذي ينتمي إليه الحوثيون. وسبق التشييع إلقاء كلمات من قِبل عدد من رموز الحوثيين في صنعاء، أبرزهم مرتضى زيد المحطوري.
وقال المحطوري في خطابه “إن الجهاد بعد مقتل هؤلاء الثوار السلميين، بات فرض عين على كل قادر لمواجهة هؤلاء القتلة”. واتهم حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو أبرز حزب إسلامي سُني مقرّب من الإخوان المسلمين ومشارك في الحكومة، بالتواطُؤ مع الأمن القومي في قتل أنصار الله. وقال “لابد من الإقتصاص لدماء وأرواح هؤلاء الشهداء”. وكان الحوثيون شاركوا إلى جانب حزب التجمع اليمني للإصلاح وآخرين في الانتفاضة ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ويأتي ذلك فيما يتصاعَد التوتّر المذهبي في اليمن، المعروف بالوئام التاريخي بين مكوناته الإسلامية. وينتمي الحوثيون إلى المذهب الزيدي الشيعي، الذي يشكل أتباعه أقلية كبيرة في اليمن وأغلبية في الشمال. وفيما يعتبر الزيديون من أقرب المذاهب الشيعية إلى السُنة، إلا أنه يعتقد أن الحوثيين بالتحديد اقتربوا أكثر في السنوات الأخيرة من المذهب الاثني عشري.
وخاض الحوثيون الذي يطلقون على نفسهم اسم “أنصار الله”، ست حروب مع نظام الرئيس علي عبد الله صالح اعتبارا من عام 2004. وفي الأساس، يطلق على هذه المجموعة اسم “الحوثيين”، نسبة إلى زعيمهم التاريخي الراحل بدر الدين الحوثي. ويقود الحركة حاليا نجله عبد الملك الحوثي.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 13 يونيو 2013)
تزايُـد الحضور الحوثي
فعلى الرغم من مشاركة تلك الجماعات في مؤتمر الحوار، الذي يُعوَّل عليه بأن يُسفر عن دولة وطنية تستوعب الجميع وتكفل حقوق تلك الجماعات (وِفق ما هو مُقرَّر في المبادرة الخليجية وأهداف مؤتمر الحوار الوطني، المُتمخِّض بدوره عن تلك المبادرة) لوحظ مؤخراً، احتداد وتيرة الخلافات على أساس فرز مذهبي، خاصة بعد الظهور القوي لجماعة الحوثيين في الخامس من شهر يونيو 2013، عندما أعادوا دفن رُفاة قائدهم حسين بدر الدين الحوثي، بعد مرور ستة أعوام على مقتله في الحرب بينهم وبين القوات الحكومية، وتحوّلت مناسبة مُواراة رُفاة قائد الجماعة، إلى فرصة لاستعراض قوّتهم وتنظيمهم الفائق، الذي حشد له مئات الآلاف من أرجاء اليمن.
كما أعادت تلك الجماعة فرْض حضورها بالمُظاهرة التي نظَّمها لأنصارها في التاسع من يونيو 2013 أمام مبني جهاز الأمن القومي في العاصمة صنعاء، للمطالبة بالإفراج عن مُعتقَلين من أنصارهم وتصدّت لها قوى الأمن وأسفرت المواجهات عن سقوط العشرات من أعضاء الجماعة بين قتيل وجريح.
المؤشِّر الآخر على تزايُد تأثير الحضور الحوثي، دعوة أحد مرجِعياتهم الزِّيدية المرتضى المحطوري إلى “الجهاد ضد الدولة”، وهو ما أثار ردود فعل واسعة.
أسلحة مُهرّبة
في الإتجاه الآخر، واصل السلفيون فرض تواجُدهم المذهبي والسياسي ومنذ أن أعلنت جماعة من السلفيين الوهابيين، لأول مرة في مارس 2012، عن إنشاء حِزب سياسي باسم “اتحاد الرّشاد”، واضعين حدّاً لتحريمهم الإنخِراط في العمل السياسي، زاد انتِشارهم في العديد من المناطق اليمنية، فيما كثّف السلفيون التقليديون المُتمَركِزون في منطقة دماج، الواقعة في محافظة صعدة، المعقل التاريخي للزِّيدية، من توافدهم إلى تلك المنطقة، التي كانت مسرحاً لمواجهات متقطّعة بينهم وبين الحوثيين، نتج عنها سقوط العشرات بين قتيل وجريح من الجانبين، وقد تزايد توافدهم بشكلٍ لافت، بعيدا عن التظاهرة الضخمة التي نظمها الحوثيون لدفن مُرشِدهم الدِّيني.
بالمقابل، تزايد تدفق السلاح المهرّب إلى اليمن من كل من إيران وتركيا، ويبدو أن جلّه يذهب – حسب ما تتناقله وسائل الإعلام – إلى تلك الجماعات الدّينية أو إلى قِوى عشائرية وقبَلية مُوالية لهما.
بعض التقارير تشير أيضا إلى أن معسكرات الجيش المُنقسمة بين النظام والمحسوبين على الثورة، سُرّب كثير من أسلحتها من قِبل علي عبدالله صالح والموالين له، لصالح الحوثيين الذين خاض معهم ستّة حروب مُتتالية. فيما تفيد تقارير إعلامية أخرى أن المُوالين للقائد العسكري علي محسن الأحمر من السلفيين وحزب الإصلاح والقبائل، استفادوا بدورهم من كميات الأسلحة المفقودة والمُسرّبة من المعسكرات التي كانت تخضَع له.
صراع طائفي واستقطاب مذهبي
في سياق متصل، تؤكد المعارك المُحتدمة بين تلك الجماعات على صدر صفحات الصحف وفي المنابر الإعلامية، واستحضارها لكل خلافات وصراعات الماضي، السُنية – الشيعية، مدى المخاوف والتربّصات المتبادَلة بين هذه الجماعات الدِّينية، المسنودة بعصبيات قبلية وعشائرية مُنقسِمة بين الطرفيْن، وبدلاً من تلطيف الخطاب بينها، تأكيداً للتعايش في ظل الدولة الوطنية التي يُفترض أن تكون أهم مخرجات المُتحاورين، اتّسعت حدّة الخلافات والإستقطابات المذهبية وعاد الحديث عن تحضير مراكِز القِوى لحرب قادِمة، لكنها بغَطاء دِيني سُنّي – شيعي هذه المرة.
المشهد اليمني في حالته الرّاهنة، الذي تطغى عليه حُمّى الصِّراع الطائفي ونوازع الإستقطاب المذهبي، وجمع السلاح وتكديسه والتوجُّس المتبادَل بين الفرقاء، يبدو أقرب ما يكون إلى ساحة حربٍ سياسيةٍ من مجرّد خلافات بين برامج عمل وأيديولوجيات.
في الأثناء، يذهب مُراقبون إلى أن اليمن، الذي لم يعرف كانتونات طائفية معزولة عن بعضها على مدار التاريخ الحديث، يُعاني اليوم من تداعِيات الصِّراع الطائفي القائم في المِنطقة، بل يتّجه – حسب البعض – إلى خلْق كِيانات معزولة عن بعضها، متأثِّـراً بالحرب في سوريا، وبرغبة أطراف إقليمية بنقْل صراعها إلى كلّ أرجاء المِنطقة، تلتقي مع رهانات لاعبين وطنيين على الورقة الطائفية، التي قد تنسِف نهائيا جهود بناء الدولة الوطنية.
خِلافات جوهرية وعميقة
الملفت في الحالة اليمنية هو أنه بالرغم من أن الأطراف المُشاركة في الحوار الوطني متنوِّعة ومتعدِّدة وتُجمع على بناءِ الدولة الغائبة واستعادة استقرار الأوضاع المضطربة، وتلتقي في ذلك مع أحزاب وتنظيمات حقوقية ومدنية، ومع أن الحِوار يتأسّس على فرَضِيّة الخروج ببِناء الدولة الوطنية والديمقراطية والعدالة والمساواة، لكنه في الحقيقة، يبقى تحت رحمة القِوى التقليدية، وعلى وجه الخصوص، الجماعات الدِّينية المُتصارِعة مذهبِياً.
بعض المحلِّلين يذهبون إلى أن انتعاش هذا الصنف من الإتِّجاهات، مسألة طبيعية، لأن تلك الجماعات تندفع – كلَّما اقتربَت من المواجهة الحتْمِية لنتائج الحوار الوطني التي ستكون في غير صالح مشروعها – للبحث عن معاقِل تحْتَمِي بها، لأنها تُدرِك أنها ستُصنّف – في صورة عدَم تفاعُلها الإيجابي مع مُخرجاته – من قِبل الدول الرّاعية للمبادرة الخليجية، بالرافضة لما سيترتب عنه، ولذلك تسعى إلى تعزيز جبهتها الدِّينية والمذهبية والاجتماعية، وفرض حضورها العصبوي العسكري، كأمر واقع يتغذّى من الصِّراعات التاريخية الحافلة بالمآسي وبالذكريات المريرة .
على العكس من ذلك، هناك مَن يرى أن الخلافات بين القوى المتصدِّرة للمشهد السياسي في اليمن، ليست بذلك التبسيط، بل هي خِلافات جوهرية وعميقة حول استِحقاقات تراها حتمية وجديرة بها، ولذلك، فإن اختَلَفت تلك الجماعات في مُسمياتِها (سلفية، شيعية، سُنة، لامذهبية)، فإنها تتأسّس على عوامل اجتماعية – ثقافية، وبالتالي، فإن الدولة من منظور مِثل هذه الجماعات المتنافِسة، ليست إلا استِحقاقا لها دون غيرها، وأن على الجماعات الأخرى أن تدخل في طاعتها، ولذلك، فهي تُراهِن على توظيف كل الرّموز الثقافية والسوسيولوجية والدينية والمذهبية، بل تقدم نفسها كمُدافِع عن تلك الرموز وحاملة لمشروع طائفي، يهدِّد مستقبل الدولة، المُنتظر خروجها من أروقة الحوار الوطني.
الخلاصة، أن الخِطاب الطائفي ينتعِش كلَّما ضعفت الدولة، ويتزايد كلّما نُقِل الصِّراع إلى مؤسساتها، كما هو واقع الحال في اليمن اليوم، ويبدو أن لا خيار أمام اليمنيين – حسب عدد من المراقبين والمحللين – سوى استعادة الدولة من أيْدي الأطراف المُتصارِعة فيها وعليها، أو السقوط – لا سمح الله – في مُستنْقَع الصِّراع الطائفي المذهبي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.